القيادة الحكيمة ودرع الوطن يد واحدة – الرد على بيان التكفيريين


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فقد وقفت على بيان مغرض نشرته فئة مجهولة تتسمى كذبا وزورا بـ ( طلبة العلم في الإمارات )! تتهجم فيه على الدولة ، وتحاول من خلاله أن تفت من عضد جنودنا وتخذِّلهم ، لتحقيق أهدافها الخبيثة ، متجاهلة أن القيادة الحكيمة ودرع الوطن يد واحدة ، وأن المجاهيل الكذبة المرجفين هم أبعد ما يكونون عن أن يمسوا شعرة واحدة من هذا الدرع الحصين ، أو أن يحدثوا شرخا في صرح الولاء الراسخ للقيادة والدولة ، أو أن يثنوا عزم شبابنا عن أداء واجبهم تجاه وطنهم ، وقد انتقت هذه الفئة هذا التوقيت بخبث ومكر ، لكونه يتزامن أيضا مع التحاق أبنائنا بالخدمة الوطنية ، مما ينبئ عن مقاصدهم الخبيثة وأهدافهم المغرضة.

فأقول تعليقا على ذلك :
أولا : لقد اجتمَعَتْ في هذه الفئة المجهولة مساوئ عديدة ، منها :

1- الكذب على طلبة العلم في الإمارات.
فإن طلبة العلم في الإمارات معروفون ، لم يصدر منهم كلمة واحدة من ذلكم البيان المكذوب والمفترى عليهم ، فهم بريئون منه ، بل هم رافضون له جملة وتفصيلا ، وحينئذ فإن أصدق وصف ينطبق على أصحاب البيان أنهم كذابون أشرون يفتاتون على طلبة العلم ويكذبون عليهم ويقوِّلونهم ما لم يقولوا.

وإذا كانت جهالة أصحاب البيان أي كونهم مجاهيل غير معروفين بل كونهم مُبهمين لا يُعرف لهم اسم – والمبهم في علم المصطلح أسوأ حالا من المجهول !- ، أقول : إذا كانت هذه العلة وحدها كافية في سقوط هذا البيان ، فإنه يزداد سقوطا على سقوط إذا انضاف إلى ذلك أيضا اتصاف أصحابه بالكذب والبهتان وقول الزور ! فهذا البيان ساقط من الوجهين : من جهة كون أصحابه مبهمين غير معروفين ومن جهة كونهم أيضا كذابين.

وأقول مذكِّرا هؤلاء :
أين أنتم من قول الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} ؟!
وأين أنتم من قول النبي صلى الله عليه وسلم : « إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا » متفق عليه ؟!
وأين أنتم من قول راوي هذا الحديث عبدُ الله بن مسعود رضي الله عنه : “لايصلح الكذب في جد ولا هزل” ؟!
وأين أنتم من قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه : “أيها الناس ، إياكم والكذب ، فإنه مجانب الإيمان” ؟!
وأين أنتم من قول عمر الفاروق رضي الله عنه في خطبته : “من يكذب يفجر ، ومن يفجر يهلك” ؟!
وأين أنتم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تقول عنهم أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : “ما كان من خُلُقٍ أشد عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب” ؟!
أين أنتم من هذا كله ؟!

أم أنكم تستبيحون الكذب على الآخرين في سبيل تنفيذ مخططات ماكرة عملا بمبدأ : الغاية تبرر الوسيلة ؟!!

وهذا هو الأرجح من حالكم ، لتكرُّر كذبكم ، وتماديكم في ذلك ، وإصراركم على إلصاق بياناتكم الكاذبة بطلبة العلم في الإمارات ، مع تبرؤهم منها من أول بيان أصدرتموه ، بل رفضهم لها وردهم عليها .

