تناقضات عقلية الإخوان


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

من تابع تاريخ الإخوان وممارساتهم يجد أن الثقافة الإخوانية تصنع عقلية مضطربة متناقضة، تنادي بالشيء من جهة وتنسفه من جذوره من جهة أخرى، ولو أخذنا باستقصاء هذه التناقضات لطال بنا المقال، ولكن نقتصر على بعض الاختيارات.

فمن ذلك أن الإخوان يرفعون شعار الحب في الله، وهي في أصلها ثقافة شرعية، غير أنهم يمارسونها مع المنتظم معهم والمؤيد لهم فقط، وأما بقية المسلمين من غير المنتظمين ولا المؤيدين فإنهم عندهم خارج نطاق هذا المبدأ، وأما المعارضون لهم فيجعلونهم في جهة أضيق من ذلك..

حيث يرمونه بالتهم الكبيرة مثل التفسيق والتكفير وغير ذلك، لتصبح حقيقة هذه الثقافة في واقعهم هي ثقافة حزبية متمثلة في الحب في التنظيم، والموالاة عليه، والبراءة ممن يخالفه ويعارضه، وهي ثقافة بعيدة كل البعد عن المفهوم الشرعي الصحيح للحب في الله.

ومن ذلك أيضا: أنهم يتكلمون على حسن الظن، حتى أفرطوا فيه، خاصة مع المنتظمين في حزبهم، فأصبح أتباعهم لا يتصورون وقوع الخطأ من قيادات تنظيمهم، وفي المقابل فإنهم محاطون بالشكوك والأوهام وسوء الظن تجاه المسلمين الآخرين المخالفين لهم، فأي تناقض أوضح من هذا؟!

ومن تناقضاتهم: تشدقهم بالديمقراطية، وادعاؤهم أن الشخص المرشَّح الذي يحظى بعدد أكبر من قبل المنتخبين له الأولوية، وهذا ما لاحظناه في واقعهم عند ترشح الحاكم السابق في مصر مرسي..

حيث رفعوا شعارات الديمقراطية، وتغنَّوا بحقوق الرئيس المنتخب، ولكننا وجدناهم يتغطرسون ويرفضون هذا المبدأ بالكلية لما رفض المجتمع المصري مرسي، وانتخب غالبهم الرئيس الحالي السيسي، ليبرهنوا بذلك لكل منصف أنهم لم يتخذوا الديمقراطية سوى سلم للوصول إلى الحكم، فلما وصلوا ألقوها خلف ظهورهم.

ومن تناقضاتهم كذلك: رفعهم شعار تحكيم الشرع ونشر الفضيلة، ومطالبتهم الحكام بذلك، وعندما صلوا إلى سدة الحكم كانوا من أبعد الناس عن تطبيق الشرع والفضيلة، بل أصبحوا يُخرجون للناس قوانين وأنظمة وتصريحات منافية للشرع لم يُسبق إليهم من سبقهم من الحكام، فرأينا على سبيل المثال إبَّان حكم مرسي ما قامت به حكومته من تمديد تراخيص الملاهي الليلية لتستمر لثلاث سنوات بعد أن كانت مقتصرة على سنتين..

كما رأينا بعض القيادات الإخوانية في بلدان أخرى يصرحون بأنهم سيسمحون بتقديم الخمور ولبس النساء ملابس البحر على الشواطئ، بل رأينا رئيس وزراء إحدى البلدان ممن يتباهى به الإخوان المسلمون يعرض عليهم إبان زيارته لمصر إقامة نظام حكم على أسس علمانية، بل رأينا من كانوا يسمون أنفسهم بدعاة الإصلاح يحلمون بنظام منفلت متحرر لا يقيم وزنا لشرع أو فضيلة..

فيقول أحدهم وهو من المدانين في التنظيم السري في مقال له: «أعطوا اهتماما واضحا للسينما والمسرح والدراما وكل فنون الإعلام والإنتاج الفني، لا تضعوا قيودا على أي إنتاج لأي سبب كان»! ويقول:

 «على الحزب أن يشارك في مشاريع تنشيط السياحة، بلا تحفظ، وبدون قوائم للمحظورات»! ويقول: «المطلوب استيعاب المرأة بلا تحفظ وبلا استثناءات أو شروط»! وليس هذا غريبا على هؤلاء، فقد قال كبيرهم بصريح العبارة: «الحرية مقدمة على تطبيق الشريعة الإسلامية»!

ومن ذلك: مناداتهم بالحرية، ومطالبتهم للجهات المسؤولة بذلك، حتى أفرطوا في فهم الحرية، فانتقلت عندهم إلى سفه وطيش ولا مبالاة، فكل من لا يوافقهم على سفههم وطيشهم عدُّوه عدوا للحرية وهاضما للحقوق، ولما وصلوا إلى سدة الحكم نقضوا الحرية كلها أصلها وفرعها، فأصبحوا متسلطين متجبرين، يقمعون كل من خالفهم ولو برأي أو مشورة.

ومن ذلك: تغنِّيهم بالوطنية والحرص على مصلحة الوطن، ولكنَّ الواقع أثبت كذبهم، وأن الأمر لا يتعدى عندهم مجرد شعار خال عن المضمون، فهم تحت الطاولة وفي دهاليزهم المظلمة يتآمرون ضد الوطن، ويسرِّبون الوثائق الكاذبة التي تضر به، وينشرون الإشاعات المغرضة، بل أصبحوا في بعض المجتمعات يدمرون المرافق والبنية التحتية، ويمارسون العنف والإجرام، غير مبالين بالوطن ولا بأبناء الوطن المخالفين لهم.

ومن ذلك أيضا: ادعاؤهم أنهم دعاة وسطية وسلام، وأنهم صمام أمان ضد التطرف، والواقع أثبت أنهم منبع التطرف والإرهاب، حيث سوغوا القتل والاغتيالات، وربوا أجيالا على أفكار متشددة، وأوغروا صدورهم ضد حكوماتهم، حتى كفروها وعملوا على الإضرار بها، وما كتب سيد قطب إلا مثالا صارخا ينقض مزاعم الوسطية والاعتدال التي يتشدق بها الإخوان المسلمون.

ومن تناقضاتهم: عويلهم الكاذب بنصرة الإسلام والدول الإسلامية، والواقع أثبت أنهم من أشد الناس ضررا على الإسلام وأهله، فكم أساؤوا إلى تعاليم الإسلام، بالأفهام المغلوطة، والممارسات المنحرفة، وكم حرضوا ضد الدول الإسلامية، ومؤسساتها المختلفة، سيما مؤسساتها الأمنية والشرطية والعسكرية والقضائية، وكم سببوا من كوارث على المسلمين ودولهم ومجتمعاتهم بتأجيج الثورات التي كانوا من أكثر المشجعين لها.

هذه نماذج يسيرة على تناقضات واضطرابات الإخوان، وغيرها كثير وكثير، ومن نظر فيما ذكرناه بإنصاف وموضوعية تبين له مدى خطر الثقافة الإخوانية، وأنها لا تُخرج إلا عقلاً مضطرباً متناقضاً، فبئس الثقافة.