أحكام الدعاء


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولُه.  أمـا بعــد:

فإن الدعاءَ نعمةٌ كبرى ، امتَنَّ اللهُ بها على عباده ، حيثُ أمرهم بالدعاء، ووعدهم بالإجابةِ، فقال الله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]

فشأنُ الدعاءِ عظيم، ونفعهُ عميم، ومكانتهِ عاليةٌ في الدين، فما استُجلبتِ النِّعم بمثلهِ ولا استُدفعت النقمُ بمثلهِ، فما أشدّ حاجة العباد إلى الدعاء، فالمسلم في هذه الدنيا لا يستغني عن الدعاء بحالٍ من الأحوال،

فإن كانَ داعياً إلى الله، فما أشدّ حاجتهِ لدعاء ربِّه وسؤالهِ الإعانة والقبول والتسديد ليثبت على الحق ويصبر على مشاق الطريق .

وإن كان مريضاً، فما أعظم حاجتهِ للدعاء ليستشفي به من مرضهِ، ويسأل به كشفَ كربتهِ، فالمسلم بأمسِّ الحاجةِ للدعاء ليصلَ بذلك إلى خيري الدنيا والآخرة .

     فإذا كان الدعاءُ بتلك المنزلةِ العاليةِ، فأجدرُ بالعبدِ أن يتفقَّه فيه، وأن يتعلَّم أحكامهِ، حتى يدعو ربَّه على بصيرةٍ وهدىً بعيداً عن الخطأ والاعتداء ، فذلك أرجى لقبول دعائهِ وإجابة مسألتهِ .ِ .ِ .ِ .

وفي هذا البحث المختصر، جمعتُ بعضَ ما يتعلّق بأحكام الدعاء من خلال ما جاء في الكتاب والسنّةِ، ومما جاء من أقوال العلماء، لنكون على بصيرةٍ من أمور ديننا .

 

 

ومن خلال هذا البحث سيتضح لنا ما يلي :

      1- تعريف الدعاء.                                  

      2- نوعا الدعاء.   

      3- فضائلُ الدعاء.                                  

      4- شروط الدعــاء.

     5 - آداب الدعـاء.        

     6- أوقات وأماكن وأحوال وأوضاع يُستجابُ فيها الدعاء.

     7- أخطاء في الدعاء                          

     8- أسباب إجابة الدعاء             

     9- أحاديث ضعيفة في الدعاء                   

     10- الخاتمــــة

 

ــ تعريـف الدعــاء :

       لغــة :قال ابنُ منظور رحمه الله: ( دعا الرجلُ دعواً ودعاءً : ناداه . والاسم الدعوة، ودعوت فلاناً أي صحت به واستدعيته )([1])

      شرعـاً : قال ابن القيم رحمه الله: ( هو طلب ما ينفعُ الداعي ، وطلبُ كشفِ ما يضرُّه أو دفعه)   ([2])

 نوعــا الدعــاء :

     كلُ دعاءٍ ورد في الكتاب والسنّةِ فإنَّه يتناول دعاءَ المسألةِ ودعاء العبادة . قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله:

            (كلُّ ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء ، يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة ، وهذه قاعدةٌ نافعةٌ ، وأكثر الناس لا يظنّون دخول جميـع العبادات في الدعاء وهذا خطأٌ ، فإن الآيات صريحة في شموله لدعاء المسألة ودعاء العبادة )([3]) ،ودعاء المسألةِ هو ما تضمن مسألةٌ أو طلباً كأن يقول الداعي : أعطني، أهدني، وهكذا، ودعاء العبادة

 

شاملٌ لجميع القربات الظاهرةِ والباطنة لأن المتعبِّد لله طالبٌ وداعٍ بلسان مقاله ولسان حاله ربَّه قبول تلك العبادة والإثابة عليها ، فهو العبادةُ بمعناها الشامل . فكلّ دعاءٍ مستلزم لدعاء المسألة وكلُّ دعاءِ مسألةٍ متضمن لدعاء العبادة .

3- فضــل الدعــاء : للدعاء فضائلُ عظيمة وثمرات جليلة منهــا :-

1- أن الدعاء طاعةٌ لله وامتثالٌ لأمره : فقال الله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:60] فالداعي مطيعٌ لله .

