آدابُ حضورُ المساجدِ


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتم النبيين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، وبعدُ:

مقدمـــة:

إنَّ مِن أجلِّ الأعمال وأعظمها عند الله، (عِمارةُ المساجدِ)، وعمارةُ المساجدِ إمَّا أن تكونَ (حِسِّيةً)، بالبناءِ والترميم والتنظيفِ وغيرها، وإمَّا أن تكونَ (معنويةً) بالصلاةِ  فيها وتلاوة القرآن والذكر والدعاءِ ودروس العلم وغيرها.

   والمسجدُ هو: أحبُّ البقاع إلى الله تعالى وخيرُها، كما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره.

والمسجدُ هو: مكانُ العبادةِ، مشتقٌ من السجود، الذي فيه غايةُ الخضوع لله عزَّ وجلِّ.

ولأهميةِ مكانةِ المسجد في الإسلام: بدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حياةَ الإسلام بإقامةِ المسجد، ففي المسجد يلتقي المسلمون كلَّ يومٍ خمس مرَّاتِ، فتتوثقُ بينهم الصلةُ، ويتعلَّمون فيما بينهم.

ولقد حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على لزوم المساجد والجلوسِ فيها، وحضور مجالس العلم في المسجد، فقال: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)([1]).

وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ)([2]).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ)([3]).

وعن سلمان أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ، فَهُوَ زَائِرُ اللهِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ)([4]).

وذكر عليه الصلاةُ والسلام من السبعةِ الذين يظلهم الله في ظل عرشه: (رجلاً قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ)([5])، فهذا فضلٌ عظيم لا يناله إلا مَن أخلَص النيةَ لله تعالى، وسعى للحصول عليه.

وإذا كانَ حضورُ المساجدِ بهذه  المنزلةِ: فإنه يجبُ على قاصد المسجدِ أن يتحلَّى بأشرف الصفات، وأحسن الخصال، وأن يتعلَّم أحكامَ حضورِ المساجد، ممَّا دلَّ عليه الكتابُ والسنّةُ، تأدُّباً مع الله تعالى، واحتراماً للبُقعةِ، ومراعاةً لإخوانِه المصلِّين، وتطبيقاً للسنَّة.

ونظراً لجهل كثيرٍ من المسلمين لأحكام حضور المساجد: بسبب ضعفِ دينهم، وانشغالهم بالدنيا عن تعلَّمِ أمور دينهم، رغبتُ في جمع بعض أحكام حضور المساجد وآدابِها، حرصاً على إحياء السنَّةِ، وتذكيرِ الناس بها، وحرصتُ على إيراد الأدلِّةِ الصحيحةِ لها، وأقوال أهل العلم.

فإلى تلك الآداب:

 

تنقسم هذه الآداب إلى ثلاثة أقسام

(أ) آدابُ الخروج إلى المسجد.                    

(ب) آدابُ حضورِ المسجد.

(ج) آداب حضور المسجد يوم الجمعة. (ولها بحثٌ خاص عن أحكام الجمعة).

(أ) آدابُ الخروج إلى المسجد: (منها الواجبُ ومنها المستحب).

 

1- الخروجُ في أحسنِ هيئة: في أجمل الثياب وأطيب الروائح وغيرها من الآداب.

ومما يتعلَّقُ بحُسن الهيئةِ ما يلي:

(أ) الزينةُ الظاهرةُ.                 (ب) طيبُ الرائحةِ.            (ج) السواك.

 

(أ) الزينةُ الظاهرةُ ويُرادُ بها:

(1) جمالُ الثياب (مستحبٌّ): ليس المقصود من اللباس هو سترُ العورة فقط، وإنمَّا يُراد مع ذلك التجمُّل للوقوف بين يدي رب العالمين، قال اللهُ تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف:31].

     قال ابنُ كثيرٍ في تفسيره: (ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنَّة يستحبُّ التجملُّ عند الصلاة)([6]).

وقال ابنُ عبد البَرِّ: (إنَّ أهل العلم يستحبُّون للواحدِ المُطيقِ على الثياب أن يتجمَّل في صلاته ما استطاع من ثيابه، وطيبه، وسواكِه)([7]).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ مَنْ تُزِيِّنَ لَهُ)([8]).

(2) سترُ الفخذين (واجبٌ): وهو من زينة الصلاة، فمن الناس مَن يُصلِّي بالملابس الشفافة التي لا تستر الفخذين.

