استراتيجية علاج الفكر المنحرف


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

يعتبر الانحراف الفكري أحد أخطر المهددات على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول، وسبباً رئيساً في كثير من الأعمال الإرهابية والمتطرفة، من تفجير وتدمير وإزهاق للأنفس المعصومة وزرع للعداوات وتشويه للدين الحنيف، ولذلك فهو بحاجة ماسة إلى استراتيجية علاجية ووقائية لمكافحته وتحصين الأجيال منه، عبر خطط مدروسة ومحدَّدة الأهداف تقوم على دراية صحيحة بأنواع الانحرافات الفكرية ودوافعها، وعلى معرفة بطرق العلاج الناجع وأساليب الوقاية.

 

فمن أهم الخطط والاستراتيجيات المعينة في هذا الباب، حسب وجهة نظري:

أولاً: تعزيز وتكثيف دور العلماء وطلبة العلم في توعية الناس بالعقيدة الوسطية الصحيحة والثقافة الإسلامية المعتدلة، التي تنصبُّ في إعلاء مقاصد الشريعة وتحقيق مصالحها، وتحافظ على الفكر السليم والسلوك القويم، وتُصحِّح المفاهيم الخاطئة في مسائل الجهاد والتكفير والولاء والبراء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والموقف من الحكام وغير ذلك؛ لأنَّ الفكر لا يعالَج إلا بالفكر..

والعقيدة المختلَّة لا يمكن أن تعالَج إلا بالعقيدة الناصعة السديدة.

 

ثانياً: العناية بالبرامج العلمية الهادفة، وتكثيف الدور التوعوي والتربوي في المجتمع، خاصة في نفوس الناشئة. فالفراغ الفكريَّ من أخطر ما يُهدِّد الشباب، إذ يجعلهم عرضةً لأيِّ تغذيةٍ فكريةٍ منحرفة...

وبمقدار تشبُّع الشباب بالعلم النافع، يتحقَّقُ تحصُّنهم من الأفكار الدخيلة والمضلِّلة. وإذا كان لا يخفى على الكثيرين خطرُ الفراغ على الشباب وضرورةُ وضع البرامج الهادفة لإشغال أوقاتهم بالنافع المفيد، فإنه قد يخفى عليهم أنَّ الفراغَ الفكريَّ من أخطر أنواع الفراغِ القاتلِ، وأنَّ من أهمِّ البرامج التي ينبغي صرف الشباب إليها، البرامج العلمية التي تنير بصائرهم وتملأ عقولهم وتهذِّب نفوسهم.

 

ثالثاً: تجديدُ وتطويرُ أسلوبِ الخطابِ الدينيِّ ليجمع بين الأصالة والمعاصرة، فيستمدَّ أصالته وأصوله وقواعده وأحكامه من الكتاب والسنة، ويواكبَ في أسلوبه وطريقة عرضه حاجة العصر ومتغيراته ومشكلاته، بحيث يكون قريباً من واقع الناس وقضاياهم، ملائماً لثقافاتهم، يخاطبهم بما يعقلون، ويبيِّن لهم الصواب فيما يحتاجون.

 

رابعاً: ترسيخ ثقافة التعاون والتضامن والمسؤولية المشتركة في مكافحة الانحراف الفكري، ليشمل ذلك الوالدين في المنزل، والإمام والفقيه والواعظ في المسجد، والمعلم والمربي في المدرسة، والإعلامي والمثقف في وسائل الإعلام، إلى جانب المؤسسات والهيئات التي من شأنها مباشرة العلاج والتعاون فيما بينها وفق آليات وشراكات بنَّاءة، كوزارة التربية والتعليم، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، ووزارة العدل، وسائر الجهات التي تُعنَى بالشباب والمجتمع.

 

خامساً: احتواء المغرَّر بهم من أصحاب الفكر المنحرف، بمناقشتهم ومحاورتهم وبيان الحقِّ لهم ممَّن هو أهلٌ لذلك، بالأسلوب الأمثل الذي يزيل عن أبصارهم الغشاوة ويُرشدهم إلى الطريق الصحيح، امتثالاً لقول الله تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، فكم رجع بالصَّبرِ وحُسنِ البيانِ أناسٌ غُرِّر بهم، فأصبحوا بعد أن علموا الحقَّ وعملوا به، برداً وسلاماً على أنفسهم ومجتمعهم.

 

سادساً: تخفيف ضرر من لا يمكن دفعهم من أصحاب الفكر المنحرف، بالأساليب الحكيمة التي تحاصرهم وتقلِّلُ من شرورهم وتُضعِفُ أثرهم. وقد نصَّ العلماء على أنَّ الشريعة جاءت لتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنَّ الضرر يُدفع بقدر الإمكان، ومن طرق الوقاية من الانحراف الفكري، التصدِّي لمروِّجيه وتحذير الناس من شرورِهم وفتنِهم.

 

سابعاً: إيجاد وتعزيز الأنظمة والقوانين التي تُجرِّم أنواعَ الفكرِ المنحرفِ وأصحابَه، والتي تندرج في باب التعزير الشرعي، كما جاء عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا: "إنَّ الله لَيَزَعُ بالسُّلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن"، أي: إنَّ من الناس من لا يمنعه عن ركوبِ الانحرافات ونشرِها بين الناس إلا العقوبة السلطانية؛ لضعف إيمانه وقلة علمه وورعه.

 

إلى غير ذلك من الاستراتيجيات والخطط التي لا يتسع المقام لاستيعابها، والتي تتصدى للانحرافات الفكرية بمختلف أنواعها، وتحمي المجتمع من أخطارها وشرورها، وتضع العلاج الشافي والوقاية الفاعلة والاحتواء المناسب، وفق الهدي الرباني الهادي إلى أقوم طريق، وهي كلها تدخل في مصطلحات أربعة هي: الوقاية والعلاج والاحتواء والتعزير.