رسالة إلى من انخدع بداعش: أفق فإنك في طريق الخسران


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن الإرهاب اليوم من أكبر الأخطار المحدقة بالمجتمعات الإسلامية ، وبالأخص مع تناميه على يد داعش التي أصبحت وقودا ملتهبا لنيران الإرهاب والتطرف، تارة بما تبثّه من أفكار سوداء متطرفة، وتارة بما تقوم به من عمليات إجرامية دنيئة، لتجمع بين الأفكار الشيطانية من جهة والأعمال الإجرامية من جهة الأخرى، وبين الأفكار المتطرفة المخالفة للكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل العلم المعتبرين من جهة، والتحزب حولها ولاءً وبراءً وتكفيرًا لكل مخالف من جهة أخرى، ومن أبرز وسائلها وممارساتها في ذلك:

  1. نشر الخطاب التكفيري الذي يجعل كل مخالف حلال الدم والعرض والمال، ولا أدلّ على ذلك من تصريح المتحدث باسم داعش بكفر كل من يتصدى للتنظيم الإرهابي، وكفر حكام المسلمين والشعوب الإسلامية الموالية لهم.

  2. تغذية الفكر الطائفي الذي يهدم التعايش والاستقرار ويفتح أبواب التقاتل والاحتراب.

  3. ممارسة العمليات الإرهابية الغادرة التي تستهدف الآمنين من المسلمين وغيرهم ولا تفرق بين رجل ولا طفل ولا امرأة ولا عجوز ولا شيخ ولا عابد ولا راهب ولا مكان ولا زمان.

  4. ارتكاب عمليات قتل وحشية همجية ، والدعاية لها ونشرها عبر الوسائط الإلكترونية.

  5. الغلو والتطرف في أبواب الإمامة والحكم والسياسة، وبث قناعة فاسدة في نفوس الأتباع بأن الاستحواذ على السلطة هو المقصود الأكبر والغاية العظمى من الدين، وأنه يُباح في سبيل ذلك كلّ قتل وذبح وتعذيب وتفجير وتشويه.

  6. تحريف دلالات النصوص الشرعية والأقوال الفقهية والكذب على العلماء المعتبرين للتغرير بالأتباع والرعاع.

وذلك كله يوجب على أصحاب العلم الصحيح والفكر السوي والأقلام الرشيدة من علماء وطلبة علم وإعلاميين ومثقفين وأدباء وشعراء وغيرهم المساهمة الفاعلة في دحر هذا الفكر المنحرف، وتعرية أجنداته الإجرامية ، كلٌّ في موضعه ، وبحسب ما آتاه الله من علم ومعرفة وخطاب وسطي مستنير.

ومن هذا المنطلق ومساهمة مني في هذا الباب رأيت أن أضع هذه الأسئلة بين يدي من انخدع بداعش وابتلي بهذا الفكر الشيطاني لعله يتذكر أو يخشى، فأقول له:

يا من ابتليت بفكر داعش.

سل نفسك: هل أنت بانضمامك إلى هذا التنظيم الإجرامي وتلطخك بأفكاره تخدم دين الإسلام؟

أم تخدم كيانا مشبوها يسعى للاستحواذ على الحكم والسلطة بالحديد والنار وبقطع الرقاب والجماجم؟!

فإن قلت : أخدم الإسلام، قلنا: إن واقعك يكذِّب دعواك، لأنك تشوه الإسلام، وتسيء إليه، وتستعدي عليه، وتغذي الكراهية ضده، فإنك تُظهر الإسلام للناس على أنه دين قتل وذبح وتعذيب وطرد وتشريد وترويع.

وسل نفسك صادقا: هل تصوير الدين للناس بهذه الصورة ترغِّبهم فيه أم تنفِّرهم عنه؟!

أجب بصدق إن كنت عاقلا منصفا.

وسل نفسك: هل إظهار الدين للناس بمظهر القتل والوحشية يوافق قول النبي عليه السلام : « بشروا ولا تنفروا »؟!!

ألم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم حينما بلغه أن معاذا رضي الله عنه أطال الصلاة وقال له : « يا معاذ أفتان أنت ؟ أفتان أنت ؟ اقرأ بكذا ، اقرأ بكذا » ؟!

وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله إني لأتأخر عن الصلاة في الفجر مما يطيل بنا فلان فيها، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، ثم قال: « يا أيها الناس ، إن منكم منفرين » الحديث .

فإذا كان هذا الغضب النبوي الشديد من أجل إطالة صلاة لئلا ينفر الناس فكيف بإزهاق الأنفس وإراقة الدماء وارتكاب عمليات القتل الوحشية وإلصاق ذلك بدين الإسلام ؟!

أليس ذلك من أعظم التنفير من دين الله تعالى؟!

ومن ذا الذي زعم لك بأن دين الإسلام دين قتل وترويع؟!

ألم يقل الحق تبارك وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين }؟!

