المخرج من الفتن ( ج 1)


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، أما بعد ..

إخواني الأفاضل 

     روى الطبراني وغيره عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي، قَالَ: تَرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ، إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ» ومما قد بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم الفتن، فحذر منها وبين أسبابها والطريق المنجي منها، وفي هذا الزمان رأينا مخالفة الناس للهدي النبوي في التعامل مع الفتن، فضيعوا دنياهم وأخراهم، ومكنوا عدوهم منهم، وأضعفوا أنفسهم وبلدانهم حتى أصبحوا لعبة يتحكم بها الأعداء والأحزاب المتعاونة مع العدو.

وإذا تأملنا النصوص الشرعية الصحيحة الواردة في الفتن والاختلاف، نجد النبيّ صلى الله عليه وسلم يحذر منها ويذكر العلاج والمخرج منها.

ولا شك ولا ريب أن العلاج والمخرج الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو سبيل النجاة.

فلنتأمل بعض هذه الأحاديث التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيها الفتن وطريقة النجاة منها .

روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ ... إِذْ نَادَى مُنَادِى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا.  وَتَجِىءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ »

 فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي. فَقُلْتُ لَهُ :هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ يَقُولُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) قَالَ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. 

فتأمل معي -أيها الموفق- حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقد حذر من الفتن، وبين اختلاف درجاتها، وأن بعضها أهون من بعض، وبين أن هذه الفتن تقود إلى النار بقوله : " فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ " وأن النجاة منها سبب لدخول الجنة، ثم ذكر العلاج وهو : 

أ - فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ . 

ب -وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ.

ج -وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ.

فجعل العلاج في أمور ثلاثة، أولها تحقيق الإيمان وهو أداء حق الله، وثانيها حسن التعامل مع الخلق وهو حق الغير، وثالثا السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين، والدفاع عنه ومناصرته. فإن حقق العبد هذه الثلاثة فقد نجا من الفتن، وفاز بإذن الله بالجنة ونجا من النار، ومن أخلّ بواحدة منها وقع في الفتنة ولا بدّ .

ثم أورد في تمام الحديث اعتراضا، يكثر ذكره في هذه الأيام، فقال عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ  لعبد الله بن عمرو راوي الحديث : " هَذَا ابْنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأْمُرُنَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَنَقْتُلَ أَنْفُسَنَا وَاللَّهُ يَقُولُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) .

فذكر الاعتراض واستدل عليه بآية من القرآن، فالحاكم – كما يزعم – يأمر بما نهى الله عنه من عدم أكل أموال الناس بالباطل، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، ففي هذه الأوامر معصية لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

فجاء الرد من الصحابي رضي الله عنه الفقيه بالفتن وعلاجها : " أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ " 

فأين دعاة الفتن والثورات والربيع العربي من هذا التوجيه النبوي، الذي يضمن للأمة السلامة والنجاة من مهلكات تنغص عليهم دنياهم وأخراهم.

أين دعاة الفتن والثورات والربيع العربي من هذه التوجيهات النبوية وهم يحثون الشعوب على الخروج على حكامهم والخروج في مظاهرات شعارها الحقيقي رفض الشعوب للبيعات التي في أعناقهم لحكامهم، والمطالبة بعزلهم عن الحكم تحت شعار : ارحل ارحل ، والشعب يريد إسقاط النظام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ. " 

ثم يحتج دعاة الفتن والثورات بأن هذا الحكم خاص بالإمام العدل الثقة، مع أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر كلمة ( إمام) وهي نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط من الصيغ الدالة على العموم، فتشمل أي إمام له سلطة وشوكة، وكذلك الصحابي لما سُئل عمن يفعل المعاصي من الأئمة ويخالف الشرع قال : " أَطِعْهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَاعْصِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ " 

فإذا أردنا السلامة لنا ولأبنائنا ومجتمعنا في الدراين والنجاة من الفتن فلنتمسك بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم .


 

وفقنا الله جميعا لطاعته