كلمتان فيما ورد في رجب وشعبان


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،أما بعد :

فإنّ سلفَ الأمَّةِ رضي الله عنهم كانوا يتحاكمون إلى الكتاب والسنّةِ عند التنازع حتى فشا الجهلُ والهوى في المسلمين ، اخترعوا لهم نحلاً وفرقاً يدافعُ عنها أصحابُ الأهواءِ ويتخذونها ديناً ، وكلَّما بَعُدَ الناس عن كتابِ ربِّهم وسُنّةِ نبيهم فشت فيهم الأهواء والبدع ، ولقد رأيت من واجبي أن أذكر بعضَ ما أحدثه الناسُ في بعضِ الأوقات من الأيام والشهور ، تحذيراً من محدثاتِ الأمور التي حذّر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله "" وإيّاكمُ ومحدثات الأمور، فإن كلُّ محدثةٍ بدعة ، وكلّ بدعةٍ ضلالةٍ وكلَّ ضلالةٍ في النّار"" رواه أحمد ومسلمٌ وأبو داو ود والترمذي . وقد شاعت في بلاد المسلمين كثيرٌ من المحدثات في الأوقات والأيَّام والشهور ، وتقرّب الناس إلى الله بألوانٍ من العباداتِ التي لا نجدُ لها أصلاُ في الكتاب والسُنّةِ ، بل وأنكرها سلفنا الصالح وأئمتنا وعلماؤنا .

 وفي هذا البحثِ المختصرِ نذكر ما ورد في شهر رجب والنصف من شعبان .

1- ما ورد في شهر رجب :

1-ما جاء في فضل رجب : شهرُ رجب من الأشهُرِ الحُرمِ ، لكنّه لم يصحّ في فضل العبادةِ فيه بخصوصه حديثٌ واحد وإنّما وردَ عن بعض السلف صيامُ الأشهرِ الحُرم . قال ابنُ حجر رحمه الله في كتابه ( تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ) : لم يردْ في فضلِ شهر رجب ولا صيامِه ولا في صيامِ شيءٍ منه معيَّنٌ ، ولا في قيامِ ليلهٍ مخصوصةٍ فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للاحتجاِج ، وقد سبقني بذلك الإمامُ أبو إسماعيل الهروي الحافظ ) وقال الشوكاني رحمه الله في كتابه ( الفوائد المجموعة من الأحاديث الموضوعة ) ( قال عليُ بن إبراهيم العطّار في رسالة له : إنّ ما روى في فضل صيامِ رجب فكلُّه موضوعٌ ، وضعيفٌ لا أصل له ) وقال ابنُ القيمِّ رحمه الله في كتابه ( المنار المنيف ) صـ96 (وكلُّ حديثٍ في ذكر صوم رجب ، وصلاةِ بعضِ الليالي فيه ، فهو كذبٌ ) قلتُ : فشهرُ رجب لم يصحُ حديثٌ في فضله سواءٌ في ثواب صيامه أو قيامه أو الاعتمار فيه أو غيرها من العبادات ، فهو مثلُ شهرِ ذي القعدةَ وصفر وغيرهما .وكل ما ورد فيه فهو ضعيف أو موضوع ومنها :

( رجبُ شهرُ الله وشعبانُ شهري ورمضانُ شهرُ أمَّتي ، فمن صام رجب إيماناً واحتساباً ، استوجب رضوانَ الله الأكبر)[1]

( من أحيا ليلةً من رجب وصام يوماً ، أطعمه الله من ثمار الجنّة ).[2]

( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلِّغنا رمضان ) أنكره ابنُ حجر رحمه الله في تبيين العجب .

قلتُ : وهناك أحاديثُ كثيرة في فضل شهر رجب وصلاةِ أول ليلةٍ منه أو أول وجمعةٍ منه أو صيامٍ أول خميس منه أو قيام ليلةِ النصف منه أو السابع والعشرين منه أو غير ذلك ، لكن لم يثبت منها شيءٌ كما قال ابنُ حجر وابن رجب وابن تيمية والشوكاني وابن القيمّ وغيرُهم رحمهم الله.

