الأخـوَّة الإيمانيـة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شرك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :

مقدمـة:

فإنَ من مقوّمات المجتمع الإسلامي الإخوّة في الله تعالى ولذلك لمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام الدولة الإسلامية على أسس هي:

    1- المؤاخاة بين المسلمين.

   3-كتابة الوثيقة التي حددت نظام حياة المسلمين وعلاقتهم مع غيرهم.

نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين، والأنصار على الحق، والمواساة، والموالاة، وعلى أن يتوارثوا بينهم بعد الممات، وظلت حقوق هذا الإخاء مقدّمة على حقوق القرابة إلى موقعة بدر الكبرى حيث نزل قولُه تعالى{وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}[الأنفال:75].

فنَسخت هذه الآية حق الميراث فقط.

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجريُّ الأنصاريَّ دون ذوي رحِمِهِ، للأخوَّةِ التي آخى النبيُّ صلي الله عليه وسلم بينهم" ونزلت {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}[النساء:33].

 وحسبنا دليلاً على أخوّة الصحابة ما قام به سعدُ بن الربيع الذي كانَ قد آخى الرسولُ صلي الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف، إذ عرض على عبد الرحمن أن يشركه في بيته، وأهله وماله في قسمةٍ متساوية؛ ولكن عبد الرحمن شكره، وطلب منه أن يدُلَّهُ على السوق ليتاجر فيه.

 فضائـُل الأُخُـوَّة:

(1) الإخوّةُ من مستلزمات الإيمان: قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}[الحجرات:10]، أي ليس المؤمنون إلا إخوة.

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ».

(2) محبّةُ الأخ لأخيه من شعب الإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ، فَلْيُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".

(3)   محبّة الأخ لأخيه تجعلهما من السبعة الذي يظلهم اللهُ في ظله كما في الحديث " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ".

(4)   قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما أُعطي عبدٌ بعد الإسلام خيراً من أخ صالح، فإذا رأى أحدُكم وُدّاً من أخيه فليتمسَّك به) .

(5)  قال مالك بنُ دينار رحمه الله: (لم يبق من روح الدنيا إلاّ ثلاثٌ: لقاءُ الإخوان، والتهجُّد بالقرآن، وبيت خالٍ يّذكرُ اللهُ فيه) .

 

 صفاتُ الأخ في الله:

قال عليه الصلاة والسلام "الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"().

 وأهم هذه الصفات:

1- أن يكون مسلماً من أهل السنّة والجماعة لقوله  «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» ففي الحديث المتفق عليه " إِنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ، وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ".

2- أن يكون متخلّقاً بأخلاق الإسلام محافظاً على مكارم الأخلاق؛ لأن الرجلَ على دين خليله.

3- أن لا يكون فاسقاً مجاهراً بالكبائر فإنّه يُعدي، وفي الحديث «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً».

4- أن لا يكون حريصاً على الدنيا متمسّكاً بها مؤثراً لها عن الآخرة.

ورغم ذلك يقول سعيد بن المسيّب رحمه الله "أنه ليس من شريفٍ ولا عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلاّ وفيه عيبٌ، ومن كان فضلُه أكثرَ من نقصِهِ وهَبَ نقصَهُ لفضله".

آفـات الإخُـوَّة: ممّا يمزّقُ أواصَر الأُخوّة:

1)    الأثرةُ، والأنانيةُ وحبُّ الذّاتِ، يأخذُ ولا يعطي.

2)    الاستهزاءُ، والسخريّةُ، والانتقاصُ من الآخرين.

3)    الغيبةُ والكذبُ والنميمةُ.

4)    التفاخرُ بالأنساب.

5)    عدمُ الاحتكام إلى شرع الله في العلاقات مع الآخرين مثل الحبِّ في الله والبغضِ في الله.

6)  تركُ بعض ما أنزل الله: يقول شيخ الإسلام رحمه الله (إذا ترك الناسُ بعضَ ما أنزلَ الله وقعت بينهم العداوة والبغضاءُ إذ لم يبق هنا حقٌّ جامعٌ يشتركون فيه  كما في قوله تعالى{فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون}[المؤمنون:53].

7)  ارتكاب المعاصي: ففي الحديث " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ  أَحَدُهُمَا ".

8) التكلُّف: المجاملةُ بما فوق الطاقة والتي تؤدي إلى الحرج .