2- السلامةُ من الكبْر : قال تعالى{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين}[غافر:60]  ، فترك الدعاء استكبار .

3- الدعاءُ عبادةٌ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدعاء هو العبادة "([4]) ـ

4- الدعاءُ أكرم شيء على الله  ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء "([5])

5- الدعاءُ سببٌ لدفع غضب الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" منْ لم يسألِ الله يغضبْ عليه " ([6]) 

فالدعاء من أهم الواجبات وأعظم المفروضات لأن تجنّبَ ما يغْضَبُ الله منه فرضٌ

ولقد أحسن من قال : لا تَسألـنَّ بَني آدمَ حاجــةً وسلِ الذي أبوابُه لا تُحجـبُ([7])

         اللهُ يغضبُ إنْ تركت سؤالًهُ           وبَني آدمَ حينَ يُسألُ يًغْضبُ

 

6- الدعاءُ دليلٌ على التوكُّل على الله : ذلك أن الداعيَ حال دعائه مستعينٌ بالله مفوّضٌ أمرهُ إليه .

7- الدعاءُ سلامةٌ من العجز : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعجزُ الناسِ من عَجَزَ عن الدعاء ، وأبخلُ الناس من بخلَ بالسلام "" ([8]).

 فأضعف الناس رأياً وأدناهم هِمَّةً من عجز عن الدعاء لأن الدعاء ينفعه أبداً .

8- ومن أهم فضائل الدعاء : أن ثمرته مضمونةٌ بإذن الله تعالى ما لم يَعْجَلْ :

           * فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عنه يقول "" ما من أحدٍ يدعو بدعاءٍ إلاّ آتاه الله ما سأل ، أو كفَّ عنه من سوءٍ مثله، ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحم""([9])

          * وعن أبي سعيدٍ الخـدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "" ما من مسلم يدعو، ليس بإثم ولا بقطيعة رحـم ـ إلاّ أعطاه الله إحدى ثلاث / إما أن يُعجِّلَ له دعوته ، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يدفعَ عنه من السوء مثلها. قال: إذاً نكثر، قال : "" الله أكثر "" ([10])

        * وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" ما من مؤمن ينصِبُ وجهه إلى الله ، يسأله مسألةً إلاّ أعطاه إياها ، إمّا عَّجلها له في الدنيا ، وإما ذخرها له في الآخرة ما لم يَعْجَلْ، قالوا : يا رسول الله ومما عجلتُه؟ قال : يقول دعوتُ ودعوتُ ولا أراه يُستجابُ لي ""([11])

      * قال ابن حجر رحمه الله: ( كلُّ داعٍ يُستجاب له ، لكن تتنوع الإجابة ، فتارة تقع بعين ما دعا به ، وتارة بعَوضِه )([12])

9- الدعاء سببٌ لرفع البلاء بعد نزوله :

       *  قال صلى الله عليه وسلم " من فُتح له منكم باب الدعاء فُتحت له أبواب الرحمة، وما سُئل الله شيئاً يعطى أحبَّ إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل وممّا لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء"([13])

4- شروط الدعــاء : حتى يكون مستجاباً مقبولاً عند الله :

1- أن يعتقد الداعي بأن اللهَ وحده قادرٌ على إجابة دعائه ، وهذا توحيد الربوبية

2- أن لا يدعو إلا الله وحده، قال تعالى{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن:18]

 3- أن يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، أو بصالح الأعمال ، أو بدعاء رجلٍ صالحٍ حيٍّ حاضرٍ .

4- تجنُّبُ الاستعجال للإجابة ، وألا يستبطئَ الإجابةَ إذا تأخرت ، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يُستجابُ لأحدكم ما لم يَعجلْ ، يقول : دعوتُ فلم يُستجب لي "([14])

* قال ابن القيم رحمه الله: ( ومن الآفات التي تمنعُ أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد ، ويستبطئ الإجابة فينقطع ويدع الدعاء )([15])

5- الدعاءُ بالخير بعيداً عن الإثم وقطيعة الرحم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحم ""([16])

6- أن يوقن بالإجابة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة "([17])

7- حضورُ القلب : فينبغي أن يكون حاضرَ القلب متفهماً لما يقول ، مستشعراً عظمة من يدعوه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" واعلموا أن الله لا يستجيبُ دعاءً من
 قلبٍ لاهٍ ""
([18])

