لا تسموا أبناءكم بما حرَّم الله تعالى


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مصل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، أما بعد؛

فإنَّ الله تبارك وتعالى قد أباح للإنسان أن يُسَمِّي ولده بما شاء من الأسماء، ما دام الاسم لا يُخالف الشريعة الإسلامية.

والأسماء التي تخالف الشريعة على قسمين :

القسم الأول : أسماء تخالف الشريعة لما فيها من انتقاص للشريعة أو مُضادَّتها بالكلِّيَّة.
فأما ما يكون فيه انتقاصٌ للشريعة : فهي الأسماء التي يكون فيها التشبُّه بأهل الكفر والفسق والمجون؛ كالتَّسَمِّي بأسماء المشاهير من المُمَثِّلين والمُمَثِّلات والمُغَنِّين، وخصوصاً إذا كانوا على غير المِلَّة الإسلاميَّة.
والله سبحانه وتعالى قد أعَزَّ هذا الدين وأهله بعزَّته تبارك وتعالى وحده لا شريك له.
والأدلَّة على تحريم التَّشبُّه بأهل الكفر والشرك كثيرة جداًّ في الكتاب والسنَّة ، ومنها على سبيل المثال : قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا وقولوا انظرنا واسمعوا )؛ فإنَّ اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم : راعِنا (من الرُّعونة)، استهزاءً وسخرِيَةً بالنبي صلى الله عليه وسلَّم، ويتظاهرون أنهم يُريدون: المعنى الآخر للكلمة، وهو: راعِنا سَمعك ( أي: استمع إلينا)، فنهى الله سبحانه وتعالى المُسلمين عن استخدام هذه الكلمة مع النبي صلى الله عليه وسلَّم، مع أنَّ المسلمين إذا استخدموها فإنهم لم يقصدوا إلا المعنى الحَسَن، وهو: راعِنا سَمعَك.

وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلَّم عن التَّشبُّه باليهود والمجوس في إعفائهم للشارب وحلقهم للحية.
ومِن أصرَح ما يُستدَلُّ به في هذا الباب : قوله صلى الله عليه وسلَّم : (مَن تَشَبَّه بقومٍ فهو منهم) .

وأمَّا الأسماء التي فيها مُضادَّة للشريعة بالكُلِّـيَّة: فهي الأسماء التي تتضمَّن الكفر والشرك - عياذاً بالله تعالى - مثل أن يُسمِّي الإنسان ولده: عبد الحسين ، أو عبد النبي، أوعبد الرسول، أو عبد اللات، وغير ذلك من الأسماء التي فيها انتقاض لجانب الربِّ الجبَّار جلَّ جلاله.
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال: (أشنع الأسماء عند الله تعالى: رجلٌ تسَمَّى مَلِكَ الأملاك، لا مُلك إلا لله عزَّ وجل) ، وفي لفظ آخر قال: (أغيَظُ رجلٍ على الله يوم القيامة، وأخبثُه، وأغيَظُه عليه: رجلٌ كان يُسَمَّى مَلِك الأملاك، لا مُلك إلا لله).

وكذلك صحَّ في حديث عن هانئ رضي الله عنه أنَّه لمَّا وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمِعهم يكنونه أبا الحكم، فدَعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (إنَّ الله هو الحَكَم، وإليه الحُكم، فلِمَ تكنى أبا الحكم)، فقال: إنَّ قومي إذا اختلفوا في شيء أتَوني، فحَكَمتُ بينهم، فرَضِيَ كلا الفريقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (ما أحسن هذا! فما لك من الولد) قال: لي شُريح ومسلم وعبد الله. قال: (فمَن أكبرُهم ؟)، قلتُ: شُريح. قال: (فأنت أبو شريح).

فدلَّ هذا الحديث على تحريم التسمِّي بكلِّ اسمٍ مُضادٍّ للشريعة، ووَرَدَ في السير أنَّ عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فَغَيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه إلى عبد الرحمن، وكذلك عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة رضي الله عنه وعن أبيه، فقد كان اسم عبد الرحمن عبد العُزَّى، فسَمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: عبد الرحمن.
ومثلهم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؛ فقد كان اسمه في الجاهلية (عبد عمرو)، وقيل: كان اسمه: (عبد الكعبة).

 

القسم الثاني: أسماء تخالف الشريعة؛ لما تضَمَّنَتْهُ هذه الأسماء من المعاني والصِّفات التي لا ينبَغي أن يَصِفَ بها المُسلِم نفسَه إمَّا على سبيل الذَّم للنفس، أو على سبيل التَّزكية للنَّفس.

