حُكمُ اللَّعْنِ


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

اللعنُ: هو الطردُ والإبعادُ عن رحمةِ الله تعالى بطريق العقوبة، وتركُ اللعن أولَى، وحكمُ اللعنِ فيه ثلاثةُ أقسامٍ:- اللعْنُ المطلقُ للكفَّار ولعن الفُسَّاق المعيَّنين، لعنُ المسلم .

1-  اللعنُ المطلقُ على الكفّار أو على الفُسَّاقِ:

قال اللهُ تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) المائدة 78

وقال الله تعالى: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الأعراف 44

وقال تعالى: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) آل عمران 61

وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لعنَ اللهُ الواصلةَ والمستوصلةَ)([1])

وقال صلى الله عليه وسلم: (لعَنَ اللهُ آكلَ الرَّبا ومَوكلَهُ وكاتبَهُ وشاهديه) ([2])  

وقال صلى الله عليه وسلم: (لعَنَ اللهَ المُتَشَبِّهين من الرجالِ بالنساءِ) ([3])  

وفي الصحيحين في قنُوتهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهمَّ العَنْ لِحْيَانَ ورِعْلاَ وذكوانَ وعُصَيَّةَ) ([4])  

·       قال النوويُّ رحمه الله: (فيه جوازُ لَعْن الكُفَّار وطائفةٍ مُعَيَّنَةٍ منهم) ([5])

·       وقال ابنُ كثير رحمه الله: (لا خِلاَفَ في جواز لَعنِ الكفّار) ([6])

وهذا إذا لم تترتَّب على ذلك مَفْسدةٌ راجحةٌ على الإسلام والمسلمين.

وتركُ اللعنِ أولى لما رواه مسلم رحمه الله: (إنِّي لم أُبعثْ لَعَّاناً وإنَّما بُعِثْتُ رحمةً) ([7])

 2-  حكمُ لَعنِ الكافِرِ المعيَّن:

قال شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة رحمه الله: (المنصوصُ عن أحمد الذي قَرَّرَهُ الَخلّالُ: اللعنُ المطلقُ العامُّ لا المَقَيَّدُ المعيَّنُ كما قلنا في نصوص الوعدِ والوعيدِ، وكما نقول في الشهادة بالجنَّةِ والنّار، فإنَّا نشهدُ بأنَّ المؤمنين في الجنَّةِ، وأنّ الكافرين في النَّار، ونشهدَ بالجنَّ والنّار لمن شَهِدَ له الكتابُ والسُّنَّة، ولا نَشْهَدُ بذلك لمعيَّنٍ إلاّ لمن شَهدَ له النصُّ، فالشهادةُ في الخَبَرِ كالطعنِ عن الطلب) الأداب الشرعية لابن مفلح (1/285).

وتركُ لعن الكافر المعيَّنِ أولى لأسباب منها:

-      إنّ أكثر اللعن الوارد في النصوص على سبل العموم.

-       كثرة الأحاديث الناهيةِ عن اللعن.

-       إنَّ الله تعالى نَهَى نبيَّهُ محمداً صلى الله عليه وسلم عن لعنِ أئمَّةِ الكُفْر فقال تعالى:   (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (آل عمران: 128)

إن الكافِرَ المعيَّنَ قد يهديهِ اللهُ للإسَلامِ كما حصَل للثلاَثة الذين لعنهم رسولُ الله ونهاه اللهُ تعالى عن ذلك. -

-       يقولُ أنس رضي الله عنه: (لم يكُنِ النبيَّ r، سبَّاباً ولا فحَّاشاً ولا لعَّاناً..) ([8])

-       وفي الصحيحين نهي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها عندما قالت لليهود الذين قالوا: السام عليكم، فقالت: عليكم ولعنكُمُ اللهُ وغِضب عليكم، فقال لها رسولُ الله: (مهلاً يا عائشة، عليكِ بالرِّفق) وفي رواية مسلم: (يا عائشة لا تكوني فاحشةً) ([9])

تنبيه

(منعُ لعنِ الكافِرِ المعيَّنِ لا يمنَعَ الدعاءَ عليه بالهلاك إذا كانَ عدوّا للإسلامِ والمسلمين أو ظالماً للنّاس)

3- لعنُ الفاسقِ المعيَّنِ:

في صحيح البخاري من حديث عُمر رضي الله عنه في قضَّيةِ الرَّجلِ الذي جَلَدَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الشراب، فقال رجلٌ من القوم: اللهم العَنْهُ، ما أكثر ما يُؤْتَى به؟ فقال رسولُ الله: (لاَ تلْعَنُوه ..) ([10]) فنهى عن لعنِ العاصي، قال القرطبيَّ رحمه الله: (وذَكَرَ ابنُ العربيِّ أنَّ لعنَ العاصي المعيَّن لا يجوزُ اتفاقاً) ([11])

- وقد صحَّت الأحاديث الناهيةُ عن اللعن المعيَّن كما في قصَّة شارب الخمر والزّانية وغيرهما.

ذكر الحافظُ ابن حجر رحمه الله كلامَ أهل العلم في جواز لعنِ الفاسقِ المسلمِ المجاهرِ بفسقهِ المشتهر خاصَّةً، إذا كانَ ضَررُه بيِّناً وآذاهُ وظلمهُ للمسلمين ظاهراً، ولعلَّهم استدلَّوا بمثل حديث الرَّجلِ الذي اشتكَى جارَه الذي يُوُذيه فقال له رسولُ الله: «انطلق فأخرج متاعك على الطريق فَفَعلَ، فاجتمع الناس عليه فأخبرهم، فجعلوا يقولون: اللهم العنْهُ، اللهم أخزِهِ، وأقرَّهم رسولُ الله على ذلك»([12])

وهذا الجواز مُقيّدً بالظّلم وكثرِة الأذى للمسلمين والمجاهرة بِهِ، وتركُه أولى.

·       تنبيه:

(الفاسقُ المعيَّنُ قد يكون قام بأعمال قلبيَّة وبدنيَّةٍ تمنع لحوقَ اللعنةِ به – فقد تكونُ له توبةٌ مع الله أو حسنات ماضية أو مصائبُ مكفِّرةً أو عذاب في القبر أو يوم القيامة أو شفاعة أو دعاءً من المؤمنين)

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 


 


([1]) صحيح البخاري: (5941) متفق عليه.

([2]) صحيح البخاري: (5962)

([3]) صحيح البخاري: (5885)

([4]) صحيح مسلم: (675)

([5]) شرح مسلم: (5/ 171)

([6]) تفسير ابن كثير : (1/ 202)

([7]) صحيح مسلم: (2599)

([8]) صحيح البخاري : (6031)

([9]) صحيح مسلم: (2165)

([10]) صحيح البخاري: (6780)

([11]) الجامع لأحكام القرآن (2/89).

([12]) فتح الباري (9/ 207) الأدب المفرد (باب شكالة الجار)، ورواه أبو داود وابن حبّان والحكم.