المخرج لغزة وفلسطين (1)


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

تعاني فلسطين المحتلة منذ عقود مرارة الاحتلال والظلم والطغيان، ويتألم كلّ مسلمٍ وعاقلٍ ذي إحساس أشدَّ الألم لما يصيبها عموماً، وخصوصاً على المجازر وجرائم الحرب ضد الأشقَّاء في غزة، هذه الجرائمُ المنافيةُ لجميع الأعراف الإنسانيَّة، التي لم ترحم صغيرًا ولا كبيرًا، ولم تبال حتَّى بأطفالٍ ولا رُضَّع، ويبحث العقلاء عن الحلول التي تخفف هذا الألم وتزيل هذه المرارة وتدفع بغي المعتدي كل بحسب رؤيته وتصوره وقناعاته، فأحببت أن أشارك في تناول حل مناسب لعله أن يلقى آذاناً مستمعة وعقولاً مدركة تراعي المصالح العليا وتتجنب المصالح الدنيا من أجل إيجاد مخرج مناسب يحقق لأشقائنا في فلسطين الأمن والاستقرار، لكن قبل الشُّروع في ذكر المخارج العلاجيَّة التي سأتناولها في المقال المقبل بإذن الله، فإني أشير إلى مقدمات ضرورية جداً لاستيعاب العلاج، وهي أوَّلاً: ليس بغريب أن تصدر الجرائم المنكرة من دولة يهود المغتصبة ذات السجلات السوداء الملوَّثة بالدِّماء، فقد أخبر الله عنهم بقوله: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}، قال العلماء: في الآية إخبارٌ عن شدَّة عداوة اليهود، وأنَّهم أعظم النَّاس معاداةً للإسلام وأهله، وأكثرهم سعيًا في إلحاق الضَّرر بهم؛ لشدَّة ما في نفوسهم من بُغضٍ وبَغيٍ وحسد، ولهذا قتلوا كثيرًا من الأنبياء، حتى همُّوا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم غير مرَّة، وواقعهم اليوم خيرُ شاهدٍ على هذه الخصال.

 

ثانيًا: مع هذه الحقيقة القرآنيَّة التي تبيِّن طبيعة يهود فإنَّنا نشير إلى حقيقةٍ أخرى، وهي أنَّ الإسلام سبق الجميع في إرساء مبادئ التعايش السلمي في أرقى صوره، ففرَّق بين المسالمين والمعتدين من يهود وغيرهم، وفي هذا دلالةٌ بيِّنةٌ على عظمة سماحة الإسلام الذي أمر بحسن التعامل مع أشدِّ النَّاس عداوةً إذا كانوا مسالمين غير معتدين، وحثَّ على الإحسان إليهم، والحرص على هدايتهم، فقد روى البخاريُّ في صحيحه أن غلامًا يهوديًّا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: »أسلم«، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: » الحمد لله الذي أنقذه من النار«، وهذا يدل على عظم هذا الخلق الإسلاميَّ الرفيع وعناية الإسلام بمبدأ التَّعايش السِّلميّ الحقيقيّ، نقرِّر هذه الحقيقة لنبيِّن البون الشاسع بين تعاليم الإسلام الحنيف وبين واقع الإرهابيين والمتطرفين بمختلف أشكالهم وطوائفهم من جهة وواقع المجتمع الدولي الذي يزعم التعايش السلمي ثُمَّ هو يسكت سكوتًا مشينًا عن المجازر التي تُمارَسُ ضدَّ أهل فلسطين من جهةٍ أخرى.

 

ثالثًا: الطَّرح السَّليم للقضيَّة الفلسطينية عمومًا ولأحداث غزة الرَّاهنة أمرٌ مهمٌّ، خصوصًا مع كثرة ما تبثُّه بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من مفاهيم وتصوُّراتٍ مغلوطة، الذي يتزامن أيضًا مع محاولات الجماعات الإرهابية لاختطاف الخطاب الديني وترويج أفكارها المسمومة والتأثير في الشباب واستغلال حماسهم وعواطفهم المتدفقة، فلا بدَّ والحالة هذه من الكلمات الموضوعية الصائبة التي تصحِّح التصورات وتبيِّن التعامل السديد مع قضايا الأمة بما يتوافق مع روح الإسلام وتعاليمه الصحيحة.

 

رابعًا: إذا نظرنا إلى قضية غزة نجد أنَّ هناك تصوُّراتٍ مختلفةٍ حولها، فهناك فئةٌ تحاول استغلال الأحداث الدامية لتلميع بعض الأحزاب والتنظيمات وإظهارها في مظهر الأبطال الشجعان، موهِمَةً الناس بأنَّ قضيَّةَ فلسطين محصورةٌ في هذا الحزب المعيَّن، فمَن ناصره فهو مناصرٌ للقضية الفلسطينية، ومن خالفه فهو معادٍ للقضية الفلسطينية، كما نجد في خندقٍ آخر فئةً أخرى وهم الإرهابيُّون، الذين يحاولون استغلال القضيَّة لترويج أفكارهم التكفيريَّة وضرب المجتمعات المسلمة والتحريض ضدها، موظِّفين أنفسهم لاستغلال أي واقعة كارثية للانقضاض على المسلمين دولاً ومجتمعاتٍ وأفرادًا بالتكفير والتفجير، فلا الإسلامَ نصروا ولا العدوَّ كسروا.

 

خامسًا: من يتابع ما تُسوِّقُه الدولة اليهودية وكُتَّابُها من تبرير قتل الأبرياء بدعوى التَّخلُّص من حزبٍ أو آخر يجده ادعاءٌ زائفٌ مغلوطٌ من جهة الحقيقة والواقع، وقد اطَّلعنا على العديد من مقالات كُتَّاب يهود حاولوا اللعب على أوتار الخلاف مع حزبٍ معيَّنٍ لتبرير المجازر اليهودية ضد أهل فلسطين، وهي مراهنةٌ خاسرة، فليس هناك من ينخدع أو يتعاطف مع من هم مغتصبون للأرض ومعتدون على أهلها وحرماتهم وإن اختلفوا مع حزبٍ فيها أو آخر.

 

سادسًا: من المؤسف أن ما تجرُّه بعض الأحزاب والتيارات الإسلامية التي تدعي المقاومة من شرور على أهل فلسطين أمرٌ مكشوفٌ لكلِّ عاقل بصير، فهي بأفكارها الحزبية تضرُّ نفسها وتضرُّ القضيَّة الفلسطينية، فماذا عسى أن يستفيد أهل فلسطين بمن يصرِّح في ميثاقه المعلن بأنه جناح الإخوان المسلمين في فلسطين، وأنه لا يعترف بدولة مسلمة على وجه الأرض، وأنه في زمانٍ غاب فيه الإسلام عن واقع الحياة، وأنَّ مناصرته فرضٌ على كل مسلم، وأنَّ من لم يفعل ذلك فهو كمن يجادل القدر! فهل مثل هذه الأفكار تخدم الإسلام والمسلمين في شيء؟! وهل مثل هذا التحزُّب الأعمى يخدم القضية الفلسطينية في شيء؟! لا يشك أي عاقل بعيد عن التحزب بأنَّه لا يخدم سوى اليهود، الذين يستغلون مثل هذه التحزبات لضرب أهل فلسطين كان الله لهم.

 

لكن بهذه المــقدمات هذه يبقى سؤالٌ مهمٌّ وهو: ما المخرج لغزة وفلسطين؟ هذا ما سنبيِّنه في المقال المقبل بإذن الله تعالى.