صفة الحج خطوة بخطوة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فهذا شرح مُبَسط لصفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- خطوة بخطوة، مهَّدتُ له بذكر مسائل مهمة وتنبيهات لطيفة تتعلق بالحج والعمرة، أوردْتُ فيه ما صحّ من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وآثار الصحابة والتابعين y، مستعينا في شرحه وتبسيطه من كلام الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم رحمهم الله تعالى، سائلاً المولى -عز وجل - أن يَتقبَّله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من قرأه واطلع عليه.

 

 فضل الحج

اعلم أخي الكريم وفقك الله لكل خير أنَّ الحجَّ ركن عظيم من أركان الإسلام، أوجبه الله تعالى على كل مسلم مستطيع في العمر مرة واحدة، ورتب على أدائه أجراً كبيرا، وثواباً جزيلا، فمن تلك الفضائل:

أولاً: ليس له جزاء إلا الجنة

ما ثبتَ عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ)([1])، وفي رواية من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: وَمَا بِرُّهُ؟ قَالَ: (طِيبُ الْكَلَامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ)([2]).

وقد ذكر العلماء أن الحج المبرور هو ما جمع عدة أوصاف: أن يكون خالصاً لله تعالى، وأن يكون بمال حلال، وأن لا يخالطه بإثم ([3]).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ، وَلَا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: (نَعَمْ)([4]).

ثانياً: غفران الذنوب وتكفير السيئات

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)([5]).

والرفث: هو مقدمات الجماع، والفسق: يشمل جميع الذنوب والمعاصي.

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)([6]).

قال ابن عبد البر رحمه الله: "وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُ لَا يُبَاهِي بِأَهْلِ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ إِلَّا مِنْ بَعْدِ التَّوْبَةِ وَالْغُفْرَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"([7]).

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ)([8]).

ثالثاً: من أفضل الأعمال

وعن ماعِزٍ -رضي الله عنه- عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّه سُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (الْإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ الْجِهَادُ، ثُمَّ حَجَّةٌ بَرَّةٌ تَفْضُلُ سَائِرَ الْعَمَلِ كَمَا بَيْنَ مَطْلِعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا)([9]).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَا تَرْفَعُ إِبِلُ الْحَاجِّ رِجْلاً وَلاَ تَضَعُ يَدًا, إِلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، أَوْ مَحَى عَنْهُ سَيِّئَةً، أَوْ رَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً) ([10]).

وصح أيضاً من حديث ابن شماسة -رضي الله عنه- أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بسط يده لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قبضها لما أراد أن يبايعه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟) قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: (تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟) قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: (أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟)([11]).

والحج نوعٌ من أنواع الجهاد كما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك حينما جاءه رجل فقال: إني جبان وإني ضعيف، فقال: (هَلُمَّ إِلَى جِهَادٍ لَا شَوْكَةَ فِيهِ: الْحَجِّ)([12]).

بل صح في الحديث أنه من أفضل الجهاد، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال: (لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ)([13]).

وقد ذكر العلماء([14]) أن ذلك يُحمل فيما لو لم يكن الجهاد قائماً، وإلا فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه سُئِل أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ الْجِهَادُ، ثُمَّ حَجَّةٌ بَرَّةٌ تَفْضُلُ سَائِرَ الْعَمَلِ كَمَا بَيْنَ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا)([15])، فيكون الحج أفضل من سائر أنواع الجهاد، إلاّ الجهاد الذي وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- (إِلا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)، فيكون هذا الجهاد هو الذي يفضل على الحج خاصة.

أو أن يكون الجهاد في نفسه أفضل من الحج، لكن قد يقترن بالحج ما يصير به أفضل من الجهاد كأن يكون الحج حجّ فرضٍ والجهاد فرض على الكفاية في ذلك الوقت.

ويُحتمل أن يكون خاصا بالنساء والضَّعَفَة كما يُفهم ذلك من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: (عَلَيْهِنَّ جِهَاد لَا قتال فِيهِ: الْحَج وَالْعمْرَة)([16]). وأيضاً حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (جِهَاد الْكَبِير وَالصَّغِير والضعيف وَالْمَرْأَة: الْحَج وَالْعمْرَة) ([17])، وفي لفظ آخر: (الْحَج جِهَاد كل ضَعِيف) ([18]).

 

حكم الحج

فمن المعلوم لدى كل مسلم أنّ الحج ركن من أركان الإسلام، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ، وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)([19]).

وهو واجب بالكتاب والسنة والإجماع:

فمن الكتاب:

قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وَحَرْفُ ﴿عَلَى﴾ لِلْإِيجَابِ لَا سِيَّمَا إِذَا ذُكِرَ الْمُسْتَحِقُّ فَقِيلَ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ، وَقَدْ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97] لِيُبَيِّنَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ»([20]).

ومن السنة:

قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا)([21]).

وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على استعجال الحج والمبادرة إلى فعله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (عَجِّلُوا الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ, فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَاجَةٍ)([22]).

أما الإجماع على ذلك:

فقد أجمع العلماء على فرضيته لمن توفرت فيه الشروط، وممن نقل الإجماع على ذلك ابن المنذر، وابن حزم، والنووي -رحمهم الله تعالى- ([23]).

قال ابن كثير: "وَقَدْ وَرَدَت الأحاديثُ الْمُتَعَدِّدَةُ بِأَنَّهُ أحدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَدَعَائِمِهِ وَقَوَاعِدِهِ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعًا ضَرُورِيًّا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى المكلَّف فِي العُمْر مَرّة وَاحِدَةً بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ"([24]).

حكم من جحد وجوب الحج:

قال النووي -رحمه الله تعالى- "من جحد وجوب صومِ رمضان والزكاةِ أو الحجِ أو نحوها من واجبات الإسلام، أو جحد تحريمَ الزنا أو الخمرَ ونحوهما من المحرمات المجمع عليها؛ فإنْ كان مما اشتهر واشترك الخواص والعوام في معرفته .. فهو مرتد، وإنْ كان مُجمَعاً عليه لكن لا يعرفه إلا الخواص .. لم يَكفر بجحده، لأنه معذور بل نُعرِّفَه الصواب ليعتقده، هذا هو الصحيح في المسألة" ([25]).

الحج واجب في العُمُرِ مرةً واحدة

لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: خَطَبَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا)، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ)، ثُمَّ قَالَ: (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) رواه مسلم.

قال النووي -رحمه الله تعالى-: "وأجمعوا على أنه لا يجب الحج ولا العمرة في عمر الإنسان إلا مرة واحدة، إلا أن ينذر فيجب الوفاء بالنذر بشرطه"([26]).

حكم العمرة

يختلف حكمها بين أهل مكة وبين غيرهم من المدن والبلدان الأخرى.

أما حكمها على أهل مكة:

فالصحيح من أقوال العلماء أنها لا تجب عليهم، لأن العمرة معناها من الزيارة، والزيارة إنما تكون لمن ليس من أهل الـمَحَلّ، وأهل مكة هم أهل الـمَحَلّ، وهو مذهب الإمام أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم.

