جحيم التطرف بين الشرق والغرب.. أسباب وحلول (1 / 3)


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

لقد أصبح التطرف اليوم حديث الساعة، نظراً لتنامي خطره، وتتطاير شراراته لتطال العديد من البشر في مناطق مختلفة، لا فرق في ذلك بين الشرق والغرب، فالكل أصبح تحت مرمى استهداف تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي لا يتوانى عن ارتكاب أفظع الجرائم وأبشعها، من دون مراعاة لأي قيمة دينية أو إنسانية...

وإنك لو سألت عن أرخص شيء عند هؤلاء لم تجد أرخص من الدماء عندهم، فهم يتلذذون بسفكها، وينتشون بالممارسات الشاذة كتعليق رؤوس الضحايا والتمثيل بجثث الموتى، في همجية ووحشية قل لها نظير، وعبر سياسة ميكافيلية تسوِّغ ارتكاب أشنع الأفعال وأقبح الجرائم لتحقيق الغايات الدنيئة، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة مهما كانت في الفظاعة والبشاعة..

ولئن كان العجب لا ينقضي من وحشية هؤلاء الجزارين فإن العجب يزداد تجاه أولئك الذي يبيعون أنفسهم لهذا التنظيم، ليستخدمهم أشنع استخدام، وكأنما غُسلت أدمغتهم، ففقدوا عقولهم وتجردوا من إنسانيتهم.

وإذا استعرضنا التاريخ الحديث فإننا نجد أن العالم لم يكتو بنار هذا التنظيم فقط، بل شهد نماذج عدة من منظمات إرهابية وحشية في مناطق مختلفة، أقضت مضاجع الآمنين..

واستهدفت الأبرياء والمدنيين، كان من أشرسها وأشدها دموية على سبيل المثال في ثمانينيات وتسعينيات القرن الميلادي الماضي منظمة نمور التاميل، التي أصبحت في وقتها واحدة من أخطر المنظمات الإرهابية المندرجة في لوائح الإرهاب، حيث استطاعت تكوين ميليشيا ذات تدريب عال، وكانت تربي أتباعها على التضحية بالنفس والموت في سبيل الحركة.

وكان لديها مجموعة من المفجرين الانتحاريين يسمون بالنمور السود، وبرعت في استخدام الأحزمة الناسفة والتفجيرات الانتحارية لتحقيق أهدافها، ولم تتورع حتى عن استخدام الأطفال والنساء، كما تمكنت من بناء ذراع إعلامية قوية للترويج لمبادئها وأنشطتها، وكان لها متعاطفون وممولون في دول عدة، وهكذا أيضاً في القرن الحالي تجددت مظاهر الإرهاب في صور أخرى لا تقل شراسة ودموية ووحشية..

فمع ظهور ما يسمى بالربيع العربي واشتعال الصراع في مناطق عدة في الشرق الأوسط برز تنظيم داعش كأخطر وأشرس تنظيم إرهابي على مستوى العالم، حتى أصبح محل اهتمام الجميع، وتصدر المشهد السياسي والإعلامي بسبب جرائمه المتعددة، وخطره المتزايد، وبسبب تعدد جنسيات المنضمين له والمنتمين إلى دول عدة في الشرق والغرب.

ولقد أثبت «داعش» بأفعاله وجرائمه أنه تنظيم إرهابي متطرف متجرد من كل معنى للإنسانية والرحمة، فهو لا يعرف إلا سفك الدماء، وإقامة حفلات الموت..

وتنويع وسائل التعذيب، وابتكار طرق وحشية في القتل والفتك والتلذذ بذلك في سادية عجيبة، وترويج ذلك إعلامياً والتباهي به، فمن قطع الرؤوس وجز الرقاب، إلى حرق الأحياء وشيهم على النار، إلى إغراق الضحايا في الماء حتى الموت، إلى دهس الأجساد بالدبابات، إلى التفجير واستهداف دور العبادة، إلى القتل بالجملة عبر سيل رصاصات لا تعرف الرحمة، إلى هجمات متعددة لارتكاب أكبر قدر من المجازر، ليبرهن هذا التنظيم بذلك على أنه ليس سوى آلة موت ودمار وتخريب واعتداء..

وأن المنضمين إليه ليسوا سوى وحوش كاسرة مفترسة يطلقها التنظيم على من شاء لتنهش الأجساد وتعيث في الأرض الفساد، وذلك كله تحت شعارات براقة خاوية لا يمكن أن تنطلي على عاقل ذي فطرة سليمة.

إن الواقع المر أثبت أن العالم من دون استثناء تضرر بآثار جحيم الإرهاب الداعشي، سواء في الشرق أو الغرب، وسواء في دول إسلامية أو غير إسلامية، فإن التنظيم لا يفرق بين مسلم وغيره، ولا يفرق بين مكان وآخر، ولا بين دولة وأخرى، ولا يستثني أحداً، فالكل عنده مستباح الدم، والواقع خير شاهد على ذلك..

حيث وجدنا أن هذا التنظيم يرمي في كل اتجاه، فقد استهدف المملكة العربية السعودية والكويت ومصر وتونس وليبيا ولبنان وغيرها وصولاً إلى فرنسا، وهو ما يستوجب على جميع العقلاء ضرورة اليقظة والوعي والانتباه لخطورة هذا التنظيم، وتكثيف الجهود الرامية للتصدي له واستئصاله من جذوره.

ولقد تعددت مفاسد هذا التنظيم الإرهابي، وشملت أضراره مختلف النواحي، وكان من الحصاد المر للإرهاب الذي مارسه في الشرق والغرب رسم صورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين لدى الكثيرين، وإعطاء الفرص لكل مغرض لإيجاد علاقة باطلة بين الإرهاب والإسلام، والتسبب في زيادة عدد الجرائم المتعلقة بمعاداة الإسلام والتمييز ضد المسلمين في الغرب..

وتعميق الكراهية تجاه الجاليات العربية والإسلامية هناك، وارتفاع نسبة الإساءات إليها في الأماكن العامة وغيرها، إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة التي لا تنحصر، مما يستوجب على العلماء والمفكرين والمثقفين وأصحاب الأقلام المستنيرة وغيرهم بذل الجهود الحثيثة لتصحيح الصور المغلوطة المشوهة التي رسمها «داعش»..

وبيان محاسن الإسلام وصورته المشرقة وما اشتمل عليه من قيم الرحمة والبر والإحسان، ونشر الثقافة الإسلامية الصحيحة السمحة المعتدلة التي تهدم أفكار «داعش» وتبدد ظلامها، وتعزيز الإسهامات الفاعلة للتصدي لهذا التنظيم على المستويات كافة.