خصائص النبي ﷺ وأمّته


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد،،

مقدمة :

خصّ الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالخصائص العظيمة التي ليست لأحدٍ من خلقه، وخصّه بخصائص شاركه فيها الأنبياء، وخصّ أمته صلى الله عليه وسلم ببعض الخصائص عن الأمم السابقة. ولمّا كانت الخصائص النبوية والفضائل المحمدية من الموضوعات المحبَّبة إلى النفوس فقد استهوى الشيطان بها أقواماً فغالوا ونسبوا إليه صلى الله عليه وسلم خصائص هي من جنس خصائص الربوبية والإلهية، وقصَّر بآخرين حتى جَفَوا وقدموا مشايخهم على سيد المرسلين، وجعلوا لهم خصائص وفضائل فاقوا بها خصائصه صلى الله عليه وسلم.

* ولتعلّق هذه الخصائص بما يعتقده المسلم في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولإبراز ما صحّ من خصائصه التي تُزيد المؤمنين إيماناً ومحبةً وتعظيماً له، وتُعرِّف بمقامه عند الله -عز وجل-، ولتصحيح الاعتقاد في الرسول صلى الله عليه وسلم، وذبِّ الكذب عنه فيما نُسب إليه من خصائص مزعومة، ولإظهار الجفاة المقصرين فيه، ولنحمد الله -عز وجل- أن جعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم، استعنت بالله –تعالى- في بحث هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:

أولاً : مدخل البحث ( تعريف الخصائص وأقسامها ).

ثانياً : خصائص النبي صلى الله عليه وسلم دون جميع البشر .

ثالثاً : خصائص النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، وقد يُشاركه فيها بعض الأنبياء .

رابعاً : خصائص الأمة المحمدية دون سائر الأمم .

خامساً : خصائص النبي صلى الله عليه وسلم بين الغلاة والجفاة .

سادساً : خاتمــة

أولًا : مدخل البحث :

أ - تعريف الخصائص لغةً واصطلاحاً:

أمَّا لغةً : فخصوصية الشيء خاصيته، أي صفته التي تميزه عن غيره وتفرده عنه .

وأمَّا اصطلاحاً : فالخصائص النبوية هي الفضائل والأمور التي انفرد بها النبي صلى الله عليه وسلم، وامتاز بها إما عن إخوانه الأنبياء وإما عن سائر البشر .

ب- أقسام الخصائص النبوية :

تنقسم الخصائص النبوية إلى قسمين :  

1- خصائص تشريعية: اختُصَّ بها دون غيره من الأنبياء، أو دون أمته فقط .

2- خصائص تفضيلية: وهي الفضائل التي كرَّمه الله بها دون غيره، وقد يشاركه في بعضها الأنبياء .

ثانياً :- خصائص النبي صلى الله عليه وسلم دون جميع البشر:

1- أنه أوتي مفاتيح خزائن الأرض، ووضعت في يده.([1])

2- أنه نُصر بالرعب مسيرة شهر. ([2])    

3- وجعلت له الأرض مسجداً طهوراً . ([3])

4- وأحلت له الغنائم . ([4])            

5- وبعث للناس عامةً. ([5])

  6- أن الشيطان لا يتمثل في صورته. ([6])

7- ومنها كثرة أسمائه، فقد صحَّ أنه: محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والخاتم والمقفَّي ونبيّ التوبة و نبيّ المرحمة وغيرها. ([7])

8- وجوب الصلاة عليه إذا ذكر؛ لأمر الله –تعالى- بالصلاة عليه، ولأمره صلى الله عليه وسلم أمته بالصلاة عليه، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، ومنها قوله: ""البخيل من ذُكرت عنده فلم يُصلِّ عليّ""([8]).

9- ومنها أن ما بين بيته ومنبره روضةٌ من رياض الجنة، وذلك كما ثبت عند مسلم وغيره. ([9])

 10- ومنها الإسراء والمعراج، والأدلة في إثبات ذلك متواترة في الصحيحين وغيرهما .

 11- ومنها القرآن الكريم المعجز الذي تعهَّد الله بحفظه .

 12- ومنها أن الله –تعالى- نهى الناس أن ينادوه باسمه، فقال –تعالى-: ﴿لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ ...٦٣﴾ [النور:63] ، قال أبو نعيم الأصفهاني: (فخصه الله –تعالى- بهذه الفضيلة من بين رسله وأنبيائه ... )([10])

 13- الشفاعة العظمى يوم القيامة، والأحاديث في إثباتها متواترة .

