دروس وعبر من سير المؤسسين


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 

وهبنا الله تعالى في دولة الإمارات قادة حكماء ملهمين، دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، فأصبحوا عظماء خالدين، وسطروا لنا سجلاً حافلاً من الإنجازات.

وخلدوا إرثاً باهراً، تتناقله الأجيال بفخر واعتزاز، مليئاً بالدروس والعبر، التي ينبغي أن نقف عندها، وتميزوا بسمات القيادة الفذة الملهمة، وكانوا قدوة في الصفات النبيلة من العزيمة والإصرار وبُعد النظر والتخطيط والصبر والعمل الدؤوب، وكانوا يحملون آمالاً كبيرة وطموحات بعيدة المدى، فكانوا بحق مدرسة حية للأجيال اللاحقة.

وأول الدروس التي نستفيد منها من سيرة هؤلاء القادة الأفذاذ الإيمان الراسخ بأهمية الوحدة وضرورتها، والاستمساك بها بالغالي والنفيس، فلقد حمل القادة بين ضلوعهم حلم الوحدة، وكانوا مؤمنين تمام الإيمان بأن الاتحاد عنوان العزة والشموخ، وطريق القوة والرسوخ، فعملوا جاهدين دون كلل ولا ملل على تحويل الآمال المنشودة إلى حقائق مشهودة.

وكانوا مؤمنين بأنه لا شيء يقف أمام هذا الحلم إذا أراد الله له أن يكون، فجميع المقومات التي تساعد على تحقيقه موجودة، وهناك مشتركات كثيرة تجمع بين أبناء هذه المنطقة، مثل وحدة الدين واللغة والعادات والتاريخ والآمال والمصير المشترك، إضافة إلى وشائج القربى وإيمان الجميع بأهمية الوحدة وتطلعهم إليها، فعملوا على استثمار هذه المقومات أحسن استثمار.

وسعوا لتقريب الرؤى ومد الجسور وتجاوز الحواجز، حتى أثمرت مساعيهم عن قيام الاتحاد المبارك، يقول الشيخ زايد رحمه الله: «لقد وجدنا دائماً من إخواننا حكام الإمارات كل إخلاص وتعاون في كل ما يؤكد ويدعم الاتحاد».

لقد علمتنا سيرة هؤلاء المؤسسين الصبر والعزيمة والإصرار على تحقيق النجاح، واستصحاب الأمل والتفاؤل دائماً، مهما كانت التحديات والمصاعب، وعدم التراجع والاستسلام أبداً، يقول الشيخ زايد رحمه الله: «إن الإنسان يجب ألا يتراجع عن الطريق الذي سلكه مهما كلفه ذلك من تضحيات، وعليه ألا يفقد الأمل، وعليه أن يبقى متفائلاً بالنجاح. وأنا شخصياً متفائل وعندي أمل كبير بأن دولتنا سيقوى عودها، والاتحاد سينمو ويعزز كيانه، بفضل الجهود الصادقة»، فتعلمنا من هؤلاء القادة هذا الدرس المهم في الحياة، وهو ألا نستسلم للمصاعب والتحديات، وأن نعمل دائماً على تحقيق النجاح، وأن نبذل في ذلك الأسباب، ونتوكل على رب الأرباب.

ومن الدروس المستفادة أيضاً حسن التخطيط والتنظيم والإدارة على أسس علمية حديثة، فذلك من أكبر أسباب النجاح، ولقد اهتم الشيخ زايد، رحمه الله، بهذا الجانب غاية الاهتمام، وآمن تمام الإيمان بأن التخطيط والتنظيم ضرورة لتدعيم الاتحاد، بل سابق الزمن لأجل ذلك، فأعلن عن تشكيل أول وزارة في أبوظبي في يوليو 1971، وقال في تصريحه حول هذا الإنجاز: «الاتحاد لا يكون قوياً وفعالاً إلا إذا تنظمت أجزاؤه وقويت»، كما أعلن عن سن قوانين جديدة لتنظيم وإرساء الإدارة الحكومية على أسس علمية حديثة، وقد أسهمت هذه الإجراءات في تسريع وتيرة الاتحاد، فانعقد في الشهر نفسه الاجتماع التاريخي لحكام الإمارات، الذي أثمر عن اتفاقهم على إقامة دولة الاتحاد، وتوقيعهم على الدستور المؤقت للدولة، وكان ذلك أكبر خطوة في طريق الإعلان عن الاتحاد بعد ذلك في ديسمبر من العام نفسه.

ومن الدروس التي نستفيد منها أيضاً من سيرة القادة المؤسسين عدم التأثر بالشائعات، وأن نحسن الظن ببعضنا البعض مهما حاول الآخرون أن يفتوا في عضدنا ويُسدوا ذات بيننا، فلقد قامت بعض الصحف قبل قيام الاتحاد بأيام قليلة في نوفمبر 1971، بترديد شائعات حول وجود خلافات جوهرية حول الاتحاد، وهو ما فنده الشيخ زايد رحمه الله بقوله: «كل حدث كبير تُطلق من حوله الشائعات، وما يشاع عن وجود خلافات جذرية غير صحيح، ولم يرد أبداً»، وهو ما فنده قيام الاتحاد نفسه وبزوغ فجره المنير، لتبدد أنواره الساطعة ظلمات تلك الشائعات المغرضة.

ومن الدروس المستفادة أيضاً عدم التأثر بالأصوات المتشائمة، وأهل الإحباط والنظرة القاتمة، الذين يبالغون في تقدير الأمور، فيخرجون عن حد الاعتدال، ويكسرون العزائم، ويغلقون أبواب التفاؤل والأمل، فقد كانت هناك أصوات تزعم أن الاتحاد لن يقوم ولن ينجح، ولكن القادة لم يلقوا لها بالاً، بل كانوا متحمسين لتحقيق الوحدة المنشودة، قال الشيخ زايد، رحمه الله:«كان بعض الناس يظنون أن الاتحاد لن يقوم، وكان إيماننا نحن به عكس ما ظن الناس، فبذلنا الغالي والثمين في سبيل هذا الاتحاد»، كما ارتفعت أصوات متشائمة بعد قيام الاتحاد، تزعم أن الاتحاد سيفشل ولن يستمر، ولكن القادة لم يلقوا لها بالاً أيضاً، بل عملوا على تدعيم الاتحاد وإنجاحه وتجاوز كل الصعوبات، وأثبت الاتحاد نجاحه منذ عامه الأول.

وأكد الشيخ زايد، رحمه الله، هذه الحقيقة المشرقة في الذكرى الأولى لليوم الوطني قائلاً: «لقد أثبتت دولتنا خلال العام الأول قدرتها على البقاء على الرغم من الصعوبات التي واجهتها، والتي كانت بمثابة امتحان لها خرجت منه أكثر قوة».

هذه بعض الدروس والعبر، التي نستلهمها من سيرة القادة المؤسسين، وهي نقطة في بحر زاخر، وإن من واجب أجيال اليوم أن يتذكروا دوماً ما قدمه الآباء المؤسسون، والقادة الملهمون، وأن يحافظوا على صرح الاتحاد، ويسعوا لتدعيمه، وأن يستقوا من سير الآباء والأجداد العبر والعظات، التي تنير لهم حياتهم.