قال الشافعيُّ رحمه الله: (وإن صلَّى في قميص يشفُّ عنه لم تجُزْ الصلاةُ)([9]).

 

وقال النووي في المجموع: (يجبُ الستُر بما يحول بين الناظر ولونِ البشرة، فلا يكفي ثوبٌ رقيق)([10]).

ومن الأخطاء: أن بعض الصبيان يصلُّون في السراويل القصيرة ولا يُنكر عليهم آباؤُهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ)([11])، وهذا يشملُ أمرهم بشروطها، ومِن ذلك ستر العورة.

(3) سترُ العاتق (واجبٌ): وهو ما بين المنكبين إلى أصل العُنُق.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ)([12])؛ ولذلك يرى فريقٌ من العلماء بطلان َ الصلاةِ إذا لم يكن على عاتقَي المصلِّي من ثوبه شيءٌ.

ومِن الخطأ: ما يفعله من يُصلِّى بالفانيلة العلاَّقية ذات الحبل اليسير الذي يكون على الكتف، وكذا ما يفعله بعض المحرِمين للحج والعمرة من عدم تغطية أحدِ العاتقين أثناء الصلاة، وإخراج العاتقين فقط في السبعة أشواطٍ الأولى.

(4) من الآداب في الزينة: سترُ الرأس (مستحبٌ): مرَّ معنا حديث: (فإنَّ اللهَ أحقُّ أن يُتَزَّيَن له)([13]) وهو دليلٌ عام لا يعارضه معارضٌ، وليس من الهيئةِ الحسنةِ والمنظرِ البهي كشفُ الرأس والسيرِ على هذه الحال في الطرقات أو دخول أماكن العبادة.

قال الشيخ الألباني في تمام المنّة: (والذي أراه أن صلاةَ حاسرُ الرأس مكروهةٌ، ذلك أنه من المسلّم به استحبابُ دخول المسلم في الصلاة في أكمل هيئةٍ إسلامية للحديث: (فإنَّ اللهَ أحقُّ أن يُتَزَّيَن له)، وليس من الهيئةِ الحسنة في عُرف السلفِ اعتيادُ حسرِ الرأس، بل هذه عادةٌ أجنبيةٌ، تسرَّبت إلى كثيرٍ من البلاد الإسلامية حينما دخلها الكفّار)([14]).

(5) ومن الآداب: لا يُغطِّي فاهُ في الصلاة (واجبٌ): قال أبو هريرة: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ)([15]).

فلا تجوز تغطيةُ الفم في الصلاة إلا لحاجةٍ، مثل أن يتثاءب، فإن السنَّةَ أن يضع يده على فيهِ لحديث: (إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ)([16]).

(ب) وممَّا يتعلقُ بحُسن الهيئةِ:

الاهتمامُ بطيب الرائحة: (مستحبٌّ): فلا بد أن يكون المصلِّي طيِّب الرائحة، بعيداً عن كلِّ مالَهُ رائحةٌ كريهةٌ، سواءٌ كانَ من الجسمِ ذاتِه، أو من أسبابٍ خارجيةٍ، كالثوم والبصل، وكلِّ ما كانت له رائحةٌ كريهةٌ يتأذى منه الناسُ والملائكةُ.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ)([17])، وإذا كانَ هذا هو الحكم الشرعي في هذه المباحات، فكيف يكون حكم شُرب الدُّخان إذا حضر شاربُهُ مساجد المسلمين وآذاهم برائحته ؟ فهذا قد تلبَّس بأمرٍ محرَّمٍ شرعاً، لما فيه من مضرَّةٍ بالصحة، وفيه إضاعةٌ للمال، وهو مُسكر تارةً، ومُفَتِّرٌ تارةً أخرى، وهو أكثُر أَذِيَّةً من الثوم والبصل، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ)([18])، فليحذر المسلم من الروائح الكريهة التي تؤذي المسلمين.

 

(ج) وممَّا يتعلقُ بحسن الهيئةِ:

السواكُ (مستحبٌّ): وهو من مكمِّلاتِ الطهارةِ؛ لأنه تنظيفٌ للفم، وقد رغَّب فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)([19])، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ)([20])، وللسواك فوائد كثيرة غير ذلك، ذكرها أهلُ العلم في الكتب والأشرطة.