2- كذب أصحاب البيان بادعاء انتسابهم إلى العلم.
فهم أبعد ما يكونون عن ذلك ، فبيانهم مشحون بالاستدلالات المحرَّفة ، والفهم المغلوط لنصوص الشرع ، والأخطاء اللغوية الإملائية والنحوية ، مع الركاكة في الصياغة ، مما يدل على ضعف كاتبه أو أنه أجنبي عن العلم يتزيَّى بغير زيه !
وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : « المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور » متفق عليه.
وإذا كان عند هؤلاء ذرة من شجاعة أو كانوا صادقين في ادعائهم العلم فليُظهروا لنا أنفسهم ، وليُخرجوا رؤوسهم من تحت التراب ، وليَخرجوا من سراديبهم المظلمة ، لننظر من يكونون ، وأين تعلموا ، وما هي مؤهلاتهم العلمية ، وهل هم حقا طلاب علم أم أنهم أدعياء كاذبون .
وقد قيل:
والدعاوى ما لم تقيموا عليها … بيناتٍ أبناؤها أدعياءُ


ثانيا : اعتمد هؤلاء المجاهيل في بيانهم المذكور على أمرين :
الأول : الحكم على الدولة بالكفر والردة.
الثاني : ادعاء أن الدولة تحارب المسلمين وتظاهر المشركين.

فأقول تعليقا على ذلك :
أما دعوى التكفير والردة فهي تكفي لوحدها ليعرف كلُّ عاقل طبيعة أفكار هذه الفئة المجهولة ، فهم وإن أخفوا أشخاصهم وتستروا عن أعين الناس في جنح الظلام خوفا وجبنا وإمعانا في المكر والتلبيس فإن كلماتهم تفضحهم ، وتكشف أنهم تكفيريون متشبعون بالغلو في التكفير ورمي المسلمين بالارتداد عن الدين ، وقد فعلوا مثل هذا في بيان سابق ، حيث حكموا فيه على الأمة جمعاء بأنها آثمة ، وغمزوا فيه الحكومات بأنها مرتدة.

وقد نسجوا فريتهم هذه على مقدمات فاسدة على طريقة الخوارج ، فزعموا أن الدولة تناصر الكفار ضد المسلمين !! وهي دعوى مفضوحة مكشوفة يعرف كل عاقل كذبها ودجلها ، وإذا كان عند هؤلاء جرأة وأظهروا لنا أنفسهم لرأينا أنهم هم العملاء لأعداء الدين والوطن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وأما دولتنا فرايتها بيضاء ، وجهودها في خدمة الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج أوضح من ضوء النهار ، وشعائر الإسلام فيها ظاهرة ، والمساجد فيها قائمة ، والدروس والمحاضرات والبرامج الدينية عامرة ، والمؤسسات القرآنية ترفع راية القرآن في سائر أنحاء الدولة ، وتحظى بدعم متواصل من القيادة الحكيمة ، وأعمال الخير والبر والإحسان ممدودة في طول البلاد وعرضها ، وهكذا أيضا على المستوى الخارجي ، فالأعمال الإغاثية لإنجاد المستضعفين والمنكوبين من المسلمين في كل مكان مشهودة ، وصوت الحق لمناصرة قضاياهم ورفع المعاناة عنهم مرفوعة في مختلف المحافل ، فأين هي مناصرة الكافرين ضد المسلمين بعد كل هذا كما يفتريه أصحاب البيان الكذابون الفجرة ؟!!

إن هؤلاء العاكفين في السراديب المظلمة إنما يتلاعبون بالاتهامات التكفيرية في كل وقت وحين لتحريض المسلمين ضد حكوماتهم وإشعال الفتن في المجتمعات الإسلامية ..

تارة بترويج الإشاعات واختلاق الأوهام والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة لاتهام هذه الدولة أو تلك بالكفر الأكبر ..

وتارة بالتهويل والتضخيم وتحريف الواقع وتوصيف الأمور بغير أوصافها الحقيقية لرمي هذه الدولة أو تلك بأنها وقعت في أفعال موجبة للكفر والردة ..

وتارة بهدف ممارسة الإرهاب الفكري والانتصار للتكفيريين والمتطرفين والإرهابيين وتخذيل الناس عن التصدي لأفكارهم ..

فكل من وقف أمام التطرف والإرهاب والأفكار الثورية فهو في نظر هؤلاء محارب للإسلام والمسلمين ..
فمن يخالف الإخوان المسلمين ويتصدى لطرائقهم الفاسدة وصموه بأنه محارب للإسلام والمسلمين ، حتى قال ذلك القائل : إن ظاهر حال كل من يعارض الإخوان في مصر أنه يرفض دين الإسلام !!
وبناء على هذا قسموا الناس إلى فسطاطين : فسطاط مُوالٍ للإسلام ، وهم من يقف في صف الإخوان ويؤيدهم ، وفسطاط رافض للإسلام ومُوالٍ للعلمانيين واليهود والنصارى ، وهم كل من يرفض فكر الإخوان ويتصدى له !! ولا ثالث بين هذا وذاك !!