ألم يقل نبينا عليه الصلاة السلام عن نفسه: « إنما بعثني الله رحمة للعالمين » ؟!

ألم يقل قدوتنا عليه الصلاة السلام: « إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة » ؟!

ألم يقل رسول الله عليه الصلاة السلام: « من استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم أهراقه فليفعل » ؟!

ألم يقل أسوتنا عليه الصلاة السلام: « لزوال الدنيا أهونُ على الله من قتل مؤمن بغير حق، ولو أنَّ أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار »؟!

ألم يحرِّم النبي عليه الصلاة السلام دماء المعاهَدين فقال: « من قتل مُعاهَدا لم يَرح رائحة الجنة » ؟!

ألم يصفح النبي عليه السلام عن أهل مكة لما قدر عليهم مع ما لاقاه منهم حتى دخلوا في دين الله أفواجا ؟! وذلك لما تجلى في هذا الموقف النبوي من سماحة الدين وجماله وقيمه المثلى التي أسرت أفئدة أعدائه؟!

ألم يمتنع النبي عليه السلام عن قتل المنافقين لئلا يتحدث الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه حفاظا على الدين الحنيف من أن تمسه يد تشويه فينفر الناس منه؟!

سل نفسك لو كان فيك ذرة إنصاف وتعقل: هل تفجير المساجد يوم الجمع وتمزيق الأجساد فيها بما في ذلك أجساد الأطفال تجمِّل الإسلام في أعين الناظرين أم تسيء إليه؟!

ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في حق من قتل نفسه : « من قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة » ؟!

أليست هذه كلها دلائل واضحة على أنك إنما تخدم تنظيما يضرم بك وبغيرك النيران لإقامة دولة بالحديد والنار ولو كان ذلك بتشويه دين الإسلام ألف ألف مرة ؟!! ولو كان ذلك بتحريف دلالات النصوص والكذب على الشرع الشريف؟!

ألا يحرِّك فيك هذا شيئا لتستفيق من سباتك وترجع عن غيك؟!

فإن قلت : إنما أقوم بما أقوم غيرة على دين الله فالأجدر أن تغار على دين الله تعالى من نفسك وعملك الذي شوهت به دين الإسلام لو كنت تعقل.

يقول ابن القيم رحمه الله : ” وغيرة العبد لربه نوعان : غيرة من نفسه ، وغيرة من غيره … وغيرة العبد من نفسه أهم من غيرته من غيره ”.

فإن زعمت أنك إنما تنكر منكرا فإن هذا المنكر أو ذاك – لو فُرض أنه كما تزعم – لا يُنكر بمنكر مثله أو أنكر منه، ولا يُنكر بالتهور الأرعن والعاطفة الجامحة والافتيات على ولاة الأمور، ولعمر الله إن ما تقومون به من تكفير وقتل واعتداء على الأنفس والأعراض واستهداف المجتمعات وترويع الآمنين وتشويه الدين الإسلامي الحنيف وصدّ الناس عنه لهو من أعظم المنكرات عند الله تعالى، فحريّ أن تنكر ما تلبست به من منكر إن كنت صادقا في زعمك.

فإن زعمت أنَّ ما تقوم به جهاد في سبيل الله ، قلنا لك :

ومن أين لك أنه جهاد ؟!!

سل نفسك بقلب مخبت إلى الله: كيف يكون ما تقوم به جهادًا وهو يسيء إلى دين الله تعالى ويخالف شريعته الغراء وينفِّر عنها ويُلصق بها الجرم والغدر والعدوان والتلذذ بسفك الدماء والتعذيب وقتل الأبرياء أطفالا وشيوخا ورجالا ونساء؟!!

هل هذا هو معنى الجهاد في مفهومك ؟!!

هل الجهاد في نظرك جاء لصد الناس عن الإسلام وتنفيرهم منه لمجرد إقامة دولة مزعومة؟!!

تالله إنما هو جهاد في طاعة الشيطان لو كنت تعقل.

يقول ابن تيمية رحمه الله : ” الكتاب والسنة مملوءان بالأمر بالجهاد وذكر فضيلته، لكن يجب أن يُعرف الجهاد الشرعي الذي أمر الله به ورسوله من الجهاد البدعي: جهاد أهل الضلال الذين يجاهدون في طاعة الشيطان وهم يظنون أنهم مجاهدون في طاعة الرحمن، كجهاد أهل البدع والأهواء كالخوارج ونحوهم، الذين يجاهدون في أهل الإسلام وفيمن هو أولى بالله ورسوله منهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين، كما جاهدوا عليًّا ومن معه ، وهم لمعاوية ومن معه أشد جهادًا ” .ا.هـ

فإن قلت: إن داعش تستدل بنصوص شرعية، قلنا : وكم من أفاك يستدلون بآيات الله تدليسا وتلبيسا ويحرفها عن دلالاتها بفهم سقيم أو مقصد أثيم، فالعبرة ليست بالاستدلال أيٍّ كان، وإنما العبرة بسلامة الدليل وصحة الاستدلال، وإلا فالخوارج استدلوا بآيات قرآنية، غير أنهم أنزلوها في غير مواضعها الصحيحة، وأعظموا فيها على الله الفرية، يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الخوارج : ” إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين ” .