(2) من آداب الخروج إلى المسجد:

المبادرةُ بالحضور إلى المسجد: (مستحبٌ) فإن المبادرة إلى المساجد دليلٌ على تعظيم الصلاةِ، وتعلُّقِ القلب بالمسجد.

 

وفي المبادرة فضائل وفوائد كثيرة منها:

1- يكون المبادرُ من السبعة الذين يظلِّهم اللهُ في ظلِّه: (ورجلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ)([21])، أي شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها.

2- أن المبادر في صلاةٍ ما انتظر الصلاة.

3- وتصلِّي عليه الملائكةُ ما دام ينتظر الصلاة: ففي الحديث المتفق عليه: (إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، وَالمَلاَئِكَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلاَتِهِ أَوْ يُحْدِثْ)([22]).

وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ)([23]).

4- تحصيلُ الصف الأول، وفضائلهُ معروفةٌ.

5- الدعاءُ بين الأذان والإقامة، فهو مِن مواطن إجابة الدعاء، ففي الحديث: (لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ)([24]).

6- إدراكُ تكبيرةِ الإحرام مع الإمام: وفي ذلك أجرٌ عظيمٌ، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ)([25]).

7- التأمينُ مع الإمام، ففي الحديث: (إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)([26]).

(3) ومن آداب الخروج إلى المسجد:

الدعاءُ عند الخروج إلى الصلاة (مستحبٌ) لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (رقدتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ، فتسوَّك وتوضأ، فأذَّن المؤذنُ، فخرج إلى الصلاة وهو يقول (اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا)([27]).

(4) ومن آداب الخروج إلى المسجد:

المشي بسكينةٍ ووقار (واجبٌ): لحديث: (إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)([28]).

(5) ومن الآداب:

الذهابُ إلى المسجدِ ماشياً: (مستحبٌ) لحديث: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟) قال: (وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ)([29]).

وفي الحديث: (إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ إِلَيْهَا مَمْشًى، فَأَبْعَدُهُمْ)([30]).

وفي الحديث:  (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)([31]).

(6) ومن آداب الخروج إلى المسجد:

لا يشبِّكُ بين أصابعه (واجبٌ): ففي الحديثِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ)([32]).

وهذا التشبيكُ المنهيُ عنه قبل الصلاة: أمَّا بعد الصلاة فيجوز، لما ورد في قصَّه ذي اليدين بلفظ: (فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ...، وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ)([33]).

(ب) آدابُ حضور المساجد: في المسجدِ: (منها الواجبُ ومنها المستحبُّ).

(1) تقديُم اليمنى عند الدخول (مستحبٌ): قال أنسٌ رضي الله عنه: (مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى)([34]).

(2) الدعاءُ عند دخول المسجد (واجبٌ): لحديث: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ)([35])، وحديث: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ وَلْيَقُلِ: ...، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ وَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)([36]).

(3) التقدُّم إلى الصف الأول (مستحبٌ): لحديث: (الصَّفُّ الْأَوَّلُ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ)([37]).

وعن أبي سعيد: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخُّراً فقال لهم: (تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ)([38]).

(4) السلامُ على مَن في المسجدِ (واجبٌ): ولو كانَ يُصلِّى، لما ورد عن ابن مسعودٍ قال: (كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَقَالَ: «إِنَّ فِي الصَّلاَةِ لَشُغْلًا)([39])، وثبت الردُّ بالإشارةِ ببسطِ الكفِّ أو بالأصبع، لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءَ يُصَلِّي فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَتْهُ الْأَنْصَارُ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي، قَالَ: فَقُلْتُ لِبِلَالٍ: كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟، قَالَ: يَقُولُ هَكَذَا، وَبَسَطَ كَفَّهُ، وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ، وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ، وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْق)([40]).

وعن ابن عمر عن صهيب رضي الله عنهما قال: (مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ إِشَارَةً بِأُصْبُعِهِ)([41]).

قال الشوكاني: (ولا اختلافَ بينهما، فيجوز أن يكون أشار بأصبعه مرَّةً، ومرَّةً بجميع يده)([42]).

(5) صلاةُ تحية المسجد (واجبةٌ): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ)([43])، وفي رواية: (فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ)([44]).