أما حكمها على غيرِ أهل مكة:

فالراجح في هذه المسألة وهو مذهب جمهور العلماء من الحنابلة والشافعية وغيرهم أنها واجبة في العمر مرة واحدة، ومن جملة الأدلة على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: (عَلَيْهِنَّ جِهَاد لَا قتال فِيهِ: الْحَج وَالْعمْرَة)([27])، وقوله "على" يدل على الإيجاب كما هو مقرر في علم أصول الفقه.

هل يجب الحج على الفور أم على التراخي؟

إذا توفرت شروط الحج للمسلم ووجب فيه حقه أداءُ الحج؛ فهل عليه أن يحج فوراً في عامه ذاك، أم أنه يجوز له أن يؤخر متى شاء؟

الصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه جمهور العلماء من وجوب الفورية، وأنه يأثم بالتأخير، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ)([28]).

وقد ثبت في الأثر عن عُمَر -رضي الله عنه- قال: « لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إِلَى الْأَمْصَارِ فَيَنْظُرُونَ مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ أَنْ يَضْرِبُوا عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، وَاللَّهِ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، وَاللَّهِ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ»([29]).

مسألة: من كانت له قدرة مالية على الحج لكنه لا يستطيع أنْ يحج لعجزه بدَنِياً فهل يلزمه الحج؟

قسّم العلماء هذا العجز إلى قسمين:

عجز طارئ يُرجى زواله: فهذا تسقط عنه الفورية ما دام العجز باقياً.

وعجز مستمر لا يرجى زواله: كمن به مرض مزمن، أو كان يشق عليه الحج لكبر سنه، فإنه يجب عليه أن يُنيب من يحج عنه. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة خَثْعميةً سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن فريضةَ اللهِ على عبادِه في الحج، أدْركَتْ أبي شيخاً كبيراً لا يستطيعُ أن يثبتَ على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: (نعم) ، وذلك في حجة الوداع ([30]).

تنبيه:

يُشترط في النائب عن الحج أن يكون قد حج عن نفسه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: (مَنْ شُبْرُمَةُ؟) قَالَ: أَخٌ لِي - أَوْ قَرِيبٌ لِي - قَالَ: (حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟) قَالَ: لَا، قَالَ: (حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ)([31]).


 

 

شروط وجوب الحج

الحجّ عبادة كسائر العبادات، لابد أن تتوفر فيه شروط، وهي ستة:

الشرط الأول: الإسلام: فلا يجب على الكافر.

الشرط الثاني: التكليف: أن يكون بالغاً عاقلاً، فلا يجب على الصغير ولا على المجنون.

الشرط الثالث: الحرية: فلا يجب على المملوك.

والدليل على اشتراط التكليف والحرية قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ فَعَلَيْهِ أنْ يَحُجُّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا أَعْرَابِيٍّ حَجَّ ثُمَّ هَاجَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجِّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى)([32]).

الشرط الرابع: الاستطاعة: وهي أعظم شروط الحج وأكثرها أهمِية، لقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وفسرت الاستطاعة بمُلك الزاد والراحلة، وهو مذهب جمهور العلماء.

وفُسّرتْ الاستطاعة بأنها الزاد والراحلة في عدة أحاديث فيها ضعف، وبروايات مختلفة عند الترمذي وابن ماجه والدارقطني وغيرهم، وقد حسنها بمجموع طرقها بعض العلماء كالشوكاني والألباني رحم الله الجميع، من ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة) ([33]).

والحديث عمل بمعناه أهل العلم، قال الترمذي بعد إيراده لأحد ألفاظ الحديث: "والعمل عليه عند أهل العلم: أن الرجل إذا ملك زاداً وراحلة وجب عليه الحج".

ولا بدّ في النفقة أن تكون زائدة على حوائجه الأصلية، لا تتعلق بحاجة عياله ومسكنه، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كفى بالمرء إثماً أن يُضيعَ من يقوت)([34]).

ولا يلزمه تحمل الدين لأجل أن يحج، ففي الأثر عن ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- أنه سُئل عن الرجل يستقرض ويحج؛ قال: يسترزق الله ولا يستقرض. قال: وكنا نقول: لا يستقرض إلا أن يكون له وفاءً([35]).

وعن سفيان رحمه الله قال: "وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ شَيْءٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَسْأَلَ النَّاسَ فَيَحُجَّ بِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَوْ آجَرَ نَفْسَهُ أَجْزَأَهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ" ا.ه ([36]).

قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِهِ سَعَةٌ يَحُجُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ فَهُوَ لاَ يَجِدُ السَّبِيلَ"([37]).

الشرط الخامس: أمن الطريق، فلو خشي الحاج في الطريق على نفسه أو ماله لم يجب عليه الحج إجماعاً ([38]).

الشرط السادس: وجود المحرم للمرأة، فإن لم يكن لها محرم؛ سقط عنها الوجوب لأنها غير مستطيعة، والله عز وجل يقول: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد وقالا بأن المحْرَمَ للمرأة من السبيل ([39])، فلو لم تجد مَحْرَماً فإنها تدخل في معنى قوله ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.

ولعموم الأحاديث الدالة على تحريم سفر المرأة من غير محرم، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يقول: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ)، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: (انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ)([40])، وفي رواية عند البزار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تَحُجُّ امرأةٌ إلا ومعها مَحْرَمٌ) فقال رجل: ... الحديث([41])، وهذه الرواية نصٌّ في المسألة.

وذهبت طائفة من أهل العلم - منهم مالك والشافعي- إلى عدم اشتراط المحرم للمرأة في حج الفريضة إذا كانت الطريق آمنة، وكانت هناك رفقة مأمونة([42]).

قال ابن قدامة: "واشترط كل واحد منهم في محل النزاع شرطا من عند نفسه، لا من كتاب ولا من سنة، فما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بالاشتراط، ولو قُدّر التعارض، فحديثنا أخص وأصح وأولى بالتقديم" ([43])، وعليه: فإنْ لم تجد المرأة محرماً فلا يجب عليها الحج كالذي لا يجدُ نفقة سواءً بسواء([44]).

الشروط والأوصاف التي يجب أن تتوفر في المحْرَم:

مِن المعلوم أنّ وجود الـمَحرم بالنسبة للمرأة أمرٌ مُهم حتى تتمكن من أداء حجها على أتمّ وجه، ولهذا اشترط العلماء في الـمَحرَم شروطاً، منها:

أن يكون مسلماً: فإن كان كافراً فليس بِمَحرم، أما الأب الكافر فيعتبر محرماً لابنته المسلمة عند أبي حنيفة والشافعي، بشرط أن يُؤْمَن عليها، ومنع ذلك أحمد لأنه لا يؤمن عليها أن يفتنها عن دينها كالطفل ([45]). واختار ابن عثيمين القول الأول ([46]).

أن يكون بالغاً: فالصغير لا يكفي أن يكون محرماً؛ لأن المقصود من المحرم حمايتها وصيانتها من المخاطر، ومن كان دون سن البلوغ لا يحصل منه ذلك. وقد سُئل الإمام أحمد: فيكون الصبي محرماً؟ قال: لا، حتى يحتلم؛ لأنه لا يقوم بنفسه، فكيف يخرج مع امرأة ([47]).