2-ما جاء في ليلة ويوم السابع والعشرين من رجب ، وحكم تخصيصها بقيام أو صيامٍ أو اجتماع أو غير ذلك وهي التي يسُّمونها ليلة الإسراء والمعراج : ذكرت بعضُ الأحاديثُ الموضوعةُ والضعيفةُ في يوم وليلة السابع والعشرين من رجب ، ومن هذه الأحاديث ( في رجب يومٌ وليلةٌ ، من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كانَ كمن صام الدَّهر مائةَ سنة وقام مائه سنة وهو لثلاثِ يقين من رجب ) قال ابنُ حجر رحمه الله: حديث منكر إلى الغاية وذكره الشوكاني رحمه الله في الفوائد المجموعة صـ439 وابنُ عرّافٍ رحمه الله في تنزيه الشريعةِ .

*مسألة : متى كانت ليلةُ الإسراءِ والمعراج ؟ لم يردْ تحديد ليلة الإسراء والمعراج في الكتاب والسُنّةِ ولا من قولٍ صحابِّي واحد ، ونقل الاختلافَ في تحديدها أبو شامة رحمه الله في كتابه الباعثِ صـ232 ، والنووي رحمه الله في شرح مسلم (2/209) وابنُ حجر رحمه الله في تبيين العجب صـ21 ، فمنهم من قال أنها في السابع عشر من رمضان ، وقال الحربيُّ رحمه الله ( أنها في ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول ) وقال ابنُ حجر رحمه الله(ذكر بعضُ القصَّاص أن الإسراء كانَ في رجب وذلك كذبٌ ) ، قلتُ : وفيها أكثرِ من عشرةٍ أقوالٍ .

قلتُ : والصحيحُ أنه لا يُدري في أي يوم هي ولا في أي شهرٍ هي ثم إنه لا يترتب على معرفتها فائدةٌ دينيةٌ ولذلك لم يصح فيها حديثٌ واحدٌ عند أهل العلم ، بل وأنكرها كثيرٌ منهم . قال أبو شامة رحمه الله في الباعث صـ171 ( وذكر بعضُ القصاص أن الإسراء كانَ في رجب ، وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب ). قال ابنُ القيمِّ رحمه الله ( قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية: ولا يعرفُ عن أحدٍ من المسلمين أن جعل لليلةِ الإسراءِ فضيلةً على غيرها ، ولا كانَ الصحابةُ والتابعونَ لهم بإحسانٍ يقصدون تخصيص ليلة الإسراءِ بأمر من الأمور ولا يذكرونها ، ولهذا لا يُعرفُ أيَّ ليلةٍ كانت )[3], قال الشقيري رحمه الله في كتابه السنن والمبتدعات صـ143 ( والإسراءُ لم يقمْ دليلٌ على ليلتِه ولا على شهره ) وقال العثيمين في فتاويه(1/129) ( وليلة السابع والعشرين من رجب ، يدَّعي البعضُ أنها ليلة المعراج ، وهذا لم يثبت من الناحيةِ التاريخية ، وكلُّ شيءٍ لم يثبت فهو باطلٌ ، ولا يجوزُ لنا أن نحدث فيها شيئاً من شعائر الأعياد أو العباداتِ لأنه لم يثبت ذلك عن رسول الله ولا عن صحابتِه ) . وقال ابنُ الحاجِ رحمه الله في كتابه المدخل (ومن البدعِ التي أحدثوها فيه أعني في شهر رجب ، ليلة السابع والعشرين منه التي هي ليلة المعراج ) ثم ذكر كثيراً من البدع التي أحدثوها في تلك الليلة . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في ردِّه على دعوةِ وجِّهت لرابطة العالم الإسلامي لحضور أحد الاحتفالات بذكرى الإسراء والمعراج ، قال : هذا ليس بمشروع لدلالة الكتاب والسُنّةٌ والاستصحاب والعقل ، ثم ذكر الآيات والأحاديث في إكمال الدينِ وردِّ المحدثاتَ فيه وخطورة البدعةِ وأن العبادات توقيفية ، ولو كانَ هذا مشروعاً لكان أولى بفعله رسول الله وصحابتُه ولم يثبت عنهم شيءٍ ولا عن التابعين لهم ، فيسعنا ما وسعهم ) وقال ابنُ باز رحمه الله ( وهذه الليلةُ التي حصل فيها الإسراء والمعراج ، لم يأتِ في الأحاديث الصحيحةِ تعيينُها وكل ما ورد في تعيينها فهو غيرُ ثابتٍ ، ولو ثبت لم يجز للمسلمين أن يخصَّوها بشيءٍ من العباداتِ ) [4]

