مسألة: حكم إزالة النجاسات


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

[تعريف النجاسات]

النجس هو المستقدر المستخبث الذي ورد الدليل بنجاسته، أو القذر الذي جاء الأمر بغسله كالمذي والبول ودم الحيض وبول الإنسان وغائطه وغيرها.

وعند بعض أهل العلم الكلب ولعابه، والميتة، والخمر، وبول وروث ما يؤكل لحمه، والمني، والدم، ولحم الخنزير، ولحم الحمار الأهلي، ولحوم السباع.

·         أما حكم إزالة النجاسات: فهو فرض واجب على الفور للأدلة التالية:

الأوامر في ذلك والأصل فيها أنها للوجوب ومنها:

- حديث ( إذا ولغ الكلب في الإناء، فاغسلوه سبع مرات ) ([1]).

- حديث ( وبول الجارية يغسل ).([2])

- حديث الأعرابي الذي بال في المسجد قال ( صبوا عليه سجلاً من ماء ) ([3]).

- حيث المذي ( ليغسل ذكره وأنثييه ) - حيث  المستحاضة ( اغسلي عنك الدم وصلي ).([4])

** مسألة هل الماء متعين في إزالة النجاسات؟

أ- قال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر مزيل كماء الزهر مثلاً .

ب- وقال الجمهور، ومحمد بن الحسن وزفر من الحنفية رحمهم الله: لا يجوز إزالة النجاسات بما سوى الماء من المائعات، وهو الراجح للأدلة التالية:

أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتاباً وسنة وصفاً مطلقاً غير مقيد:

- قال تعالى: ( وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً ) الفرقان ( 48 ) .

- وفي الحديث عن ماء البحر ( هو الطهور ماؤه ) ([5])ا.

- وفي عموم المياه قال ( الماء طهور لا ينجسه شئ ) ([6]).

- وفي حديث ولوغ الكلب (يغسله سبع مرات  ) ([7]).

- وكذلك حديث أسماء رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دم الحيض يصيب الثوب ( تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه )، وفي قصة خولة بنت يسار رضي الله عنها قال لها ( يكفيك ألماء ) ([8]).

·         قال الشيخ الألباني رحمه الله: ( يستفاد من هذه الأحاديث أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات وهو مذهب الجمهور ) .

·         قال الشوكاني رحمه الله: (والإنصاف والحق أن الماء أصل في التطهير ... لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غیره يرده حديث مسح النعل أن يقال: أنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى غيره ..... وإن كان ذلك الفرد غير الماء، جاز العدول عنه إلى غير الماء لذلك.... وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات، بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالإقتصار على الماء هو اللازم (نيل الأوطار 48/1).

·         قال الشيخ الألباني رحمه الله: ( وهذا هو التحقيق، فشد عليه بالنواجذ ) .

·         قال الحافظ رحمه الله في الفتح تعليقاً على حديث : ( كنت رجلاً مذاءً )([9]) ( واستدل به ابن دقيق العيد على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها لأن ظاهره يعين الغسل، والمعين لا يقع الامتثال إلا به، وهذا ما صححة النووي في شرح مسلم ) فتح الباري - باب غسل المذي والوضوء منه رقم (269).

·         وقال الشوكاني رحمه الله: ( والماء هو الأصل في التطهير، فلا يقوم غيره مقامه إلا بإذن من الشارع ) .

·         والخلاصة : ( أنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص كما سيأتي، أما إذا جاء مطلق الأمر بالتطهير فالأصل فيه الماء ولا يجزي غيره ).

** مسألة كيفية إزالة النجاسات: الواجب اتباع الدليل في إزالة عين النجاسة، فما ورد فيه الغسل كان ذلك هو تطهيره، وما ورد فيه الصب أو الرش أو الحث أو المسح على الأرض، أو مجرد المشي في أرض طاهرة كان ذلك هو تطهيره. وهذه أمثلة:

1- العذرة ( الغائط ) للإنسان :

تزال عند الاستنجاء بالماء أو الحجارة ونحوه. أما التطهير بالماء فالأدلة كثيرة، وأما بالأحجار فحديث ( إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزي عنه ) ([10]).

وأما التطهير بغير الحجارة فمفهوم من قوله ( ولا تأتني بعظم ولا روث ) ([11]).

وتطهر العذرة من النعال بالتراب لحديث ( إن وطى أحدكم بنعليه أذى، فإن التراب له طهور) .

۲- دم الحيض:

وتطهيره من الثوب بحكه وغسله بماء وسدر ونحوه ثم ينضح الماء في سائر الثوب، لقوله ( حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر ) ([12] )..

وحديث أسماء رضي الله عنها ( إن رأيت فيه دماً، فحكيه ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره... ) ([13]).

٣- الإناء الذي ولغ فيه الكلب: عند من قال بنجاسة لعابه وهم الجمهور:

حديث : طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب .

4- البول: أي بول الإنسان:

يطهر البول عموماً بالغسل بدليل الحديث الصحيح ( وبول الجارية يغسل ).([14]) أما إذا كان بول ذكر رضيع لم يطعم فيخفف فيه بالنضح لحديث ( بول الغلام ينضح ) ([15])وأما الأرض التي يصيبها البول فتطهر بصب الماء عليه كما في حديث بول الأعرابي في المسجد.

