العلاج الإيجابي للفكر المتطرف بالقرآن والسنة لا بالملهيات والأغاني الموسيقية


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد.

فإن الله أنزل القرآن شفاء لما في القلب من أمراض, فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}([1]) .

فالقرآن يعالج ما في القلب من شُبَه وشكوك، وهو دواء للجهل, وشفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع, وأمراض الشبهات القادحة في العلم والحق([2]) .

      قال الطبري رحمه الله:” جعله الله للمؤمنين شفاءً، يستشفون بمواعظه من الأدواء العارضة لصدورهم من وَساوس الشيطان وَخطراته، فيَكفيهم ويغنيهم عن كلّ ما عداه من المواعظ ببيان آياته”([3]) .

وجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة -التي هي وحي من الله -مبيناً لما في الكتاب , عاصماً بسنته من الضلال والانحراف فقال صلى الله عليه وسلم:” قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ([4]) .

فبالتمسك بالقرآن والسنة الصحيحة النجاة من كل تطرف وانحراف قال رسول الله :” إِنِّي  قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي([5]) .

فما من مشكلة إلا وقد عالجها القرآن والسنة خير علاج وأنفعه, ومن ذلك ظاهرة التطرف والغلو الخارجي التكفيري, فقد عالجه القرآن والسنة بأنفع علاج وأنجعه, وذلك من خلال طريقين:

الطريق الأول: طريق تقرير الحقّ المنافي للتطرف والغلو, وذلك من وجوه كثيرة منها :

الوجه الأول: تقرير أهمية الأمن في الأوطان، ودعاء الأنبياء ربهم أن يؤمّن بلادهم, وبيان الأسباب التي تحقق الأمن في الأوطان.

الوجه الثاني: تقرير وجوب السمع والطاعة لحكام المسلمين بالمعروف.

الوجه الثالث: تقرير توقير الحكام واحترامهم.

الوجه الرابع: تقرير وجوب لزوم جماعة المسلمين.

الوجه الخامس: تقرير وجوب بيعة ولي الأمر، والوفاء ببيعته والصدق فيها.

الوجه السادس: بيان أن الجهاد موكول بولي الأمر, فلا جهاد بدونه ولا بغير إذنه.

الوجه السابع: تقرير حقوق المسلمين ومحبتهم وصون دمائهم وأعراضهم وأموالهم.

الوجه الثامن: تقرير حقوق أهل الذمّة والعهد من غير المسلمين, من عدم إيذائهم وظلمهم وقتلهم والغدر بهم.

الوجه التاسع: الأمر بالاعتدال في الدين والتوسط فيه.

الطريق الثاني: طريق التحذير من التطرف والغلو المعارض للحق, وذلك من وجوه كثيرة منها:

الوجه الأول: ضرب الأمثال في خطورة فقد الأمن في البلدان.

الوجه الثاني: النهي عن مخالفة وليّ الأمر.

الوجه الثالث: ذمّ من لم يبايع وليّ أمره, وأنه يموت ميتة جاهلية.

الوجه الرابع: تحريم الخروج على وليّ الأمر, وإن كان فاجراً مستأثراً بالدنيا.

الوجه الخامس: ترتيب الوعيد الشديد على من بايع وليّ أمره من أجل الدنيا.

الوجه السادس: التحذير من سبّ الحكام والطعن فيهم وغشهم.

الوجه السابع: التحذير من الخوارج وبيان صفاتهم وأساليبهم.

الوجه الثامن: التحذير من الغلو والتشدد.

الوجه التاسع: التحذير من تكفير المسلمين.

الوجه العاشر: تحريم تفجير النفس, وتحريم قتل المسلمين والآمنين من المعاهدين والذميين وأن من فعل ذلك لم يرح رائحة الجنة.

فهذه العلاجات لقضية التطرف الخارجي كلّها ممّا تضمنتها تقريرات القرآن والسنة بأدلة كثيرة بهذا الأسلوب التقريري والتحذيري الذي هو أنفع أسلوب لعلاج كل ظاهرة سلبية, فقضية التكفير والتطرف قد عالجها القرآن علاجاً نافعاً مانعاً محصّناً للقلب والفكر, لا يمكن لأي طريقة أخرى أن تماثله وتعطي نتائجه , لأن الأفكار التطرفية معتقدات قلبية لا يمكن إزالتها واجتثاثها إلا ببراهين قوية تقابل تلك الأفكار والشبهات التي حلّت في قلوب أصحابها محلّ اليقينيات , ولا أقوى من براهين القرآن والسنة لقلع أصول تلك الشبهات. قال تعالى{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }([6]) ، وقال: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }([7]) .

إلا أنه ينبغي التنبيه على أن المعالج بالقرآن والسنة يجب أن يكون من أهلهما ممن حملهما بقوة وعلم، فإنه ليس كل من حملهما عالج بهما , كما أنه لا يحملهما حقاً إلا من كان متخصصاً فيهما, متمسكاً بما دلا عليه من الاعتدال والتوسط وهم أهل السنة والجماعة, ممن تخصص في العلم الشرعي, وعلى هذا يكون المعالج بالكتاب والسنة على أصناف:

الصنف الأول: العلماء الربانيون، وهم أقدر من يعالج بالكتاب والسنة القضايا الفكرية المتطرفة العلاجَ الصحيح.

الصنف الثاني: طلاب العلم ممن سار على نهج العلماء الربانيين، فهم يعالجون بالطريق الصحيح والمسلك الراجح الذي تعلموه من العلماء الربانيين.