3-ما جاء في الصلوات المخصوصةِ في ليالي شهر رجب وخاصة صلاة الرغائب : تقدم فيما سبق أقوالُ أهل العلم من أنه لم يثبت في قيام ليلةٍ مخصوصةٍ فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للاحتجاج ، وقد اشتهرت من هذه الصلوات صلاةُ الرغائب وقد جاء فيها حديثٌ موضوع هو ( من صام يوم الخميس، أول خميس من رجب ثم يصلِّى ما بين المغرب والعشاء اثني عشرةَ ركعة ، يقرأ في كلِ ركعةٍ الفاتحةَ وسورة القدر ثلاث مرّات والإخلاصَ اثني عشرةَ مرَّة ، ويسلِّم بين كل ركعتين ، ثم يصلِّي على النبي سبعين مرة ) قال النوويُّ رحمه الله في المجموع (4/56) ( هذه الصلاةُ لم يصلِّها النبيُّ ولا أحدٌ من الصحابةِ، ولا أحدٌ من الأئمةِ الأربعةِ ، وهي بدعةٌ قبيحةٌ منكرةٌ أشدّ الإنكار ، وهي مشتملةٌ على منكراتٍ وقد صنّف العلماءُ كتباً في إنكارها وذمِّها ) قال ابنُ حجر رحمه الله في تبيين العجب ( والأحاديثُ في صلاةِ الرغائب موضوعةٌ لا يجوزُ العملُ بها ) قال ابنُ تيمية رحمه الله ( إنشاءُ صلاةٍ بعددٍ مقدَّرٍ ، وقراءةٍ مقدَّرةٍ في وقتٍ معَّينٍ تصلَّى جماعةً راتبهُّ كصلاة الرغائب في أول رجب ، ونصفِ شعبان، وليلة سبع وعشرين من رجب وأمثالِ ذلك، فهذا غيرُ مشروعٍ باتفاقِ أئمةِ المسلمين )[5] وقال في موضع آخر ( صلاة الرغائب لا أصل لها بل هي محدثةٌ فلا تستحبُّ لا جماعة ولا فرادى )[6],وقال ابنُ القيمِّ رحمه الله في المنار المنيف صـ59   ( أحاديث صلاةِ الرغائب كلُّها كذبٌ مختلقٌ على رسول الله )

4-ما جاء في عمرةِ رجب : لم يثبت حديثٌ على تخصيص شهر رجب بالعمرةِ فيه ، ولكن السلف اختلفوا هل اعتمر رسولُ اللهِ في رجب أم لا ؟ فقال بعضهم تستحَب العمرةُ في رجب لفعل بعض السلفِ كابن عمر رضي الله عنه وغيره ، ورجح هذا القول الحافظُ ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف صـ125 . وقال كثيرٌ من أهل العلم بأن تخصيص شهر رجب بالعمرة لا أصل له ، ولم يعتمر رسولُ الله في رجب قط ، وأنكرت عائشة رضي الله عنها على ابن عمر رضي الله عنه قوله أن النبيَّ اعتمر في رجب .[7] وقال ابنُ العطار رحمه الله ( ممَّا بلغني عن أهل مكّة كثرةَ الاعتمار في رجب لا أعلمُ له أصلاً ),وقد أنكر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسائله وفتاواه (6/131) أن العلماءَ أنكروا تخصيص شهر رجب بكثرةِ الاعتمار .

قلتُ : أمَّا ما ورد في اعتمار بعض السلف في شهر رجب فليس في ذلك دليلٌ على تخصيصه وإنما قصدهم الإتيان بالحج في سفرةٍ والعمرةِ في سفرة أخرى ، رغبة في إتمام الحج والعمرة المأمور به كما وضَّح ذلك ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف صـ124 .

