دعوة محب


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

ها نحن قد أنعم الله علينا بشهود شهر رمضان المبارك، وهي نعمة لا تقدر بثمن، فقد اختص الله هذا الشهر الفضيل بمزايا وخصائص وفضائل جمة لا نظير لها في بقية الشهور، فهو شهر مليء بالخيرات والبركات والرحمات، زاخر بأنواع العبادات والقربات والإيمانيات، لا يتكرر في السنة إلا مرة واحدة، فأحببت محبة لإخواني القراء في كل مكان أن أكتب هذا المقال، تذكيرا لنفسي أولا وللقراء ثانيا باغتنام هذه الفرصة الذهبية، وذلك من خلال جوانب عدة، منها:

أولا: أن نقف مع أنفسنا وقفة محاسبة ومراجعة، فالإنسان في مسيرته في هذه الحياة لا يسلم من خطأ أو زلل أو هفوات، قلت أو كثرت، يقول نبينا عليه السلام: «كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين التوابون».

فالعاقل يحاول أن يستثمر الفرص السانحة، ويستجلي واقعه في لحظة صدق وصفاء وشفافية، ويجعل من نفسه مرآة لنفسه، ليرصد الإيجابيات ويعززها، ويرصد الأخطاء ويصححها، ويرتقي بنفسه في كافة المجالات، بهمة عالية، وعزيمة صادقة، وبذل الأسباب المعينة على ذلك.

ثانيا: العناية بالصلاة التي هي ركن الدين وعموده، من الصلوات المفروضات، والسنن الرواتب، وبقية النوافل، وصلاة التراويح التي اختص الله بها هذا الشهر الفضيل، وذلك بأدائها في أوقاتها، والحرص على أركانها وواجباتها وآدابها، والعناية بالخشوع فيها بين يدي رب العالمين، فالخشوع روح الصلاة ولبُّها ومقصودها الأعظم، قال تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴿١ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴿٢}.

ثالثا: العناية بالقرآن الكريم، فإنه كلام الله العظيم، وحبله المتين، فيه الخير الكثير المتنوع الذي لا يعد ولا يحصى، وهو مفتاح النجاة والنجاح في الدنيا والآخرة، فما أجمل أن نجالس هذا الكتاب العزيز، نتلوه بتدبر وحضور قلب، ونحث أسرنا وأبناءنا على أن يأخذوا منه بالنصيب الوافر، ونتابع إنجازاتهم اليومية في هذا الجانب، يقول نبينا عليه السلام: «إن لله تعالى أهلين من الناس: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته».

رابعا: أن نضع خلافاتنا الشخصية بجميع صورها وجوانبها تحت أقدامنا، وأن نغتنم هذا الشهر المبارك الذي تسمو فيه الروح، وتصفو فيه النفس، ويرق فيه القلب، فنعفو عمن ظلم، ونتجاوز عمن أساء، ونصفح عمن جفا، ونصل ما انقطع، سيما في علاقتنا مع أسرنا وأرحامنا وجيراننا وأصدقائنا، يقول النبي عليه السلام: «ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا».

خامسا: أن نستفيد من هذا الشهر المبارك في التزود من القيم الإيجابية، بتعويد النفس على الصبر والهدوء والانضباط والروية والحلم والأناة، فالصيام فرصة لتنمية هذه الخصال وتقويتها، خاصة في تعاملنا مع الآخرين، بحيث ندفع بالتي هي أحسن..

ولا نقابل الإساءة بالإساءة، ولا ننساق لغضبنا وانفعالاتنا، فالاندفاعات غير المنضبطة تضر ولا تنفع، بل نتسامى على حظوظ النفس، ولا نتعامل إلا وفق أجمل الأخلاق، قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، مع القريب والبعيد، والمحب والمبغض، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق».

سادسا: أن نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا لخدمة ديننا الحنيف ؟ وماذا كان دورنا في إظهار سماحته وعظمته ومحاسنه وما تضمنه من أنواع الكمال ؟ وهل أحسنَّا ترجمة ذلك في واقعنا العملي وعلاقاتنا الإنسانية ؟ سواء من خلال العلم النافع الصحيح، أو الثقافة الإيجابية المثمرة، أو المعاملة الحسنة الراقية، فكم ساهم ذلك في تصحيح المفاهيم الملتبسة، وإزالة التصورات المغلوطة، وبيان حقيقة الدين الناصعة للعالم أجمع.

سابعا: أن نسأل أنفسنا: ماذا قدمنا لخدمة وطننا الغالي؟ والمساهمة في إنجازاته المؤسسية والوظيفية والفكرية والسلوكية ؟ وماذا كان دورنا في تعزيز قيم الولاء والانتماء، وترسيخ مفهوم طاعة ولي الأمر بالمعروف، والدفاع عن الوطن بالغالي والنفيس ؟ وهل قمنا بدورنا المنشود في نشر الكلمة الطيبة، وتفنيد الشبهات المغرضة، ودفع الإشاعات الحاقدة، والرد على المتربصين لهذا الوطن وقيادته وشعبه؟

ثامنا: أن نتعظ ونعتبر بمرور الشهور والأعوام، فها نحن نشهد نهاية شهر وبداية شهر جديد، وهكذا هي مسيرة الحياة يطوي بعضها بعضا، ليكون لكل بداية نهاية، ولكل نهاية بداية، ولنتذكر من خلال ذلك أنني أنا وأنت لنا كذلك نهاية في هذه الحياة مهما طال بنا العمر، وأن لهذه النهاية بداية أخرى نجازى فيها على ما قدمنا من خير أو شر، فلنحرص على أن تكون نهايتنا طيبة، نترك فيها بصمة إيجابية تنفعنا في بدايتنا الأخرى في دار الجزاء والحساب.