السواك فضله وأحكامه


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

السِّواكُ: نوعٌ من أنواع النظافة، وخصلة من خصالها، وسُنّةٌ في شرعنا، شَرعَهُ لنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورغَّبَ فيه، وبيَّنَ لنا فَضلَه وأحكامَه. ومعرفة أحكام السواك من الفقهِ في الدِّين ومن العلم النافع للمسلم في الدنيا والآخرةِ .

- السِّواكُ يطلقُ على الفعلِ وهو الاستياك، ويطلقُ على الآلةِ التي يُستاكُ بها يقالُ: ساكَ فاهُ يسوكُه سَوكاً إذا دلكَهُ بالسِّواكِ.

الترغيبُ في السواك ما جاء في فضله:-

- عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السِّواكُ مطهرةٌ للفمِ، مُرْضاةٌ للرَّبِّ»([1])

- وعن المقدام بن سُريح بن هانئ قال: «سألتُ عائشةَ: بأي شيءٍ كانَ يبدأُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ بيتهُ؟ قالت: بالسِّواكِ»([2])

قال النوويّ رحمه الله: «فيه بيانُ فضيلةِ السِّواك في جميع الأوقات، وشِدَّةُ الاهتمام به وتَكراره، وفيه أيضاً استحبابُه عند دخول المنزل؛ لأنَّ فيه بركةً وأُنْسًا لَلأهِل إذا تَحَدَّثَ معهم) ([3]).

- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كانَ صلى الله عليه وسلم يُصلَّي بالليل ركعتين، ثم ينصرف فيستاك»([4])

* حكمُ استعمال السواكِ:- ذهب جمهورْ العلماء إلى أنه مُستحبُّ في جميع الأوقات، ويتأكّدُ استحبابُه عند كلُ وضوءٍ، وعن كل صلاة، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند دخول البيت، وعند تَغَيُّرِ رائحة الفَمِ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشُّقَّ على أمَّتي، لأمرتُهُم بالسواكِ عند كلِّ صلاةٍ) ([5])

وعدمُ أمرِه لهم والأمرُ يدلَّ على الوجوب، فيه دليلٌ على استحبابه وعدم إيجابه.

وقولهِ صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشُقَّ على أمَّتيِ لأمرتُهم بالسَّوك عند كلِّ وضوء»([6])

ومن حديث حذيفة رضي الله عنه: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يَشُوصُ فاهُ بالسواكِ»([7]) وفي رواية لمسلم: «إذا قام ليتهجَّدَ» وفي رواية: «إذا قام من النوم يشوصُ فاهُ بالسِّواكِ»

وبالجُملةِ فالسِّواكُ يَشْرعُ عن الأسباب الموجبة له كالنوم وعن العبادة وغيرها.

لا فرق في استحباب السواكِ بين الرَّجلِ والمرأةِ والكبير والصغير، والجميعُ يثابُ على فعلهِ؛ وذلك لعموم أدلَّة الشرع – قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]

والسواك عمل صالح للجميع.

مسائل في السواك:-

حكمُ التَّسَوُّكِ بسواكِ الغير:- يجوزُ للإنسانِ أن يتسوّك بسواك الغير برضاهُ دون كراهةٍ، والسُّنَّةُ أن يغسِلهُ ثم يَستعملَه كما في حديث عائشة رضي اللهُ عنها قالت: «كان نَبيُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يستاكُ فيعطيني السواك؛ لأغسلهُ فأبدأ به فأستاكُ ثم أغسلهُ وأدفعهُ إليه»([8])  وكذلك ما روته رضي الله عنها قالت: «دخَل عبدُ الرحمن بن أبي بكر – ومعه سواكُ يسَتنُّ به، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمتهُ –مضغتُه- فأعطيتُه رسولَ اللهِ، فاستنَّ به وهو مستندٌ إلى صدري»([9]).