5-ما جاء في عتيرة رجب: العتيرةُ ويسمُّونها الرجبيّة وهي ذبيحةٌ كانت تُذبح في رجب يتقرّب بها أهلُ الجاهلية وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا طلبَ أحدُهم أمراً وظفر به ذبح من غنمه في رجب وجعلوا ذلك سُنّةً فيما بينهم كالأضحيةِ في الأضحى، وقد أقرَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدايةَ الإسلام بقوله "" يا أيها الناس على كلَّ أهل بيت في كل عامٍ أضحيةٌ وعتيرةٌ، هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي تسمُّونها الرجبية " والحديث في صحيح سنن أبي داوود (2788) ورواه أحمد والنسائي والترمذي، وفي صحيح ابن حبان وعند النسائي عن أبي زين لقيط العقيلي قال : قلتُ يا رسول الله ، إنّا كنّا نذبحُ ذبائح في الجاهليةِ في رجب فنأكلُ ونطعمُ من جاءنا ، فقال رسول الله ( لا بأس به )واختلف العلماء في حكم العتيرةِ على أقوال :

القول الأول :أن العتيرة مستحبةٌ والدليلُ ما ثبت من الأحاديث الدالة على الأمرِ بها وأنها حقٌّ , وذكر النووي في المجموع (8/445) أنها مذهبُ الشافعية ورجّحَهُ .

القول الثاني :أنها لا تستحبّ وهي جائزةٌ وقد نسب النووي هذا القول إلى بعض الشافعية .

القول الثالث: أنها محرّمةٌ وباطلةٌ لحديث ( لا فرع ولا عتيرةَ ) قال أبو هريرة : والفرعُ أولُ النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم ، والعتيرةُ في رجب) [8]

قال ابنُ القيمَّ رحمه الله: وقال ابنُ المنذر بعد أن ذكر الأحاديث في عتيرة رجب : وقد كانت العربُ تفعلُ ذلك في الجاهلية ،فأمر النبيُّ بهما ثم نهى عنهما رسولُ الله فقال ( لا فرع ولا عتيرة ) فانتهي الناسُ عنهما لنهيه إيّاهم عنها ) تهذيب سنن أبي داود لا بن القيمِّ (4/92) .قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله( وفيما أفهم الآن أنه أقربُ إلى التحريم ،وقوله ( لا فرع ولا عتيرة ) نفيُ كونهما سُنّةً والنفيُ يفيدُ البطلانِ ، هذا مع دلالةِ ( من تشبَّه بقومٍ فهو منهم ) [9]

*قلتُ : وليس هذا معناه أنه لا يجوزُ الذبحُ عموماً في شهر رجب ولكنّ المرادَ بالنهي هو ما ينويه الذابحُ أن هذه الذبيحةَ هي عتيرة رجب وأنه ذبحها تعظيماً للشهر .

6-ما جاء في صيام شهر رجب : قال ابنُ القيمَّ رحمه  الله في زاد المعاد(2/64) ( لم يصمْ رسولُ الله الثلاثة الأشهر سرداً كما يفعله بعضُ الناس ولا صام رجباً قط ولا استحب صيامَه ) روى ابنُ أبي شيبَة في المصنّفِ (3/102) عن خرشةَ بن الحُرِّ قال : رأيتَ عمَر يضربُ أكفَّ الناسِ في رجب حتى يضعونها في الجفانِ ويقول : كلو فإنّما هو شهرٌ كانَ يعظمُه أهلُ الجاهليةِ ) قال الألباني رحمه الله في الإرواء (957) (هذا سندٌ صحيحٌ ) . ذكر أبو شامة رحمه الله في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث صـ71 ( أن الإمامَ عبد الله الأنصاري شيخ خراسان لا يصوم رجب ، وينهى عن ذلك ويقول، ما صحّ في فضل رجب ولا في صيامه عن رسول الله ، وقد رُويت كراهةُ صومه عن جماعةٍ من الصحابةِ منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ) قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (2/624) ( أن تعظيمَ شهر رجب من الأمور المحدثةِ التي ينبغي اجتنابها ، وأن اتخاذَ شهر رجب موسماً بحيث يفردُ بالصومِ مكروهٌ عن الإمام أحمد رحمه الله وغيرِه )

قال الطرطوشي رحمه الله(ت: 520 هـ ) (يكره صيامُ رجب على أحد ثلاثة أوجه :

أحدها :إذا خصَّهُ المسلمون بالصوم في كل عامٍ .