 14- أنه صلى الله عليه وسلم سيِّد ولد آدم يوم القيامة، والحديث متفق عليه.([11])

 15- وأنه أول من تنشقُّ الأرض عنه يوم القيامة. ([12])

 16- وأنه أول مَن يدخل الجنة، والأحاديث في ذلك صحيحة عند مسلم وأحمد وغيرهما.

 17- أنه أول شافع ومشفع يوم القيامة، وذلك كما روى مسلم وأبو داود وغيرهما. ([13])

 18- أنه  صلى الله عليه وسلم أول مَن يُكسى يوم القيامة، وذلك كما روى مسلم وغيره .

19- أنه أول مَن يُجاز له على الصراط يوم القيامة، وذلك كما في الصحيحين.([14])

20- أنه أُعطي الكوثر، وهو نهر في الجنة، وذلك كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وكذلك سورة الكوثر  .

21- أنه صاحب الوسيلة يوم القيامة، وهي منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله. ([15])

ثالثاً :-  خصائص النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، وقد يشاركه فيها الأنبياء :-

1- الحوض يوم القيامة، وذلك كما في الصحيحين.([16])

2-  أنه أعطي مفاتيح أو جوامع الكلم،([17]) وهي الكلمات القليلة ذات المعاني الكثيرة .

3-  ومنها قوله: " لا نورث، ما تركناه صدقة "([18]).

4-  ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "" إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ""([19]).  

5-  ومنها قوله: "" ما من نبيٍّ يمرض إلا خُيِّر بين الدنيا والآخرة ""([20]).

6-     ومنها أن مَن سبَّه يُقتل ردَّةً، قال عليٌّ t: ( أن يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله دمها ) ([21])، قال ابن تيمية: ( والحكم في سب سائر الأنبياء كالحكم في سب نبيٍّ مسمًّى باسمه في القرآن، فهذا كفر) ([22]).

7-   ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ""ما قبض نبي إلا دفن حيث يُقبض""([23]).

8-   ومنها عصمته صلى الله عليه وسلم من الكبائر هو والأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-. قال ابن حجر: (والأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع ).([24])   

9-   ومنها جواز الوصال في الصيام في حقه، حيث قال: "" لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل؟ قال: لست كأحد منكم، إني أُطعم وأُسقى""([25]).

10-   ومنها إسلام قرينه من الجن، حيث قال: "ما منكم من أحد إلا وقد وكِّل به قرينه من الجن، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال: وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم؛ فلا يأمرني إلا بخير""([26]).

11-   ومنها صحة نكاحه بدون صداق أو ولي ولا شاهدين: قال –تعالى-: ﴿... وَٱمۡرَأَةٗ مُّؤۡمِنَةً إِن وَهَبَتۡ نَفۡسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنۡ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسۡتَنكِحَهَا خَالِصَةٗ لَّكَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۗ ... ٥٠﴾ [الأحزاب:50] ، وزواجه من صفية بنت حيي بدون ولي ولا شاهدين كما في الصحيحين .

12-  ومنها قوله: ""يا عائشة إن عينيَّ تنامان، ولا ينام قلبي""([27]).

13-   ومنها جواز التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته؛ لما ثبت في كثير من الأحاديث والآثار، أما غيره فلم يُنقل عن السلف أنهم تبركوا بآثار أبي بكر أو عمر أو غيرهما .

رابعا : خصائص الأمة المحمدية دون غيرها من الأمم :

1-  أنها خير أمة أخرجت للناس في خير القرون .

2-  أنها لا تجتمع على ضلالةٍ؛ ولذلك فإن إجماعها حجة شرعية .

3-  أنها أول الأمم دخولا الجنة لحديث: "" نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ""([28]).

4-   ومنها أن الله تجاوز عنها الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه. ([29])

5-  ومنها أن الله تجاوز عنها ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم.([30])

6-  ومنها أن الله جعل لها الطاعون شهادة. ([31])

7-  ومنها أنها ترد يوم القيامة غُرلا محجَّلين من أثر الوضوء. ([32])

8-   ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ""  فُضِّلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض مسجدا وتربتها طهوراً، وأعطيت آخر سورة البقرة ""([33]).

9-  ومنها أنه يدخل منها سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب، وذلك كما في الصحيحين. ([34])

10-    ومنها أنها نصف أهل الجنة.([35])

11-  ومنها قوله: "" أحلت لنا ميتتان ودمان ..."" ([36]).

