محل الاعتكاف


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين ,والصلاة والسلام على خاتم النبيين ,وعلى آله وصحبه أجمعين , وبعد: فهذا بحث مختصر عن محل الاعتكاف :

 * محل الاعتكاف:

اختلف السلف على سبعة أقوال ذكرها ابن حجر فتح  الباري .([1])

1- الاعتكاف في كل مكان ,وهو قول محمد بن لبابة المالكي ,وهو مردود بالكتاب والسنة والإجماع الذي ذكره القرطبي في تفسيره .([2])

2-  الاعتكاف يصح في أي مسجد ولو كان مهجورا ,وهذا مذهب مالك والشافعي وداود ,ودليلهم عموم الآية (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة{187}.

3- الإعتكاف في مسجد جامع ,وهو قول الزهري ,ورواية عن مالك ,ودليلهم حديث عائشة(السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ,ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ) ([3])

4-  الاعتكاف في مسجد جماعة ,وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وإسحاق , وبعض السلف ,ودليلهم حديث عائشة (ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة )([4]).

5-  الاعتكاف في المسجد الحرام ,والمسجد النبوي , وهو قول عطاء ,كما عند عبد الرزاق.([5])

6-  الاعتكاف في المسجد النبوي فقط ,وهو قول سعيد بن المسيب , كما عند عبد الرزاق, ([6])وله قول آخر (إلا في مسجد نبي)

7- الاعتكاف في المساجد الثلاثة فقط ,وهو قول حذيفة رضي الله عنه , واستدل بحديث (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة).([7])

والراجح أن الاعتكاف في مسجد جماعة : وهو قول بعض السلف كابن مسعود ,والحسن, وعروة, والزهري ,وإسحاق ,وقال به المذاهب الأربعة والظاهرية وابن حزم وابن تيمية والشوكاني والبخاري ,و ابن حجر .

* لأدلة:

1- الآية (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) البقرة(187)

2-  حديث عائشة (السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ,ولا اعتكاف إلا مسجد جماعة )([8]).

وقد ثبت أيضا عن عروة وعن الزهري ,بنفس القول الأخير .([9])

3-  عن ابن عباس قال (لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الصلوات )([10])

 كذلك قوله (لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة) ([11])

4- عن سعيد بن جبير قال : اعتكفت في مسجد الحي فأرسل إلى أمير الكوفة فلم آته وقلت : إني كنت معتكفا) ([12])

* أقوال العلماء :

1- قال البخاري ( باب الاعتكاف في العشر الأواخر  الاعتكاف في المساجد كلها )([13])

2-قال الطحاوي (وكان المسلمون عليه في مساجد بلدانهم أي الاعتكاف في كل مسجد ) ([14])

3- قال ابن حجر بعد أن ذكر سبعة أقوال (والراجح أنه لا يصح إلا في مسجد جماعة ) ([15])

4- قال القرطبي أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد).([16])

5- قال ابن تيمية (الاعتكاف مشروع في المساجد دون غيرها ) ([17])

6- قال ابن حزم في المحلى (والاعتكاف جائز في كل مسجد جمعت في الجمعة أو لم تجمع ) ثم قال (أما من حد  المساجد الثلاثة أو المسجد الجامع ,فأقوال لا دليل على صحتها فلا معنى لها وهو تخصيص للآية)([18])

7-قال ابن قدامة في المغني ( وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ مُدَّةً غَيْرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ كَلَيْلَةٍ أَوْ بَعْضِ يَوْمٍ، جَازَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ؛ لِعَدَمِ الْمَانِعِ)([19])

8-قال الكاساني في البدائع (فأفضل الاعتكاف أن يكون في المسجد الحرام ثم في مسجد المدينة ثم الأقصى ثم في المساجد العظام التي كثر أهلها )ا, هـ([20])

*كلام العلماء في حديث حذيفة:-

نص الحديث : عن شقيق بن سلمة قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما :إن قوما عكوف بين دارك ودار أبي موسى لا يضر _وفي رواية _ألا أعجبك من ناس عكوف _قال ابن حزم , قال  ,إبراهيم  في مسجد الكوفة الكبير _قال حذيفة :وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا اعتكاف الا في المساجد الثلاثة : مسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى ) فقال عبد الله بن مسعود : فلعلهم أصابوا وأخطأت وحفظوا ونسيت , فقال حذيفة (لا اعتكاف الا في هذه المساجد الثلاثة)

قال الألباني ( أخرجه الطحاوي والإسماعيلي والبيهقي بإسناد صحيح عن حذيفة وهو مخرج في الصحيحة([21]).

* نوقش هذا الاستدلال من أوجه:-

الأول:-أنه لا يثبت مرفوعا وثبت من قول حذيفة رضي الله عنه .