الثاني : أو أنه سُنّهٌ ثابتةٌ خصَّه رسول الله كالسنن الراتبة .

الثالث : أو أنّ الصوم فيه مخصوصٌ بفضل ثوابٍ على سائر الشهور كفضل صوم عاشوراء ، فإن أحبَّ امرؤٌ أن يصومه على وجهٍ تؤمنُ فيه الذريعةُ وانتشار الأمر فلا بأس بذلك ) من كتابه البدع والحوادث صـ130 .

*قلتُ :ممَّا تقدّمِ من كلامِ أهل العلم تبين لنا أن شهر رجب لا يخصص ولم يخصص بصيامٍ دون غيرهِ من الأشهر ، وكذلك  تخصيصه بالصيامِ تعظيمٌ له وتعظيمُ شهر رجب فيه تشبّه بأهل الجاهليةِ .

7-والخلاصة فيما ورد في شهر رجب كما قال ابنُ حجر رحمه الله ( لم يرد في فضل شهر رجب ولا صيامه ولا في صيامٍ شيءٍ منه معيَّنٌ ، ولا في ليلةٍ مخصوصةٍ ، فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للاحتجاجَ ) وأنه لم يثبت أن ليلة السابعِ والعشرين من رجب هي ليلة الإسراء والمعراج ولهذا اختلف العلماءُ في تحديدها على أكثر من عشرة أقوال، وصلاةُ الرغائب أول خميس من رجب قال عنها النووي رحمه الله( هذه الصلاةُ لم يصلّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا أحدٌ من الصحابةِ ولا أحدٌ من الأئمةِ الأربعةِ ، وهي بدعةٌ قبيحةٌ منكرةٌ أشدَّ الإنكار وهي مشتملةٌ على منكراتٍ ) أما صومُ رجب بخصوصه فكما ذكر أبو شامة عن الإمام عبد الله الأنصاري أنه كانَ لا يصومِ رجب وينهى عن ذلك ويقول : ما صحَّ في فضل رجب ولا في صيامه عن رسول الله ، وقد رويت كراهةُ صومه عن جماعةٍ من الصحابةِ منهم أبو بكر وعمر )

2- ما ورد في شهر شعبان :

1-ما صحَّ في فضل شهر شعبان : وردت بعضُ الأحاديث في الترغيب في صوم شعبان منها حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت ( ما رأيتُ رسولَ الله استكمل صيامَ شهرٍ إلاّ رمضان،و ما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان ) وحديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : قلتُ : يا رسول الله ‍ لم أرك تصومُ من شهرٍ من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال"" ذاك شهرٌ تغفلُ الناسُ فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأحبُّ أن يرفعَ عملي وأنا صائمٌ "[10]

*قلتُ :هذه الأحاديثُ وغيرُها يستفاد منها فضلُ صيامِ أيامٍ من شعبان ، فإذا انتصف شعبان فإنّه صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولُه "" إذا انتصف شعبانُ فلا تصوموا "" [11]ورواه الترمذي بلفظ ( إذا بقي نصفٌ من شعبان فلا تصوموا )[12]وهو في صحيح سنن الترمذي (738) وقد بوّب عليه الترمذي في سننه بقوله ( باب ما جاء في كراهيةِ الصوم في النصف الثاني من شعبان لحالِ رمضان

*قلتُ: هذا النهيُ عن الصيام في النصف الثاني من شعبان إنّما يكون لمن لم يتعوّد الصيامَ ، أمّا من كانَ يصوم الاثنين والخميس أو صيامِ داود أو الكفّارات ، فإنّه يجوزُ له الصيام إلى آخر الشهر لقوله صلى الله عليه وسلم "" لا يتقدّمن أحدكُم رمضانَ بصوم يومٍ أو يومين ، إلاّ أن يكون رجلٌ كانَ يصوم صومه فليصم ذلك اليوم "" والحديث متفق عليه ، وهذا القولُ فيه جمع بين الأحاديث والله أعلم .