 هذه بعض خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته، وهناك خصائص أخرى صحيحة لم تذكر، وكذلك خصائص ذكرت في الأحاديث الضعيفة والموضوعة منها: قصة إيمان أبوي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها لم تصح، وذكرها في الموضوعات ابن الجوزي وابن تيمية وغيرهما، وكذلك كتابة اسمه على العرش، وحديث ابتلاع الأرض ما يخرج منه، وحديث اجتماعه بالخضر وعيسى، وحديث: ( علمي بعد موتي كعلمي في حياتي ) ([37]) فهذه وغيرها مما يُقرأ في الموالد ومواسم أهل البدع فيها غُلُوٌّ فيه صلى الله عليه وسلم.

خامساً :- خصائص النبي صلى الله عليه وسلم بين الغلاة والجفاة :

الغلوّ هو تجاوز الحد فيما يجب أن يعتقده المسلم في حقّ الرسول صلى الله عليه وسلم، والغلوّ تختلف درجته من شخصٍ لآخر، وهو يدور بين الشرك والبدعة كما سيأتي .

أما الجفاء فهو ردّ ما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الخصائص والفضائل كما سيأتي، ومن الجفاء ما جعله الأتباع لمشايخهم وأئمتهم من الفضائل والمناقب ما فاق في فضله الأنبياء والمرسلين، ومن الجفاء ترك التَّأسِّي برسول الله في هديه والتمسك بغيره، والجفاء درجات: فمنه ما يكون كفراً، ومنه ما هو دون ذلك كما سيأتي .

×أ- خصائص النبي صلى الله عليه وسلم عند الغلاة:

فمما ذكره غلاة الناس من خصائص ما يلي:

1- أنه أول النبيين في الخلق، وأنه مرسل إلى جميع الأنبياء وأممهم: ويستندون إلى حديثٍ لا يصح وهو: ( كنت أول الأنبياء في الخلق )([38]) واستغربه الذهبي في ميزان الاعتدال، وضعّفه الألباني، وكذلك استندوا إلى الحديث: ""كُتبت نبياً وآدم عليه السلام بين الروح والجسد""([39])، وحديث: ""إني عبد الله وآدم لمنجدل في طينته""([40]) والحديثان في مسند أحمد، ويدلان على الكتابة أي أنه كتب نبياً في اللوح المحفوظ قبل الناس، وراجع كلام ابن تيمية في الرد على البكري، وليس فيها أنه خُلق قبلهم .

2- أنه مخلوق من نور الله، وأن الوجود كله مخلوق من نوره صلى الله عليه وسلم:  واستندوا إلى حديثٍ منسوبٍ إلى جابر t: ( يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره)، قال أهل العلم: هذا الحديث لا سند له وغير موجود في كتب السنة، وهو من غرائب ابن عربي والبكري وغيرهما من غلاة الصوفية، وتترتب على هذا الحديث الموضوع كثير من المفاسد العقدية منها: رد القرآن الذي يبين أن الرسول بشر، لا قدرة له إلا قدرة البشر، وكذلك تكذيب رسول الله القائل: ""أنا سيد ولد آدم""([41])،  فهو من ولد آدم فكيف خُلق قبله ومن نور، ويترتب على اعتقاد أنه مخلوق من نور الله –تعالى- القولُ بوحدة الوجود والاتحاد بالله –تعالى-، وقد رد على هذه المعتقدات ابن تيمية في الفتاوى. ([42])

3- أنه توسَّل به الأنبياء قبل وجوده: ويستندون إلى حديثٍ موضوعٍ: ( لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحقِّ محمد لما غفرت لي) قال ابن تيمية في الردِّ على البكري: ( ليس له أصل)، وحكم عليه الذهبي بالوضع والبطلان([43])، وقال الألباني: (موضوع ) ([44]) في السلسلة الضعيفة (1/38)

وهذا الحديث مخالف للقرآن، قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ٣٧﴾ [البقرة:37] بالإضافة لما ترتب عليه من مفاسد عقدية من ظهور البدع بالتوسُّل بالأموات الذي أدَّى إلى الاستغاثة بهم في قضاء الحاجات، وكشف الضر والكربات وغيرها من الخرافات .

4- ومن خصائصه عند الغلاة أن مَن زار قبره وجبت له شفاعته: ويستندون على أحاديث موضوعةٍ وضعيفةٍ منها: ( مَن زار قبري وجبت له شفاعتي ) (([45])، وضعفه النووي([46])، وقال ابن عبد الهادي: ( حديث منكر عند أئمة هذا الشأن، ضعيف الإسناد عندهم، لا يقوم بمثله حجة، ولا يُعتمد على مثله في الاحتجاج ) ([47]).

