الخلل في تفسير النصوص عند «داعش» وإخوانه


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن من أبرز أسباب ظهور الأفكار الإرهابية في المجتمعات، الانحراف العقدي والفكري، والذي من صوره الخلل في فهم النصوص، وسوء تنزيلها على الواقع، حيث إن المتطرفين يسيئون إلى النص الشرعي بالأفهام السقيمة، ويحملونه على غير وجهه الصحيح، فيفسدون في الأرض تحت مبررات دينية زائفة، قائمة على الإرهاب والتطرف، اختلقوها من عند أنفسهم، وألصقوها بالدين الحنيف، في جناية عظمى يتحملون وزرها.

 ومن أسباب الخلل في تفسير النصوص عند «داعش» وأخواتها:

  •  أولاً: المتاجرة بالدين، وجعله مطية لتحقيق المآرب والأغراض، وليُّ أعناق النصوص والإتيان بالتفسيرات المغلوطة لتحقيق ذلك.

  • ثانياً: الخوض في تفسير الآية من غير معرفة المنقول فيه من أقوال المفسرين والعلماء الراسخين، مما يؤدي بالخائض إلى الإتيان بما لم يُسبق إليه من التفسيرات المتطرفة.

  •  ثالثاً: الأخذ ببعض النصوص دون ضمها إلى النصوص الأخرى، وتفسير الآية بمعزل عن مقابلتها بالنصوص القرآنية والنبوية الأخرى، مما يؤدي إلى إهمال القيود والضوابط في فهم وتفسير الآيات.

  •  رابعاً: الجهل بمقاصد الشريعة الغراء، التي جاءت لحفظ الضرورات، ومراعاة المصالح العليا، وفهم النص القرآني أو النبوي بعيداً عن ذلك، بل بما ينقض الضرورات ويهدمها.

  •  خامساً: سوء الظن بالعلماء وإسقاط مكانتهم، بهدف إخلاء الجو لكل إرهابي متطرف ليفسِّر النصوص الشرعية بما شاء، وهي أحد أبرز أسباب انحراف الخوارج في العصر الراشدي، حيث أسقطوا مكانة الصحابة رضي الله عنهم، واعتزلوا فهمهم للنصوص الشرعية، فابتُلوا بالإرهاب والتطرف، وتطور بهم الأمر إلى الخروج المسلح وسفك الدماء.

  •  سادساً: الخلل في مصادر التلقي، كالاعتماد على تفاسير مشبوهة ملوثة بالأفكار المتطرفة، كتفسير سيد قطب مثلا، أو التلقي عن شخصيات مشبوهة غير موثوقة تفسِّر الآيات على غير وجهها الصحيح، ولذلك قال العلماء منبهين ضرورة أخذ العلم عن أهله: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم».

  •  سابعاً: الغرور والتعالم، كأن يغتر الإنسان بما حصَّل من علم قليل، فيتوهم أنه ملك زمام الاستنباط، وأنه قادر على سبر أغوار النصوص، والخوض في لجج التفسير، متكئا على إمكاناته الضعيفة التي لا تؤهله لذلك، فإذا به يأتي بالعجائب والغرائب والآراء المتطرفة الشاذة.

  •  ثامناً: التعصب الأعمى للرأي، وعدم وجود قابلية لدى الشخص لقبول الحق الذي يخالف ما تشربَّه من اعتقاد أو يضاد الهوى المتمكن في نفسه، فإذا صادف نصا من القرآن أو السنة في هذه الحال تلاعب بمعناه، وحرَّف دلالته، ليتواءم مع خلفيته المسبقة، فيحمِّل النص ما لا يحتمله من التأويلات أو التحريفات البعيدة التي تخالف دلالته الظاهرة أو الصريحة، لأنه اعتقد أولا ثم بحث عن الاستدلال.

  •  تاسعاً: تبني العقائد المتطرفة نتيجة العوامل النفسية عند الشخص؛ كالميل العدواني، فينساق وراء كل تفسير مغلوط يوافق نزعته العدوانية، أو نتيجة الانسياق وراء الانفعالات النفسية وردود الأفعال المبنية على العواطف الجامحة والحماسات المفرطة والغيرة المنفلتة، وقد لعبت التنظيمات الإرهابية على هذا الوتر الأخير، وكثَّفت نشاطها الإعلامي بنشر المواد المكتوبة أو المسموعة أو المرئية التي تخدم هذا الجانب، بتضمينها أنواعا من المؤثرات المسمومة التي تتلاعب بعواطف الشباب، وتستدرجهم لتبني المعتقدات المتطرفة عبر أنشودة ما أو صرخة باكية ما أو مشهد حماسي ما، فيصبح تفسير النصوص عند هذا الشخص مقيَّدا بنزعاته النفسية وانفعالاته العاطفية.

  •  عاشراً: حداثة السن مع ضعف الحصانة العلمية، فيتسلل الإرهابي إلى هذا الحدث عبر الفضاء الإلكتروني أو غيره، ويستغل ضعف بصيرته وإدراكه، ويبث في نفسه قناعات فاسدة وتفسيرات مغلوطة للنصوص، ويروضه بالشعارات الرنانة الكاذبة، فيقع الصغير ضحية التسليم والانقياد، ويتبنى المفاهيم المغلوطة.

 ولقد أوقع هذا المسلك المشين أصحابه في شرور مستطيرة، من تقويل الدين ما لم يقله، وتحريف دلالات النصوص، واختراع مصطلحات جديدة واعتبارها أصل الأصول كمصطلح الحاكمية، وإلصاق الأسماء الشرعية والمصطلحات الدينية بالممارسات الإرهابية المتطرفة، كإطلاق اسم الجهاد على الجرائم الإرهابية التي لا تمت إلى الشرع بصلة، وتنزيل حكم التكفير على المجتمعات، واستباحة العنف وسفك الدماء وإثارة الفتن. 

ومما يعالج هذا الجانب: تنمية الإخلاص لله تعالى، واستعظام القول عليه بغير علم، ومعرفة أن تفسير القرآن له ضوابط وشروط، وأن له أهله الذين هم أهله، الذين يردون متشابهه إلى محكمه، وعامَّه إلى خاصِّه، ومطلقه إلى مقيِّده، ولا يضربون بعضه ببعض، وقد أكد النبي عليه السلام ذلك فقال: «إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يُصدِّق بعضه بعضا، فلا تكذِّبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه»

وقد استعظم الرعيل الأول الخوض في تفسير القرآن بلا علم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: «أيُّ سماء تظلني وأيُّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم»، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إنما هذا القرآن كلام الله، فضعوه على مواضعه، ولا تتبعوا فيه أهواءكم».