حقـوقُ الإُخُـوَّة:

بيَّن لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم كثيراً منها في النصوص التالية:

الحديث الأول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفعُهُمْ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً، أو تَقضِيَ عنهُ دَيْنًا، أو تَطرُدَ عنهُ جُوعًا، ولَأَنْ أمْشِيَ مع أخِي المسلمِ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكِفَ في المسجدِ شهْرًا، ومَنْ كفَّ غضَبَهُ، سَتَرَ اللهُ عوْرَتَهُ، ومَنْ كظَمَ غيْظًا، ولوْ شاءَ أنْ يُمضِيَهُ أمْضاهُ، مَلأَ اللهُ قلْبَهُ رضِىَ يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أخيهِ المسلمِ في حاجَتِه حتى يُثْبِتَها لهُ، أثْبتَ اللهُ تعالَى قدَمِه يومَ تَزِلُّ الأقْدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفسِدُ العملَ، كَما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ".

 

الحديث الثاني: وروى الشيخانِ عن ابن عمر مرفوعاً "المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه من كان في حاجةِ أخيه، كان اللهُ في حاجتِه  ومن فرَّج عن مسلمٍ كُرْبةً، فرَّج اللهُ عنه بها كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ ومن ستر مسلمًا، ستره اللهُ يومَ" وعند مسلم (من نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ.

 قال ابنُ حجر رحمه الله: (وفي الحديث حضٌ على التعاونِ وحسنِ التعاشر والألفة).

 

الحديث الثالث: عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه و سلم: "المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ، يشدُّ بعضُه بعضًا  وشبّك بين أصابعِه" .

و عن أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه و سلم: المؤمِنُ للمؤمِنِ كالبُنيانِ، يَشُدُّ بعضُه بعضًا، ثمَّ شبَّك بين أصابِعِه، وكان النَّبيُّ  جالِسًا، إذْ جاء رجلٌ يَسأَلُ، أو طالِبُ حاجةٍ، أقبَل علَينا بوَجهِه فقال: اشفَعوا فلْتُؤجَروا، ولْيَقضِ اللهُ على لِسانِ نبيِّه ما شاء" قال ابنُ حجر رحمه الله: (وفي الحديث الحضُّ على الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه والشفاعةُ إلى الكبير في كشف كربة ومعونةِ ضعيفِ).

وقال ابنُ بطال رحمه الله: (والمعاونةُ في أمور الآخرة وكذا في الأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها).

 

الحديث الرابع: ويقول جابرٌ رضي الله عنه: "ما سُئِلَ النبيُّ  عن شيءٍ قطُّ فقال: لا" وعن سهل بن ساعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأةٌ إلى النبيِّ  ببُردةٍ، فقال سهلٌ للقومِ: أتدرون ما البُردةُ؟ فقال القومُ: هي شملةٌ، فقال سهلٌ: هي شملةٌ منسوجةٌ فيها حاشيتُها، فقالت: يا رسولَ اللهِ، أكسوك هذه، فأخذها النبيُّ محتاجًا إليها فلبِسَها، فرآها عليه رجلٌ من الصحابةِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، ما أحسنَ هذه، فاكسُنيها، فقال: نعم. فلما قام النبيُّ  لامَه أصحابُه، قالوا: ما أحسنتَ حين رأيتَ النبيَّ  أخذها محتاجًا إليها، ثم سألتَه إياها، وقد عرفتَ أنه لا يُسألُ شيئًا فيمنعَه، فقال: رجوتُ بركتَها حين لبِسَها النبيُّ ، لعلي أُكفَّنُ فيها.

الحديث الخامس: ويقول عليه الصلاة والسلام "انصُر أخاكَ ظالمًا أو مَظلومًا قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ هذا نَصرتُهُ مظلومًا فَكَيفَ أنصرُهُ إذا كانَ ظالمًا؟ قال: تحجِزُهُ وتمنعُهُ من الظُّلمِ، فذاك نصرُهُ"

الحديث السادس: ويقول عليه الصلاة والسلام: المسلمُ أخو المسلمِ لا يُظلمُه ولا يخذلُه ويقولُ والذي نفس محمدٍ بيده ما توادَّ اثنانِ ففُرِّقَ بينهما إلا بذنبٍ يُحدثُه أحدُهما وكان يقولُ للمرءِ المسلمِ على أخيه من المعروفِ ستٌّ يُشَمِّتُه إذا عطِسَ ويعودُه إذا مرِضَ وينصحُه إذا غاب ويشهدُه ويُسلِّمُ عليه إذا لقِيَهُ ويُجيبُه إذا دعاه ويتْبعُهُ إذا مات ونهى عن هِجرةِ المُسلمِ أخاه فوقَ ثلاثٍ. 

الحديث السابع: ويقول عليه الصلاة والسلام: المؤمنُ مِرآةُ المؤمنِ، والمؤمنُ أخو المؤمنِ: يكفُّ عليه ضَيعتَه، ويحوطُه من ورائِه.

الحديث الثامن: ويقول عليه الصلاة والسلام: إذا كنتُم ثلاثةً فلا يتناجى اثنانِ دُونَ الآخَرِ حتى تختلِطوا بالناسِ من أجلِ أنْ يُحزِنَهُ.