   قال ابنُ دقيق العيد: (لا شكَّ أنَّ ظاهرَ الأمر الوجوب، وظاهرَ النهي التحريم، ومَن أزالهما عن الظاهر فهو محتاجٌ إلى دليل)([45])، فصلاةُ تحية المسجد من الواجبات التي تُصلَّىَ في أي وقت كان([46])، وتُصلَّىَ ولو كانَ الإمامُ يخطبُ يوم الجمعة لحديث سليك الغطفاني.

(6) ومن آداب حضور المساجد: أنه لا صلاةَ إذا أقيمت الصلاةُ (واجبٌ):

في الحديث: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ)([47])، فلا تصحُّ صلاةٌ إلَّا التي أُقيمت، وإذا كانَ يُصلِّي  فعليه أن يقطع صلاته بدون تسليم؛ لأنها صلاةٌ ناقصةٌ.

(7) ومن الآداب: الصلاةُ إلى سُترةٍ (واجبٌ): وقد دلَّت السنَّةُ القولية والفعليةُ على وجوب اتخاذ السُترةِ، وقد واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتركها حَضَرَاً ولا سَفَرَاً، وقد قال بوجوبها: أحمد بن حنبل، وابنُ خزيمة، والشوكانيُ، وغيرُهم.

فعن أبي سعيدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا)([48])؛ ولذلك يقول أنس رضي الله عنه: (رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ المَغْرِبِ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)([49]).

والسترةٌ واجبةٌ حتى في المسجد الحرام لعموم الأحاديث: قال البخاريُّ: (بَابُ السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا)([50]).

وعن صالح بن كيسان قال: (رأيتُ ابنَ عمر يصلِّي في الكعبة ولا يدع أحداً يمرُّ بين يديه)([51]).

وعن يحي بن أبي كثير قال: (رأيتُ أنس بنَ مالكٍ في المسجد الحرام قد نَصَبَ عصا يُصلِّي إليها)([52]).

(8) ومن آداب حضور المساجد: ألَّا يخرجَ مِن المسجدِ بعد الأذان إلَّا لعُذرٍ (واجبٌ):

رَأَىْ أَبُو هُريرَةَ رَجُلًا يَجْتَازُ الْمَسْجِدَ خَارِجًا بَعْدَ الْأَذَانِ، فَقَالَ: (أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)([53])، وفي الحديث: (لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ فِي مَسْجِدِي هَذَا ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ، إِلَّا لِحَاجَةٍ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِقٌ)([54]).

قال الترمذيُّ: (وَعَلَى هَذَا العَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ: أَنْ لاَ يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الأَذَانِ، إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ)([55]).

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّي)([56]).

(9) ومن آداب حضور المساجد: الاشتغال بالعبادة فيها (مستحبٌ): كقراءة القرآن، وهي أفضلُ مِن الذكر المطلق، وكحضور دروس العلم فيها، والحذر من الكلام الباطل، ورفعِ الصوتِ، والبيعِ والشراءِ، ونشدِ الضالَّةِ.

(10) ومن آداب حضور المساجد: تسويةُ الصفوف وإتمامهُا (واجبٌ):

عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ، مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ)([57]) وفي رواية: (مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ)([58])، وعند مسلم: (اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ)([59])، فتسويةُ الصفوف من الواجبات، قال البخاريُّ: (بابُ إثم من لا يتمَّ الصفوفَ)([60]).

   وعن ابن عمر أن رسول الله قال: (أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ)([61]).

وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي صَفٍّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)([62])، قال أنس: (لقد رأيتُ أحدُنَا يُلصِقُ مِنكبَهُ بمنكبِ صاحبهِ، وقدَمَهُ بقدمه، ولو ذهبتَ تفعلُ ذلك اليومَ لترى أحدهُم كأنَّهُ بغلٌ شموس)([63]).

وقال النعْمانُ بنُ بشيرٍ رضي الله عنه: (فرأيتُ الرجلَ يلصقُ منكبه بمنكب صاحبه، وركبتة بركبة صاحبه، وكعبَهُ بكعبةِ)([64]).

(11) ومن آداب حضور المساجد: أنَّهُ لا صلاةَ لمنفردٍ خلف الصفِّ إلَّا مع العجزِ (واجبٌ):

فإذا كانَ في الصف مكانٌ فلا تصح الصلاةُ لمنفردٍ خلف الصفِّ؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لمن صلَّى خلف الصف وقد أمره بالإعادةِ: (لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ)([65]).

