منهج تلقِّي الشريعة عند السلف


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد :

مقدّمـة:- فمن أصول السلف الصالح أهل السنّةِ والجماعة منهج التلقِّي والاستدلال لعلومهم وعقائدهم ومبادئهم ومعاملاتهم وسلوكهم وأخلاقه، والواجبُ على العلماء وطلبة العلم أن يبيّنُوا للناسِ هذا المنهج في دروسهم وخطبهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم وأن يرشدوهم إلى اتِّباعِ هدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولزوم سُنّتِه والسيرِ على أثرِ أصحابه رضي الله عنهم .

        ونذكِّرُ بمنهج السلف في التلقِّي والاستدلال لأنه السبيلُ الوحيدُ للخلاص من التفرُّق والتحزُّب ، ولأنّه وحيُ الله تعالى وهديُ نبيّه صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الرعيلُ الأول من الصحابةُ الكرامُ ، فهذا المنهج هو السبيلُ لجمع كلمة المسلمين على الحقِّ وما اختلف الناس إلاّ بسبب اختلاف مناهجهم وتعدّد مصادِر التلقِّي عندهم .

ولأن هذا المنهج سهلٌ ميسَّرٌ واضحٌ لا لبس فيه ولا غموض ، من سار عليه ارتاح بالُه واطمأنّت نفسُه وابتعد من الشكوك والأوهام ووساوس الشيطان لأنه سائرٌ على هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومنهج صحابته رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .

معالمُ منهج السلف في تلقِّي الشريعةِ:-

(1) الاقتصار على الشريعةِ الإسلاميةِ في جميع الأمور: لأن التشريعَ حقٌ للهِ وحده وما دامت هذه الشريعةُ من عند الله تعالى فيجبُ اتباعُها والتحاكم إليها في جميع الأمورِ ويجبُ نبذُ ما سواها من الشرائع والعادات والأعرافِ التي تخالفُ هذه الشريعة ، قال تعالى { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[النور:51]. فلا تؤخذُ الشريعةُ من غير كتابِ الله وسُنّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف.

(2) تحكيمُ الكتابِ والسُنّةِ في جميع القضايا:- وعدمُ ردِّ شيء منهما ، فكل ما وافق الكتابَ والسُنّةَ يجبُ على المسلم إثباتُه والتحاكمُ إليهما في جميع الأمور، والمرجعُ عند المسلم لفهمهما هو منهجُ السلف الصالح من الصحابةِ والتابعين ومن سار على نهجهم ثم ما صحَّ من لغةِ العربِ، وعلى المسلم أن يعتقد بأنه لا معصومَ إلاّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي يجبُ تصديقُه في كل ما أخبر وطاعتُه في كل ما أمر وليست هذه المنزلةُ لغيره من هذه الأمّةِ.

(3) عدمُ تقديم الرأي على الشرع ، وتركُ معارضةِ الرأي بالشرع:- قد يثقل على المسلم العملُ بالنص في بعض المواقف ويظنُّ المرءُ أنَّ الخيرَ في غير ذلك فيقدّمُ رأيّهُ على النص فيقع في المحظور، وقد كان السلفُ يأمرون الناس بأن يتَّهموا رأيَهُم في مواجهة النصوص.

قال سهلُ بن حنيف رضي الله عنه:  (يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم، لقد رأيتُني يوم أبي جندل ولو أستطيعُ أن أردَّ أمرَ رسول الله لرددتُه)([1]).

وقال ابنُ عباس رضي الله عنه:  (إنّما هو كتابُ الله وسُنّةُ رسوله ، فمن قال بعد ذلك شيئاً برأيه فما أدري أفي حسناتِه يجدهُ أم في سيئاتِه)([2])

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:  (أصحاب الرأي فإنَّهم أعداءُ السنن ، أعيتْهُم الأحاديث أن يحفظوها ، فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلُّوا)([3])

والرأي المذموم هو الرأي المجرد الذي لا يستند إلى أصل من الدين وأسوؤهُ الذي يُعارض النصوص مع العلم بها.

(4) تقديـرُ الـرأي قـدرهُ :- أي الرأيُ الذي يستند إلى أصلٍ من أصول الدين، فلا يُجعل ديناً يتَّبع بمنزلةِ الكتاب والسُنّة لا يُلزم به الناسُ .