أن يكون عاقلاً: فالمجنون لا يصح أن يكون محرماً ولو كان بالغاً، لأنه أيضاً لا يحصل منه حماية المرأة وصيانتها.

مسألة: لو رفض مَحْرمُ المرأة مرافقتها لأداء الحج فلا يجب عليها، لكن لو بذلت له النفقة فهل يلزمه أن يحج معها؟

قولان لأهل العلم ([48]): أصحهما أنه لا يلزمه، لأنّ ذلك واجب على غيره، ولأنّ في الحج مشقة شديدة، وكلفة عظيمة، فلا تلزم أحداً لأجل غيره.

 

صفة الحج

مواقيت الحج.

تنقسم المواقيت إلى قسمين: زمانية ومكانية.

الزمانية: هي أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة: قيل جميعه، وقيل العشر الأول منه.

والمكانية: خمسة مواقيت، وهي الثابتة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وقَّتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا). وفي لفظ لهما: (وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ) ([49]).

فهذه أربعة مواقيت اتفق العلماء على أنها من توقيت النبي -صلى الله عليه وسلم-.

-     ذو الحُليْفة (أبيار علي): وهي أبعد المواقيت من مكة، بينهما نحو (437كم)، وهي قريبة من المدينة.

-     الجُحْفة (رابغ): لأهل الشام ومصر، وهي قرية بينها وبين مكة  (204كم)، سميت بذلك لأن السيل أجحفها.

-     يَلَملَم (السعدية): لأهل اليمن، وهو جبل من جبال تهامة يبعد عن مكة (94كم).

-     قرن المنازل (السيل الكبير): لأهل نجد، وهو أقرب المواقيت إلى مكة (94كم).

-    ذات عرق (الضريبة): لأهل العراق، وهو من توقيت عمر -رضي الله عنه- لأهل الكوفة والبصرة، كما ثبت ذلك صريحاً في البخاري، وإلى هذا الرأي مال النووي -رحمه الله، وسمي بذلك لأن فيه عِرقاً، وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة، بينها وبين مكة (98كم).

إذن هذه المواقيت وَقَّتها النبي -صلى الله عليه وسلم- ليُحْرِم عندها مَن كان مِن أهل تلك المواقيت، أو مَن مَرّ عليها من غير أهلها، فلا يجوز تجاوزها من غير إحرام، ويُكره الإحرام قبلها من غير حاجة، لأن ذلك يعد مخالفاً لفِعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنته، وقد قال: (لتأخذوا عني مناسككم)([50]).

وقد سَأَلَ رجلٌ الإمامَ مالك -رحمه الله - فقال: يا أبا عبدالله، مِن أين أُحرِم؟

قــال مالك: "مِــن ذي الحليفة مِــن حيثُ أحرمَ رســول الله -صلى الله عليه وسلم-".

فقال الرجل: إني أُريدُ أنْ أُحرِم من المسجــدِ مــن عنـــد القبرِ.

قـــال مالك: "لا تفعــل، فإني أَخشى عليك الفتنــة".

فقال الرجل: وأيُّ فتنةٍ في هذه؟ إنما هي أميالٌ أزيدها!.

-صلى الله عليه وسلم-؟ إني سمعت الله يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]".

كيف يُحرِم من ذهب إلى جُدة جواً أو بحراً؟;

القادِم إلى جُدَّة جواً أو بحراً إذا كان لا يمر ولا يحاذي ميقاتاً قبلها فإنه يجوز له أن يُحرِم منها، كالقادم من مدينة "سواكن" على الساحل من السودان مقابل جدة، ونحوها، ومن عَدَاهم فلا يجوز له أنْ يُحرم منها. وإلى هذا القول ذهب بعض الشافعية وبعض الحنابلة، وهو اختيار ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى.

سنن الإحرام.

وهي الأمور المشروع فعلها عند الإحرام أو قبله، فمنها:

-     الاغتسال: قال العلماء: الأغسال المشروعة في الحج ثلاثة أغسال: غسل عند الإحرام وهو آكدها، وغسل لدخول مكة، وغسل للوقوف بعرفة.

ودليل مشروعية الغسل عند الإحرام حديث زيد بن ثابت : أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- تجرد لإهلاله واغتسل;([51])

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (إنَّ مِن السُّنة أن يغتسل إذا أراد أن يُحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة)(([52]).

-     التَّنَظُّف: وهو أخذ ما ينبغي أخذه من شعرٍ: كحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظفار.

قال ابن قدامة رحمه الله: "لأن الإحرام يمنع قطع الشعر وقلم الأظفار، فاستحب فعله قبله؛ لئلا يحتاج إليه في إحرامه، فلا يتمكن منه".

فإن لم يكن له شعر يحتاج إلى إزالته، أو أظفار يحتاج إلى قلمها، نظراً لأنه قد فعل ذلك قريباً، فإنه لا حاجة إلى فعل ذلك عند الإحرام مرة أخرى، لأن إزالة هذه الأمور ليس مطلوباً لذاته وإنما للتنظف.

-     التَّطَيُّب: لِما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة قالت: (كنت أُطيِّبُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يُحرم، ولحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت). وقالت في حديث آخر: (كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مِفرَق النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو محرم)([53]). وبيص، أي: لمعان.

والحديثان يدلان على استحباب استعمال الطِّيْب قبل الإحرام، وأن يكون في الجسد لا في الملابس، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولا تلبسوا شيئاً مسَّه زعفران ولا الوَرْس)(([54])، والوَرْسُ: نبتٌ أصفرُ طيِّبُ الريح يُصبغ به.

قال النووي: " -صلى الله عليه وسلم- بالورس والزعفران على ما في معناهما وهو الطِّيْب فيحرم على الرجل والمرأة جميعا في الإحرام جميع أنواع الطيب";.

فإن أصاب الطِّيْب الملابس بعد ذلك من غير قصد فلا حرج. على الصحيح من قولي العلماء.

-     التَّجَرُّد عن المخيط -صلى الله عليه وسلم-: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ([55])، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ)(([56]. وفي حديث عند أحمد: (وليُحرم أحدكم في إزار ورداء، ونعلين) (([57]).

قال النووي: "وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمحرم لبس شيء من هذه المذكورات، وأنّه نَبّه بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما، وهو ما كان مُحيطاً أو مَخيطاً معمولا على قدر البدن أو قدر عضوٍ منه"، كالجورب والقفاز ونحوهما، قال: " -صلى الله عليه وسلم- بالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطاً كان أو غيره".

ثم قال: "ونبه -صلى الله عليه وسلم- بالخفاف; على كل ساتر للرِّجل من مداس وجُمجُم وجورب وغيرها".

مسألة -صلى الله عليه وسلم- أن يلبس الخفين وأن يقطعهما أسفل من الكعبين، وهو مذهب الجمهور - أبو حنيفة ومالك والشافعي - خلافاً لأحمد فإنه أجاز لبسه من غير قطع لورود رواية أخرى للحديث ليس فيها التصريح بالقطع;([58]).

مسألة: حكم لبس ما يُسمى بـ "الصندل" وهو النعل الذي له رابط خلف الكعب؟

الذي يظهر والله أعلم جواز ذلك، وبه أفتى بعض العلماء المعاصرين.

