الصلاة على النبي ﷺ: معناها وحكمها


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

         إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد،،

مقــدمة :  

إنَّ موضوعَ (الصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-) مهمٌّ جداً ؛ لأنَّ الصلاةَ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من العبادات التي أمرنا اللهُ –تعالى- بها في قوله: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[الأحزاب:56] . وقال -صلى الله عليه وسلم-: ""مَن صلّى عليَّ واحدةً صلّى الله عليه عشر صلواتٍ، وحطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ، ورفع له عشرَ درجاتٍ ""([1]) ، ولأنها من أعظم ما يربط قلبَ المسلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويزيدُ في محبَّتِهِ -صلى الله عليه وسلم- .

وبما أن الصلاةَ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-  من العبادةِ التي أُمرنا بها ، فلا بدَّ لها من التقيُّد بما ورد في السنَّةِ ، وأن نبتعدَ عن الصلوات المبتدعةِ التي أحدثها الناسُ .

فما معنى الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وما هي صفتُها؟ وما هو حُكمُها؟ وما هو فضلُها وثمراتها وفوائدها؟  وما هي مواطن الصلاة على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ وما هي الصلواتُ المبتدعةُ التي أحدثها الناسُ؛ لنبتعدَ عنها؟ سنذكر إجابات هذه الأسئلة فيما يلي :

1- معنى الصلاةِ والسلام والبركةِ على النبي -صلى الله عليه وسلم-:

 أما الصلاةُ فهي في اللغة (الدعاءُ) قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[الأحزاب:56]  وأمّا  إن كانت من الله: فهي ثناؤهُ عليه وذكره في الملإ الأعلى. وأمّا من الملائكةِ: فدعاؤهُم له واستغفاُرهُم له، وأمّا من المؤمنين: فدعاؤهم أن يرفعَ اللهُ ذكرَه ويثنَي عليه عند ملائكتِه ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ( وقال الحليميُّ في الشعب : معنى الصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ( تعظيمُه ) فمعنى قولنا : اللهمَّ صلِّ على محمد : عظِّمْ محمداً، والمرادُ تعظيمُه في الدنيا بإعلاءِ ذكره ، وإظهارِ مثوبتهِ ، وتشفيعِه في أمَّتِه )([2]) .

 وأمّا معنى التسليم ( اللهمَّ سلّم على محمد) أو (السلامُ عليك يا رسول الله): أي سَلمتَ من الملام والنقائص، والمرادُ اللهمَّ اكتبُ لمحمدٍ في دعوتِه وأمَّتِه وذكره السلامةَ من كل نقصٍ ، والسلامُ عليك أى: لا خلوتَ من الخيراتِ والبركاتِ، وسلمِتَ من المكاره والآفات .

 وأما معنى البركةِ ( وباركْ على محمد ): أي زدْهُ من الخيرِ، وأدمْهُ عليه، وضاعفْهُ له .

2- حكمُ الصلاة على النبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم- :

أ- أمّا الصلاةُ عليه كلَّما ذُكر اسمُه -صلى الله عليه وسلَّم- : قال ابنُ القيِّم رحمه الله: ( وقد اختُلِفَ في وجوبها كلَّما ذُكر اسمه، فقال أبو جعفر الطحاوي وأبو عبد الله الحَليمي: تجبُ الصلاةُ عليه كلَّما ذُكر اسمُه ، وقال غيرُهما : إن ذلك مستحبٌّ، وليس بفرضٍ يأثُم تاركُه ، ثم اختلفوا ، فقالت فرقةٌ : تجبُ الصلاةُ عليه في العمر مرَّةً واحدة؛ لأنَّ الأمرَ المطلقَ لا يقتضي تكراراً، وهذا محكيٌّ عن أبي حنيفة ومالكِ والثوري، قال عياض وابن عبد البر : وهو قول جمهورِ الأمَّةِ ، وقالت فرقةٌ : بل تجبُ في كلَّ صلاةٍ في تشهُّدها الأخيرِ وهو قول الشافعيِّ وأحمد  وغيرهما ، قالت فرقةٌ : الأمرُ بالصلاةِ عليه أمرُ استحبابٍ لا أمر إيجابٍ، وهذا قول ابن جريرٍ وطائفةٍ ، ( ثم  ذكر أدلّةَ الموجبين وأدلَّةَ نُفاةِ الوجوب ) ثم قال: ولكل فرقةٍ من هاتين الفرقتين أجوبةٌ عن حُججِ الفرقةِ الأخرى ... والله أعلمُ بالصَّواب )([3]) .

