الشيطان وكيف الخلاص منه


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

        الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :

أهميـة الموضــوع :

نتحدث عن الشيطان لأنه عدو لنا ، وأُمرنا أن نتخذه عدوا . قال الله تعالى)  إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا( فاطر /6 ، وقال تعالى) إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا (الإسراء/53، ولأنه أقسم على إغواء بني آدم أجمعين . قال الله تعالى ) فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلَصين ( ص /82-83 ، ولأنه يريد أن يكون جميع الناس من أصحاب السعير. قال الله تعالى)  إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير  (فاطر /6 . الشيطان يحضر في كل وقت . في صحيح مسلم ( إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شئ من شأنه )  صحيح الجامع الصغير (1659) ، نتحدث عن الشيطان لأنه مع كل إنسان . فقد روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"" ما منكم أحد إلا وكِل قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي لكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بحق "" . والشيطان يسعى مع الإنسان خطوة خطوة . قال الله تعالى) ولا تتبعوا خطوات الشيطان   ( البقرة /168 ، فهو يدخل على كل إنسان بالطريقة والأسلوب الذي يناسبه ، يدخل على العالم وطالب العلم عن طريق العلم ، ويدخل على الزاهد عن طريق الزهد وهكذا . وللإمام ابن الجوزي كتاب في ذلك سماه ( تلبيس إبليس ) ذكر فيه مداخل الشيطان على أنواع بني آدم .

ووالشيطان له أعمال كثيرة تدل على عداوته لابن آدم خاصةً الصالحين منهم ، فهو يريد أن يُدخل جميع الناس إلى جهنم عن طريق إيقاعهم في الكفر والنفاق والشرك الأكبر ، وهو يصد العباد عن طاعة الله تعالى وذكره ، بل ويطعن كل مولود حين ولادته ، ففي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى بن مريم ، ذهب يطعن فطعن في الحجاب "" وفي مسلم "" كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها "" قال القرطبي ( هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط )

-    وإذا نام الرجل عن صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ، يبول الشيطان في أذنيه كما رواه البخاري

  -  ويضحك من المتثائب إذا قال ( ها ها ) ، كما في صحيح البخاري مرفوعاً "" التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ها ضحك الشيطان ""

-    بل قد تصل العداوة إلى الإيذاء البدني والنفسي لبني آدم : فقد هاجم الشيطان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، كما في الصحيحين . ويؤذي ابن آدم عن طريق المس : قال شيخ الإسلام ( دخول الجن في بني الإنسان ثابت باتفاق أهل السنّة ) وهو يشارك ابن آدم في الطعام والشراب والمسكن والجماع أيضاً حتى في المنام يؤذي ابن آدم ، ففي الحديث الصحيح :"" إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها ، فليبْصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً وليتحول عن جنبه الذي كان عليه "" وفي الحديث الأخر "" إذا حلم أحدكم فلا يُحدث الناس بتلعب الشيطان في المنام "" والحديثان في صحيح الجامع (551، 496)

أهم مداخل الشيطان على الصالحين : وللشيطان مداخل وخطوات مع الصالحين خاصةً ، منها :

1- التحريش بين المسلمين بإيجاد سوء الظن بينهم : في صحيح البخاري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكم شراً "" فالشيطان يوقع الخصومات والشحناء وسوء الظن بين الناس ، وفي صحيح مسلم ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلّون ولكن في التحريش بينهم ) صحيح الجامع (1651)

2- تضخيم جانب أو شعبة من شعب الدين على جانب آخر : فيأتي للجاهل فيشغله بالأوراد المبتدعة وبعض الصحيحة عن الواجبات الشرعية الأخرى ويأتي لجماعة من الناس ويشغلهم بالحديث عن الواقع والسياسة عن الواجبات الشرعية الأخرى ، ويأتي لجماعة من الناس فيشغلهم بالسفر الكثير عن الواجبات الشرعية الأخرى ، ويأتي لأناس فيشغلهم بطلب العلم عن الدعوة والجانب الروحي ، وهكذا ، والذي يتبع منهاج النبوة ينشغل بجميع الإسلام ولا يضخم جانباً على جانب آخر .

3- التسويف والتأجيل عن الأعمال الصالحة : قال ابن الجوزي ( وكم من عازم على الجد سوفه ، وكم من ساعٍ إلى فضيلة ثبطه ، فلربما عزم الفقيه على إعادة درسه فقال : استرح ساعة . أو انتبه العابد في الليل يصلي فقال له : عليك وقت ، ولا يزال يحبب الكسل ويسوف العمل ) تلبيس إبليس .