الصنف الثالث: من لم يكن متخصصاً في العلم الشرعي ولا عارفاً به, فهذا لا يحسن العلاج, بل قد يزيد في وجود المرض أو يقوي وجوده؛ لضعف حمله للكتاب والسنة وضعف ردّه على شبه المتطرفين.

الصنف الرابع: أهل الأهواء والبدع بجميع أصنافهم, فإن علاجهم إما أن يكون ضعيفاً لا يعالج حقيقة الظاهرة الفكرية ,  أو أن يتسرب فكرهم المخالف للكتاب والسنة  عند علاجهم للفكر المتطرف.

وكما قال ابن القيم :

 والجهل داء قاتل وشفاؤه…. أمران في التركيب متفقان

نص من القرآن أو من سنة…. وطبيب ذاك العالم الرباني”([8]) .

إذاً أنفع علاج لداء التطرف هو القرآن والسنة, وأقدر من يعالج بهما العلماء ومن سار على نهجهم, ويدل على ذلك مناظرة ابن عباس رضي الله عنهما للخوارج .

هذا وقد يذهب بعض معالجي ظاهرة التطرف إلى طرائق علاجية غير مستندة على القرآن والسنة، وهم في الجملة على نوعين:

النوع الأول: من يعالج ظاهرة التطرف بالأمور المباحة كالرياضة والترفيه وفنون الرسم والمشاركات الثقافية.

فهذا النوع حقيقته ليست علاجية مستأصلة للمرض، ولكنه مشغل عنه، غير مانع من دخول الفكر المتطرف, فالعلاج به استقلالاً واعتماداً غير نافع , ولا مانع , وأعلى ما فيه من علاج أنه يشغل التفكير وقتاً مؤقتاً, لكنه ليس معالجاً لأصل الفكر المتطرف, بل إن أصحاب الأفكار الإخوانية والداعشية يبحثون عن هذا النوع من الأجيال لسهولة غرز الأفكار المتطرفة في قلبه.

وإنما قد يكون هذا النوع نافعاً إذا كان مساعداً للعلاج الأساسي وهو القرآن والسنة.

النوع الثاني: من يعالج الفكر المتطرف بأمور محرمة غير مشروعة كسماع الموسيقى والأغاني([9]) ، أو الانشغال بالرقص واللهو المحرم.

فهذا النوع من العلاج محرم وليس بنافع , والداء  لا يعالج بداء, و إذا كان العلاج بالمباحات غير مانع ولا نافع استقلالاً, فكيف بالعلاجات المحرمة!؟

وإنه من خلال التجربة والنظر في واقع كثير من الشباب الذين التحقوا بداعش وأخواتها فإنهم كانوا ممن يتعاطى المسكرات أو واقعين في الفواحش والمحرمات , فإذا أراد الواحد منهم أن يتوب – لا سيما وأن التدين أمر فطري في الإنسان- استمع لمحاضرات الإخوان المسلمين ثم انتقل لفكرة الالتحاق بداعش ليكفر عن سيئاته بأسهل طريقة في زعمهم وهي الجهاد وتفجير النفس.

وبالتالي يترتب على هذين النوعين من العلاج مفاسد كثيرة على المجتمع، منها:

  • تكوين جيل بلا حصانة عقدية ولا براهين قوية, سهل الانقياد للأفكار الدخيلة.

  • أن الفكر المتطرف يجد له مكاناً في المجتمع يسهل عليه من خلاله الدخول عليه.

  • تمكن الإخوان المسلمين من إعادة نشاطهم وتنظيمهم؛ لأنهم لا يدخلون إلا عن طريق الأناشيد والتمثيليات، والكشافة والمخيمات، والبرامج الثقافية, وهم أحسن من يستغل هذه الأساليب.

  • أن المتأثر بالفكر المتطرف لن تزول عنه أفكاره بهذه الأساليب العلاجية الضعيفة.

  • سيقل ولاء الأجيال؛ لأن الولاء الحقيقي الثابت ما كان عن أصل ثابت, ولا أثبت من أدلة الكتاب والسنة.

  • ضعف الوازع الديني عند الشباب, مما سيؤدي إلى ظهور مشاكل أخلاقية وفكرية متنوعة.

  • أن العلاج بالمحرمات سيخرجهم من التطرف والغلو إلى التضييع والتفريط الذي يضرّ النفس والمجتمع.

هذا وأسأل الله أن يحصن مجتمعاتنا من الأفكار المتطرفة الغالية والجافية

والحمد لله رب العالمين.

________________________________________

([1] ) يونس:57

([2] ) ينظر: تفسير ابن كثير(7/370), والبغوي (2/366) والسعدي(1/366).

([3] ) تفسير الطبري(1/67).

([4] ) رواه ابن ماجه (43) وغيره وصححه الألباني.

([5] ) رواه البيهقي في سننه (20917)، والحاكم (1/93).

([6] )  الأنبياء:18

([7] ) الإسراء:81

([8]) نونية ابن القيم (225).

([9] ) قال أبو عبدالله القرطبي المالكي عند قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ}:”هذه إحدى الآيات الثلاث التي استدل بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه, والآية الثانية قوله تعالى: { وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ }والآية الثالثة قوله تعالى:{ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ }ثم ساق رحمه الله الأدلة من السنة وآثار الصحابة رضي  الله عنهم والتابعين ما يدل على المنع من الأغاني ثم قال رحمه الله :” ولهذه الآثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء” ثم ذكر مذهب الإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة رحمهم الله في تحريم الغناء, ثم نقل الإجماع على منعه فقال:” قال الطبري: فقد أجمع علماء الامصار على كراهة الغناء والمنع منه “. تفسير القرطبي(16/456-463) بتصرف وينظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي (324-339).