-صلى الله عليه وسلم-: (ولا تنتقبِ المرأةُ المحرمةُ ولا تلبَسِ القفازينِ)(([59]).

 

الدخول في النسك والتلبية.

إذا فرغَ الحاج من القيامِ بسُنن الإحرام، بقيَ عليه أن يدْخلَ في أحد الأنساك الثلاثة: التمتع أو القِران أو الإفراد.

-          فيقول المتمتع عند إحرامه: "لبيك اللهم عمرة"، أو "لبيك اللهم عمرة متمتعاً بها إلى الحج"، فيؤدي مناسك العمرة كاملة في أشهر الحج، ثم يتحلل منها، ثم يحرم في مكة بالحج.

-          ويقول القارِن: "لبيك اللهم عمرةً وحجاً"، أو "لبيك اللهم عمرة في حجة"، ويفعل مناسك الحج ولا يتحلل بينهما.

-          ويقول المفْرِد: "لبيك اللهم حجة"، ويأتي بمناسك الحج.

-صلى الله عليه وسلم-، فقال: (مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ - هذا هو القِران -، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ -  وهذا هو الإفراد -، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ - وهذا هو التمتع -)، قالت عائشة رضي الله عنها: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ، وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ، وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ([60]).

مسألة: الاشتراط.

يُشرع لمن خشي على نفسه أن يُصاب بمرضٍ أو عارضٍ يمنعه من إتمام الحج أن يشترط على نفسه بأن يقول عند عقد النية: "إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني".

فمن قال ذلك ثم حال بينه وبين إتمام حائل من مرض ونحوه؛ فإنه يتحلل من إحرامه ولا شيء عليه، ولا يجب عليه هدي الإحصار.

ودليل مشروعيته، ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا (لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ). قَالَتْ: وَاللَّهِ لاَ أَجِدُنِي إِلاَّ وَجِعَةً. فَقَالَ لَهَا: (حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)(([61]).

وهل هو مشروع لكل أحد؟

قولان لأهل العلم: أصَحُّهما أنه يُشرع للخائف([62]).

-صلى الله عليه وسلم- لم يأمر به أصحابه، وإنما هذه المرأة لأنّها كانت شاكيةً خائفةً أن لا تُتِم حجها لمرضها، فعَلَّمَها النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الاشتراط..

الشُّروع في التلبية:

-صلى الله عليه وسلم- أنّه بدأ التلبية بعد ركوبه الدابة وعند استوائه على البيداء، وثبت ذلك أيضاً من حديث أنس وابن عباس في البخاري.

وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه عقد التلبية عند المسجد كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا مِنْ عِنْدِ الـمَسْجِدِ) يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الحُلَيْفَةِ(([63]).

والأفضل للمُحرِم أن يُلَبِّي بعد ركوبه الدابَّة؛ لأنه إذا ركبَ يكون قد تأهب واستعد فيبُعد أنْ يكونَ قد نسي شيءً من طيب ونحوه، بخلاف ما لو لبى قبل أن يركب فقد يفوته شيء من ذلك([64]).

تنبيه مهم:

 

تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتلبية الصحابة y

قال جابر -رضي الله عنه- في وصفِ تلبيةِ رسول الله --صلى الله عليه وسلم-: (فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ «لَبَّيْكَ اللهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ»، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَلْبِيَتَهُ)([65]).

 سمى التلبية بالتوحيد؛ لأنها تضمنت توحيد الله تعالى والإخلاص له. فقوله: (لبيك اللهم لبيك) أي: إجابةً لك بعد إجابة، والتكرار هنا للتأكيد. وفسرها بعضهم بقوله: أنا مجيب لك، مقيمٌ على طاعتك.

ولو قال قائل: أين النداء الذي لأجله يقول المسلم لله تعالى "لبيك اللهم لبيك"؟

نقول: هذه الإجابة هي تلبية لنداء الله تعالى حين قال: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27].

ولهذا ينبغي على الإنسان عندما يُلبي أن يستشعر نداء الله عزّ وجل له، وإجابته إياه، لا مجرد كلمات تُقال.

قوله: (لا شريك لك): أي: لا يُشاركك أحد في ألوهيتك، ولا في ربوبيتك، ولا في أسمائك وصفاتك، فأنت المتفرد بذلك كله.

قوله: (إن الحمد): الحمد: هو وصفُ المحمودِ بالكمال محبةً وتعظيماً، ولا يمكن لأحد أن يستحقَّ هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله U.

قوله: (والنعمة لك) أي: أنت صاحب الفضل والإنعام.

قوله: (والملك لا شريك لك) وهذا فيه تأكيد أن الحمد والنعمة لله وحده لا شريك له فيها.

فمن تأمل هذه الكلمات وما اشتملت عليه من المعاني؛ فإنه سيجد أنها اشتملت على جميع أنواع التوحيد، وأنّ الأمر كما قال جابر -رضي الله عنه-: «أهلَّ بالتوحيد»، والصحابة أعلم الناس بالتوحيد".

ومما وردَ من ألفاظ التلبية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ)([66]).

ويُستفاد من قول جابر -رضي الله عنه-: (وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا مِنْهُ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَلْبِيَتَهُ)؛ إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ورد عن بعض الصحابة من صِيَغ التلبية، فمما ورد عنهم:

تلبيةُ ابن عمر- - رضي الله عنهما أنه كان يزيد: « لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ».

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تَلْبِيَتِهِ: «لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا».

واستحبّ العلماء الإتيان بتلبية النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كانت الزيادة عليها جائزة لإقرار النبي فعل الصحابة - - رضي الله عنهم.

رفعُ الصوت بالتلبية;

يَرفُع صوته بالتلبية، لقوله : (أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي وْمَنْ مَعِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بالإِهلَالِ - أو قالَ: بِالتَّلْبِيَةِ)(([67]).

-صلى الله عليه وسلم- قال: (أفضل الحج؛ العَجُّ والثج)([68])، والعج: رفع الصوت بالتبية، والثج: سيلان دماء الهدي والأضاحي.

وقد بادر الصحابة y -صلى الله عليه وسلم- يَرفعونَ أصواتَهم بالتلبيةِ حتى تُبَحَّ أصواتُهم;([69]).

الإكثار من التلبية

قال العلماء: يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِن التلبيةِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، مِثْلَ: أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَمِثْلَ مَا إذَا صَعِدَ مُرتفعاً أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا أَوْ أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ أَوْ الْتَقَتْ الرِّفَاقُ ونحو ذلك.

مسألة: وهل ترفع المرأة صوتها بالتلبية؟

الـمُستحبّ لها رفعُ صوتِها بقدر ما تُسمعُ رَفيقَتها، قال ابن عبد البر: "وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَرْفَعَ صَوْتَهَا وَإِنَّمَا عَلَيْهَا أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا فَخَرَجَتْ مِنْ جُمْلَةِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ".

-صلى الله عليه وسلم-، ثم سَمعتُها تُلبّي بع;د ذلك: "لبيك اللهم لبيك..."([70]).