وهكذا من يخالف تنظيم القاعدة ويتصدى لأفكارها المتطرفة ، فإنهم يشهرون في وجهه تهمة محاربة الإسلام والمسلمين ومظاهرة الشرك والمشركين ! حتى كفَّر من كفَّر منهم أكابر علماء الأمة تحت ذريعة هذه التهمة الظالمة الجائرة !!

وبهذا السلاح الظالم تحاول التيارات المتطرفة ثني أهل الوسطية والاعتدال عن تعرية أفكارهم وتبديد ظلماتهم ..
وبهذا السلاح الظالم تحاول هذه التيارات المتطرفة التحريض ضد الحكومات المسلمة التي تصون الناس من شرورهم وتتصدى لمخططاتهم الإرهابية ..
ولكن أنى لهم أن يفلحوا ؟!!

إن هؤلاء إنما يريدون من وراء بياناتهم أن يمهدوا الطريق أمام تلك التنظيمات الإرهابية التي تهدد باجتياح المجتمعات الإسلامية سيما دول الخليج ، تلك التنظيمات التي تجهر ليل نهار بأنها تريد تحرير مكة والمدينة وتخليص جزيرة العرب بل الوطن العربي والإسلامي قاطبة من المرتدين بزعمهم ، فجميع دور المسلمين عندهم هي دور حرب يجب قتالها ، ثم يأتي أصحاب هذا البيان ليمهدوا الطريق أمام هؤلاء المتطرفين المتعطشين للدماء ، محاولين أن يوهموا الناس أن من يقف في وجههم فهو خارج من الملة والدين ! وأن أي تضامن مع الجهود الإقليمية والدولية ضد تهديداتهم الإرهابية والتي تتنافى مع شريعة الله تعالى فهو مناصرة للكفار ضد المسلمين !!

وهكذا وبمثل هذا الإرهاب الفكري يحاول هؤلاء إسكات الناس عن التصدي لهذه التنظيمات الإرهابية !! وهم في ذلك كله أبعد ما يكونون عن العلم والفقه والحرص على مصالح المسلمين .

وأما من جهة الفقه في الدين فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: « لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جدعان حِلفًا ما أحب أن لي به حُمُر النعم ، ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت » رواه الطبري والبيهقي وغيرهما .
وهو الحلف المعروف بحلف الفضول ، والذي تعاقدته قبائل من قريش قبل الإسلام ، حيث تعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم إلا قاموا معه حتى تُرَدَّ عليه مظلمته ، وسموه بحلف الفضول ، والفضول جمع فضل ، أي : حلف الفضائل ، وقد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث نبيا ، ثم بيَّن أنه لو دُعي إليه في الإسلام لأجاب ، لما فيه من المصالح العظيمة التي تعود بالخير على المسلمين والتي دعا إليها الإسلام ورغب فيها.

وأي مصلحة أعظم هذه الأيام من التصدي للمتطرفين والإرهابيين الذين يكفِّرون المسلمين ، وحماية المجتمعات الإسلامية من شرهم ، وصيانة الدين من تشويههم وزيفهم وتلبيسهم وتدليسهم ، والتضامن مع الأحلاف الدولية لكبح جماحهم ورد عدوانهم ؟!!

بل بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن التصدي للخوارج الذين يشوهون الدين ويعتدون على المسلمين هو من أفضل القربات والطاعات.
وقد وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: « هم شر الخلق والخليقة ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه ، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم » رواه أبو داود .
فقد أخبر عنهم عليه الصلاة والسلام بأنهم يدعون إلى كتاب الله تعالى ولكنهم ليسوا منه في شيء ، بسبب أفهامهم السقيمة وعقائدهم التكفيرية الفاسدة ، وفي ذلك تنبيه نبوي إلى عدم الاغترار بهم والانخداع بشعاراتهم الزائفة .