أما إذا لم يوجد مكانٌ في الصفِّ، فالراجح هو الجواز لما يلي:

قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:16]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)([66])؛ ولأن المُصافَّةَ ليست من أركانِ الصلاة.

(12) ومن آداب حضور المساجد: الدخولُ مع الإمام علي أيِ حال (واجبٌ):

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا)([67]).

وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)([68]).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الصَّلاَةَ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ)([69]).

(13) ومن آداب حضور المساجد: إذا دخل مسجداً وكانَ قد صلَّى صلَّى معهم (واجبٌ):

   قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ إِنِّي قَدْ صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي)([70]).

وعن يزيد بن الأسود قال: (شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ قَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا». فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟» قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ: فَلَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ)([71]).

(14) ومن آداب حضور المساجد: إذا صلَّى المسافُر خلف المقيم أتمَّ (واجبٌ):

عن موسى بن سلمة قال: (كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا، وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: " تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)([72]).

وعن موسى بن سلمة أيضاً قال: (سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: كَيْفَ أُصَلِّي إِذَا كُنْتُ بِمَكَّةَ، إِذَا لَمْ أُصَلِّ مَعَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)([73]).

وعن الشعبي: (أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَجْمَعَهُ إِمَامٌ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ، فَإِنْ جَمَعَهُ الْإِمَامُ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ)([74]).

(15) ومن الآداب: لا يحجِزُ مكاناً في المسجد (واجبٌ): فهذا مخالفٌ لنصوص الشريعة؛ لأن المصلِّيَ مأمورٌ بالتقدُّمِ إلي المسجد والقرب من الإمام؛ ولأن الناس في بيوت الله سواءٌ، لا أحقيَّة إلَّا للمتقدِّم؛ ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يوطِّنَ الرجلُ في المكان في المسجد كما يوطِّن البعيرُ.([75]).

قال ابنُ تيمية: (ليس لأحدٍ أن يتحجَّرَ مِن المسجدِ شيئاً، لا سجادةً يفرشُها قبل حضوره، ولا بساطاً ولا غيرِ ذلك)([76]).

 (16) من الآداب: عدمُ إيذاءِ المصلّينَ، والتشويشِ عليهم (واجبٌ):

ومن إيذاء المصلين:

 (1) تخطِّي الرقابَ، ورفعُ الأرجلِ فوق رؤوسِهِم مع استكمالِ الصفوف: وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تخطي الرقاب، فقال للذي رآه يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة: (اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ)([77])، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا)([78]).

قال النوويُّ: (يُنهى الداخُل إلى المسجدِ يوم الجمعةِ وغيرهِ مِن تخطِّي رقابَ الناسِ مِن غيرِ ضرورةٍ)([79]).

 (2) رفعُ الصوتِ بالقراءةِ فيتأذَّى بجهرهِ القارئ والمصلِّي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ»، أَوْ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ)([80]).

(3) المروُر بين يَدَي المُصلِّي: وهذا حرامٌ؛ لأنه تشويشٌ عليه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ)([81]).

(4) رفعُ الصوتِ بالكلامِ: والتلفُّظُ بالنيَّة جهراً، وقراءةُ الفاتحةِ جهراً في الجماعةِ للمأمومين.

هذا ما تيسَّر جمعه من الآداب المتعلقة بحضور المسجد بوجهٍ عامٍّ، وبقيت الآداب المتعلقة بحضور المساجد يوم الجمعة، ولها بحثٌ خاص بأحكام الجمعة.

وآخر دعوانا أنْ الحمدُ لله رب العالمين

 

 


 

([1]) صحيح مسلم برقم (2699).

([2]) المعجم الكبير للطبراني برقم (7473)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (81).

([3]) صحيح مسلم برقم (669).

([4]) المعجم الكبير للطبراني برقم (6139)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب برقم (317).

([5]) متفقٌ عليه: رواه البخاري برقم (660)، ومسلم برقم (1031).

([6]) تفسير ابن كثير (3/402).

([7]) التمهيد (6/369).

([8]) المعجم الأوسط للطبراني برقم (9368)، وهو في السلسلة الصحيحة برقم (1369).

([9]) الأم (1/111).

([10]) المجموع: (3/170).

([11]) سنن أبي داود برقم (495).

([12]) متفق عليه: رواه البخاري رقم (359)، واللفظ له، ومسلم برقم (516),

([13]) تقدَّم تخريجه.