إلى متى يُلبي الحاج.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: "المعتمر يُمسكُ عن التلبيةِ إذا استلمَ الحَجَر، والحاجُّ إذا رمى الجمرة"([71]).

قال محمد بن الحسن في روايته لموطأ مالك: "مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، أَوْ قَرَنَ لَبَّى حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ لَبَّى حَتَّى يَسْتَلِمَ الرُّكْنَ لِلطَّوَافِ، بِذَلِكَ جَاءَتِ الآثَارُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ "([72]).

صفة العمرة

عند الوصولِ إلى مكةَ فإنَّ الحاجَّ القارن والمفرد عليهما أن يأتيا بطواف القدوم، وهو في يحقهما سنةٌ وليس بواجب عند جمهور العلماء.

أما المتمتع فإن عليه أن يأتي بأفعال العمرة.

فإذا دخل المسجد الحرام قَدَّم رِجلهُ اليمنى كسائر المساجد، قائلاً الدعاء الوارد عند دخول المسجد (اللهم افتح لي أبواب رحمتك)([73]).

وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كانَ إذا رأى الكعبة رفع يديه، وصح عن عمر أنه كَانَ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ ، قَالَ : "اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْك السَّلامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلامِ";([74])، فلو صنع المسلم ذلك اقتداءً بهما فحسن.

-صلى الله عليه وسلم-. أما من دخل المسجد لغير ذلك فإنه يصلي ركعتين تحية المسجد كغيره من المساجد، وأما حديث: (تحية البيت الطواف) فلم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قاله، ولهذا قال الألباني بعد أن أورد هذا الحديث: "ولا أعلم في السنة القولية أو العملية ما يشهد لمعناه، ... وقد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كُلما دخل المسجد في أيام المواسم، فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]" (([75]).

أولاً: الطواف حول البيت

وصفته: أن يضع وسط رداءه تحت عاتقه الأيمن ويرد طرفيه على عاتقه الأيسر - فحينئذٍ -: ينكشف عاتقه الأيمن، هذا مستحب في طواف القادم وطواف المعتمر..

-صلى الله عليه وسلم- أنه فعلها في طوافه بين الصفا والمروة..

عند بدء الطواف يستلم-صلى الله عليه وسلم-: (يا عمر إنك رجل قوي فلا تؤذ الضعيف، وإذا أردت استلام الحجر فإن خلا لك فاستلمه، وإلا فاستقبله وكبر) (([76]).

واستلام الحجر له مراتب ودرجات:

-صلى الله عليه وسلم- والصحابة من بعده..

-صلى الله عليه وسلم- لا لكونه حجراً. والإشارة تكون باليد اليمنى، لا يُشير إليه بكلتا يديه، ولا يكرر الإشارة كما هو شائع عند كثير من الناس.

عندما يبدأ الطواف عليه أن يجعل الحجر الأسود عن يساره، ثم يطوف حول الكعبة..

يرمل في الثلاثة الأشواط الأولى، ويمشي في الأربعة، والرمل هو: إسراع المشي مع تقارب الخطى، أما لو مشى بسرعة من غير تقارب للخطى فهذا يُسمى هرولة.

-صلى الله عليه وسلم- في طوافه الذي أفاض فيه) أي في طواف الإفاضة..

ويستثنى من ذلك المرأة فإنه لا يُستحب لها الرمل، لأن ذلك مناف لسترها.

ما يُسنُّ فعله في الطواف حول الكعبة:

-     يشرع استلام الركن اليماني -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَبْعَثَنَّ اللهُ الْحَجَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ بِهِ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ)([77]). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مسحُ الحجرِ الأسودِ والركنِ اليَماني يحُطَّانِ الخَطَايا حَطَّا) (([78]).

فإذا لم يتمكن من استلام الركن اليماني أكمل الطواف ولا يُشرع له أن يشير، ولا أن يكبر عند محاذاته.

-     يقول بين الركنين -صلى الله عليه وسلم-.

ولا تُشرع الزيادة على هذا الذكر كقول بعضهم: وأدخلنا الجنة مع الأبرار، يا عزيز يا غفار، لأن ذلك لا أصل له.

-     يشرع في الطواف -صلى الله عليه وسلم-: (الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير) رواه الترمذي وغيره وعند الطبراني: (فأقلّوا فيه الكلام)، ولم يثبت ذكر مخصوص أو دعاء مخصوص غير ما ذكر بين الركنين..

-     يشرع الاضطباع وقد تقدم الكلام عليه.

تنبيه: المرور من داخل الكعبة (الحِجر) أثناء الطواف لا يجوز. فلو دخل الطائف من الحجر وخرج من الناحية الأخرى وأكمل طوافه، فإن طوافه هذا غير صحيح، وعليه أن يعيد هذا الشوط. والمشي عليه كذلك.

ومن شك في طوافه هل طاف خمساً أو أربعاً فعليه أن يبني على اليقين وهو أربع إلا أن يكون غالب ظنه خمساً فيبني عليه على الصحيح في هذه المسألة.

وإن كان شكه في العدد بعد أن فرغ من الطواف وانصرف فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك إلا إن غلب على ظنه أو تيقن فإنه يرجع.

الصلاة خلف مقام إبراهيم

﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125]، ويُصلي ركعتين يقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ وفي الثانية: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فإن لم يتمكن من الصلاة خلف المقام لزحام ونحوه صلاهما في أي مكان ولا حرج. وقد حكى ابن المنذر إجماع العلماء على ذلك.

الشرب من ماء زمزم;

ثم يذهب إلى ماء زمزم ويشرب منها، ويصب على رأسه، كما ثبت ذلك في إحدى روايات حديث جابر عند أحمد في المسند أنه قال: (ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن).

-صلى الله عليه وسلم- قال: (ماء زمزم لما شُرب له) وقال: (إنها مباركة، وهي طعامُ طُعم، وشفاءُ سُقْم) وقال: (خيرُ ماءٍ على وجه الأرض ماءُ زمزم، فيه طعام من الطّعم، شفاءٌ من السُّقم)(([79]).

- وقول جابر : (ثم رجع -صلى الله عليه وسلم- فاستلم الركن) يعني بعد شرب ماء زمزم،  فإن قدر على الاستلام استلمه وإلا فلا يقبل ولا يشير لعدم ثبوت ذلك، وهذا الفعل كالمودع للبيت.

وهذا الفعل يكون في طواف يعقبه سعي بين الصفا والمروة، أما طواف التطوع أو طواف الوداع أو الإفاضة فلم يثبت فيهما ذلك..

 

ثم يتوجه إلى الصفا تالياً قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [ البقرة : 158 ]. " أبدأ بما بدأ الله به "، كما فعل -صلى الله عليه وسلم-..

-صلى الله عليه وسلم- ولو بدأ بالمروة لم يصح الشوط الأول..

والصعود على الصفا أو المروة ليس بواجب وإنما هو سنة، ولو انتهى المسلم إلى نهاية ممشى العربات ثم رجع حصل المقصود، لأنهم جعلوا نهايتها عند بداية كل من الجبلين.

ومِن السُّنة أن يقف على الصفا بحيث يمكنه مشاهدة البيت، وهذا ممكن فيما لو لم يكن هناك زحام، فإن لم يتمكن وقفَ في أي مكان ولا حرج. وإنما عليه أن يستقبل القبلة.

