الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله- أقوال لا تنسى ومآثر لن تُمحى


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 

كم في فعل الخير في سويداء القلب من أثر، وكم في الإحسان من امتلاك لقلوب البشر.

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ    فطالما استعبد الإنسان إحسان

هناك رجال بذلوا الغالي والنفيس في خدمة الإنسانية، شاع بين الناس في حياتهم ذكرهم بالخير، وانتشر بعد موتهم على الألسن ثناء الناس عليهم، وكما قال ابن مسعود-رضي الله عنه-:” عنوان صحيفة الميت، ثناء الناس عليه“.

رحلوا من الدنيا، ولم تزل أفعالهم وأقوالهم خالدة في الذكرى، فأقوالهم مصابيح نور لا تنسى، ومآثرهم منارات خير لا تُمحى.

ومن هؤلاء الرجال الشيخ القائد الراحل زايد بن سلطان آل نهيان -أسكنه الله فسيح الجنان-الذي وحَّد الله على يده العباد وأمن البلاد في دولة الإمارات بعد أن بذل أنفس ما عنده لتحقيق الاتحاد.

يقول -رحمه الله-: “نحن صبرنا وقتًا طويلًا وبذلنا جهودًا متواصلة لنبني أسس وقواعد هذا الاتحاد، وبذلنا الغالي والنفيس في سبيل هذا الاتحاد الذي قام في وقت كنا نعيش ظروفاً صعبة “.

سعى في تحقيق أمن الدولة، ورفعة شأنها؛ حتى أصبحت أحسن زهرة في أجمل بستان، ملك قلوب شعبه بما كان يقوم به من عدل وإحسان، ومدَّ يد الخير والعون والعطاء للإنسان.

وتأمل قوله، تعرف لماذا نحن نحبه، قال -رحمه الله-:” يعلم الله أني أنا جاد…جاد ومستعد لخدمة المواطن، وإصلاح المواطن، وفلاح المواطن، وإصلاح الوطن، هذه شغلتي الرئيسة، شغلتي هذه هي واحدة وما قبلها إلا طاعة الله والرجاء من الله سبحانه“.

وليس هذا فحسب؛ بل كان أبًا لصغيرنا، وابنًا لكبيرنا، حليمًا، رحيمًا، حكيمًا، مشرفًا على الأمور بنفسه، قريبًا من شعبه، يأخذ بيده الصغير والكبير فيشكو حاجته، لم يدَّخر وقتًا ولا جهدًا في خدمة شعبه؛ لأنه عرف ما عاشه الشعب من مرارة عيش، فأراد لهم طيب العيش.

يقول -رحمه الله-: “إن شعب الإمارات شعب واحد ذاق مرَّ الحياة، وعليه أن يذوق حلوها“.

لا تكاد تنظر في دولة من الدول إلا وتجد له بصمة خير في أرجائها، حتى انتقلت هذه البصمة من الواقع؛ فنكتت في القلب فرحة، ورسمت على الوجه بسمة.

أكد –رحمه الله-ما كان يريد الوصول إليه من خير ورفعة للإمارات؛ بل للعالم العربي بل ولجميع العالم؛ بأفعاله التي شهد لها القاصي والداني، وبأقواله الجميلة وحكمه المنيرة التي كانت تخرج من ذلك القلب الرحيم، فتقع في قلوب الناس أجمعين.

حثَّ –رحمه الله-على الإسلام السمح وأرسى قواعده في الدولة، وحارب الأفكار المتطرفة، ومنع تسربها بكلِّ ما أوتي من قوة.

 وصَّى –رحمه الله- بكتاب الله وأمر بالتمسك به، وحث على سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورغب في السير على طريقته.

 اعتنى –رحمه الله- بالشباب ووجههم لما فيه الخير والصلاح، وهيأ لهم جميع الأسباب التي توصلهم إلى الفلاح والنجاح.

 أعطى –رحمه الله- المرأة حقها وأكرمها وأعلا شأنها وصانها، وصَّى الأمَّ بأبنائها وزوجها، وحث البنت على برِّ أمِّها ونفع مجتمعها.

 تعاهد –رحمه الله- أبناء دولته بكل ما يقوِّي عزمهم ويطور مهاراتهم، وأرشدهم إلى الانتفاع بما فيه الخير للدولة مما لا ينافي الدِّين والعادات الأصيلة من الأفكار الدخيلة.

 أولى-رحمه الله- الوحدة اهتمامًا بالغًا، فأكد عليها وحث على الاجتماع، وحذر من الفُرقة وأسبابها.

 لم يقف همّه –رحمه الله- على حدود دولة الإمارات؛ بل تعدى دول الخليج والعالم العربي.

ومن وقف على آثاره وأفعاله وتأمل كلامه عرف ذلك جيدًا

فهو القائل: “البترول العربي ليس بأغلى من الدَّم العربي“.

وهو القائل:”المال عندنا ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة لخدمة الشعب“.

وهو القائل:”علينا أن نحسن رعاية الأبناء وتوجيههم التوجيه السليم، فكل منا مسؤول وراع، وعلينا أن نحسن هذه الرعاية كما أحسن الله رعايتنا“.

وهو القائل: “العلم كالنور يضيء المستقبل وحياة الإنسان؛ لأنه ليس له نهاية ولابد أن نحرص عليه، فالجاهل هو الذي يعتقد أنه تعلم واكتمل في علمه، أما العاقل فهو الذي لا يشبع من العلم؛ إذ أننا نمضي حياتنا كلها نتعلم“.

وهو القائل:” إن تعاليم ديننا الحنيف ومعرفة القرآن الكريم هما قاعدة الانطلاق إلى العلوم الباقية؛ لأن القرآن الكريم يعطينا قواعد الكلام، ووضوح المنطق ويضيء لنا طريق المستقبل“.

وهو القائل:” إن المرأة ليست فقط نصف المجتمع من الناحية العدديِّة؛ بل هي كذلك من حيث مشاركتها في مسؤولية تهيئة الأجيال الصاعدة، وتربيتها تربية سليمة متكاملة“.

وهو القائل: “إن الفساد هو الفاحشة الكبرى، الفساد لا يفلح أمة، وهو مرض يجب استئصاله وبتره؛ لأنه معدٍ ولا يجوز السكوت عليه، وعلينا أن نعالج الفساد ونمنعه؛ لأننا لا نريد أن يكون بيننا مريض بهذا الوباء الذي يلطخ الدولة ككل ويلوثها“.

فتأمل جميل العبارات وبديع هذه الكلمات، والسعي لعلاج جميع الجراحات، وبذل الوسع في إصلاح جميع الفئات؛ تعرف قدر ما كان يبذله، وعظيم ما كان يحمله، وتعرف الخطب الجَلَل الذي حلَّ بنا عند فقده.

 فكم من عين بكت عند فراقه، وكم من قلب تقطع أسى على رحيله، ولو كانت الأرواح تُهدى لأعطيناه أرواحنا هديَّة.

يا راحلاً عنَّا وليس براحل ٍ     هيهات ذكرك لا يروم رحيلا

إن ضمَّ هذا القبرُ جسمَك حبَّذا       لو ترتضي منَّا الضلوع بديلا([1])

فاللهم إنَّا نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تغفر للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وترفع درجاته في عليّين، وأن تجمعه بالنبيين والصدقين والشهداء والصالحين.

——————————————————

 ([1]) ينظر الأبيات: تبيين المسالك (1/49).