مفهوم الجدية في الالتزام بالإسلام


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ على خاتم النبيين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله  أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٍ وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار، أما بعــد:

مقدمـــة:

فإذا نظرنا إلى واقع المسلمين وجدنا عدم الجدِّيَّة في الأخذ بأحكام الدين، فإذا نظرنا إلى واقع المسلمين بالنسبة للتفقه في أمور دينهم لا نجد الجدية في التعلّم، وإذا نظرنا إلى أخلاق الإسلام لا نجد الجدية في الالتزام بها لدى كثير من المسلمين، وهكذا في المظهر الإسلامي نجد كثيراً منهم ليس عندهم الجدية بذلك، وفي مناسباتهم الاجتماعية نجد المخالفات، ونشعر بعدم الجدية في تطبيق أحكام الإسلام، وإذا نظرنا إلى مدى تضحيتهم بأموالهم وأوقاتهم لأجل الإسلام فلا تجد تلك الجدية، وهكذا في جميع جوانب الحياة .

والله عز وجل: أمرنا في القرآن الكريم بأمر عظيم وهو أن نأخذ بجميع جوانب الإسلام بجديةٍ فقال عز وجلّ:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ }[البقرة:208].

. قال ابن كثير رحمه الله:( أي أن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعه والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره ما استطاعوا لذلك وهو المعنى الصحيح

فالمسلم مطالبٌ بأن يقوم بجميع شرائع الإسلام ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه"([1]).

والله عز وجل قال: { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ }[الأعراف:170].

 

قال القرطبي رحمه الله: ( يُمسكون : فيها معنى التكثير والتكرير للتمسك : أي تمسّكوا بها دائماً وكثيراً )

وقال صلى الله عليه وسلم:" عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعُضوا عليها بالنواجذ "

وقال تعالى:{ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[الأعراف:171].

قال الطبري رحمه الله: ( أي خذوا ما آتيناكم من فرائضنا وما ألزمناكم فيه من أحكام كتابنا واعملوا باجتهادٍ ومن غير تقصير )

وقال تعالى:{ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[الزخرف:43]

فالمسلم يجب أن يتمسك بجدٍّ وقوةٍ بشرائع وأحكام هذا الدين، فلابد من التفرقة بين التمسك والالتزام بقوةٍ وبين التنطع، والغلوِّ والتطرف، فالغلو والتنطع؛ هو الزيادة والابتداع ومخالفة السنة وهو منهيٌ عنه، أما التمسك والالتزام بجميع جوانب الإسلام فمطلوب ومأمورٌ به.

فما هي أهمُ مظاهر عدم الجدية في الالتزام ؟

أهم مظاهر وعلامات الجدِّية في الالتزام بالإسلام:

1- عدمُ السعي إلى فهم المنهج الصحيح عن طريق التفقه وطلب العلم الشرعي:

     فلا توجد جديةٌ عند عوام المسلمين لتعلم فروض الأعيان عليهم ، ولا توجد جديةٌ عند طلبة العلم والملتزمين فإذا حضر درساً لكتاب لم يستعد لهذا الدرس بالتحضير والقراءة ، بل قد يكتفي بهذا الدرس في الأسبوع ولا يفتح كتب العلم. 

2- رغبة بعض المسلمين في التزام سهل بدون مشاكل:

     التزام بجزئيات من الإسلام بدون تضحية ولا مشقة ، فتراه يحلق اللحية لأجل الوظيفة ، وتراه يلبس لباس الكافرين لأجل الوظيفة ، وتراه يرضى بالتعامل مع الربا والحرام لأجل الوظيفة ، وتراه يجرّ إزاره خوفاً من سخرية الناس ولمزهم وهكذا ، فهو يتنازل عن كثيرٍ من أمور دينه لأجل متاعٍ دنيوي بل يُبرّر ذلك بالمصلحة ، فهذا ليس التزاماً وإنما تفريط وتساهل.

3- رغبة بعض المسلمين في تطبيق أخلاق الإسلام بين أصدقائه فقط:

    وأما عند زملائه في العمل فتراه لا يتورع في معاملتهم معاملةً سيئة وأما مع بقية المسلمين في المسجد والمرافق العامة فلا يبتسم لهم ولا يُسلم عليهم وقد يؤذيهم بالكلام والتصرفات . والمسلمون في التعامل سواء ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره، كل المسلم على المسلم حرامٌ دمه وماله وعرضه )([2]).

