العقيدة الزكيَّة صمَّام أمان


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

من مزايا الدين الإسلامي أنه أتى بعقيدةٍ زكيَّةٍ ناصعة، خضعت لكمالها العقول السليمة، وزكت بإشراقاتها الفطر المستقيمة، فهي عقيدةٌ صافيةٌ نقيَّةٌ تتلخَّص في إفراد الله العلي الأعلى بأنه ربُّ الأكوان، المتَّصفُ بالكمال المطلق، المنزَّهُ عن كل عيبٍ ونقصٍ، صاحبُ النِّعَم التي لا تُعدُّ ولا تحصى.

ومن مميِّزات هذه العقيدة الناصعة: أنها واضحةٌ لا تعقيد فيها ولا غموض، منسجمةٌ مع الفطرة الإنسانية، تخاطب العقل، وتدعوه للنَّظر والتفكُّر، وتقيم له الحجج والبراهين السَّاطعة، وقد خاطب الله تعالى أصحاب العقول البعيدة في مواضع عديدة من القرآن الكريم بقوله: {قل هاتوا برهانكم}.

إنَّ العقيدة السَّويَّة هي صمَّامُ الأمان لترسيخ أمنٍ فكريٍّ، في مقابل أفكار التطرف والغلو والإرهاب والمعتقدات الفاسدة، ومن صور هذه العقيدة الناصعة:

 أولا: أنها تعلِّق القلبَ بالله تعالى، وتحمل صاحبها على دوام مراقبة الله وخشيته وتعظيم شريعته والتمسك بنصوصها والوقوف مع دلالاتها، وتحري الصواب، وترك القناعات الفاسدة إذا استبان الخطأ والزلل، وملازمة الورع، قال الله تعالى عن ابن آدم أنَّه قال لأخيه: {لئن بسطتَ إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يديَ إليك لأقتلك إنِّي أخاف الله ربَّ العالمين}، فهي تورث اليقين والثبات على الحقِّ عند حلول الفتن فيكون صاحبها منضبطًا متَّزنًا، وتغرس فيه التوكل على الله تعالى، بل هي السياج الذي يحفظ للأمة وللدولة المسلمة روحها وهويتها وثقافتها، ويصونها عن التبعية وفقدان الذَّات.

ثانيا: الإيمان العميق بالحكمة الإلهية، وأنَّ الله سبحانه لم يضع لعباده الشَّرائع إلا لحكمٍ وغاياتٍ عظيمة، وأن الشريعة كلّها مبنيةٌ على جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن هنا نصَّ العلماء على وجوب تغليب رعاية المصالح العامة، ولزوم المحافظة على الضروريات الكبرى: الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وتقديم الأصلح فالأصلح، ودرء الأفسد فالأفسد.

ثالثا: إعلاء قيم الوحدة والاجتماع والتآخي، والحض على لزوم الجماعة والالتفاف حول ولي الأمر والالتزام ببيعته وطاعته بالمعروف، والانتماء للوطن والدفاع عنه، والتصدي للفوضى ومسببات الفرقة والبغضاء، قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا}، وقال سبحانه: {شرع لكم من الدِّين ما وصَّى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصَّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدِّين ولا تتفرَّقوا فيه}.

رابعا: إبراز مكانة الحكَّام والعلماء، وسدُّ باب الفوضى في مسائل الدين وقضايا الأمة، بتفويض الأمور التي تتعلق بها مصالح العباد والبلاد وسياستها الداخلية والخارجية، إلى ولي الأمر وأهل مشورته من العلماء والمختصين وأهل الرأي، وتفويض الكلام في ما يستجد في الأمة من النوازل والقضايا إلى العلماء الراسخين، وأخذ العلم الشرعي من مصادره الموثوقة، قال الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، وقال سبحانه: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.

خامسا: تعزيز السلم المجتمعي، وتعظيم حرمة الدماء، وإرساء قواعد الوسطية في التعامل مع الأفراد والمجتمعات، والوقوف في وجه الأفكار المتطرفة التي تكفِّر المسلمين وتستبيح دماءهم، أو تبيح الاعتداء على المعاهدين والمستأمنين والمسالمين.

سادسا: السموُّ بالعقل، وتحريره من الخضوع للأوهام والخرافات، وتخليصه من التبعيَّة العمياء للأهواء والأشخاص، فهو محصَّنٌ من تلبيسات الدجالين والمنجِّمين ومن يدَّعون علم الغيب للتغرير بالناس وإشاعة الفوضى بينهم، أو يزعمون أنهم يملكون القدرات الخارقة في إدارة الكون والتحكُّم في مصائر الناس وغير ذلك من الخرافات، والناظر في بعض المجتمعات في الواقع المعاصر يجد صورًا عديدة من هذه النماذج التي تطلُّ في بعض وسائل الإعلام ولا يستبعد أن يكون وراءها أياد خفية تسعى للفتن والدسائس وتسعى للسيطرة على الناس والتلاعب بهم، والناظر في التاريخ يجد العديد من الحروب والمجازر التي ارتُكِبَت تحت ستار تلك المزاعم الباطلة.

فبهذه الصور المشرقة التي تتضمنها العقيدة الزكية يتبين لكلِّ عاقلٍ حصيفٍ ضرورةُ تربية النشء عليها لكي ترسِّخ فيهم وسطية الدين الحنيف، وتجعلها حاضرةً في عقولهم ووجدانهم، وتقوِّي صلتهم بالله تعالى، وتنير لهم التصوُّرات، وتصحِّح لهم المفاهيم، وتحميهم من الانجراف وراء العقائد المنحرفة التي تزجُّ بأصحابها في القلاقل وفي ما لا تُحمد عقباه.