فأمَّا الأسماء التي يكون التَّسَمِّي بها لا ينبغي لما فيه من الذَّم للنَّفس، مثل أن تتضَمَّنَ تلك الأسماء معاني قبيحة أو صِفَاتٍ قبيحة، مِمَّا لا يَليق مثله بأهل الإسلام أن يتَّصِفوا به، وقد أخرج مسلم في صحيحه (2139) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غَيَّر اسم عاصِيَة، وقال: (أنتِ جميلة).
ومن ذلك على سبيل المثال : أنَّ الصحابي الجليل مُسلماً الأزدي القرشي كان اسمه (غُراب) فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلَّم: (مسلم) .
وكذلك : مُطيع بن الأسود رضي الله عنه، كان اسمه (العاصي) فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلَّم: (مُطيع).

وكذلك: حبيب بن مروان المازني، كان اسمه: (بَغيض) فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلَّم (حبيب).
وهذا على سبيل التَّمثيل، ومَن رجع إلى كتب السِّيَر، وجد كثيراً من تلك الأسماء التي غيَّرها النبي صلى الله عليه وسلم.
والله سبحانه وتعالى قد جَعَل هذا الدِّين وأهله كُرَماء أعِزَّة، ولا شكَّ أنَّ كلَّ خصلةٍ مِن خِصال الخير فإنَّ المسلمين هم أحَقُّ بها مِن غيرهم، ومِمَّا لا خِلاف فيه بين جميع العقلاء: أنَّ التَّسَمِّي بالأسماء القبيحة هو مِن صفات أهل الدناءة، وهو دالٌّ على النَّقص والذَّم والتحقير، وهذا كله لا يليق بأهل الإسلام، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (هو سمَّاكم المسلمين).

فالذي ينبغي أن يُعلم أنَّ أهل هذا الدِّين قد اختارهم الله عزَّ وجل من سائر أصناف البشر ليكونوا من أتباع خير البشر صلى الله عليه وسلَّم، وهذه مِنَّةٌ ينبغي أن لا يُغفِلَها عاقلٌ شَرَح الله صدره للإسلام، والله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه الكريم: (لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويُزكِّيهم ويُعلِّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا مِن قبل لفي ضلال مبين)، فكلُّ خير فإنَّ المسلمين أولى به من غيرهم.

وأمَّا الأسماء التي يكون التَّسَمِّي بها فيه من تَزكِيَةٍ للنَّفس، فهذا مما لا ينبغي للعبج المؤمن المتواضع لربه تبارك وتعالى، وقد صَحَّت السنَّة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم بكراهِيَة ذلك، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سَمَّيتُ ابنتي بَرَّة، فقالت لي زينب بن أبي سلمة: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم نهى عن هذا الاسم، وسُمِّيتُ بَرَّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: (لا تُزَكُّوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البِرِّ منكم)، فقالوا : بِمَ نُسَمِّيها؟ قال: (سَمُّوها: زينب).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت جُويرية اسمها بَرَّة، فحَوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم اسمها جويرية، وكان يكره أن يُقال: خرج من عند بَرَّة.
وكذلك غَيَّر اسم أم المؤمنين زينب بنت جحش من بَرَّة إلى زينب (الصحيحة 210) .
وكذلك غَيَّر صلى الله عليه وسلَّم اسم الصحابي الجليل سليمان بن صُرَد ، حيث كان اسمه (يسار) فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم (سليمان) .

ومِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ التَّسَمِّي بالأسماء التي تتضمَّن على تزكية للنَّفس داخلٌ في قول الله تبارك وتعالى: ( ولا تُزَكُّوا أنفسكم هو أعلم بمَن اتَّقى).

وعليه فإنَّه لا ينبغي للمسلم أن يتسمَّى بما لا يليق أن يكون من أخلاق المسلمين سواءٌ كان ذلك على سبيل ذَمِّ النَّفس ، أو على سبيل مدحِها .
وعليه أن يقتدي بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، في جميع شؤونه، فمَن كان قد سمَى ولده أو ابنته بشيء من الأسماء المحرمة؛ فليُبادر إلى تغيير هذا الاسم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أصحابه، فقد ورد في السنَّة عن عتبة بن عبد السلمي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم كان إذا أتاه رجلٌ وله اسم لا يُحِبُّه حَوَّله . (السلسلة الصحيحة209) .
واللهُ تبارك وتعالى يقول: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمَن كان يرجو الله واليوم الآخر).

إإنَّ من علامات الإيمان: حُسن الاتِّباع لسَيِّد البشر صلى الله عليه وسلَّم. ولا شك أن العبد كُلَّما كان العبد أكثر اتِّباعاً للنبي صلى الله عليه وسلَّم؛ كان ذلك علامة على كثرة مَحَبَّتِه للنبي صلى الله عليه وسلَّم، فإن الله عزَّ وجلَّ يقول: (قل إن كنتم تُحِبُّون الله فاتَّبِعوني يُحبِبكم الله).

 

فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإيَّاكم، وأهلينا من أحبابه تبارك وتعالى، ومن أحباب رسوله صلى الله عليه وسلَّم.

 

والله أعلى وأعلم، وصلى الله على نبيِّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

كتبه العبد الفقير إلى مولاه
حامد بن خميس بن ربيع الجنيبي
غفر الله له، ولوالديه، ولمشايخه، وأهل بيته