قال الخطَّابيَّ رحمه الله: «... إنَّ استعمالَ سواكِ الغير ليس بمكروهٍ على ما ذهب إليه بعضُ مَنْ السلف، إلاّ إنَّ السُّنَّةَ فيه غَسْلُه قبل الاستعمال) ([10])

فأثره: في قضم عائشة رضي الله عنها السواكَ في الحديث حكمة – وذلك لأن إزالة الجزء المستعمل من السواكِ أمرٌ لا بد منه خاصَّةً إذا كان السواكُ للغير، وقال الأطبَّاءُ: «إن في قضم الجزء المستعمل من السواك فائدتين: الأولى: إن المواد فيه ربّما تكونُ قد انتهت من الاستعمال.

الثانية: أن قطع الجزء المستعمل به خشية احتمالٍ للتلوّثِ بالجراثيم والغُبار، وبالقطعِ نتيقَّنُ سلامةَ الأليافِ الجديدِة من ذلك).

ولذلك يُوصي الأطبّاءُ المتسوّكين باستخدام المسواكِ لمدة يوم، وبعد ذلك يُقطع الجزءُ المستخدَمُ، ويستخدمُ جزءٌ جديدٌ منَ السِّواكِ.

* مسألة: ما يُستحبُّ الاستياك به:-

الأفضلُ أن يستاكَ الإنسانُ بعودٍ من شجرة الأراكِ وخاصةً عروقها، ويجوز من عيدان الشجر الطيِّب كالنخيل والزيتون وغيرها، إذا كان العودُ رطْباً.

قال أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله: (إنَّ السُّنَّةَ أن يستاكَ بقضبانِ الأشجار؛ اقتداءً بالنبيِّ المختار صلى الله عليه وسلم، وأفضلها الأراكُ؛ لأنها كانت سواكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولها أثرٌ حسن في تصفية الأسنانِ وتطيب النكهةِ ولينِ الجُرمِ، فإن عَدِمَت فما في معناها ممَّا يُصَفِّي ويُلَيَّنُ). ([11])

وقال ابنَ قناصة رحمه الله: «ويُستحبُّ أن يكَونَ السِّواكُ ليّناً يُنقي الفَم، ولا يَجرحُه ولا يضرُّهُ، ولا يتفَتَّتُ في فيهِ كالأراكِ) ([12])

* مسألة: حكمُ الاستياك بالأصابع: يجوزُ الاستياكُ بالأصابع، فإنَّهُ يُجزي إذا لم يقدر على عودٍ ونحوه؛ لأن الدّينَ مبنيّ على اليُسر وعدم المشَقَّةِ.

وقد وردت في ذلك أحاديثُ لكنَّها ضعيفة تتقوَّى ببعضها، وقد ذكرها ابنُ حجر رحمه الله في تلخيص الحبير.

* مسألة: حكمُ السِّواكِ للصائم:- مذهبان مشهوران: يُكرَه بعد الزوال، مُستحبُّ في جميع النَّهار:- والرّاجح الجوازُ؛ لأن القول بالكراهةِ يحتاجُ إلى دليل خاصِ، ولم يردْ دليلٌ يُخصِّصَ الأحاديثَ العامّة الواردة في السواكِ، ولأن رسول الله رغَّب أمَّتَه في السِّواك لكل وقت. ولم يُخصَّ صائماً من غير الصائم، بل قد ثبت من حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: «رأيتُ رسول الله يَستاكُ وهو صائمُ ما لا أحْصِي ولا أعُدَّ»([13]) وفي الموَطّأ للإمام مالكٍ رحمه الله: «أنه سمع أهلَ العلِم لا يكرهون السواكَ للصاِئم في رمضان. في ساعة من ساعات النّهار، ولم أسمع أحداً من أهل العلم يكره ذلك ولا ينهى عنه­»([14]) وكذلك أحاديث الصحيحين: «لولا أن أشُقَّ على أمَّتيِ لأمرتهم بالسّواكِ عند كل صلاةِ»([15]) وصلاتي الظهر والعصر بعد الزوال.

* مسألةَ: هل التَّسوّكُ باليدِ اليُمنى أو اليُسرى:-

أ- فمن قال أن الاستياك باليد اليُمنَى أفضل؛ لأنَّهُ من باب التطيب والاقتداء بالسُّنَّة كما في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: «كان يُعجبُه التيمّنُ في تَنعُّلِهِ وتَرجُّلِهِ وطهُوُره. وفي شأنه كلِّه"([16]) قالوا: ومن شأنه السواك وكذلك في السِّواكَ عبادة مقصودة تُشرع عن الوضوء وعند القيام للصلاةِ .