4- يُشعر الإنسان بالكمال الزائف ليؤخره عن العمل : فيقول : أنت تصلي وتحضر الدروس وتفعل  وتفعل ، فيصيبه الغرور والعجب فيكسل عن الطاعات ، ولو سأل المسلم نفسه هل يؤدي الصلاة كما شُرعت؟ وهل يقرأ القرآن كل يوم؟ وهل يصوم النوافل ويحافظ على السنن الرواتب والجماعة وهكذا

5- ومن مداخله على الصالحين : التخويف : إما أن يخوفه من جنوده وأوليائه فيترك هذا العبد الطاعة والعمل خوفاً منهم ، وإما أن يخوفه بالفقر ، قال الله تعالى  ) الشيطان يعدكم الفقر (  البقرة/268 ، والمؤمن الصادق يلجأ إلى الله ويستعيذ به من الشيطان وأوليائه ويتوكل على الله ويتذكر قول الله تعالى ) ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ( الطلاق/2

6- ومن مداخله: التأويل والتبرير: فيقول للداعية: أنت داعية ، فمن مصلحة الدعوة أن تغتاب وتكذب وتغش ، ويأتي لآخر ويقول له : أنت داعية فلا تنكر المنكر من باب الحكمة في الدعوة ، ويأتي لثالث ويقول له : تعامل بالربا لشراء تلفزيون أو سيارة من باب الضرورات تبيح المحظورات  وهكذا

والعلاج من هذه المداخل : الإيمان بالله والتوكل عليه، قال الله تعالى)  إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون( النحل/99 ، وأما الذي يغفل عن ذكر الله فقال الله تعالى عنه ) ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين  ( الزخرف/36

أسلحة المؤمن في حربه مع الشيطان :

1- الحذر والحيطة بالعلم بأهداف الشيطان ومداخله ووسائله وطرق الوقاية منه : فإذا جهل المسلم أهداف الشيطان وأعماله ووسائله ومداخله على الناس فإن الشيطان يلعب به ويوجهه حيث يريد .

2- الالتزام بالصراط المستقيم : الكتاب والسنة قولاً وعملاً ، وهو أعظم سبيل للحماية من الشيطان ، قال تعالى ) وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ( الأنعام/153 ، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، فقد خطّ خطاً بيده ثم قال: ""هذا سبيل الله مستقيماً "" ، وخط عن يمينه وشماله خطوطاً ثم قال " هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه "" رواه أحمد والنسائي ، فالالتزام بالكتاب والسنة قولاً وعملاً يطرد الشيطان ويغيظه ، وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"" إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأُمرت بالسجود فعصيت فلي النار "" رواه مسلم ، صحيح الجامع(727)

3- الالتجاء إلى الله والاحتماء به ، سبحانه ، والاستعاذة به : قال الله تعالى ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم( فصلت/36، وقال تعالى ) وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ( المؤمنون/97 ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من الاستعاذة بربه من الشيطان ، فمن ذلك :

* بعد دعاء الاستفتاح : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " رواه الأربعة

* عند دخول الخلاء :" اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " متفق عليه

* عند الجماع :"بسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا " متفق عليه

* عند سماع نهيق الحمار:"إذا نهق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم " صحيح الجامع(819)

* عند قراءة القرآن : قال الله تعالى ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( النحل/98

* تعويذ البناء والأهل:" أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " متفق عليه

4- الاشتغال بذكر الله : فإنّ ذكر الله تعالى يطرد الشيطان الرجيم ، فإذا ذكر العبد الله عز وجل عند الجماع لم يشاركه الشيطان فيه وإذا أذن المؤذن هرب الشيطان وله ضراط وإذا ذكر الله عند الأكل والشرب لم يشاركه فيهما وإذا ذكر الله عند الخلاء لم ير الشيطان عورته . فذكر الله حرز من الشيطان . ففي الحديث الصحيح قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"" من قال ـ يعني إذا خرج من بيته ـ بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يُقال له : كفيت وهُديت ووُقيت ،   وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكُفي ووقي "" رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، صحيح الجامع(6419)  وفي الحديث الصحيح :"" من قال في يوم مائة مره : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، كانت له حرزا من الشيطان حتى يُمسي "" صحيح الجامع(6437) فالاشتغال بذكر الله وبالطاعات والعبادات يطرد الشيطان

5- لزوم جماعة المسلمين : وجماعة المسلمين هم من كان على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الدين ، فلابد من لزوم الرفقة الصالحة واتباع السلف الصالح أهل السنة والجماعة أهل الحديث ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "" من أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد "" رواه أحمد والترمذي

6-  التوبة والاستغفار إذا أغواه الشيطان : قال تعالى ) إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ( الأعراف/201 ،  وفي الحديث القدسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" إن الشيطان قال لرب العزة : لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني "" صحيح الجامع(1650)

7-  ومن أهم الوسائل للتحرز من الشيطان : مخالفته في كل شئ : فالأمر الذي يحبه الشيطان لابد من مخالفته ، وقد دلت السنة على ذلك مثل :

·   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليعطي بيمينه وليأخذ بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويأخذ بشماله"" صحيح الجامع(3548)

·        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" قيلوا فإن الشياطين لا تقيل "" صحيح الجامع(4431)

·   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمشي في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمشي في خف واحد ولا يأكل بشماله "" رواه مسلم وأبوداود ـ صحيح الجامع(405) لماذا؟ لأن الشيطان يمشي في نعل واحدة ـ كما ورد في الحديث الصحيح

·   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" إذا كان أحدكم في الشمس فقلص عنه الظل وصار بعضه في الظل وصار بعضه في الشمس فليقم ""رواه أبو داود ـ صحيح الجامع(748) وفي رواية أخرى :"" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس بين الضح والظل وقال: إنه مجلس الشيطان "" رواه أحمد ـ صحيح الجامع(6823)

·   وكذلك من مخالفته : عدم الاستمرار في التثاؤب والاسترسال فيه : ففي الصحيحين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التثاؤب من الشيطان ، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ، ضحك منه الشيطان "

 فهذه بعضُ أعمال الشيطان ومداخله ، وبعض أسلحة المؤمن ضدّه

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .،،،