والراجحُ -والله أعلمُ- هو القولُ بالوجوبِ للأدلّةِ التاليةِ :

1- قال الله تعالى: ]﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[الأحزاب:56] ، قال أبو السعود: (وهذه الآيةُ دليلٌ على وجوب الصلاةِ والسلام عليه مطلقاً )([4]) ، قالوا : أمَرَ اللهُ عبادَه بالصلاةِ عليه عقب إخباره لهم بأنه –سبحانه- وملائكتَه يصلّون عليه ، وهنا الصلاةُ متكررةٌ وليست مـرةً واحدة .

2- قولـه -صلى الله عليه وسلم-: "" جاءني جبريل -صلى الله عليه وسلم- قال: شقيَ عبدٌ ذُكرتَ عنده ولم يصلِّ عليك ، فقلت: آميـن ""([5])  

3- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رقى المنبَرَ فقال: "" آمين، آمين، آمين "" قيل له: يا رسول الله، ما كنتَ تصنعُ هذا؟ فقال: "" قال لي جبريل: رغِمَ أنفُ عبدٍ أدرك أبويه أو أحدَهما ولم يدخلاه الجنَّةَ  قلتُ: آمين ، ثم قال : رغِمَ أنفُ عبدٍ دخل عليه رمضانُ لم يغفرْ له، فقلتُ: آمين ، ثم قال: رغِمَ أنفُ امرىءٍ ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليكَ: فقلت : آمين ""([6]) وعند ابن حبان: ( مَن ذُكرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك فماتَ فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين ، فقلتُ: آمين )([7]) وعند البزّار والطبراني: ( ومَن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك ، فأبعده الله ، ثم أبعده  فقلت: آمين ) (سنده ضعيف جدا راجع الضعيفه 6644) قال ابنُ القيِّم رحمه الله: ( ولا ريبَ أن الحديثَ بتلك الطرقِ المتعدّدة تفيدُ الصحَّةَ )([8]) .

ووجه الاستدلال من الأحاديث أنَّ فيها ذماً لهم ودعاءً عليهم، وتارك المستحَب لا يُذمُّ ولا يُدعى عليه.

4- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" مَن ذُكرتُ عنده فخَطىءَ الصلاةَ عليَّ خطىءَ طريقَ الجنَّةِ ""([9]) .

5- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" مَن ذُكرتُ عنده فليصلِّ عليَّ ، فإنه مَن صلَّى عليَّ مرةً صلَّى الله عليه عشراً ""([10])  قال ابنُ القيِّم رحمه الله: ( والأمرُ ظاهرُهُ الوجوب)([11]) .

6- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" البخيلُ مَنْ ذُكرتُ عنده فلمْ يصلِّ عليَّ ""([12]) ، وفي رواية: "" إن أبخل الناس "" صحَّحه الألباني في فضل الصلاة على النبيُّ([13]) .

قال ابن القيِّم رحمه الله: ( فإذا ثبت أنه بخيلٌ فوجه الدلالةِ به من وجهين؛ أحدهما: أنَّ البخلَ ذَمٌّ، وتاركُ المستحبِّ لا يستحقُّ اسمَ الذمِّ ، وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "" وأيُّ داءٍ أدوأ من البخل؟! ""([14])  ثانيهما: (أن البخيلَ هو مانعُ ما أُوجبَ عليه، فمَن أدّى الواجبَ لم يُسمَّ بخيلاً ) ([15]) .

 

7- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "" أيّما قومٍ جلسوا ، فأطالوا الجلوسَ ، ثمَّ تفرَّقوا قبل أن يذكروا الله –تعالى- أو يصلّوا على نبيِّه كانت عليهم تِرةٌ من الله ، إن شاء عذَّبهم وإنْ شاءَ غفر لهم""([16]) .

8- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني ""([17]) .

9- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" كل دعاءٍ محجوبٌ حتى يُصلى على النبيِّ ""([18]) .

هذه الأحاديث وغيرُها تدلّ على وجوبِ الصلاةِ على رسول الله كلَّما ذُكر اسمُه، والله أعلم.