ب- ومن قال أن الاستياكَ باليد اليُسرى أفضلُ؛ لأنَّه من باب إماطةِ الأذى والفضلات وتنظيف الفم منها، واستدلّوا بحديث عائشة رضي الله عنها أيضاً: «كانت يدُ رسول الله اليُمنَى لطهوره وطعامِه، وكانَتَ يدُه اليُسرى لخلائهِ وما كانَ من أذى) ([17]) وفي الاستياك إماطةٌ للأذى.

وكذلك استدلوا بحديث حفصةَ رضي الله عنها قالت: «كانَ يجعلُ يمينَه لطعامهِ وشرابهِ وثيابِه ويجعلُ شمالَهُ لمَا سِوَى ذلك"([18]) ولم يأتِ دليلٌ خاص بالاستياك باليد اليُمنَى ومفهومُ حديث عائشة: «كان يَعجبُه التيامنُ في طهورِه وفي تنعُّلهِ وترجُّلِهِ وفي شأنه كلِّه»([19]) أي: إذا بدأ الاستياك يبدأ بالشِّقِّ الأيمن من الفَم، وأمَّا كونُه يستاكَ بيمينه فيحتَاجُ إلى نقلٍ. وما نَقَلَ أحد ذلك، قالوا: أنّ الاستياك إنَّما شرع لإِزالةِ ما في داخل الفم، وهذه العلَّةُ مُتَّفق عليها بين العلماء، وبهذا شُرع عند الأسباب المُغَيرّةِ له كالنوم، وعند العبادةِ التي يُشرع لها تطهير كالصلاةِ، وقراءة القرآن والوضوءِ وغيرها. وإن كانَ عبادةً مقصُوَدةً تُشرعُ فيها النيَّةُ وحينئذٍ يكونُ باليُسرى كالاستنشاق والاستنجاء بالأحجار ونحوه، ورأيتُ أن أكثر من فصَّل في المسألة هو شيخ الإسلام رحمه الله([20])

* مقارنة بين السِّواكِ والمعجونِ وفَرْشَاةِ الأسنان:

قال النوويُّ رحمه الله: (ويحصُلُ السواكُ بِخِرقةِ، بكلِّ خَشِنٍ مُزيل، لكنّ العودَ أولى والأراكَ منه أولى) ([21])، وقد أُحدث في هذا العصر المعجونُ وفرشاةُ الأسنان، فأهملَ المسلمون السواكَ، وحَرِمُوا من الثواب والاتِّباع، وهذه مقارنة بين الاستياك بالسواك وبين فرشاةِ الأسنان وأنواع المعاجين من كلام وبحوث الأطباء:

1-   ثبت للسِّواكِ فعَاليةَ وتأثيرا أقوى من الفرشاة في منع تكوُّن الالتهابات اللثويَّة.

2-   السِّواكُ منظف يحتوي على ألياف طبيعيَّة خيرُ من ألياف الفرشاةِ، وفي أليافهِ موادُّ مُطَهِّرةٌ مثل: بيكربونات الصوديوم والسنجريل، وفيها مواد مُبيدة للجراثيم ومواد مُبَيّضَة للأسنان، وهي خير من المواد الرَّغويَّة التجاريَّة التي في المعاجين.

3-   في السِّواك موادُّ عطريَّةٌ طيّبة النكهةِ لا توجدُ في المعاجين.

4-   في السِّواك مواد الفلورايد والصمغ وعناصر ضد تسَوّسِ الأسنان، وتَحدُّ من البكتريا، وتحمي أنسجة الفم.

5-   السِّواكِ يزيلُ الجيرَ والترسُّباتِ التي تتجمَّع على الأسنان بعد الطعام والنوم أكثر من الفرشاةِ .

6-   السَّواكُ يحتوي على مواد عديدةٍ مفيدةٍ لا توجَدُ بأي معجون أو منظّف للفم والأسنان.

