وقفات مع لغتنا العربية


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فإن من مؤسف الحال أن يترك الناسُ اللغةَ العربية تعلماً وفهماً وإعراباً، مستبدلينها في حياتهم وأخذهم وعطائهم بغيرها من اللغات. حتى وُجِدَ من أبنائنا العرب من يحسن التعبير عن جملة بلغةٍ بما لا يحسنه بلغته الأم اللغة العربية، وحتى طغت اللغات الأخرى على كلامنا وعاداتنا وبيعنا وشرائنا، وصارت لغة القرآن شبه مهجورة، وكثر اللحن في كلامنا بل سُمِع اللحن الفاحش وقرئ من بعض من يتصدر مجالس العلم والفقه في الدين؛ فضلا عن عوام المسلمين الذين ما عرف كثير منهم من اللغة العربية غير اسمها ونسبتها.  ولي هنا وقفات يسيرة متعلقة بمكانة لغتنا العربية، وخطورة تركها والإعراض عنها.

 

 الوقفة الأولى: لغة العرب هي أوسع اللغات وأوفرها في المفردات والألفاظ، وأوسعها في المعاني، فلا تضاهيها لغة، بل ولا تقاربها.
 قال الإمام الشافعي رحمه الله : "ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً ، وأكثرها ألفاظاً ، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غيرُ نبي".

 

الوقفة الثانية: اللغة العربية لغة القرآن، ولا يمكن للغة أن تقوم مقامها في بيان المقاصد البلاغية، والأحكام الشرعية؛ ولذلك كان القرآن معجز بلفظه. ومن هنا فينبغي على أهل الإسلام أن يعرفوا قدر لغتهم محبين لذلك مفتخرين فيه.
قال الثعالبي رحمه الله: "من أحب الله أحب رسوله، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب".

 

الوقفة الثالثة: لا ينبغي التساهل بنطق أمر بغير اللغة العربية دون حاجة.
قال الشافعي رحمه الله: "لا نحب ألا ينطق بالعربية فيسمي شيئا بالعجمية ، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب ، فأنزل به كتابه العزيز ، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم".

 

الوقفة الرابعة: لا يليق بمسلم الإعراض والإهمال للغته مع حرصه على غيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما اعتياد الخطاب بغير العربية –التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن– حتى يصير ذلك عادة للمصر، وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه ولأهل السوق...، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه" انتهى.

 

الوقفة الخامسة: [ إياكم ورطانة الأجانب]  الواجب على المسلم أن يعتز بلغته، وأن يعرف قوتها وأسرارها وخصائصها، لا أن يضعف أمام بهرج اللغات الأخرى، ويظن أنه باستعماله هذه اللغات يعلو شأنه أو ترتفع مكانته.
قال عطاء رحمه الله:" لا تعلموا رطانة الأعاجم".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن يعرف اللغة العربية... بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه، يقول: "باي باي"..؟!! ثم نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية" انتهى.

 

الوقفة السادسة: ليس الكلام في نصرة اللغة العربية، هو دعوة للقومية والشعوبية، وإنما إحياء للغة القرآن الذي فيه الهداية للبشرية، ومن أراد الهداية بعيدا عن لغة القرآن فقد سلك عسيرا، وترك يسيرا.
قال العلّامة محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله: ‏"وقد تبين لي أن التمسك بالإسلام مع فقد اللغة العربية نفخ في رماد! وضرب في حديد بارد!".

 

الوقفة السابعة: معرفة اللغة العربية هو فتح لباب كبير من المنافع والفوائد. يُحرم منه لا يطلبه.
قالَ عمرُ بنُ الخطابِ رَضيَ اللهُ عنهُ: "تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تُثَبِّتُ الْعَقْلَ ، وَتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ"

 

الوقفة الثامنة: اللغة العربية تنتظم في ستة علوم هي متون اللغة، والنحو والصرف وعلوم البلاغة: البديع والبيان والمعاني. وكلها مهمة ونافعة.
وأعظم ما يهتم فيه طالب العلم النحو وعلم الصرف، وهما لطالب العلم كجناح طائر، والعلوم الأخرى جناحه الآخر. وهو سبيل لتسهيل العلوم، وضبطها.

 

تنبيه:
لا يفهم مما سبق عدم جواز تعلم اللغات الأخرى، بل في أحيان كثيرة يكون مطلوبا، بل قد يتعين على بعض الناس ممن يقتضي الأمر تعلمهم لذلك.

 

أسأل الله العظيم أن يأخذ بنواصينا للحق والتقوى. إنه خير مسؤول وأعظم مأمول.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



كتبه: د. محمد بن غالب العمري
ليلة الأحد 6 ربيع الآخر 1439هـ.