2- ما لم يصح في فضل شعبان :وردت بعضُ الأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل شعبان منها حديث ( شعبانُ شهري ) وحديث( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ) وحديث ( شعبان لتعظيم رمضان ) [13]وقد مرَّ تخريج الحديثين الأول والثاني ، أما الثالث فهو ضعيفٌ لا يصحّ .[14]

3- ما ورد في ليلة النصف من شعبان : صحَّ حديثٌ واحدٌ في فضل ليلة النصف من شعبان وهو ما رواه الطبراني وابن حبّان في صحيحه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "" يطّلعُ اللهُ إلى جميع خلقّه ليلة النصف من شعبان ، فيغفرُ لجميع خلقِهِ إلاّ لمشركٍ أو مشاحن "" [15]

*قلتُ: ولم يذكر في الحديث فضلُ قيامٍ لتلك الليلةِ ولا فضلُ صيامٍ ليومِ النصف من شعبان ولا تخصيصها بعبادةٍ أو اجتماعٍ أو ذكرٍ ، ولم يكن السلف الصالح لهم عادة بتخصيص يوم النصف وليلتهِ بالعباداتِ ، بل وستأتي أقوالهم بأن ذلك من المحدثاتِ في الدين . وقد وردت أحاديثُ ضعيفةٌ وموضوعة منها :

* حديث ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان ، فقوموا ليلَها وصوموا نهارَها ) [16]

* حديث ( أتاني جبريل فقال: هذه ليلة النصف من شعبان ولله فيها عتقاءُ من النار بعدد شعورِ غنم بني كلب) [17]

* حديث ( من أحيا ليلة النصف من شعبان لم يمُت قلبُه يوم تموتُ القلوب) [18]

وهناك أحاديث أخرى لم تثبت والله المستعان ولذلك أنكر العلماءُ تخصيصها بقيام وهذه أقوالهم :

قال ابن باز رحمه الله في كتابه التحذير من البدع صـ11 ( وقد ورد في فضلها ليلة النصف من شعبان أحاديثُ ضعيفةٌ لا يجوزُ الاعتمادُ عليها، وأما ما ورد في فضل الصلاةٍ فيها فكلُّه موضوعٌ كما نبّه على ذلك كثيرٌ من أهل العلم ) ذكر ابنُ رجب رحمه الله في كتابه لطائف المعارف صـ145 أن قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيءٌ عن النبيِّ  صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ) قال الشيخ حمّاد الأنصاري رحمه الله في كتابه ( إسعاف الخّلان بما ورد في ليلة النصف من شعبان ) (لم يثبت في قيامها وصيامها بعينها شيءٌ عن النبي ولا عن صحابته ) قال العثيمين رحمه الله في الفتاوى (1/130) ( وليلة النصف من شعبان لم يثبت عن رسولِ الله شيءٌ من تعظيمها أو أحيائها )

*قلتُ :ممَّا سبق يتبين لنا أنه لم يثبت حديثٌ واحدٌ ولا قولُ صحابي واحدٍ في تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيامٍ أو اجتماعٍ أو غير ذلك ، ولكن إذا قام المرءُ هذه الليلة بدون تخصيص ولا اعتقادِ فضل لها على غيرها من الليالي وإنّما مثل بقية ليالي الشهور فإن ذلك جائزٌ ومستحبٌ لقوله صلى الله عليه وسلم "" ينزلُ ربُّنا تبارك وتعالى كلّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا حين يبقي ثلثُ الليل الأخرِ فيقول: من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيَهُ مَنْ يستغفرني فأغفر له""[19].