ما يقول على الصفا

يدعو رافعاً يديه كما يرفعها عند الدعاء. ثم يستفتح الدعاء بقوله: "لا إله إلا الله". ثم يكبر ثلاثاً فيقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر". ثم يحمد الله تعالى.

ثم يقول الدعاء الوارد: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) ثلاث مرات، ويدعوا بين ذلك.

-صلى الله عليه وسلم-..

-رضي الله عنه- كان يقول بين العلمين: "رب اغفر وارحم، إنك أنت الأعز الأكرم". وثبت نحوه عن ابن عمر أنه كان يقوله بين الصفا والمروة.

يستحب أن ينشغل في سعيه بما أحب من دعاء وذكر وقراءة للقرآن.

لا تُشترط الطهارة في الصفا والمروة لقوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: (افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت).

ما يقول على المروة;

إذا وصل إلى المروة رفع يديه للدعاء وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) ثلاث مرات، ويدعوا بين ذلك.

 

بعد الفراغ من السعي;

القارن والمفرد يبقى على إحرامه إلى يوم النحر.

-صلى الله عليه وسلم-: (ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم يهل بالحج)([80]).

الواجب عند الحلق أو التقصير أن يستوعب ذلك جميع الشعر، والقول بأن ثلاث شعرات تكفي قول مرجوح.

أما المرأة فإن الواجب عليها أن تَقُصَّ من شعرها قدر أنملة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) (([81]).

يوم التروية

 

أعمال يوم التروية;:

1.   في هذا اليوم يُحرِم بالحج الـمُتمتع ومَن كان يُريد الحج مِن أهل مكة.

2.   "لبيك حجاً".

3.   يُحرِم الإنسان في هذا اليوم من مكانه داخل مكة ولا يخرج عنها إلى الحل.

4.   التوجه إلى منى قبل الزوال حتى يصلي الظهر بمنى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من يوم عرفة. فيصلي الصلوات الأربع قصراً من غير جمع، وهذا بإجماع العلماء. والقصر هنا متعلق بالنسك فيقصر كل من تلبس بالإحرام سواء كان من أهل مكة أو غيرهم.

5..   -صلى الله عليه وسلم- المجرد، والفعل المجرد من غير أمر عند علماء أصول الفقه لا يدل على الوجوب. وهذا باتفاق العلماء..

يوم عرفة

وهو اليوم التاسع من ذِي الحجة، وعرفةَ مَشْعَرٌ خارج حدود الحرم، سُمِّيت بذلك لارتفاعها على ما حولها.

أعمال يوم عرفة:

1.   الدَّفعُ من منى إلى عرفة بعد طُلوع الشمس.

2.   يخرجُ الحُجَّاج إلى عرفةَ ذاكرين لله تعالى مكبرين ومُهللين حتى يصلوا، ولا تُقطع التلبية إلا في يوم النحر بعد أن رمي جمرة العقبة.

3. يستمعون إلى خطبة الإمام، ثم يصلون الظهر والعصرَ جمعَ تقديم بأذان واحد وإقامتين.

4.   يتفرغ الحجّاج للدعاء والتهليل والتكبير ويجتهدوا في ذلك؛ فإن الدعاء في هذا اليوم هو خير الدعاء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)(([82])

والله عز وجل يعتق فيه من النار أكثر ما يعتق في سائر الأيام قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء) ([83]).

ويستحب حال الدعاء أن يستقبل القبلة، وأن يرفع يديه بالدعاء..

5.   يبدأ وقت الوقوف في عرفة من زوال الشمس إلى غروبها، ثم يخرج بعد ذلك إلى مزدلفة.

-صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ -يعني صلاة الفجر في مزدلفة-، وَأَتَى عَرَفَاتَ، قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَضَى تَفَثَهُ) (([84]).

المبيت في مزدلفة

 

يُستحب النوم مبكراً ولا يشغل نفسه بصلاة الليل ونحوها، ليتقوى بدنه، ويستعيد نشاطه؛ لكي لا يتعب في أعمال يوم النحر..

من فاته المبيت بمزدلفة

المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، مَن فاته بغير عذر فإنه يجبره بدم، ومن أدرك المزدلفة قبل طلوع الفجر فلا شيء عليه، ومَن أُحصِر بسبب زحام ونحوه ولم يتمكن من الوصول إلى مزدلفة فلا شيء عليه أيضاً.

صلاة الفجر والدعاء

﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 198] ويرفع يديه عند الدعاء، ويستقبل القبلة، ويستمر في ذلك إلى أن يسفر جداً.

ثم يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس..

الدفع من مزدلفة قبل الفجر

-صلى الله عليه وسلم- للضَّعَفة من النساء والصغار وكِبار السِّن أن يدفعوا من مزدلفة في الثلث الأخير من الليل وهو وقت غياب القمر، حتى يذهبوا إلى منى لرمي الجمرة الكبرى، وهذا الإذن والرخصة إنما يكون في مقابل الواجب.

أعمال يوم النحر;

أولاً: رمي جمرة العقبة

يقطع الحاج التلبية قبل أن يرمي جمرة العقبة، وهذا الرمي واجب من واجبات الحج.

يستحب عند الرمي أن يجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، وأجمع العلماء على أنه يجوز رميها من أي موضع كان.

";الله أكبر". ولم تثبت البسملة مع التكبير.

 

يرمي الحصى رمياً، واحدة بعد واحدة، فإن رماها دفعة واحدة لم يجزئ إلا عن واحدة. وكذلك لو وضعها وضعاً من غير رمي لم يجزئ..

إذا فرغ من الرمي فإنه ينصرف ولا يقف للدعاء.

مدة الرمي

أجمع العلماء على أنه يمتد إلى غروب الشمس، وهل يجوز أن يرمي ليلاً؟

الذي يظهر والله أعلم جواز ذلك، وهو مذهب الشافعية، واستدلوا بأثر عن ابن عمر في موطأ مالك بإسناد صحيح أن امرأته تخلفت وابنة أخيها في المزدلفة ولم يأتيا إلا بعد غروب الشمس، فأمرهما أن يرميا ليلاً.

ثانياً: نحر الهدي

-صلى الله عليه وسلم- يوم النحر هو رمي جمرة العقبة، ثم بعد ذلك نحر هديه..

دم التمتع والقران هو نسك وعبادة، فهو دم شكر حيث حصل للعبد نُسكان في سفر واحد، وهذا الدم مما يُؤكل منه ويهدى ويتصدق – فليس هو دم جبران – أما دم المحظور لا يؤكل منه ولا يُهدى، فهو يصرف على الفقراء.

من لم يجد الهدي فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.

ثالثاً: حلق الرأس

-صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم ارحم المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله قال: اللهم ارحم المحلقين والمقصرين فدعا لهم في الثالثة)، ولأن الله عز وجل قدم الحلق على التقصير في قوله: ﴿محلقين رؤوسكم ومقصرين﴾.

رابعاً: طواف الإفاضة;

-صلى الله عليه وسلم- جمرة العقبة، ثم نحر هديه، ثم حلق رأسه، توجه إلى مكة فطاف طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج بالإجماع، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].