بل قال عليه الصلاة والسلام متهددا هؤلاء الخوارج بنفسه الشريفة : « لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد » متفق عليه ، أي : لئن أدركتهم لأستأصلنهم كما استُؤصل قوم عاد ، وذلك لعظم شرهم وشدة جنايتهم على الأمة .
وقال عليه الصلاة والسلام في وصفهم أيضا : « شر قتلى تحت أديم السماء ، خير قتيل من قتلوه » رواه ابن ماجه والترمذي.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح الحديث : “أي : أنهم شرٌّ على المسلمين من غيرهم ، فإنه لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم لا اليهود ولا النصارى ، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم ، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم ، مكفرين لهم ، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة “.

وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يكرر التحذير من هذه الفئة الضالة وينبه الأمة على عظيم شرها وشدة فتنتها في مناسبات عدة ، حتى إنه قيل لأبي أمامة رضي الله عنه راوي الحديث السابق : أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ؟ فقال : لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا حتى عد سبعا ما حدثتكموه .

ولو كان أصحاب البيان صادقين لاستنكروا الجرائم المفجعة والمجازر المروعة التي تمارسها التنظيمات المتطرفة ضد المسلمين في العراق وسوريا وغيرها ، فكم من رصاص وجهوه في الصدور ، وكم قطعوا من رؤوس ، وكم سحلوا من أجساد ، وكم أبادوا من رجال ونساء وأطفال ، وكم دمروا وشردوا وفجروا وكفروا ، ومع ذلك لم نسمع من هؤلاء بيانا واحدا أو كلمة واحدة في استنكار هذه الجرائم والمجازر التي يرتكبها هؤلاء القتلة السفاكون !!

ولكن أنى لهم أن يفعلوا وهم وإياهم في خندق واحد !
إن الحقيقة التي ينبغي أن نوقن بها أن أصحاب الفتن ودعاة الحزبية والتطرف لا يألون جهدا في محاولة تفريق صفوف المجتمعات الإسلامية ، وذلك لسرٍّ مهم ينبغي التفطُّن له ، وهو أن هؤلاء لا تقوم لهم قائمة ولا يجدون لهم متنفَّسًا إلا إذا حصل الاختلاف والافتراق ، ولذلك فهم من أشد الناس حرصا على إشعال فتيل الخلاف بين المسلمين ، وبث أسباب الفوضى والصراع والتناحر في مجتمعاتهم .

وقد بيَّن لنا نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة ، فقال عليه الصلاة والسلام في وصف الخوارج : “يخرجون على حين فُرقة من الناس” متفق عليه.
قال العلماء في شرح الحديث : “أي : يَظهرون في وقت تشتُّت أمر الناس واضطراب أحوالهم وظهور المحاربة فيما بينهم”.

ولذلك أخبر العلماء أن شيطان الخوارج يكون مقموعا في وقت اجتماع المسلمين ، فإذا افترقوا وجد هؤلاء الشياطين موضع الخروج ، فخرجوا ، وعاثوا فسادا ، فكفَّروا المسلمين ، وأعملوا السيوف في رقابهم ، واستحلوا أموالهم وأعراضهم.

وإن من أشد ما يحرص عليه أصحاب الفتن الذين يسلكون هذا المسلك : تقويض جيوش البلدان الإسلامية ، وتدمير مؤسساتها العسكرية والأمنية ، والسعي الحثيث في كل ما شأنه إضعاف الأمة وإذهاب أمنها واستقرارها واجتماعها ، ومن الطرق التي يتبعونها في ذلك أساليب التخذيل والتهويل والإرجاف وهدم مبدأ السمع والطاعة لولاة الأمور ، مقتدين في ذلك بالمنافقين الذين انتهجوا هذه السياسات الخبيثة للطعن في ظهور الرعيل الأول.

يقول الله تعالى عن المنافقين : {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة}.
ومعنى الآية : لو خرج هؤلاء المنافقون معكم ما زادوكم إلا نقصا وفسادا وشرا ، ومعنى الفساد : إيقاع الفشل بين المؤمنين بتهويل الأمور لهم ، ولأسرعوا في كل ما يُخلُّ بكم ويفرِّق جماعتكم ، بالنميمة وإيقاع العداوة بينكم ، يطلبون لكم ما تُفتنون به ، فهم حريصون على فتنتكم وإلقاء البغضاء في صفوفكم.
وقال ربنا تعالى عن المنافقين أيضا محذرا نبيه صلى الله عليه وسلم من شرهم : {لقد ابتغوا الفتنة من قبلُ وقلَّبوا لك الأمور}.