* ومن كلام أهل العلم يتبين لنا أن هناك فرقاً بين زيارة القبور مطلقاً وبين السفر إليها بشدِّ الرحال، فالأول مستحبٌّ دلَّت عليه السنة، ففي صحيح مسلم: "زوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت"([48]) أما الثاني فمنهيٌّ عنه؛ للنهي عن شدِّ الرحال لغير المساجد الثلاثة، وهذا ما فهمه الصحابة -رضي الله عنهم-.

5- ومن خصائصه عند الغلاة محوّ الذنوب وعلم الغيب: وهذا من الكذب على رسول الله؛ لأن هذه من جنس خصائص ربِّ العزة والجلال، ومخالف لصريح الكتاب والسنة، قال تعالى: )﴾ [غافر:3] وقال تعالى: ﴿... إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ٥٣﴾[الزُّمَر:53] وقال تعالى لنبيه: ﴿... وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ ٥٥﴾[غافر:55] ، وقال تعالى: ﴿... وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ ...١٣٥﴾[آل عمران:135] قال ابن كثير: ( أي لا يغفرها أحد سواه ).

وقال قائلهم :   

فإن من جودك الدنيا وضرتها         ومن علومك علم اللوح والقلم

وقد تواترت النصوص على أن علم اللوح والقلم من خصائص ربِّ السماوات والأرض، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ... ١٢٣﴾ [هود:123] وقال تعالى: )﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي نَفۡعٗا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ لَٱسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَيۡرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوٓءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ وَبَشِيرٞ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ١٨٨﴾ [الأعراف:188]. فليس من خصائص النبيِّ محو الذنوب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وليس من خصائصه علم الغيب وإلا ما انتظر نزول الوحي ليجيب عن أسئلةٍ كثيرةٍ .

6- ومن خصائصه عند الغلاة أنه إليه الملاذ في الشدائد والكُرَب وأنه يجيب الدعاء: وهذا من غلوِّهم في قصائدهم في كتب الموالد وغيرها، وهذا مُصادم للكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡبٖ ثُمَّ أَنتُمۡ تُشۡرِكُونَ ٦٤﴾ [الأنعام:64] وقال تعالى: ﴿وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يَمۡسَسۡكَ بِخَيۡرٖ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١٧﴾[الأنعام:17] وقد أمر الله نبيه أن يقول: ﴿قُلۡ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ لَكُمۡ ضَرّٗا وَلَا رَشَدٗا ٢١﴾[الجن:21] ، وقال تعالى: ﴿ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ٥٥﴾[الأعراف:55].

7- ومن خصائصه عند الغلاة أنهم يرونه بعد موته في الحياة يقظةً ومناماً:  ويستندون إلى الحديث: "" مَن رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي ""([49])، وهو حديث صحيح وله طرقٌ عديدة وألفاظ، وذكر ابن حجر في الفتح فهم العلماء له، ومنها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصيةٍ لا مطلق مَن يراه، وهو قول الجمهور، وهو الراجح؛ لأن القول بأنه يراه الناس بعد موته في الدنيا يستلزم أن يحيا الآن، ويخرج من قبره، ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس ويخاطبوه، وأن يخلوَ قبره من جسده، وهذه جهالات لا يصدقها عاقل، وهي مخالفه لنصوص الكتاب والسنة.

×ب- خصائص النبي صلى الله عليه وسلم عند الجفاة:

      والمقصود بالجفاء هنا: ( ردُّ ما ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم من الخصائص والفضائل )  وهذه بعض الخصائص عند الجفاة:

1- رد عقيدة ختم النبوة بنبينا صلى الله عليه وسلم:  وأهل الجفاء هنا هم بعض المسلمين الذين تأثروا بالفلسفات الأعجمية كأبي نصر الفارابي وابن سينا وكذلك ابن عربي الذي قال بحالة أنبياء الأولياء في هذه الأمة، إلى أن ظهرت القاديانية في أوائل القرن الرابع عشر الهجري في الهند، ودعمها الاستعمار والغرب حتى اليوم، ورد عقيدة ختم النبوة فيها تكذيب للقرآن والسنة والإجماع ، قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٖ مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا ٤٠﴾[الأحزاب:40]

2- ومن الجفاء مشاركة الأولياء للأنبياء في خصائصهم: وهذا من الغلوِّ في الأولياء عند أتباعهم، فقالوا بدعوى الوحي إلى أوليائهم بغفران ذنوبهم وهم أحياء، وزعمهم نزول موائد من السماء على أوليائهم، وأنهم يعلمون منطق الطير وسائر لغات الوحوش، وأن أولياءهم يُحيون الموتى وهكذا.