طواف الإفاضة سمي بذلك لأنه يقع بعد الإفاضة من منى، ويسمى أيضاً بطواف الزيارة لأنه زيارة من منى إلى مكة كما أنه يسمى بطواف الركن وذلك لأنه ركن من أركان الحج ويسمى طواف الصدر لأنه يفعل بعد الصدور من منى: فهذه أربعة أسماء له.

السُّنة أن يكون هذا الطواف يوم العيد اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. ولو أخره بعد يوم النحر جاز، ولا يجوز بعد ذي الحجة..

المتمتع

أما القارن والمفرد: فإنه إذا سعى بين الصفا والمروة بعد طواف القدوم، فإنه يوم النحر يطوف طواف الإفاضة فقط من غير سعي.

جمهور العلماء على أن الترتيب مستحب، ومن قدم أو أخر شيئاً فلا شيء عليه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما سئل عن شيء قُدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج)(([85]).

مسألة: بأي شيء يحصل التحلل

يحصل التحلل بثلاثة أمور: رمي جمرة العقبة، والحلق، وطواف الإفاضة.

فإن فعل اثنين من الثلاثة تحلل التحلل الأول عند جمهور الفقهاء، ومعنى ذلك أن يحل له كل شيء من محظورات الإحرام إلا النساء.

فإن فعل الثلاثة (رمى، وحلق، وطاف [وسعى إن كان عليه سعي] تحلل التحلل الثاني فيحل له كل شيء حتى النساء.

ما بقي من أعمال الحج

-صلى الله عليه وسلم-، فيبيت بها أيام التشريق.

وسميت أيام منى بأيام التشريق: قال النووي: "سميت بذلك لتشريق الناس لحوم الأضاحي فيها، وهي تقديمها ونشرها في الشمس".

والمبيت في منى يكون ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، لمن تأخر، وليلتا الحادي عشر والثاني عشر لمن أراد أن يتعجل.

أعمال أيام التشريق

أولاً: المبيت بمنى

وهو واجب من واجبات الحج، والعبرة في المبيت أن يكون أكثر الليل.

-صلى الله عليه وسلم- لرعاة الإبل بعدم المبيت، ويُقاس عليهم في وقتنا الحاضر رجال المرور ، والأمن، والأطباء، فإنه يسمح لهم في ترك المبيت، فكل من يشتغل بمصلحة عامة يعذر في ترك المبيت قياساً على السقاية والرعاية.

ثانياً: رمي الجمار الثلاث

يبدأ برمي الجمرة الصغرى (وهي أقرب الجمرات إلى مسجد الخَيْف) بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً، ويبتعد عن موضع الرمي والزحام، فيدعوا مستقبلاً القبلة دعاءً طويلاً.

ثم يرمي الجمرة الوسطى; كذلك، ثم يتقدم قليلاً ويبتعد عن موضع الرمي والزحام، ويجعلها عن يمينه، ويدعو مستقبلاً القبلة دعاء طويلاً.

ثم يرمي الجمرة الكبرى (وهي أقرب الجمرات إلى مكة) جاعلاً مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم ينصرف ولا يدعو.

-صلى الله عليه وسلم-، وإن رمى مِن أي جهة أجزء ولا شيء عليه..

متى يبدأ الرمي؟ وإلى متى يستمر؟

يبدأ الرمي في أيام التشريق من زوال الشمس، ويستمر إلى الليل.

يوم النفر الأول:

إذا رمى الجمار في اليوم الثاني عشر فقد انتهى من واجب الحج ، فهو بالخيار إن شاء بقي في منى لليوم الثالث عشر ورمى الجمار بعد الزوال ، وإن شاء نفر منهاقال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ...﴾.

يوم النفر الثاني::

-صلى الله عليه وسلم-، ولأن فيه زيادة أجر..

مسألة: من أراد أن يتعجل وغربت عليه الشمس ولا يزال في منى.

إن كان تأخره عن اختياره فإنه يجب عليه أن يبيت تلك الليلة ولا يتعجل.

أما إن كان تأخره لزحام فإنه يمضي ولا شيء عليه.

تنبيه:

يخطئ بعض الناس ويتعجل من اليوم الأول إما جهلاً منه فيظن أن يوم النحر هو أول أيام التشريق واليوم الأول هو اليوم الثاني. أو أنه يتعجل تعمداً حتى يدرك العيد مع أهله، وهذا أدهى وأمر.

طواف الوداع

 

والطواف واجب من واجبات الحج، لحديث ابنِ عباس رضي الله عنهما قال: (أُمِرَ اَلنَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ, إِلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنِ الْحَائِضِ(([86])

وفي رواية: (لا ينصرفنّ أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت) (([87]).

محظورات الإحرام:

أولاً: حلق الشعر.

﴿ولا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ محلَّه﴾. ومن حلق شعره فعليه أن يصوم ثلاثة أيام أو يُطعم ستة مساكين، أو يهرق دماً. لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196].

ثانياً: تقليم الأظفار..

وهذا بإجماع العلماء، إلا من عذر فإنه يجوز بقدر ما تندفع به تلك الحاجة، كأن ينكسر فيزيله.

ثالثاً: لبس المخيط في حق الرجال.

والمراد بالمخيط: هو ما خيط على قدر البدن أو على جزء منه أو عضو من أعضائه، كالقميص، والسراويل، والفنايل، والجوارب وشراب اليدين والرجلين.

أما المرأة فلها أن تلبس من الثياب ما تشاء غير أن لا تتبرج بالزينة، ولا تلبس القفازين وهما شراب اليدين، ولا تتنقب.

 

أجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يغطي رأسه بملاصق. كالطاقية والغترة.

أما الاستظلال بشجرة أو حائط أو خيمة فلا بأس به.

خامساً: الطِّيب رجلاً وامرأة..

ويلحق بالاستعمال، شم الطيب بقصد التلذذ، فإنه من المحظورات.

سادساً: قتل صيد البر

لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ﴾ [المائدة: 95].

سابعاً: الجماع.. وهو أعظم المحظورات.

﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197]. وفسر ابن عباس الرفث بالجماع.

والجماع قبل التحلل الأول يترتب عليه أمور:

1.      الإثم: لأنه عصى الله في قوله (فلا رفث).

2.      فساد النسك.

3.      وجوب المضي فيه، وليس له الخروج منه قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله).

4.      وجوب القضاء من العام القادم.

5.     

دليل ذلك آثار عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وحديث مرسل، أما الآثار فهي عن ابن عباس وابن عمر وابن عمرو، كما ثبت ذلك عنهم في البيهقي: أن ابن عباس: (سئل عن الجماع قبل التحلل الأول؟ فقضى بفساد نسكهما، ومُضِيهما فيه، وأن يحجا عاماً آخر، وأن يهديا كل واحد منهما بدنة) ونحوه عن ابن عمر وابن عمرو، والإسناد جيد ولا يعلم لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعاً.

وبعد التحلل الأول;:

 

ثامناً: عقد النكاح، وهو من محظورات الإحرام ولم يُشر إليه المؤلف.