أي : طلبوا تخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم كما فعل عبد الله بن أُبَيّ يوم أُحد حين انصرف عنك بأصحابه {وقلَّبوا لك الأمور} أي : أداروا أفكارهم وأعملوا حيلهم للتخذيل عنك وتشتيت أمرك.
ومن هنا فإنَّ كل من يخذِّل المسلمين ويوهن صفوفهم ويفرِّق جمعهم ويحاول أن يبث الأراجيف في صفوف جنودهم وجيوشهم ومجتمعاتهم لتفريقها وتمزيقها ويهدم مبدأ السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين بغية تحقيق أهدافه ومكاسبه فله حظٌّ مما أخبر الله به عن المنافقين ، فهو يسير على خطا المنافقين في تمزيق المسلمين وتفريق صفوفهم وإضعاف قوتهم ووحدتهم.

وبعد هذا أقول :
إن الواقع ينبئ عن وجود جهات معادية تتربص بالأمة شرًّا ، توظِّف أصحاب الغلو وتجار الدين لضرب الدول الإسلامية وتمزيقها وإضعاف قوتها ، وتوظِّف أفكار تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة للتغرير بالشباب وخداعهم واستخدامهم أدوات لتنفيذ مخططاتهم ..
وتتَّبع في ذلك أساليب شتى ..
ابتداءً من المؤثرات العاطفية والغزو النفسي المدروس لإلهاب مشاعر الشباب المغرر بهم وشحنهم نفسيا وعاطفيا ..
وانتهاء بالغزو الفكري وإفساد العقول ببث المعتقدات التكفيرية الفاسدة ..
وبهذين السلاحين ( الشحن العاطفي – والعقيدة الفاسدة ) يصبح الشاب المغرر به قنبلة موقوتة بين يدي تلك التنظيمات السرية التي يديرها من وراء الستار مجاهيل يرسمون مخططاتهم في سراديب مظلمة للإضرار بالأمة الإسلامية ، حتى يصبح الشاب المغرر به مستعدا لتفجير نفسه في سبيل إرواء مشاعره الملتهبة والانتصار لعقيدته الفاسدة وهو في الحقيقة إنما يخدم أهداف تلك التنظيمات السرية المشبوهة.
ومما ينبغي أن نعلمه أن أهل التخذيل والإرجاف ينهجون في مخططاتهم ضمن ما ينهجون : طرائق أصحاب الشبه والمدلسين الذين يتبعون المتشابهات ويحرفون النصوص ، ليس على مستوى مقولات العلماء فقط ببترها عن سياقها وسباقها ، بل على مستوى النصوص الشرعية التي يخرجونها عن دلالاتها ويحرفونها عن معانيها وينهجون في تناولها سياسة تحريف الكلم عن مواضعه.

وقد حذرنا الله سبحانه تعالى من أصحاب هذا المسلك الخطير فقال عز وجل : {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}.

وحذرنا منهم أيضا نبينا صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم » أخرجه مسلم.

فعلينا أن نحذر من أهل الغلو والإفراط ، وألا ننخدع بألاعيبهم ، وألا نغتر بشبهاتهم مهما زخرفوها وزينوها ، وأن نتمسك بعقيدتنا ووسطيتنا ، وأن نلزم غرز العلماء الربانيين المعتدلين ، وأن نتصدى لكل من يريد الشر بنا وبدولتنا وقيادتنا ومجتمعنا وشبابنا .

كما نؤكد في هذا المقام على واجب الأسرة في حماية الأبناء ، وحسن تنشئتهم ، وتنمية القيم الدينية والوطنية في نفوسهم ، وتسليحهم بالولاء لدينهم وقيادتهم ودولتهم ، وتشجيعهم على الخدمة الوطنية ، والدفاع عن أرضهم ووطنهم .

نسأل المولى سبحانه وتعالى أن يحفظ دولتنا من مكر الماكرين ، وأن يحفظ شبابنا من ألاعيب الحاقدين الحاسدين ، وأن يديم علينا الأمن والأمان والاستقرار والوحدة والوئام وعلى سائر بلاد المسلمين ، إنه سميع قريب مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.