4- ما ورد في صيام النصف من شعبان : لم يثبتْ حديث صحيحٌ في فضل صيام النصف من شعبان بخصوصه ، وقد وردت أحاديثُ ضعيفةٌ منها حديث ( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ) وقد مرَّ قبل صفحة أنه حديثٌ موضوعٌ ، ولذلك أنكر العلماءُ تخصيص يوم النصف من شعبان بصيامٍ واعتقادَ فضيلةٍ مخصوصةٍ له عن بقية الشهور والأيام . قال ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم صـ302 ( أما صومُ يوم النصف من شعبان مفرداً فلا أصل له ، وكذلك اتخاذه موسماً تصنعُ فيه الأطعمةُ وتظهرُ فيه الزينةُ ، وهو من المواسم المحدثة المبتدعةِ التي لا أصل لها ) قال ابن باز رحمه الله في كتابه التحذير من البدع صـ11 ( ومن البدع التي أحدثها بعضُ الناسِ بدعةُ الاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وتخصيصُ يومِها بالصيام ، وليس علَى ذلك دليلٌ يجوزُ الاعتماد عليه ) وقال الشاطبيُّ رحمه الله في كتابه الاعتصام (1/36) ( ومن البدعةِ التزامُ العباداتِ المعينةِ في أوقاتٍ معينةٍ لم يوجد لها ذلك التعيينُ في الشريعةِ كالتزام الصيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته) وقال الألباني في شريط له( صيامُ النصف من شعبان و قيامُ ليلةِ النصف، أمرانِ محدثانِ لم يكونا على عهد السلف الصالح،والذين يستحسنون ذلك يعتمدون على حديث إسناده ضعيفٌ جداً ، يضافُ إلى ذلك أنه بالنسبة لصيام يوم النصف ثبت عندنا حديث ( إذا كانَ النصفُ من شعبان فلا صوم حتى رمضان ) ولا شك أن اليوم الخامس عشر هو من نصف شعبان ، فلا يجوزُ صيامه ، ولا ينبغي الاهتمام بليلةِ النصف إطلاقاً لأنه لم يصح في فضلها شيءٌ مطلقاً ولأن السلف الصالح لم ينقل عنهم هذا الاهتمام )

*قلتُ : بعد أن قرأنا إنكار العلماءِ على تخصيصّ يوم النصف من شعبان بصيام لمن يعتقدُ فضلَه على بقية الأيام أو أنه سُنةٌ ثابتةٌ ، أما من كانَ متعوّداً لصيامِ الأيام البيض ومنها اليوم الخامس عشر أو صادف بقدر الله أن صيام الاثنين أو الخميس لمن تعوّد على صيامها ، فلا مانع من صيامه لمن اعتاد على صيام هذه الأيام الثابت في الأحاديث الصحيحة ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم"" لا يتقدّمن أحدُكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين ، إلاّ أن يكون رجلٌ يصوم صوماً فليصم ذلك اليوم"" [20]

خاتمــة :هذا ما تم جمعه فيما يتعلق بما ورد في شهر رجب وشهَر شعبان والله أعلم

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 


 

[1]ذكره في الموضوعات ابن الجوزي والسيوطي وابن حجر وابن القيمِّ وهو في ضعيف الجامع الصغير(3094)

[2]راجع الكتب السابقة

[3]زاد المعاد (1/57)

[4]من كتابه التحذير من البدع صـ7 .

[5]الفتاوى (2/2) (1/149) (23/134)

[6]الفتاوى (23/132)

[7]راجع صحيح البخاري (2/199) كتاب العمرة باب /3 ) وصحيح مسلم (2/916) كتاب الحج حديث (1255)

[8]والحديث رواه البخاري (5473) ومسلمٌ (1976) ، راجع فتح الباري (9/596)

[9]فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم (6/165).

 [10]رواه النسائي وهو في صحيح الترغيب (1022) . وحديث أنس عند أحمد ( كان أحبُّ الصوم إليه في شعبان ) صحيح الترغيب (1023) .

[11]رواه أحمد وهو في صحيح سنن أبي داود (2337)

[12]الترمذي (738) 

[13]ضعيف الترغيب (618)

[14]وذكره ابن الجوزى في العلل المتناهية حديث (914) .

[15]الترغيب والترهيب برقم (1026) وقد ذكر الألباني له طرقاً في السلسلة الصحيحة برقم (1144)

[16]رواه ابن ماجه وفي إسناده رجلٌ يضع الحديثَ هو ابنُ أبي سبرة قال عنه ابن حجر في التقريب (2/397)( رموه بالوضع )وقال الألباني في تخريج المشكاة (1308) ( إسناده واه جداً) ، وقال في ضعيف الترغيب (623) موضوع .

[17]رواه البيهقي وهو ضعيفٌ جداً كما في ضعيف الترغيب (620) .

[18]ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/562) وفيه متروكٌ ومجهولون.

[19]متفق عليه

[20]متفقٌ عليه .