والدليل على ذلك ما ثبت في مسلم عن عثمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا ينكِح المحرم) أي لا يعقد لنفسه (ولا يُنكِح) أي لا يعقد لغيره بولاية أو وكالة أو نحو ذلك (ولا يخطب).

فإن وقع النكاح فإنه باطل، ولا فدية عليه على الصحيح من أقوال العلماء..

-صلى الله عليه وسلم- من أنه تزوج ميمونة وهو محرم فإنه لا يصح، بل تزوجها وهو حلال..

فاعل المحظور لا يخلو من ثلاث حالات :

الأولى: أن يفعل المحظور بلا حاجة ولا عذر فهذا آثم وعليه فدية.

الثانية: أن يفعله لحاجة متعمداً. فهذا ليس عليه إثم وعليه فدية. قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196].

فلو احتاج لتغطية رأسه من أجل برد أو حر يخاف منه جاز له تغطيته وعليه الفدية على التخيير.

الثالثة: أن يفعله وهو معذور بجهل أو نسيان أو إكراه. فهذا لا إثم عليه ولا فدية.  قال تعالى: ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

أركان الحج::

 

الركن الثاني: هو الوقوف بعرفة، وهو ركن بإجماع العلماء..

 

الركن الرابع: هو السعي بين الصفا والمروة، وهو ركن عند جمهور العلماء..

واجبات الحج:

الأول: كون الإحرام من الميقات.

الثاني: الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس.

الثالث: المبيت بمزدلفة.

الرابع: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بأن يمكث فيها أكثر الليل.

الخامس: رمي الجمار، فمن ترك جمرة واحدة فعليه الفدية، ومن ترك حصاة فعليه صدقة.

السادس: الحلق أو التقصير.

الواجب السابع: وهو طواف الوداع.

فدية محظورات الإحرام تنقسم إلى أقسام :

القسم الأول: ما لا فدية فيه  [ وهو عقد النكاح ].

القسم الثاني: ما فديته فدية أذى وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة.

وهي عند تغطية الرأس، أو لبس المخيط، أو تغطية المرأة وجهها أو لبست قفازين، أو استعمال الطيب.

القسم الثالث : ما فديته مغلظة: وهو الجماع في الحج قبل التحلل الأول.

القسم الرابع : ما فديته الجزاء أو مثله وهو قتل الصيد.

 


 


([1]) متفق عليه.

([2]) الطبراني في الأوسط.

([3]) شرح النووي على مسلم (9/119)، المقدمات الممهدات (1/401).

([4]) رواه الطبراني في الأوسط.

([5]) رواه البخاري ومسلم

([6]) رواه مسلم.

([7]) التمهيد لابن عبد البر (1/120).

([8]) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.

([9]) رواه أحمد والطبراني.

([10]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، وابن حبان في صحيحه.

([11]) رواه مسلم.                                                                                    

([12]) رواه سعيد بن منصور في سننه والطبراني في المعجم الكبير.

([13]) رواه البخاري.

([14]) شرح البخاري لابن بطال (4/190)، وفتح الباري لابن رجب (9/13).

([15]) رواه أحمد.

([16]) رواه أحمد وابن ماجه.

([17]) رواه النسائي.

([18]) رواه أحمد وابن ماجه.

([19]) رواه البخاري ومسلم.

([20]) شرح عمدة الفقه لابن تيمية من كتاب الطهارة والحج، (2/76).

([21]) رواه مسلم.

([22]) رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في السنن.

([23]) مراتب الإجماع لابن حزم (41)، الإجماع لابن المنذر (51)، وشرح النووي على مسلم (8/72).

([24]) تفسير ابن كثير (2/81).

([25]) المجموع شرح المهذب ط الإرشاد، (3/16).

([26]) شرح النووي على مسلم (8/72).

([27]) رواه أحمد وابن ماجه.

([28]) رواه أحمد وحسنه الألباني في الترغيب والإرواء.

([29]) الأربعون حديثا للآجري، قال المنذري: إسناده حسن، انظر: البدر المنير (6/39).

([30]) متفق عليه.

([31]) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والحديث تكلم فيه بعض المحدثين وأعلوه بالوقف، وصحح الألباني رفعه في الإرواء (994).

([32]) رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما وصححه الألباني في الإرواء.

([33]) حسنه الألباني في الترغيب برقم: [1131].

([34]) رواه أبو داود.

([35]) أخرجه البيهقي بسند صحيح.

([36]) التمهيد لابن عبد البر (9/135).

([37]) الأم للشافعي (2/127).

([38]) شرح زروق على الرسالة (2/43).

([39]) المغني لابن قدامة (5/30).

([40]) رواه مسلم.

([41]) رواه البزار في مسنده، والدارقطني في سننه، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (رقم: 3065).

([42]) الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (165)، والحاوي الكبير للماوردي (11/265).

([43]) المغني لابن قدامة (5/32).

([44]) انظر كتاب نوازل الحج لعلي الشلعان (89).

([45]) المغني لابن قدامة (5/34).

([46]) الشرح الممتع لابن عثيمين (7/41).

([47]) المغني لابن قدامة (5/34).

([48]) المغني لابن قدامة (5/34).

([49]) رواه البخاري ومسلم.

([50]) رواه مسلم.

([51]) رواه الترمذي. والحديث حسنه الألباني في الإرواء (149).

([52]) رواه الحاكم وصححه. وقوله: "مِن السُّنة" له حكم الرفع.

([53]) رواهما البخاري ومسلم.

([54]) رواه البخاري.

([55]) البُرنس: ثوب رأسه منه متصل به. انظر: عمدة القاري (2/221).

([56]) متفق عليه.

([57]) صححه الألباني في الإرواء (1096).

([58]) انظر: الاستذكار لابن عبد البر (4/16)، وشرح النووي على مسلم (8/74).

([59]) رواه البخاري.

([60]) رواه مسلم.

([61]) رواه البخاري، ومسلم.

([62]) أجازه جمع من الصحابة منهم عمر وعلي وابن مسعود y، وبه قال الشافعي في الصحيح من مذهبه، وأحمد، وانتصر له النووي في شرح مسلم (8/132).

([63]) متفق عليه.

([64]) انظر: الشرح الممتع (7/103).

([65])  رواه مسلم.

([66]) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرِّجاه.

([67])  رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.

([68]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابو يعلى في مسنده بإسناد حسن.

([69]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.

([70]) رواه أبو داود الطيالسي وأحمد والبيهقي.

([71]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.

([72]) موطأ مالك رواية محمد بن الحسن (391).

([73]) رواه مسلم.

([74]) مصنف ابن أبي شيبة، وانظر: مناسك الحج والعمرة للألباني ص20.

([75]) السلسلة الضعيفة (رقم:1012).

([76]) رواه أحمد وغيره.

([77]) رواه أحمد وابن ماجه.

([78]) رواه أحمد.

([79]) مناسك الحج والعمرة للألباني/24.

([80]) رواه النسائي.

([81]) رواه أبو داود.

([82])  رواه الترمذي.

([83])  رواه مسلم.

([84])  رواه أحمد وأبو داود -واللفظ له- وغيرهما.

([85])  متفق عليه.

([86])  متفق عليه.

([87])  رواه مسلم.