قال ابنُ سيرين رحمه الله: (إذا نزلت بأبي بكرٍ قضيةٌ ، فلم يجد لها في كتاب الله منها أصلاً ، ولا في السُنّة أثراً اجتهد رأيُهُ ثم قال: هذا رأيي ، فإن يكن صواباً فمن الله ، وأن يكن خطأً فمنِّي ومن الشيطان)([4])

وكتب كاتبٌ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (هذا ما رأي اللهُ ورأي عمرُ ، فقال عمرُ: بئس ما قلتَ، قل هذا ما رأي عمرُ، فإن يك صواباً فمن الله وإن يكن خطأً فمن عمر)([5])

وقد نقل ابنُ القيّم رحمه الله نصوصاً كثيرةً عن الصحابةِ في هذه المسألة ثمَّ بيّن منهجَ الصحابة فقال: (فهؤلاء الصحابةِ رضي اللهُ عنهم يُخرجون الرأي عن العلم وينهون عن الفتيا به ، ومن اضطرَّ منهم إليه أخبر أنَّهُ (ظنَّ) وأنّه ليس على ثقةٍ منه ، وأنّه يجوز أن يكون منه ومن الشيطان ، وأن غايتهُ أن يُسوّغَ الأخذَ به عند الضرورة من غير لزومِ اتّباعه ، ولا العملِ به

(5) عدمُ متابعةِ من خالف النصَّ الشرعيَّ مهما علت منزلتُه:- قال اللهُ تعالى:  { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }[الأعراف:3].

    ولم يكن الصحابةُ يقدّمون على النصوص قولَ أحدٍ مهما علت منزلتُه وهكذا السلف الصالح:-

فهذا ابنُ عمر يرضي الله عنه ُسألُ عن متعة الحج فيأمر بها ، فيقولُ له السائل: أتخالفُ أباك؟ قال: فكتابُ الله ِ أحقُّ أن يُتَّبَعَ أم عمر) وفي رواية (أمرُ رسولِ الله أحقُّ أن تتبعوا أم عمر؟) ([6])

وهذا ابنُ عباس رضي الله عنه يأتي بحديثٍ عن رسول الله فيقول له عروة رضي الله عنه: فإنّ أبا بكر وعمرَ لم يفعلا ذلك ، فيقول له ابنُ عباس : هذا الذي أهلككم ، والله ما أرى إلاّ سيُعذّبَكم ، إنِّي أحدّثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وتُحدّثوني بأبي بكر وعمر)([7])

   وكذلك فإنّ طاعة الذين أوجب اللهُ علينا طاعتَهم مقيّدةٌ بطاعةِ الله وعدمِ مخالفة الشرع .

قال أبو حنيفة رحمه الله: (إذا قلتُ قولاً يخالف كتابَ الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي)

وقال مالكٌ رحمه الله: (إنما أنا بشرٌ أخطئ وأصيبُ ، فانظروا في رأي ، فكل ما وافق الكتابَ والسُنّة فخذوه ، وكلُّ ما لم يوافق الكتابَ والسُنّة فاتركوه)([8]).

وقال الشافعيُّ رحمه الله:  (أجمع المسلمون على أنَّ من استبان له سنَّةٌ عن رسول اللهصلى الله عليه وسلم لم يحلَّ له أن يدعها لقول أحدٍ)([9]) وقال أيضاً: (كلُّ حديثٍ عن النبي فهو قولي وإن لم تسمعوا منِّي).

( الإمامان محمد بن الحسن وأبو يوسف خالفا شيخهما أبا حنيفة في نحوِ ثلثِ المذهب)([10]) . فلا يجوزُ متابعة من خالف النصَّ الشرعيَّ مهما علت منزلتُه.

(6) الرجوعُ عن الرأي إلى الدليل:- إذا اجتهد المجتهدُ برأي في مسألة ما ثمَّ بلغّهُ نصٌ بخلاف حكمه فإنه يجب عليه أن يعود إلى حكم الشرع ، وقد عنونَ الخطيبُ البغداديُّ في كتابه (الفقيه والمتفقه) لهذه المسألة بقوله: ( ذِكرُ ما روى من رجوع الصحابة عن آرائهم التي رأوها إلى أحاديثِ النبي إذا سمعوها ووعوها) وساق تحته عدّة وقائع منها:-

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:  (الديةُ للعاقلة ، لا ترث الزوجةُ من دية زوجها شيئاً ، حتى قال الضحاكُ بنُ سفيان رضي الله عنه – كتب إليَّ رسول الله أن أورث أمراةَ أشيم الضبابي من ديةِ زوجها) فرجع عمرُ رضي الله عنه.

أبيُّ بن كعب رضي الله عنه روى حديث (الماء من الماء) ثم رجع عن ذلك عندما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ينسخ من حديثه (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) .