7-   ألياف السِّواك تتغَيَّر وتُقطع عادةً فتظهُر ألياف جديدةً غيرُ مُلوَّثةٍ بالجراثيم وغُبار الجو، وبإزالةِ وبتر الجزء المُستعملِ يزولُ أيُّ احتمالٍ للتلوّثِ بعكس الفرشاةِ التي تتلوَّث، وتنقل الأمراضَ.

ممَّا تَقدَّم تبيَّن لنا أن السِّواكَ خير وأفضلُ وأبركُ من المعجون وفرشاةِ الأسنان. فكيف لا يكون كذلك وهو سُنَّةُ نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم؟

 وبالسُّنّـــة الغَرّاءَ كُنْ مُتمَسِّــكًا   ***   هي العَروةُ الوُثْقى التي ليس تُفْصَمُ

تَمَسَّـكْ بها مَسْكَ البخيل بماَلــــــهِ  ***  وعُضَّ عليها بالنـــــواجذ تَسْلَـــــــــــــــــــــــمُ

ودَعْ عنكَ ما قد أحْدَثَ الناسُ بعدها   ***   فَمَرْتعُ هاتيك الحـوادثِ أوخَـمُ

وأخيراً فما هي فوائدُ السّواك؟

- "السَّواكُ مَطْهرةٌ للفَمِ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ"([22])

- السِّواك من الفطرةِ وخصالها، وقد صحّ عن السبعة إلاّ البخاري: «عشر من الفطرة وذكر منها السواكَ) ([23])

- قال الصنعاني رحمه الله في تقبُّل السلام: قال ابنُ المُنَيرّ في البدر المنير: «قد ذُكر في السِّواكِ زيادةً على مائة حديثٍ ثم قال الصنعاني: فواعجباً لسُنَّةٍ تأتي فيها الأحاديث الكثيرةُ ثم يُهمِلُها كثير من الناس، بل كثير من الفقهاءِ، فهذه خيبة عظيمة.

ولذلك «كان صلى الله عليه وسلم لا ينامُ إلاّ والسِّواك عند رأسهِ، فإذا استيقظ بدأ بالسواكِ) ([24])

- ومن فوائده الصَّحَّية أنَّه يطيّبُ الفم، ويقلل البلغَمَ، ومقوِّي لِلِّثَّةِ، ويَمنعُ تَسَوُّسِ الأسنانِ، ويُنقي الأسنان، ويُساعدُ في هَضْمِ الطعامِ، ويطردُ النَّومَ، ويَميط الأذَى بأنواعه عن الفَمِ .

- فائدة أخيرة: لم يَثْبَتْ دعاءٌ ولا ذِكرٌ يقالُ أو يُفعل عند السِّواكِ أو قبلهُ أو بعده؛ فَلّيُنَتبهْ!!!

 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

 

 


 

([1])  رواه البخاريُّ في صحيحه «4/ 158) له شواهدُ طرقُ أخرجها ابنَ حَجر في التلخيص «1/6/)

([2])  أحمد ومسلمُ وأبو داود.

([3])  شرح صحيح مسلم

([4])  صحيح الجامع

([5])  متفق عليه.

([6])  رواه البخاري في كتاب الصيام

([7])  رواه مسلم.

([8])  صحيح أبي داود: (52)

([9])  رواه البخاريُّ في كتاب الجمعة

([10])  معالم السنن مع مختصر أبي داود (1/ 40).

([11])  شرح سنن الترمذي (1/ 40)

([12])  المغني مع الشرح الكبير (1/ 79)

([13])  علّقَهُ البخاري في كتابه بالصيام ووصله أحمدُ وأبو داود الترمذي وقال ابنُ حجر: إسنادُه حسن

([14])  الموطأ: (211)

([15])  متفق عليه.

([16])  صحيح البخاري: (168).

([17])  سنن أبي داود : (33).

([18])  سنن أبي داود: (32).

([19])  صحيح البخاري: (168).

([20])  الفتاوي (21/ 108)

([21])  روضة الطالبين للنووي

([22])  رواه أحمد النّسائي وابن حبان والحاكم وهو في صحيح الجامع الصغير

([23])  سنن النسائي : (5040).

([24])  صحيح الجامع الصغير