اسمع وأطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم، وبعد:

في ظل ما نعيشه في زماننا هذا صنوفاً من الفتن والأحداث التي يخاف على نفسه أيُّ مسلم تقي صادق مع ربه؛ لَيحزن عندما يجد إخواناً له ومن بني جلدته قد وقعوا فيها، وليْت الأمر يقف عند حد ذلك الأخ المفتون؛ بل وصل به المقام إلى أن سعى في ترويج الفتنة وإشعالها للأسف! ولو صدق مع نفسه فحّكم عقله الذي وهبه الله عز وجل وأمعن النظر وتدبر وتفكر في آيات الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لوجد الدواء الشافي، بل لوجد ما يقيه الوقوع في الفتن هو وإخوانه ومجتمعه.

ولعلكم أدركتم أيها الأحبة أي فتنة أعني؛ إنها فتنة عظيمة ترتبط بعقيدة المسلم التي إن صفيت وصلحت عصم المسلم نفسه، إنها فتنة الإمامة والإمارة وما يتعلق بها من أحكام. 

ولعلي أكتب ما يوفقني الله فيه مقررا عقيدة المسلم في مسألة الإمارة منطلقاً من صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقول وبالله التوفيق:

روى الإمام مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشرمخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟

قال: نعم

فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟

قال: نعم، وفيه دخن

قلت: وما دخنه؟

قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. 

فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟

قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.

فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. 

قال: نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا

قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟

قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم

فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟

قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (*). 


 

وفي رواية أخرى لمسلم أيضاً من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنْه وفيه أنه قال:

قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟

قال: نعم

قلت: كيف؟

قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس

قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟

قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع


 

هذا بيان من النبي عليه صلوات ربي وسلامه يبين فيها حال آخر هذه الأمة، وفيها وصية واضحة وصريحة بوجوب ملازمة جماعة المسلمين وإن لم تكتمل سماتهم واستقامتهم على الدين ولا أظن أحداً ينكر هذا المعنى من الحديث إلا من أراد لويه وتأويله عن ظاهره عافانا الله جميعا من ذلك. 

فيوصينا عليه الصلاة والسلام بالسمع والطاعة وإن صدر من الإمام الضرب وأخذ الأموال من الرعية فهل هناك أعظم ظلماً من هذا. .  ومع ذلكفالسمع والطاعة ولزوم الجماعة واجب. 

والنبي عليه الصلاة والسلام يخبر عن حال الأمة في آخرها، بما يعني أن الظلم يعم في وقتها والدين يضعف فلا يأتي آت ويقول، إنه يقصد بالإماممن كمل دينه واستقام!!  فإنه سيناقض نفسه ويتهم صدق النبي صلى الله عليه وسلّم من حيث لا يدري، لأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه سيكون هناك أئمة يجتمع الناس حولهم، في زمن يضعف فيه الدين في نفوس الجميع إلا من رحم ربك وذكر من وصفهم: " لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس - ثم قال:  - تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع


 

ومن ترك الجماعة والإمام مع هذه الحال فحكمه: 

ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضيَ الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية . . ). 

وعن ابن عباس رضيَ الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتة جاهلية). 

وعن ابن عمر رضيَ الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية). 

فانظروا كيف حكم عليه الصلاة والسلام بأن من مات وليست في رقبته ولاية لإمام مع وجوده - بغض النظر عن صفاته - فإنه يموت ميتة جاهلية نسأل الله العافية. 


 

أما واجبنا نحن كرعية في هذا الزمن وفي غيره أن نتمسك بوصية النبي صلى الله عليه وسلّم الآتية:

روى الإمام مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنْه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم

قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟

فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة - وفي لفظ آخر قال: - ألا من ولي عليهوال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة)

وفي حديث آخر عند الإمام مسلم أيضاً:

سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا!

فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس وقال: (اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم).

فعليكم أيها الأحبة أمام الفتن في هذا الزمن وفي غيره لزوم جماعة المسلمين، كل حسب وليّ الأمر الذي يعيش تحت امرته وولايته في أي بلد كان، وعليه بالصبر على الظلم إن حصل، وأن لا ينزع يده من الطاعة، فالأمراء لهم علينا حق الطاعة في المعروف، أما حقنا فعلى الله. 

والمعصية ننكرها لكن بأسلوبها الخاص، ولو لم نستطع فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ويبقى علينا الكره القلبي. 

أما الحماسة والتسرع في اتخاذ المواقف واصدار الأحكام جزافاً فليس من دين الله في شيء، بل قد تكون مغبة ذلك أعظم على الإسلام والمسلمين، نسأل الله العفو والعافية. 


 

والله من وراء القصد

والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم


 

أخوكم المحب

عبد الرحمن الحمادي

غفر الله له ولوالديه


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هنا تنبيهات مهمة مستفادة من الحديث:
1- ونحن ولله الحمد لم تصل بنا الحاجة إلى الاعتزال والعض على أصل شجرة؛ أنوه للأحبة وأأكد أننا وبفضل الله نستظل تحت ظل جماعة شرعية معتد بها شرعا كما تقرر في المقال، ولو سلمنا بعدم الاعتداد بها فواضح من الحديث أن العمل حينها هو العكس مما انتهجه بعض المفتونين ومدعي الإصلاح من اللجوء إلى التحزب والانتماءات السرية، بل إن التوجيه النبوي الحكيم محصور في اعتزال الفرق والأحزاب إلى درجة أن يصل الحال بنا إلى العض على أصل شجرة، وهذا التشبيه من بديع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وبليغه، ولم يكن هناك خيار آخر سواه. والسؤال الذي يطرح نفسه للمفتونين من إخواننا: أين موقفكم من هذا التوجيه النبوي الحكيم؟!
2- كوننا نأتمر بأمر حاكم ونكون تحت ولايته لا يناقض ولاية سائر الحكام. فلو لم تستطع الأمة أن تجتمع تحت إمرة رجل واحد بحكم الضعف والتشتت فإن ذلك لا يمنع أن نكون تحت ولاية حاكم واحد، كل حسب الدولة التي يعيش فيها. والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: إذا أمرتكم بأمر فاأتوا منه ما استطعتم. فلو عشنا الآن هكذا بلا إمارة ولا ولاية بسبب عدم وجود حاكم واحد يصلح لأن نجتمع تحته لن تستقيم لنا دنيا ولا دين، فلأجل هذه الأسباب وغيرها كان من العقل والحكمة أن تعتبر ولايات الحكام سارية ومقبولة شرعا يجب على الرعية طاعة إمامها بالمعروف كل حسب نطاق دولته.
والله أعلم