([14]) تمام المنَّة (ص164).

([15]) سنن ابن ماجه برقم (966)، وهو في صحيح الجامع برقم (6883).

([16]) صحيح مسلم برقم (2995). 

([17]) صحيح مسلم برقم (564).

([18]) المعجم الكبير للطبراني برقم (3050)، وهو في صحيح الجامع برقم (5923).

([19]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (887)، ومسلم برقم (252) واللفظ له.

([20]) صحيح البخاري (3/ 31) معلَّقاً.

([21]) تقدَّم تخريجه.

([22]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (3229) واللفظ له، ومسلم برقم (649).

([23]) صحيح مسلم برقم (251).

([24]) سنن أبي داود برقم (521).

([25]) سنن الترمذي برقم (241).

([26]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (782)، واللفظ له، ومسلم برقم (410).

([27]) صحيح مسلم برقم (763).

([28]) متفق عليه: أخرجه البخاري برقم (908)، ومسلم برقم (602)، واللفظ له.

([29]) تقدَّم تخريجه.

([30]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (651)، ومسلم برقم (622)، واللفظ له.

([31]) سنن أبي داود برقم (561).

([32]) سنن أبي داود برقم (562).

([33]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (482) واللفظ له، ومسلم برقم (579).

([34]) مستدرك الحاكم برقم (791)، راجع صحيح البخاري (166)، وصحيح مسلم (468).

([35]) صحيح مسلم برقم (713).

([36]) (حسنٌ بشواهده)، رواه ابنُ خزيمة في صحيحه برقم (452).

([37]) سنن أبي داود برقم (554).

([38]) صحيح مسلم برقم (438)، وذكر ابنُ حجر مزايا عظيمة للصف الأول فراجعهُ، فتح الباري (2/208).

([39]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (1216)، واللفظ له، ومسلم برقم (538).

([40]) سنن أبي داود برقم (927).

([41]) سنن أبي داود برقم (925).

([42]) نيل الأوطار (2/370).

([43]) متفق عليه: رواه البخاري (2/ 57)، واللفظ له، ومسلم برقم (714).

([44]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (444)، ومسلم برقم (714).

([45]) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (4/468).

([46]) راجع فتح الباري (2/59) وتعليق ابن باز عليه.

([47]) صحيح مسلم برقم (710).

([48]) سنن أبي داود برقم (698).

([49]) صحيح البخاري برقم (503).

([50]) صحيح البخاري (1/ 106).

([51]) علَّقه البخاري مختصراً (1/ 107)، باب: (يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ).

([52]) ابن أبي شيبة (1/277).

([53]) صحيح مسلم برقم (655).

([54]) المعجم الأوسط للطبراني برقم (3842).

([55]) سنن الترمذي (1/ 279).

([56]) شعب الإيمان للبيهقي برقم (2603)، وهو في صحيح الجامع برقم (297).

([57]) صحيح مسلم برقم (433).

([58]) صحيح البخاري برقم (723).

([59]) صحيح مسلم برقم (432).

([60]) الفتح (2/210).

([61]) سنن أبي داود برقم (666).

([62]) المعجم الأوسط للطبراني برقم (5797)، وهو في صحيح الترغيب برقم (502).

([63]) فتح الباري (2/211).

([64]) فتح الباري (2/211).

([65]) مسند أحمد برقم (16297)، وصححه الألباني في الإيمان لابن تيمية (ص12).

([66]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (7288)، واللفظ له، ومسلم برقم (1337).

([67]) سنن أبي داود برقم (893).

([68]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (635) واللفظ له، ومسلم برقم (603).

([69]) سنن الترمذي برقم (591).

([70]) صحيح مسلم برقم (648).

([71]) سنن النسائي برقم (858).

([72]) مسند أحمد برقم (1862)، وقال الألباني في إرواء الغليل: (3/21) (إسناده صحيح).

([73]) صحيح مسلم برقم (688)

([74]) صحيح ابن خزيمة برقم (953).

([75]) في سنن أبي داود (1/ 228) (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ) برقم (862).

([76]) الفتاوى (22/123).

([77]) سنن أبي داود برقم (1118).

([78]) سنن أبي داود برقم (347).

([79]) المجموع (4/546).

([80]) سنن أبي داود برقم (1332)، وهو في الصحيحة برقم (1598).

([81]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (510) واللفظ له، ومسلم برقم (507).