 

الحديث التاسع: ويقول عليه الصلاة والسلام: ما من مُسلمَينِ يلتقيانِ فيتصافحانِ إلا غُفر لهما قبل أن يفترِقا

الحقوقُ كثيرةٌ فمنها:

(1)   العفو عن الزلاّت والهفوات وستر العيوب والعثرات.

(2) النطقُ بما يحبُّ: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك من ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيت، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه، وثلاث من الغي: تجد على الناس فيما تأتي، وترى من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تؤذي جليسك فيما لا يعنيك 

(3)   المواساةُ بالمالِ حسبَ الاستطاعةِ  كما في الحديث "من نفَّس عن مسلمٍ كربةً من كرَبِ الدُّنيا نفَّس اللهُ عنه كربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّر على مُعسرٍ يسَّر اللهُ عليه في الدُّنيا والآخرةِ، ومن ستر على مسلمٍ ستر اللهُ عليه في الدُّنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخِيه".

(4) الزيارةُ في الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أَلَا أُخْبِرُكُمْ برجالِكم مِنْ أهلِ الجنةِ؟ النبيُّ في الجنةِ، والشهيدُ في الجنةِ، والصِّدِّيقُ في الجنةِ والمولودُ في الجنةِ، والرجلُ يزورُ أخاه في ناحيةِ المصرِ في اللهِ في الجنةِ  أَلَا أُخْبِرُكُمْ بنسائِكم مِنْ أهلِ الجنةِ؟ الودودُ الولودُ، العؤودُ؛ التي إذا ظُلِمَتْ قالت: هذه يدي في يدِكَ، لا أذوقُ غُمْضًا حتى تَرْضَى.

(5) الدعاءُ له بظهرِ الغيبِ: قال صلى الله عليه وسلم: "دعوةُ المرءِ مستجابةٌ لأخيهِ بظَهْرِ الغيبِ، عندَ رأسِهِ ملَكٌ يؤمِّنُ على دعائِهِ، كلَّما دعا لَهُ بخيرٍ، قالَ: آمينَ، ولَكَ بمثلهِ".

(6) تركُ التكلُّفِ وقد قيل ( من سقطت كُلْفَتُهُ دامت أُلفَتُهُ ومن خفَّتْ مؤنتُهُ دامتْ مودَّتُهُ ).

 يقول جعفر الصادق رحمه الله: ( أثقلُ أخواني عليَّ من يتكلّفَ لي، وأتحفظُ منه وأخفّهُمُ على قلبي مَنْ أكونُ معهُ كما أكونُ وحدي ).

 قال الإمامُ عليُّ رضي الله عنه: ( شرُّ الأصدقاءِ من تكلّف لك وأحوجكَ إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار ).

قال الفُضَيلُ بنُ عياض رحمه الله: ( إنّما تقاطع الناسُ بالتكلُّف، يزور أحدُهُم أخاهُ فيتكلَّفُ له، فيقطعه ذلك عنه ) .

(7) الردُّ عن عرضه: ففي الحديث "من ردَّ عن عِرضِ أخيه ردَّ اللهُ عن وجهِه النارَ يومَ القيامةِ"   فإذا تغلغلت الإخوَّةُ في النفوسِ، غرست المحبَّةَ في قلوبنا التي أقلّ علاماتِها سلامةُ الصدر، وأعلاها مرتبةُ الإيثار.

 

الخاتمــةأخـرج البيهقـيُّ في شُعَب الإيمان عن سعيد بن المسيِّـب رحمه الله أنه قال: كتب إليَّ بعضُ إخواني من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أن ضع أمرَ أخيك على أحسنِـه ما لم يأتكَ ما يغلبك، ولا تظنَّ بكلمةٍ خرجت من امرئٍ مسلمٍ شراً وأنت تجدُ لها من الخيرِ محملاً، ومن عرَّض نفسَهُ للتّهم فلا يلومنَّ إلاّ نفسَهُ ، ومن كتم سرَّهُ كانت الخِيَرةُ في يده، وما كافأتُ مَنْ عصى اللهَ تعالى فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وعليك بإخوانِ الصدق فكن في اكتسابهم فإنَّهم زينةٌ في الرخاء وعدّةٌ عند عظيم البلاء، ولا تتهاونُ بالحلفِ فيُهينك اللهُ تعالى، ولا تسألنَّ عمَّا لم يكن حتى يكونُ، ولا تضعُ حرِّيتَك إلا عند من تشتهيه، وشاور في أمرِكَ الذينَ يخشونَ ربَّهم بالغيب.

 

فهذه بعضُ فضائل الإخوّة وآفاتها وحقوقها، والحمد لله رب العالميـن.