ب- أمّا حكمُ الصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة : ذهب الجمهور إلى عدم وجوبها في التشهّد الأخير، وذهب الشافعيُّ إلى وجوبها على المصلِّي في التشهد الأخير، فإنْ ترَكه لم تصح صلاتُه، وذهب بعض السلف وأحمد بن حنبل وإسحاق إلى وجوبها في التشهد الأخير، وتاركها لا تبطل صلاتُه. وهذا هو الراجحُ بأنها واجبةُ في التشهّدين الأول والأخير، وتاركها آثمٌ، والدليلُ على ذلك حديثُ أبي مسعود البدري أنهم قالوا: يا رسول الله، أمّا السلامُ فقد عرفنا، فكيف نصلِّي عليك إذا نحن صلَّينا في صلاتنا؟ فقال: "" قولوا: اللهم صَلِّ على محمد ""([19]) ، وهذا الأمر: (قولوا ) يدل على الوجوب، ويشمل التشهد الأول وغيره، وذلك كما في حديث عائشة تصفُ صلاةَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الليل: ( ثم يصلِّي تسعَ ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنةِ ، فيدعو ربَّه ويصلّي على نبيِّه ، ثم ينهض ولا يُسلِّم ) ([20]) . وقد جمع الشوكانيُّ رحمه الله في هذه المسألة رسالةً مستقلةً، وذكر أدلَّةَ الموجبين، وكذلك في نيل الأوطار، وكذلك رجَّح الوجوبَ صديق حسن خان رحمه الله في فتح البيان في مقاصد البيان (11/136) ، وقد ذكر ابنُ القيِّم في جلاء الأفهام في الباب الرابع صـ463 وما بعده الأجوبة على المخالفين للوجوب .

3-  صفة الصلاة على النبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم- :

صحَّت الصلاةُ على النبيِّ بأنواعٍ من الصيغ، منها سبعُ صفات في كتاب: صفة صلاة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- للألباني رحمه الله ، ولا بدَّ في الصلاةِ بعد التشهّد من الإتيان بواحدةٍ من هذه الصفات ، وهي مذكورة في آخر البحث ، ولا يقتصر على قول: (اللهمَّ صلِّ على محمد) فحَسب إلاّ خارج الصلاة، وليس في شيء من هذه الصيغ لفظ (السيادة)، ولم يرد عن السلف مَن قال بذلك، ولا يشرعُ تلفيقُ صيغةٍ واحدةٍ من مجموع هذه الصيغ؛ لأنَّ هذا من المحدثات في الدين، وإنما يقول هذا تارةً وهذا تارةً كما بينه شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى([21]) .

4-  فضلُ الصلاة على النبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم-: النصوص كثيرة وسنذكر ستةً فقط :

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" مَن صلَّى عليَّ واحدةً ، صلَّى الله عليه بها عشراً ""([22]) .

2- عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" مَن صلَّى عليَّ حين يُصبحُ عشراً وحين يمسي عشراً أدركتْهُ شفاعتي يوم القيامة ""([23]) .

 

3- عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" مَن صلَّى عليَّ واحدةً صلَّى الله عليه عشرَ صلواتٍ ، وحطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ ، ورفع له عشرَ درجاتٍ ""([24]) .

4- قال أُبيُّ بن كعب رضي الله عنه: يا رسول الله، إني أصلّي من الليل، أفأجعلُ لك ثُلثَ صلاتي؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "" الشطر""، قال: أفأجعلُ لك شطر صلاتي؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" الثلثان أكثر"" قال: أفأجعلُ لك صلاتي كلَّها ؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" إذنْ يغفر لك ذنبُك كلُّه ""([25]) ، قال شرّاح الحديث: ( أراد الصحابيُّ أن يجعل من الليل وقتاً معيّناً للصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ) .

5- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "" مَن ذُكرتُ عنده فخطيءَ الصلاةَ عليَّ خطيءَ طريق الجنَّة ""([26]) .

6- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "" إنَّ أولى الناس بي يوم القيامةِ أكثرُهم عليَّ صلاةً ""([27]) .

5-  فوائدُ وثمراتُ الصلاة على النبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم-:

1- امتثالُ أمر الله –تعالى- القائل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦﴾[الأحزاب:56].

2- حصولُ عشرِ صلوات من الله –تعالى- على مَن يصلِّي عليه مرَّةً واحدة ( أي رحمات ِالله ) .

3- ترفعُ له عشر درجات، وتُكتبُ له عشرُ حسناتٍ، وتُمحى عنه عشرُ سيئاتٍ لمَن صلّى مرَّةً واحدة.

4- أنها سببٌ لشفاعتِه -صلى الله عليه وسلم- إذا قرنها بسؤاله الوسيلةَ له.

5- أنها سببٌ لطيب المجلس، وأنه لا يكون حسرةً على أهله يوم القيامة .