فاستدلال داعش بالنصوص إنما هو من جنس ما أخبر الله تعالى عنه بقوله: { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } ، فهم لا يلتفتون لا لصحة استدلال ولا لإجماع علماء ولا لمقاصد الشريعة الغراء.

يقول الشاطبي رحمه الله : ” ومدار الغلط إنما هو على حرف واحد ، وهو : الجهل بمقاصد الشرع ، وعدم ضمِّ أطرافه بعضِها لبعض ، فإنَّ مأخذ الأدلَّة عند الأئمَّة الراسخين إنما هو على أن تُؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة ، بحسب ما ثبت من كليَّاتها وجزئيَّاتها المرتَّبة عليها ، وعامُّها المرتَّب على خاصِّها ، ومطلقُها المحمول على مقيِّدها ، ومجملُها المفسَّر بمبيِّنها ، إلى ما سوى ذلك من مناحيها ، وشأن متَّبعي المتشابهات أخذُ دليلٍ ما أخذًا أوَّليًّا ، وإنْ كان هناك ما يعارضه من كليٍّ أو جزئيٍّ ، فمتَّبعه متَّبعُ متشابهٍ ، ولا يتَّبعه إلا من في قلبه زيغ كما شهد الله به : { ومن أصدق من الله قيلا } ، انتهى مختصرا .

فيا أيها المخدوع:

لا يغرنك من داعش صياحها ليل نهار : ” لا حكم إلا لله ” ، فقد رفع هذا الشعار الخوارج الأشقياء من قبلُ في القرون المفضَّلة، بأفهام سقيمة وتصورات مغلوطة، حتى كفَّروا الصحابة الأبرار، وسفكوا الدماء المعصومة، وقاتلوا عليًّا رضي الله عنه ومن معه من المؤمنين، ظانين أنهم بذلك ينالون الشهادة والزلفى عند الله، فكانوا من أشقى الخلائق بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لجهلهم بالحق، واعتدائهم على الخلق، وكان سيف عليٍّ فيهم سيف حق إلى قيام الساعة، وقال عليٌّ رضي الله عنه فيهم كلمتهم المشهورة ردًّا على الشعار الذي تستروا به : ” كلمة حق أريد بها باطل ” .

يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم : لا حكم إلا لله ، انتزعوها من القرآن ، وحملوها على غير محلها ” .

ولا يغرنك من التنظيم الإرهابي تفاخر بقوة أو مال أو عتاد أو تمدد أو انتصار، فليس ذلك بمعيار للحق، وقد تفاخر عبر القرون المتطاولة كثيرون بأكثر من هذا، فلم تكن الكثرة معيارا، ولا القوة ميزانا، ولا المال والجاه والسطوة والتحكم في الرقاب برهانا، وقد ذكر الله تعالى نماذج كثيرة لهذه الادعاءات مستنكرا ومحذرا ، قال تعالى : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين . نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } .

ويقول أبو يزيد البسطامي رحمه الله فيما نقله عنه ابن القيم رحمه الله في ( مدارج السالكين ) : ” لو نظرتم إلى رجل أُعطي من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به، حتى تنظروا: كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود والشريعة ” .

فتأكد بأن داعش من أبعد الناس عن الشريعة الغراء.

أيها المخدوع بداعش: لا تأخذك العزة بالإثم فتقول:

وكيف أرجع عما ظننته حقا فأحكم على نفسي بأني كنت على ضلالة ؟

فأقول لك : ومتى كنت معصوما حتى تستعظم على نفسك الوقوع في الزلل وتدعي التنزه عنه؟!

ألم يقل الحق تبارك وتعالى : { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا . الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا } وقال تعالى : { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء } ؟!

اعلم هداك الله بأن العبرة ليست بحالك من قبل أو من بعد ، وإنما العبرة بموافقة الحق والصواب في باطنك وظاهرك، والفلاح والسعادة في أن تكون على صراط ربك المستقيم ونهج نبيك القويم الذي أرسله رب العزة رحمة للعالمين.

ولا تمنعك خشية المعايرة من أهل السوء والفتن، فتقول : أتخشى أن يقال: قد انتكس فلان وضعف! فالله أحق أن تخشاه، وهو أحق أن تستحي منه،

وسل نفسك:متى كان الإصرار على الباطل مجلبةً للفخر ؟! ومتى كان الرجوع إلى الحقِّ مدعاة للذلِّ؟!

وإنما أولئك شياطين الإنس والجن يزينون للخلائق التمادي في طرق الغواية والضلال.

فأفق من غيك قبل أن يفوت الفوت.

أفق قبل أن تبوء بالإثم والخسران.