مسألة: حكم لبس الذهب اليسير للرجال


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونعوذ، بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا ما مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:-

فإن ما اختلف فيه أهل العلم قديما وحديثا حكم لبس الذهب اليسير للرجال, وهذا بحث يسير مختصر في هذه المسألة، اجتهدت فيه للوصول إلى الراجح من الأقوال، فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمني.

قلت: ذهب جماهير العلماء إلى تحريم لبس الذهب على الرجال مطلقا ولو كان يسيرا للأدلة العامة في ذلك وهي معلومة لدى طلبة العلم الشرعي، وذهب الحنفية ورواية عن الحنابلة وهو قول للإمام أحمد و قول شيخ الإسلام، ومال إليه ابن رجب وغيرهم رحمهم الله إلى إباحة اليسير من الذهب في باب اللباس وهذه أدلتهم وأقوالهم:

أ- أما أدلة هذا القول فهي:

1-حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبه من ديباج منسوج فيها الذهب فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصعد المنبر فقام أو قعد فجعل الناس يلمسونها فقالوا: ما رأينا كاليوم قط، فقال: (أتعجبون من هذه لمناديل سعد في الجنة خير مما ترون)([1]). ووجه الدلالة من الحديث أن الجبة منسوج فيه الذهب أي خيوط من الذهب، والذهب تابع للأصل وهو المقطع فاليسير من الذهب مباح، وقالوا: أن دعوى النسخ تحتاج إلى دليل ولو صح النسخ فهو للحرير الخالص.

 

2- عن معاوية رضي الله عنه  أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (نهى عن لبس الذهب إلا مقطعا)([2])

ووجه الدلالة أن ما كان مقطعا فلم ينه عنه، والمقطع هو يسيرا الذهب التابع لغيره كالعلم ونحوه، فدل على جواز لبسه لأنه لم ينه عنه كما ذكره ابن تيمية رحمه الله  في مجموع الفتاوى (21/87) و (25/64).

قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار حديث (553) : لابد فيه من تقييد القطع بالقدر المعفو عنه لا بما فوقه جمعا بين الأحاديث، قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود، والمراد بالنهي عن الذهب الكثير لا المقطع قطعا يسيرة منه تجعل حلقة أو قرطا أو ....، وقد يضبط الكثير منه بما كان نصابا تجب فيه الزكاة واليسير بما لا تجب فيه) انتهى كلام الشوكاني.

3- ومن أدلتهم القياس:  أي قياس الذهب على الحرير، كما يجوز للرجل لبس اليسير من الحرير فكذلك يجوز له لبس المنسوج والمموه بذهب يسير، بجامع أن الأصل في كل من الحرير والذهب هو تحريم اللبس على الذكور وإباحته للنساء، فكما أنه أُبيح اليسير من الحرير للرجال بالأدلة فيقاس عليه اليسير من الذهب لاشتراك العلة بينهما.

ب-أقوال أهل العلم:

1 ذكر ابن رجب رحمه الله في أحكام الخواتم عن عبدالله بن الإمام أحمد رحمه الله (سألت أبي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الذهب إلا مقطعا، فقال الشيء اليسير الصغير).

 

2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وفي يسير الذهب في باب اللباس عن أحمد أقوال: أحدها الرخصة مطلقا لحديث معاوية رضي الله عنه (نهى عن الذهب إلا مقطعا)([3]) ولعل هذا القول أقوى من غيره، واليسير كالعلم ونحوه) مجموع الفتاوى (2/356) الفتاوى الكبرى.

 

3- وقال شيخ الإسلام أيضا: (والرخصة في باب اللباس أوسع من الآنية لأن حاجتهم إلى اللباس أشد، وتنازع العلماء في يسير الذهب في اللباس والسلاح، وإلا ظهر أنه يباح، فيباح طراز الذهب إذا كان أربعة أصابع فما دونها، وضرا القبات وحيلة القوس كالسرج والبردين ونحو ذلك) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام - البعلي(77).

 

4- وقال ابن الأثير رحمه الله في نهاية -مادة القطع- حول حديث معاوية رضي الله عنه (أراد الشيء اليسير منه كالحلقة والشنف وغير ذلك، واليسير ما لا تجب فيه زكاة).

5- قال الإمام ابن الهمام - رحمه الله - في تكملة شرح فتح
 القدير (10/8)
:- (
والتابع لا يكره كالجبة المكفوفة بالحرير والعلم في الثوب ومسمار الذهب في الفص).

6- قال البهوتي رحمه الله (ويجعل الفص الخاتم منه أو من غيره ولو من ذهب كان يسيرا) .

7- وقال البهوتي: - رحمه الله - في المصدر السابق (2/632) : (إذا كان يسيرا فيباح وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز والمجد والشيخ تقى الدين, وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في العلم وإليه مال ابن رجب، ذكره في الأصناف وقال وهو الصواب والمذهب على ما اصطلحناه)

8- قال ابن تيمية رحمه الله:  (أبيح للنساء لبس الذهب والحرير لحاجتهن إلى التزين وحرم ذلك على الرجال، وأبيح للرجال من ذلك اليسير كالعلم ونحو ذلك مما ثبت في السنة)([4])  

9- قال الإتيوبي: في شرح سنن النسائي (38/226) (يستفاد من صنيع المصنف رحمه الله أن الاستثناء في قوله إلا مقطعا في حق الرجل، لأنه حق النساء وهذا هو الراجح).

قلت مما سبق من الأدلة والأقوال أهل العلم يتبين لنا أن الراجح هو القول بإباحة الذهب اليسير للرجال إذا كان مقطعا أي تابعا ومتصلا غير منفصل وأن يكون يسيرا كفص الخاتم والعلم وعقارب الساعة والحلقة وغيرها, وما كان من اللباس منسوجا أو مموها بالذهب اليسير.

وهذا ما رجح الحنفية ورواية للحنابلة وقواه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب الحنبلي والإتيوبي في شرح سنن النسائي رحمهم الله.

 

والحمد لله رب العالمين

 

كتبه/ إبراهيم عبدالله بن سيف المزروعي
الخامس من ذي القعدة 1434ه

الموافق 21/9/2013

 

 

 

 


([1]) سنن النسائي  (5317)

([2]) أبو داود (4239)

([3]) مجموع الفتاوى (356)

([4]) الفتاوى الكبرى  (353)