6- نجاةُ المصلِّي عليه من الدعاءِ برغم الأنفِ والشقاءِ والابتعادِ عن رحمة الله .

7- أنه يُرجى إجابةُ دعائِهِ إذا قدَّمها أمامه . 

8- أنها سببٌ لقرب العبدِ منه -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة .    

9- أنها سببٌ لدوامِ محبَّتهِ له -صلى الله عليه وسلم- وزيادتها وتقويتها .

وقد ذكر ابنُ القيِّم رحمه الله في جلاء الأفهام ثلاثين فائدةً وثمرةً لذلك.

6-  مواطِنُ الصلاة على النبيِّ -صلى الله عليه وسلِّم- :

1- في الصلاةِ آخرِ التشهُّد الآخِرِ: وقد أجمع المسلمون على مشروعيتهِ ، واختلفوا في وجوبه ، وترجَّحَ وجوبه في التشهُّدين كما قال الشافعيُّ رحمه الله، والله أعلم .

2- في صلاةِ الجنازةِ بعد التكبيرة الثانية: ولا خلاف في مشروعيتها فيها ، واختلفوا في وجوبها، فقال الشافعي وأحمد -وهو مذهبهما-: إنها واجبةٌ في صلاة الجنازة، ولا تصحُّ الصلاةُ إلا بها، وقال مالك وأبو حنيفة: تُستحبُّ وليست واجبةً، وهو الذي رجَّحه ابنُ القيِّم رحمه الله في جلاء الأفهام.

3- في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها: وقد اختُلف في وجوبها، فقال الشافعي وأحمد في المشهور من مذهبهما : لا تصح الخطبة إلا بالصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، وقال أبو حنيفة ومالك وقول في مذهب أحمد: تصح الخطبة بدونها ، قال ابن القيم رحمه الله: ( الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخطب مشروعة ، وأما وجوبها فيعتمد دليلا يجب المصير إليه ) ([28]).

4- بعد إجابة المؤذن: لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "" إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا عليّ ، فإنه مَن صلى عليّ صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة""([29]) .

5- عند الدعاء: ومرَّ معنا حديث: "" كل دعاء محجوب حتى يُصلَّى على النبي ""([30]) . قال ابن القيم رحمه الله: (مفتاح الدعاء الصلاة  على النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أن مفتاح الصلاة الطهور) ([31])، و جاء عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "" إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ، ثم ليصلِّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ثم ليدعُ بعد بما شاء. ""([32])

6- عند الدخول إلى المسجد وعند الخروج منه : جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "" إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي، وليقلْ : اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج فليسلم على النبي ، وليقلْ : اللهم أجرني من الشيطان الرجيم""([33])، وفي رواية أخرى: "" إذا دخل أحدكم المسجد فليصلِّ على النبي ""([34]) .

7- عند اجتماع القوم قبل تفرُّقهم : مرَّ معنا حديث: ""ما جلس قومٌ مجلسا ، ثم تفرقوا ولم يذكروا الله، ولم يصلوا على النبي إلا كان عليهم من الله ترة ، إن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم ""([35]) .

8- عند ذكره -صلى الله عليه وسلم-: وترجح وجوبها كما مر معنا في حكم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

9- يوم الجمعة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "" إنْ من أفضلِ أيّامكم يومَ الجمعةِ، فيه خُلقَ آدمُ، وفيه قُبضَ وفيه النفخةُ وفيه الصعقةُ، فأكثروا عليَّ من الصلاةِ فيه فإنَّ صلاتكم معروضةٌ عليَّ""([36]) ، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  "" أكثروا عليَّ الصلاةَ يومَ الجمعةِ ""([37]) .

10- في أول النهارِ وآخرهِ : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :"" مَن صلَّى عليَّ حين يصبحُ عشراً ،  وحين يُمسي عشراً أدركتْه شفاعتي يوم القيامةِ ""([38] (تراجع الشيخ الالباني عن هذا الحديث انظر الضعيفه 5788) .