وهذا ابنُ عباس رضي الله عنه يُسألُ عن الصرف فيقول اثنين بواحد، ثم يعلم بحديث رسول الله (وزناً بوزن، مثلاً بمثل) فيقول: كانَ ذلك عن رأي وهذا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فتركتُ رأيي لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية قال (أتوب إلى الله ، إنما كانَ رأياً رأيتُه وها هو أبو سعيد يحدث عن رسول الله).

   قال زفرُ بن الهذيل رحمه الله: إنّما نأخذ بالرأي ما لم نجد الأثر فإذا جاء الأثر تركنا الرأيَ وأخذنا بالأثر.

   قال الشافعيُّ رحمه الله: (إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنّةِ رسول الله فقولوا بسنةِ رسول الله ودعُوا ما قلتُ)([11]).

والإمام مالك رحمه الله أمر بتخليل الأصابع بعد أن ذكر له الحديثُ في ذلك، 

 

(7) الحذرُ من التعصُّب المذهبي الذي فرَّق الأمَّة الإسلامية:- فلا يتعصبُ المسلمُ لإمامٍ من الأئمة ولا يهاجمُ الأئمةَ الآخرين وأتباعّهُم، والواجبُ على كل مسلم أن يواليَ الأئمةَ جميعاً ويُحبّهم لأنهم كلَّهُم فقهاءُ الإسلام، قاموا بشرحه وتدوينه ، ونقبلُ من الأئمة ما اتفقوا عليه، وما اختلفوا فيه اختلاف تنوّع فلا بأس على من أخذ بقول واحد منهم وما اختلفوا فيه اختلاف تضادٍّ فننظر إلى أدلَّتهم فالذي عنده الدليلُ أولى بالاتّباع من غيره.

  قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في مقدمة كتابه أضواء البيان (فإننا نبيّن ما فيها من أحكام ، وأدلِّتها من السنّة، وأقوال العلماء في ذلك ، ونرجّحُ ما ظهر لنا أنه الراجحُ بالدليل من غير تعصبٍ لمذهب معيَّن ولا لقولِ قائلٍ معيَّنٍ)([12])

(8) عدمُ التسرّع بالفُتيا والتثبّتُ من نقل فتاوى العلماء:- قال ابنُ القيّم رحمه الله في إعلام الموقين 1/34 (كان السلفُ من الصحابة والتابعين يكرهون التسرُّع في الفتوى ، ويودُّ كلُّ واحد منهم أن يكفيَهُ إياها غيرُه ، فإذا رأى أنّها تعيَّنت عليه بذل اجتهادَهُ في معرفة حكمها من الكتابِ والسنّةِ ، وأقوالِ الخلفاءِ الراشدين ، ثم أفتى) . ثم قال أيضاً (وقال عبد الله بنُ المبارك : حدثنا سفيان عن عطاءِ بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركتُ عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان منهم محدِّثٌ إلا ودَّ أنّ أخاهُ كفاه الحديث ، ولا مفتٍ إلا ودّ أن أخاه كفاه الفُتيا) .

    وقال سفيان بن عُيينه وسحنونُ بن سعيد رحمهم الله (أجرأ الناس على الفتيا أقلَّهم علماً) .

     وقال الهيثُم بنُ جميل رحمه الله (شهدتُ مالكاً سُئل عن 48 مسألة ، فقال في 32 منه لا أدري) ، وليس ذلك الخوفُ إلاّ لفقهم بقوله تعالى: { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ }[النحل:116].

       وقال ابنُ القيّم رحمه الله (1/4): قال بعضُ السلف (ليتَّقِ أحدُكُـم أن يقولَ : أحلَّ اللهُ كذا ، وحرَّم كذا ، فيقولُ اللهُ له: كذبتَ ، لم أُحلَّ كذا ولم أحرِّم كذا) فلا ينبغي أن يقولَ لما لا يعلمُ ورودَ الوحي المبينِ بتحليله وتحريمه : أحلَّهُ اللهُ وحرَّمهُ اللهُ لمجردِ التقليد أو التأويل)([13]) .

(9)  الإكثارُ من مشاورةِ أهل العلم والفقه:- وهكذا كانَ الخلفاءُ الراشدون يشاورون الناس فيما يَجدُّ من قضايا لا يجدون لها حكماً في الكتاب والسنّةَ

    . قال البخاريُّ: في صحيحه (الفتح 13/339) (وكان الأئمةُ بعد النبي يستشيرون الأمناءَ من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها فإذا وضح الكتابُ أو السنّةُ ما لم يتعدَّوهُ إلى غيره اقتداءً بالنبي ) ثم ذكر قصصاً عنهم . فلا بد من مشاورة أهل العلم في المسائل المختلفِ فيها للتعرُّف على أدلَّتهم التي يعتمدون عليها في معرفة الحق.