3- ومن الجفاء إعطاء خصائص لأوليائهم فاقت خصائص النبي صلى الله عليه وسلم: ومن ذلك صلاة الفاتح لما أغلق، وأنها تفضل القرآن الكريم آلاف المرات عند التيجانية، وأن أولياءهم يصلون في مكة المكرمة وهم في بلدانهم، وأن الكعبة تطوف بهم وتعانقهم، وأن الشياطين تحملهم فيمشون على الماء، ويطيرون في الهواء، وأنهم ضمنوا لأتباعهم الجنة وغفران الذنوب، بل من كذبهم منازعة ملك الموت وردّ أرواح مريديهم منه، ودعواهم أن أولياءهم يعلمون ما في القلوب، ويتصرفون في الكون في حياتهم وبعد مماتهم، وغيرها كثير .

4- ومن الجفاء جعل خصائص للأولياء تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم: ومن ذلك دعواهم أن بعض أوليائهم يمكث أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، ومنها أن بعضهم يمكث خمسة أشهر لا يضع جنبه على الأرض من طول قيام الليل وهكذا .

سادساً :- الخاتمــة:  

بعد أن علمنا أهمية العلم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم مع سرد بعض هذه الخصائص له ولأمته وذكر خصائص النبي بين الغلاة والجفاة، يتبين لنا ضرورة التمييز بين ما صحَّ وما لم يصحّ من هذه الخصائص، وكذلك خطورة الغلوِّ والجفاء فيها؛ مما أدى إلى انحرافات عقدية خطيرة تؤدي إلى هدم الشريعة عموماً، ولذلك فالواجب هو اتّباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح فيما يدين به المسلم ربه عموماً، وفيما يتعلق بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم خصوصاً.

 

وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

 


 

([1]) صحيح البخاري: (4085)، متفق عليه.

([2]) صحيح البخاري: (335)

([3]) صحيح البخاري: (335)

([4]) صحيح البخاري: (335)

([5]) صحيح البخاري: (335)

([6]) صحيح مسلم: (2266) متفق عليه.

([7]) صحيح البخاري: (4896)، مسلم: (2354)، صحيح الترمذي: (2841) وغيره

([8]) صحيح ابن حبان: (909)

([9]) صحيح مسلم: (1390)

([10]) دلائل النبوة: (12)

([11]) صحيح مسلم: (2278)

([12]) صحيح مسلم: (2278)

([13]) صحيح مسلم: (2278)

([14]) صحيح مسلم: (182)، البخاري: (7437)

([15]) صحيح مسلم: (384)، أبو داود: (523)

([16]) صحيح مسلم: (2297)، البخاري: (6575)

([17]) صحيح مسلم: (523)

([18]) صحيح مسلم: (1759)، البخاري: (3092)

([19]) السلسة الصحيحة: (1527)، رواه أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم

([20]) صحيح البخاري: (4435)

([21]) أبو داود: (4362)

([22]) الصارم المسلول: (565)

([23]) صحيح الجامع: (5670)، رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني -رحمه الله- في: مختصر الشمائل: (326)، وأحكام الجنائز: (137).

([24]) الفتح: (8/ 69)

([25]) صحيح البخاري: (1961)

([26]) صحيح مسلم: (814)

([27]) صحيح البخاري: (7517)، متفق عليه

([28]) صحيح البخاري: (3486)

([29]) صحيح ابن ماجه: (1675)

([30]) صحيح البخاري: (2529)، متفق عليه

([31]) صحيح البخاري: (3474)

([32]) صحيح البخاري: (136)، صحيح مسلم: (247)

([33]) صحيح مسلم: (522)

([34]) صحيح البخاري: (6472)

([35]) صحيح البخاري: (6528)، متفق عليه.

([36]) السلسلة الصحيحة: (1118) رواه أحمد وابن ماجة

([37]) السلسلة الضعيفة: (5857)

([38]) ميزان الاعتدال: (2/ 129)، السلسلة الضعيفة: (2/ 115)

([39]) الصحيح المسند: (1162)

([40]) صحيح ابن حبان: (6404)

([41]) صحيح الترمذي: (3148)

([42]) الفتاوى: (11/ 94)

([43]) ميزان الاعتدال: (2/ 504)

([44]) السلسلة الضعيفة: (1/ 38)

([45]) شعب الإيمان: (3/ 490)

([46]) المجموع: (8/ 272)

([47]) الصارم المنكي: (30)

([48]) صحيح مسلم: (976)

([49]) صحيح البخاري: (6993)