    هذه المواطنُ ثبتَتْ فيها الأحاديث الصحيحة والحسنةِ ، وقد ذكر ابن القَّيم رحمه الله في جلاء الأفهام واحداً وأربعين موطناً معظمُها لم يصحَّ فيه حديثٌ مرفوع كالصلاة عليه آخر القنوت، وعند الصفا والمروةِ، وعند الفراغ من التلبيةِ، وعند استلام الحجرِ، وعند الوقوفِ على قبره، وعقبَ ختم القرآن، وعقبِ الذنبِ، وعند خطبةِ النكاح، وعند العطاسِ، وبعد الفراغ من الوضوءِ، وعند دخول المنزل، وعند النسيانِ، وعند طنين الأذنِ، وعند النوم وغيرها ، ولا يخفى أن أكثرها من الأمور التي أحدثها الناسُ بغيرِ دليل صحيح.

7-  الصلواتُ المبتدعةُ :

قد وردت في الأحاديث الصحيحةِ صيغُ الصلاةِ عليه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاةِ وغيرها ، وقد وضع بعضُ المشايخِ المتأخرين صيغاً فيها مخالفاتٌ لهدي النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ومن هذه الصيغ للصلواتِ المبتدعةِ قولهم :

1- (الصلاةُ والسلامُ عليك يا أول خلقِ الله)، وهذا مخالفٌ لقوله: ﴿إِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن طِينٖ ٧١﴾[ص:71] فالملائكة قبل البشر والأنبياء، وقد صحّ في الأحاديث أن أول ما خلق الله القلم.

2- قالوا: ( اللهم صلِّ على مَن كانَ إذا مشى في البرِّ تعلَّقت الوحوشُ بأذياله ) .

3- قولهم: ( اللهم صلِّ على محمد وعلى آله بحرِ أنوارِك ومعدنِ أسرارِك ) .

4- قولهم: ( اللهم صلِّ على مَن تفتَّقت من نوره الأنهار ) .

5- قولهم: (اللهم صلِّ على محمد السابقِ للخلقِ نورُه ) وهو لم يخلقْ من نور، بل خُلق من تراب.

6- قولهم: ( اللهم صلِّ على محمد طِبِّ القلوب ودوائِها ، وعافيةِ الأبدان وشفائها ) .

7- قولهم: ( اللهم صلِّ على محمد الفاتحِ لما أُغلقَ ) .

فلنحذرْ من هذه الصيغ المبتدعةِ وخاصة في كتاب دلائل الخيرات للجزولي، وعلينا الالتزام بالألفاظ والصيغ المأثورةِ في السُنّةِ عن السلف الصالح. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم)([39])

8-  فائدةٌ حول الصلاة على النبيِّ -صلى الله عليه وسلَّم-:

قال العلامةُ صدّيق حسن خان بعد أن ساقَ أحاديث كثيرةً في فضل الصلاةِ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: ( لا شك أنَّ أكثرَ المسلمينَ صلاةً عليه -صلى الله عليه وسلم- هم أهلُ الحديثِ ورواةُ السنَّةِ المطهَّرةِ ، فإنهم يصلَّون عليه مع كلِّ حديثٍ ... وهم أولى الناسِ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامةِ وأسعدُهم بشفاعتِه ، ولا يساويهم في هذه الفضيلةِ أحدٌ من الناس، فعليكَ يا باغيَ الخيرِ وطالب النجاةِ بلا ضَير أن تكون محدّثاً أو متطفلاً على المحدّثين ) ([40]) .

 

خاتمــــةٌ :

وصية من الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- :

قال في مقدِّمةِ تحقيقه لكتاب: ( فضل الصلاة على النبيِّ ) للإمام إسماعيل الجهضمي  ت 282 هـ ( إنْ وصيَّتي إليك -أيها المسلم- أن تقرأ هذا الكتاب، وتعملَ بما فيه من الأحاديثِ الثابتةِ عنه، وجملة ذلك :

*      أن تكثرَ من الصلاةِ عليه -صلى الله عليه وسلم- في سائرِ أوقاتكَ ، فإنَّك تنال بها عند الله صلاةً منه عليك، ويرفعُ درجتَك، ويُكثرُ في حسناتِكَ، ويمحو من سيئاتِكَ.

*      وصلِّ عليه حيثما كنتَ ؛ فإنِّ سلامَكَ يبلُغُه بتبليغ الملائكةِ له.

*      وصلِّ عليه كلِّما ذُكرَ؛ فإنَّك إن لم تَفعلْ كنتَ عنده بخيلاً.

*      وإيّاك أن تنسى وتتركَ الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-.

*      وإذا صلَّيتَ عليه فصلِّ بما ثبت عنه من صيغِ الصلاةِ الإبراهيمية.

*       وسلِ اللهَ له الوسيلةَ التي هي أعلى درجةٍ في الجنَّةِ تنلَ بذلك شفاعةً خاصةً )([41]) انتهى كلامه.