(10)   أعذِرْ المخطئَ من أهل الفقه والعلم:- ذلك أنه قد بذل جهده وقد أخبر رسول الله  صلى الله عليه وسلمأنه قال ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد)([14]).  ومن أكبر أعذار الأئمة أن السنّة لم تدّون في عصورهم ولذلك أمروا الناس بترك أقوالهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه رفع الملام – ذكر عشرة أسباب لترك العالمِ العمل بالحديث فلتراجع. أما العالم الذي ليس له عذرٌ فهو الذي بلغهُ الدليلُ الصحيحُ فتركه اتباعاً لرأيه أو لأقوال الرجال.

(11)   الابتعادُ عن المسائلَ التي عابتها الشريعةُ المباركةُ:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتُكم به فأتوا منه ما استطعتُم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرةُ مسائلِهِم واختلافُهم على أنبيائِهِم)([15])

     ومن المواقف التي كرهت الشريعةُ السؤالَ فيها:-

1-  الأسئلة التي يقصدُ بها التعنّتُ والتعجيزُ : قال تعالى: { يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا }[النساء:153].

2-   السؤالُ على وجه السخرية والاستهزاء: ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان قومٌ يسألون رسول الله استهزاءً فيقول الرجل: مَنْ أبي؟ ويقولُ الرجلُ تضِلُّ ناقتُهُ: أين ناقتي؟ فأنزل اللهُ فيهم (لا تسألوا عن أشياءَ)([16])

3-  الاسئلة التي يريد صاحبها التدقيق في الأمور وتحديدها تحديداً مفصلاً قد يؤدّي إلى زيادة التكليف: فبنوا إسرائيل أمرهم اللهُ أن يذبحوا بقرة فشدّدوا فشدّد اللهُ عليهم. ومن ذلك أمرُهُ صلى الله عليه وسلم بالحج فقال رجلٌ : أفي كلُّ عام يا رسول الله؟ فسكت الرسول ورددّ السائلُ سؤالَه ثلاث مرّات فقال رسول الله (لو قلتُ نعم لوجبت ولما استطعتم) ([17])

4-  السؤال عمَّا لم يقع تكلفاً وتنطعاً:- ففي الحديث (إنّ الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)([18]). قال بعضُ الفقهاء : المراد بكثرة السؤال: التكثير من المسائل الفقهية تنطعاً وتكلُّفاً فيما لم ينزل وقد كانَ السلفُ يكرهون ذلك ويرونه من التكلّف.

قال الإمام مالك رحمه الله: ( أدركت أهل هذا البلد وما عندهم علمٌ غيرَ الكتاب والسنّة فإذا نزلت نازلةٌ جمع الأميرُ لها مَنْ حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه ، وأنتُم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول اللهصلى الله عليه وسلم)([19])

أما السؤال عن الأحكام التي أنزلها اللهُ للتعليم والتفقه والسؤال عن الأحكام التي وقعت فجائزٌ مشروع .

هذه بعضُ معالـم منهـج تلقِّـي الشريعـة عنـد السلـف .

 

وآخـر دعوانـا ان الحمـد لله رب العالميـن

 

 


 

([1]) رواه البخاري، فتح ( 13/289)

([2]) رواه ابنُ عبد البَرِّ في جامع بيان العلم (2/32)

([3])رواه البيهقي وذكره ابن حجر في فتح الباري إيّاكُم وأصي (13/289)

([4]) ذكرهُ ابنُ القيّم في أعلام الموقعين (1/)57

([5])المصدر السابق(1/58)

([6]) رواهما البيهقي بإسنادٍ صحيح – راجع المجموع للنووي (7/)158

([7]) رواه الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه (1/145)

([8])ابنُ عبد البرِّ في الجامع (2/32)

([9])ابنُ القيِّم في الإعلام (2/361)

([10])حشية ابن عابدين (1/62)

([11]) البيهقي 1/81

([12]) أضواء البيان 1/6  

([13]) ابنُ القيّم (1/4)

([14]) صحيح البخاري (7352)

([15]) صحيح مسلم (1337)

([16]) صحيح البخاري (4622)

([17]) صحيح مسلم (1337)

([18]) صحيح البخاري (2408)

([19])تفسير القرطبي (6/336)