وجمهور علماء  الحديث على ضعفه واضطرابه منهم الطحاوي([22]), وابن حزم في المحلى ([23]),وابن حجر في الدراية([24]) ,والشوكاني في نيل الأوطار .([25])

وقال صديق حسن خان (ولا حجة في قول حذيفة ) ([26])

وقد رجح وقفه بعض المحدثين ,كالشوكاني لما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ([27])عن ابن عيينة به موقوفا من كلام حذيفة , وكذلك ما ذكره أيضا ([28])وابن أبي شيبة ([29])عن إبراهيم النخعي قال : جاء حذيفة ..فذكره موقوفا

* وهذا من جهة الصناعة الحديثية , وأما من جهة النظر فإن ابن مسعود لم يقبل قول حذيفة ,بل ردها ولو ثبت رفع الحديث لما تجاسر على ذلك وهو من فقهاء الصحابة , وقد أفتى بخلاف قول حذيفة –إن صح  هو– عن شداد بن الأزمع قال : اعتكف رجل في المسجد فحصبة([30]) الناس ,فجاء ابن مسعود وطرد الناس , وحسن ذلك )فعلم أن ابن مسعود لم يكن ملزما باجتهاد حذيفة.([31])

كذلك قول ابن مسعود في الرواية ( لعلك نسيت وحفظوا أو أخطأت فأصابوا ) وهذا تصريح من بخطأ حذيفة وصواب عمل الآخرين بخلافه .

* كذلك فأن في  متن الحديث اختلافا وشكا فقد جاء في رواية سعيد بن منصور كما في المحلى , قول حذيفة ( لا اعتكاف الا في المساجد الثلاثة أو قال (مسجد جماعة )([32])

قال ابن حزم (قلنا : هذا شك من حذيفة أو ممن دونه , ولا يُقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك , ولو أنه عليه الصلاة والسلام قاله , لحفظه الله تعالى علينا ولم يدخل فيه شك فصح يقينا أنه لم يقله قط )([33])

وقال الشوكاني في النيل :فأيضا الشك الواقع في الحديث مما يضعف الاحتجاج بأحد شقيه )([34])

كذلك استدل الإمام الطحاوي في مشكل الآثار :على اعتراض ابن مسعود أن قول حذيفة منسوخ وقد علمه ابن مسعود ولم يعلمه حذيفة, ولذلك قال له (حفظوا) أي النسخ , وكان ظاهر القرآن على ذلك .([35])

فعم المساجد كلها بذلك وكان المسلمون عليه في مساجدهم ))

*قالوا أيضا : أنه لو كان ثابتا مرفوعا لاشتهر ذلك بين الصحابة وقد خالفه مع ابن مسعود ,عائشة وابن عباس , وقد مر حديث عائشة (ولا اعتكاف الا في مسجد جماعة )أما قول ابن عباس (ولا اعتكاف الا في مسجد تجمع فيه الصلوات )قد مر تخريجه .

*ثم أنه لو صح فهو معارض لحديث عائشة (ولا اعتكاف الا في مسجد جماعة , بعد أن قالت من السنة.

*كذلك يُقال : أنه لو ثبت رفع الحديث لما أجمعت الأمة على ترك العمل به , فلم بنقل عن أحد من الأئمة أنه أخذ به , فعلم أن هذا القول اجتهاد منه رضي الله عنه , وقد خالفه غيره من الصحابة كما مر .

*ثم يقال أنه لو قيل بموجب هذا الحديث لكانت (أل) في الآية (في المساجد ) للعهد الذهني ولا دليل على ذلك في الآية, بل هي للعموم وهذا هو الأصل .([36])

كذلك لو قيل بموجبه لكان حملا للآية على النادر , وهذا من معايب الاستدلال كما قال العثيمين في تعليقاته على الكافي لابن قدامة .

*كذلك على فرض ثبوته مرفوعا : فالمراد: لا اعتكاف كامل لما مر من فهم الصحابة والأئمة والمذاهب .

ولو صح فهو محمول على بيان الأفضلية , كما ذكر الكاساني في البدائع. ([37])

 

والحمد لله رب العلمين


 


([1])(4/271).

([2])القرطبي في تفسيره (2/333)وابن قدامة في المغني (3/187).

 ([3])صحيح سنن أبي داود (2473)

([4])صحيح سنن أبي داود (2135)وهو الراجح

([5]) (34914)

 ([6])عبد الرزاق (4/346)

([7])رواه الطحاوي والبيهقي

([8]) أخرجه أبو داود حديث:‏2128‏,صحيح أبي داود (2473)

([9])أخرجه أبو داود حديث:‏2128‏,صحيح أبي داود (2473)

([10])أخرجه عبد الله بن أحمد في مسائله عن أبيه (2/673)وهذا إسناد صحيح .

 ([11])عزاه ابن مفلح في الفروع (3/156)لحرب في مسائله وقال: بإسناد جيد .

 ([12])ذكره الحسن الحلواني كما في التمهيد (8/1331)

 ([13])فتح(4/271)

([14])مشكل الآثار(4/20)

 ([15])فتح (4/271)

([16])(2/333)

([17])الفتاوى(26/251)

([18])مسألة (633)

([19])(3/189)

([20])(2/113)

([21])(2786)قيام رمضان صــــ36

([22])مشكل الآثار (4/20)

([23])(5/195)

([24])(1/288)

([25]) (4/360).

 ([26])الروضة الندية (1/238)

([27])(4/348)

([28])(4/347)

([29])(3/91)

([30])ورد في النهاية : حصبه , رماه بالحصباء{الحجارة الصغيرة}

([31])أخرجه عبد الرزاق (4/348)وابن أبي شيبة (3/91)والطبراني (9/350) بسند صحيح عن شداد

([32])(5/195)

([33])(5/195)

([34])(4/360)

([35])(4/20)

([36])قاله بن العثيمين في الشرح الممتع (6/505)

 ([37]) (2/113)