5- المذي:

يطهر ما لامس الفرج منه والأنثيين بالغسل:

الحديث ( ليغسل ذكره وأنثييه ) ([16]).

ويطهر من الثياب بالنضح والرش:

لحديث سهل بن حنيف رضي الله عنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء، فتنضح به ثوبك، حيث ترى أنه أصاب منه ) ([17]).

** مسألة: هل يجب استعمال شيء من المواد لقطع أثر النجاسة؟ مثل السدر والصابون ونحوهما:

أ- فذهب الحنفية وغيرهم إلى عدم الوجوب لحديث ( يكفيك الماء ) أبو داود وأحمد الصحيحة (۲۹۸). ب- وذهب الشافعي وغيره إلى الوجوب لحديث ( واغسلية بماء
 وسدر
) (.

قال الصنعاني رحمه الله في سبل السلام ( وهو أظهر، وقد قال: قد ورد الأمر بالغسل لم الحيض بالماء والسدر، والسدر من المواد، والحديث الوارد به في غاية الصحة، فيقید به ما أطلق في غيره ( في حديث: يكفيك الماء )، ويخص الحاد بم الحيض، ولا يقاس عليه غيره من النجاسات وذلك لعدم تحقق شروط القياس ...

قال الشيخ الألباني رحمه الله ( وهذا هو الأقرب إلى ظاهر الحديث  ) ([18])ا.

* * مسألة: هل تطهر النجاسة بالاستحالة ؟ إذا انقلبت من حالة النجاسة إلى الطهارة ؟

مثلاً: مياه المجاري نجسة بسبب بول ورجيع الإنسان، فإذا تغيرت المياه بنفسها، أو بإضافة ماء طهور إليها، أو زال تغيرها بطول المكث أو تأثير الشمس ومرور الرياح عليها أو نحو ذلك، فهل تطهر هذه المياه أم لا ؟

اختلاف العلماء: خمسة أقوال ذكرها ابن تيمية رحمه الله( ۳۲/۲۱ ) والراجح هو:

·         وما ذهب إليه أبو حنيفة، والظاهرية، ورواية في مذهبي مالك وأحمد، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمهم الله إلى أن النجاسة تطهر بالاستحالة، وبه قال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار.

·         قال ابن تيمية رحمه الله: ( الصواب أن ذلك طاهر إذا لم يبق أثر النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها لأن الله تعالى أباح الطيبات وحرم الخبائث، وذلك يتبع صفات الأعيان وحقائقها، فإذا عادت العين خلاً دخلت في الطيبات ) .

·         وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : ( الاستحالة تطهر النجس، وهذا هو الصحيح وأدلة هذا القول واضحة ).

·         وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : ( الصحيح أن النجاسة إذا زالت بأي شئ فإنها تطهر، وكذلك إذا انتقلت صفاتها الخبيثة وخلفتها الصفات الطيبة فإنها تطهر بذلك كله، لأن النجاسة تدور مع الخبث وجوداً وعدماً ).

·         مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي: نظر في السؤال عن حكم ماء المجاري بعد تنقيته هل يجوز رفع الحدث بالوضوء والغسل به؟ وهل تجوز إزالة النجاسة به؟ وبعد مراجعة المختصين بالتنقية بالطرق الكيميائية وما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على أربع مراحل وهي الترسيب والتهوية وقتل الجراثيم وتعقيمه بالكلور، بحيث لا يبقى للنجاسة أثر في طعمه ولونه وريحة، قرر المجمع ما يأتي:                                                                  ( إن ماء المجاري إذا نقي بالطرق المذكورة وما يماثلها ولم يبق للنجاسة أثر صار طهوراً، يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به ) راجع توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام لعبد الله البسام ( ۹۸/۱ ).

·         مجلس هيئة كبار العلماء: أصدر قراراً بالمياه المتلوثة بالنجاسات إذا عولجت بواسطة الوسائل الفنية ثم زالت منها النجاسة فقرر ما يلي:

·         ( بناءً على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بنفسه، أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول المكث أو تأثير الشمس أو نحو ذلك، لزوال الحكم بزوال علته، وحيث أن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل، حيث يبذل الكثير من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات، ولذلك فإن المجلس بری طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة بحيث تعود إلى خلقتها الأولى، لا يرى فيها تغير بنجاسة في طعم ولا لون ولا ريح، ويجوز استعمالها في إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل الطهارة بها منها ) راجع توضيح الأحكام ( ۹۸/۱ ).

·         وقال ابن تيمية رحمه الله:  (الفتاوى 611/21 ) ( وعلى هذا، فدخان النار الموقدة بالنجاسة طاهر، وبخار الماء النجس الذي يجتمع في السقف طاهر )

والله أعلم.

 


 

([1]) مسلم (280)

([2]) سنن ابن  ماجه  (527)

([3]) سنن أبي داود (380)

([4]) البخاري (306)

([5]) سنن ابن ماجه (386)

([6]) أبي داود (60)

([7]) مسلم (279)

([8]) السلسلة الصحيحة للألباني (298)

([9]) مسلم( 303 )

([10]) سنن أبي داود (40)

([11]) البخاري (155)

([12]) سنن أبي  داود  (363)

([13]) أبي داود (299)

([14]) سنن ابن ماجه (527)

([15]) سنن ابن ماجه (527)

([16]) أبي داود (192)

([17]) صحيح أبي داود (195)

([18]) السلسلة الصحيحة (300)