وقفات مختصرة في بيان حقوق الإخوة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فهذه وقفات يسيرة في بيان حقوق الأخوة في الله، أحببت جمعها من النصوص وكلام السلف؛ لما يرى من تفريط كبير في العناية بهذا الحق العظيم، وسهولة المفارقة بين الإخوان لغير داع شرعي ولا موجب ديني؛ وإنما لمجرد عدم التوافق في الطباع، أو الاختلاف في الرغبات والأطماع.

فأقول مختصرًا مقللاً تشاعيب الكلام؛ ليتحقق بذلك بلوغ ما أردته من مرام.

 

الوقفة الأولى:[الحرص على صاحب الدين]:

- يقول -عليه الصلاة والسلام-: "المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل".

- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك ونافخِ الكِيْرِ؛ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحًا خبيثَة". (أخرجاه).

- وروي أن بلالاً بن سعد -رحمه الله- كان يقول: "أخ لك كلما لقيك ذكّرك بحظك من الله، خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك ديناراً".

- وقال مالك بن دينار للمغيرة بن حبيب: "يا مغيرة، كل أخ وجليس وصاحب لا تستفيد منه في دينك خيرًا فانبذ عنك صحبته".

الوقفة الثانية:[التسامح بين الإخوة]:

- قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

- وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّه". (أخرجه مسلم).

- وقد روي أنه جرى بين ابن السماك وصديق له كلام، فقال له صديقه: "الميعاد غدًا نتعاتب". فقال: "بل الميعاد غدًا أن نتغافر".

الوقفة الثالثة:[إظهار الحب بالإخبار عنه، والعمل بمقتضى ذلك]:

- قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ". (رواه البخاري في الأدب المفرد).

- وعن سفيان بن عيينة -رحمه الله-، قال: "سمعت مساور الورَّاق يحلف بالله -عزَّ وجلَّ-: ما كنت أقول لرجل إني أحبك في الله -عزَّ وجلَّ- فأمنعه شيئًا من الدنيا".

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "المحبُّ لله إذا أحبَّ شخصًا لله، فإن الله هو محبوبه؛ فهو يحبُّ أن يجذبه إلى الله تعالى، وكلٌّ من المحبِّ لله والمحبوب لله يجذب إلى الله".

الوقفة الرابعة:[التناصح بين الإخوة]:

- قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة". ثلاثًا، قلنا: "لمن يا رسول الله؟" قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". (رواه مسلم).

- وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "إخواننا أحب إلينا من أهلينا؛ إخواننا يذكروننا بالآخرة، وأهلونا يذكروننا بالدنيا".

الوقفة الخامسة:[الإيثار بين الأصحاب]:

- امتدح الله أصحاب نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

- قال عبَّاس بن دهقان: "ما خرج أحدٌ مِن الدُّنْيا كما دخلها إلَّا بشر بن الحارث؛ فإنَّه أتاه رجل في مرضه، فشكا إليه الحاجة، فنزع قميصه وأعطاه إيَّاه، واستعار ثوبًا فمات فيه".

الوقفه السادسة:[التغاضي والتغافل]:

- قال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}.

- قال القرطبي: "وأعرض عن بعض تكرمًا، قاله السدي. وقال الحسن: ما استقصى كريم قط".

- ويقول الحسن -رحمه الله- أيضًا: "ما زال التغافل من فعل الكرام".

الوقفة السابعة:[الفرح بهذه الأخوة]:

- قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان" -وذكر منها-: "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله".

- قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إذا رزقكم الله -عز وجل- مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها".

الوقفة الثامنة :[التزاور والمفاقدة]:

- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ؛ فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: "أين تريد؟". قال: "أريد أخاً لي في هذه القرية". قال: "هل لك من نعمة تَرُبُّها؟". قال: "لا، غير أني أحببته في الله". قال: "فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه"). (رواه مسلم).

- وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يذكر الرجل من إخوانه في بعض الليل، فيقول: "يا طولها من ليلة"، فإذا صلى المكتوبة غدا إليه، فإذا التقيا عانقه.

الوقفة التاسعة:[مساعدته في الخير]:

- قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}.

- وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه".

- وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، فقال: "هو أن تعمل به، وتدعو إليه، وتعين فيه، وتدل عليه".

الوقفة العاشرة:[الصبر على النقص عند الآخرين في غير أمر الدين]:

فالصبر مطلوب على كل حال بأنواعه الثلاثة.

- قال تعالى واصفًا حال المؤمنين: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

- وقال يحيى بن معاذ -رحمه الله-: "حقيقة المحبَّة: لا يزيدها البرُّ، ولا ينقصها الجفاء".

- وقال الجنيد: "إذا صحَّت المحبَّة سقطت شروط الأدب".

فهذه عشر وقفات مختصرة، تبين شيئًا مما ينبغي تجاه الإخوة والأصحاب؛ لنسلك بذلك حسن الأسباب. فأرجو أن تكون نافعة، وللعمل بها داعية.

وفقنا الله لصالح القول والعمل.

 

 

كتبه: محمد بن غالب العمري
3 جمادى الآخرة 1437هـ.