نية الصوم والسحور


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمقالي معكم اليوم عن بعض أحكام الصيام، ونبدأ بنية الصيام، والنية واجبة على كل صائم، فعن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلاَ صِيَامَ لَهُ»([1]).

وفي رواية: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ»([2]).

والأفضل أن تكون كل ليلة، ولكن لا يتلفظ بها، وإنما محلها القلب، فمن علم أن غدا من رمضان وهو يريد صومه فقد نوى صومه.

وبعد النية يأتي السحور: وهو الأكل وقت السحر.

والسحور طعام مبارك يعين على الصيام، ويتميز به المسلم عن غيره، وفيه أجر عظيم، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ، فَلْيَتَسَحَّرْ بِشَيْءٍ»([3]).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ»([4]).

وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ»([5]).

وأفضل ما يتسحر به التمر، فهو كثير الفائدة خفيف المحمل:

فعن أبي هريرة عن رضي الله عنه  النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ»([6]).

والسنة تأخير السحور: وهذه سنة الأنبياء، وكان عليها الصحابة رضي الله عنهم.

فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ إِفْطَارَنَا، وَنُؤَخِّرَ سُحُورَنَا، وَنَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ»([7]).

وعن عمرو بن ميمون الأودي قال: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  أَسْرَعَ النَّاسِ إِفْطَارًا وَأَبْطَأَهُ سُحُورًا»([8]).

وينتهي وقت السحور بطلوع الفجر، قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187].

فدلت الآية على إباحة الأكل والشرب إلى حصول التبين، فالشاك له الأكل حتى يستيقن، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْتَ"([9]).

وقال ابن حجر رحمه الله: "ولو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع لم يفسد صومه عند الجمهور، لأن الآية دلت على الإباحة إلى أن يحصل التبيين"([10]).

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ»([11]).

قال ابن شهاب: "وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى، لا يؤذن حتى يقول له الناس: أصبحت"([12]).

وفي هذا دلالة على أن الإمساك عن الطعام يكون عند طلوع الفجر لا قبله، فنسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير، وأن يفقهنا في ديننا.


 


([1])  رواه أبوداود والترمذي وغيرهما.

([2] رواه النسائي والبيهقي.

([3]) رواه أحمد.

([4])  رواه أحمد.

([5] رواه مسلم.

([6] رواه أبوداود وابن حبان والبيهقي.

([7])  رواه ابن حبان والطيالسي.

([8] رواه عبدالرزاق والطبراني في الكبير.

([9] رواه عبدالرزاق في المصنف.

([10] فتح الباري 4/161.

([11] رواه البخاري.

([12] رواه البخاري.