4- ومن مظاهر عدم الجدية عند البعض: الفردية والأنانية:

يقول: أريد أن أعيش وحدي من البيت إلى العمل إلى المسجد فقط، لا أريد أن أُلزم نفسي مع إخوان صالحين، سأتعلم وحدي وأدعو إلى الله وحدي، ولا يعلم فوائد مصاحبة الصالحين ولا يعلم أثر الرفقة الطيبة عليه والشيطان إنما يأكل ويسيطر على الواحد وهو من الاثنين أبعد.

5- ومن المظاهر: التهاون في الالتزام بالمستحبات والسنن:

فتراه لا يحافظ على السنن الرواتب قبل وبعد الصلوات المفروضة، ويُهمل السواك وهو في متناول يده، ولا يحافظ على أذكار الصباح والمساء رغم أنه يحفظها وهكذا

6- ومن مظاهر عدم الجدية في الالتزام: التساهل في بعض الجوانب الاجتماعية

      فنجد بعض المسلمين متساهلون في تطبيق أحكام الإسلام في هذه الجوانب.

مثلاً: في بعض المناسبات الاجتماعية وحفلات الزواج تجد التساهل في سماع الأغاني والموسيقى ومصافحة النساء الأجنبيات والاختلاط والتكشف، ومع ذلك يشارك كثيرٌ من المسلمين في هذه المنكرات أو يسكت عليها بدون إنكار.

وهكذا تجد بعض الأزواج لا يهتم بملابس زوجته وأولاده، فهل تلبس زوجته الملابس المحتشمة أم لا، وهل تخرج متعطرةً بحضور الرجال الأجانب؟ وهل غطاء الوجه يكفي أم لا؟ وهل ملابس الزوجة والأولاد خالية من الصور والصُلبان أم لا؟ وكأنه ليس مسؤولاً أمام الله عنهم جميعاً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إنّ الله سائلٌ كلّ راعٍ عمّا استرعاه أَحفظ ذلك أم ضيعه ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته "([3])

7- ومن أهم مظاهر عدم الجدية: عدم التضحية بالمال والوقت لأجل الإسلام:

      فنجد بعض المسلمين يقضي الساعات في اللهو واللعب والمباحات ولا يفـرّغ قليـلاً من وقتـه للزيارة في الله والأمـر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 ولا يجعل من وقته قليلاً للتفقه في الدين ومطالعة كتب التفسير وكتب السنة وغيرها، ولا يجعل من وقته لقراءة القرآن وذكر الله عز وجل، وكذلك يُنفق أمواله في المباحات والكماليات والزينة وغيرها فإذا طُلب منه الإنفاق في سبيل الله بخل واستغنى واعتذر.

8- ومنها: التساهل في آفات اللسان: فتجد واقع المسلمين ينتشر فيه الكذب والغيبة والنميمة وغيرها: ومن الملتزمين من يغتاب إخوانه المسلمين ويُسيء الظن بهم وينبزهم بالألقاب ، وكذلك تراه يكذب إذا غاب عن درس أو صلاة جماعة أو غيرها. كل ذلك يدل على ضعفٍ في التزامه وعدم جديته.

9- ومن مظاهر عدم الجدية في الالتزام: التهاون في حقوق المسلمين:

      قال صلى الله عليه وسلم :"حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلم عليه وإذا دعاك فأجبه وإذا استنصحك فانصح له وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده وإذا مات فاتّبعه "([4])

10- ومن المظاهر: شعور بعض الملتزمين بالحرج عند تطبيق بعض السنن والواجبات:

      فإذا أراد أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر يشعر بالحرج كأنه يفعل خطأ ، وإذا أراد أن يُقصّر ثوبه أعلى الكعبين يشعر بالحرج إذا نظر الناس إليه ، وإذا أعفى لحيته وشعر بالأنظار مصوبةً إليه خجل وتوارى عن القوم فلا نجد عنده العزّة في إظهار شعائر الدين ولا تجدُ عنده الصبر على الدعوة إلى الله ، والله عز وجل يقول:{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ }[الحجر:94].

11- من المظاهر: وجود بعض الأمراض القلبية كالعجب والغرور والكْبر:

     فلا تجده يهتم بتطهير نفسه من هذه الأمراض ولا يهتم بتزكية نفسه وهذا دليل على عدم الجدية في الالتزام . 

وبشكل عام فإن دين الله متين يحتاج منّا إلى قوةٍ وجدية في التمسك به

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 


 

([1])البخاري (7288) مسلم (1337)

([2])مسلم (2564)

([3])السنن الكبرى (9129)

([4])مسلم (1418)،صحيح الجامع (3151)