صيغ الصلاةِ الإبراهيمية في التشهُّد في الصلاة التي صحَّتْ فيها الأحاديثُ، ويجب الالتزام بإحداها:

1- "اللهمَّ صلِّ على محمد ، وعلى أهل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد ، وعلى آل بيته ، وعلى أزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ". وهذا كان يدعو به هو نفسه -صلى الله عليه وسلم-.

2- " اللهمَّ صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على [إبراهيم وعلى] آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهمَّ بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على [إبراهيم وعلى] آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. "

3- " اللهمَّ صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم [وآل إبراهيم]، إنك حميد مجيد،  وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على [إبراهيم وآل] إبراهيم، إنك حميد مجيد. "

4- " اللهمَّ صلِّ على محمد [النبي الأمي] وعلى آل محمد، كما صليت على [آل] إبراهيم، وبارك على محمد [النبي الأمي] وعلى آل محمد، كما باركت على [ آل] إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد".

5- " اللهمَّ صلِّ على محمد عبدك ورسولك ، كما صليت على [ آل ] إبراهيم ، وبارك على محمد [عبدك ورسولك ] ، [ وعلى آل محمد ] ، كما باركت على إبراهيم [ وعلى آل إبراهيم ]. "

6- " اللهمَّ صلِّ على محمد و[ على ] أزواجه وذريته ، كما صليت على [ آل ] إبراهيم ، وبارك على محمد و[ على ] أزواجه وذريته ، كما باركت على [ آل ] إبراهيم ، إنك حميد مجيد ."

7- " اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد" .

نقلتها من كتاب: صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- للألباني([42]) .

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،

 

 

_____________________


([1]) صحيح الجامع: (6359)

([2])  فتح الباري: (11/156)

([3]) جلاء الأفهام: (540)

([4]) فتح البيان لصديق خان: ( 11/ 139)

([5]) صحيح الأدب المفرد للبخاري: (500)

([6]) صحيح الأدب المفرد: (502)، رواه الترمذي والحاكم.

([7]) ابن حبان: (895 )

([8]) جلاء الأفهام: (542)

([9])صحيح الجامع  (6245)

([10]) صحيح الجامع: (6236)

([11]) جلاء الأفهام: (543)

([12]) صحيح ابن حبان: (909)

([13]) فضل الصلاة على النبي للألباني: (37)

([14]) صحيح البخاري: (3137)

([15]) جلاء الأفهام: (545)

([16]) صحيح الجامع: (2738) ، السلسلة الصحيحة للألباني : (74)

([17]) صحيح الجامع: (3164) ، الطبراني

([18]) صحيح الجامع: (4523) ، النسائي

([19]) صحيح الجامع الصغير: (4414) ، مختصر مسلم : (309)

([20]) صحيح سنن النسائي: (1719) ، صقة صلاة النبي للألباني : (164)

([21]) القتاوي: (22/ 459)

([22]) صحيح مسلم: (408) ، صحيح ابن حبان : (906)، صحيح الجامع الصغير: (6358)

([23]) صحيح الجامع: (6357)

([24]) صحيح الجامع: (6359)

([25]) فضل الصلاة للألباني: (14) وقال: حديث جيد، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح .

([26]) صحيح الجامع  (6245)

([27]) جلاء الأفهام:  (41) ، فتح الباري: (11/167)

([28]) جلاء الأفهام – الموطن الخامس للصلاة على النبي: (562)

([29]) صحيح مسلم: (384)

([30]) جلاء صحيح الجامع: (4523) حديث حسن.

([31]) جلاء الأفهام – الموطن السابع للصلاة على النبي: (535)

([32]) صحيح الترمذي: (3477) حديث صحيح وراه أحمد و أبوداود و النسائي.

([33]) صحيح ابن حبان: (2047) ورواه ابن ماجة و ابن خزيمة كذلك و هو في صحيح الجامع: (515).

([34]) صحيح الجامع: (156).

([35]) صحيح الجامع: (2738) رواه ابن حبان والحاكم. 

([36]) صحيح الجامع: (2212).  

([37]) صحيح الجامع: (1209).  

([38]) صحيح الجامع: (6357) رواه الطبراني، حديث حسن صحيح.

([39]) الإبانة الكبرى لابن بطة: (182)

([40]) نزل الأبرار: (161) باختصار.

([41]) فضل الصلاة على النبي: (15)

([42]) صفة صلاة النبي للألباني: (164: 167)