8- إطابة المأكل والمشرب والملبس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله طيّبٌ لا يقبلُ إلا طيباً ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا ربِّ يا ربِّ ، ومطعمهُ حرام ومشربهُ حرام وملبسهُ حرام وغُذِّيَ بالحرام فأنَّـى يُستجاب له "" ([19])

9- أن لا يُشغله الدعاء عن أمرٍ واجب أو فريضةٍ حاضرةٍ ، كأن يشتغل بالدعاء عن صلاةٍ أو جماعةٍ أو إكرام ضيف أو خدمةٍ لوالديه أو حقٍّ لمسلمٍ ، أو ما شابه ذلك .

5- آداب الدعــاء : حتى يكون كامــلاً:

1-  الثناء على الله قبل الدعاء والصلاةُ على النبي صلى الله عليه وسلم ، عن فَضالةَ بن عبيد رضي الله عنه قال : بينما رسول الله قاعداً إذْ دخل رجلٌ فصلى ، فقال : اللهم اغفر لي  وارحمني ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم

" عجلت أيها المصلَّي  إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلِّ عليَّ ثم ادعُه "" ([20]).

 وقال: صلى الله عليه وسلم " كلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتى يُصلى على النبي " ([21])

2- التضرّعُ والخشوعُ والرغبة والرهبة :

قال تعالى  {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}[الأنبياء:90]

3- الجزمُ في الدعاء والعزم في المسألة : 

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يقولنَّ أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة فإنه لا مُستكرِهَ له "([22])

4- ومن آداب الدعاء : الإلحاح بالدعاءِ وهو يدلُّ على صدق الرغبةِ فيما عند الله .

5- الدعاء في كل الأحوال : وذلك في الشدّةِ والرخاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرَبِ فليكثر من الدعاء في الرخاء ""([23])

6- تجنّب الدعاء على الأهل والمال والنفس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم "([24])

7- الدعاءُ ثلاثاً : كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم مراراً .

8- استقبال القبلة : كما ثبت في حديث الاستسقاء وغيره .

9- رفعُ الأيدي في الدعاء : كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم ، وقال أيضاً  " إنّ ربّكم حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صفراً خائبتين ""([25])
ورفع اليدين إنما يكون في الدعاء العام وليس في دعاء دخول المنزل ودخول الخلاء أو غيرها .

10- أن يتخير جوامع الدعاء ومحاسن الكلام بدلاً من التطويل والحشو والتفصيل الذي لا لزوم له

11- خفض الصوت والإسرارُ بالدعاء : قال تعالى {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين}[الأعراف:55]

            قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيها الناس ، أربعُوا على أنفسكم ، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم ""([26])

6- أوقات وأماكن وأحوال وأوضاع يُستجاب فيها الدعاء :

1-  الدعاء في جوف الليل ووقت السحر: قال تعالى{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون}[الذاريات:18]

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينزل ربُنا كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيَه ، من يستغفرني
 فأغفر له ""
([27])

2- دُبَر الصلوات المكتوبات أي قبل السلام كما رجَّحه ابن تيمية وابن القيم في الزاد وابن عثيمين أيضاً رحمهم الله. 

         عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قيل يا رسول الله أيُّ الدعاء أسمع ؟ قال : جوف الليل الآخر ، ودُبر الصلوات  المكتوبات )([28]).

3-بين الآذان والإقامة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" الدعاءُ لا يُردُّ بين الأذان والإقامة فادعوا ""([29])

4- عند النداء ونزول الغيث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثنتان ما تُردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر"([30])

5- بعد صلاة العصر يوم الجمعة إلى الغروب : وبين رسول الله أن يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائمٌ يُصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياها )([31])

 

6- في السجود : : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ""([32])

7- يوم عرفة : لحديث ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة )([33])

8- بعد التشهد وقبل السلام : وهي أدبارُ الصلوات كما ترجح سابقاً .

9- دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل "" ([34])

10- دعوة المضطر : أي الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة . قال الله تعالى {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل:62] قال القرطبي رحمه الله: (ضمن الله إجابة المضطر إذا دعاه)([35])

11- دعوة المظلوم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " واتَّق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب "" ([36]) .

وقال صلى الله عليه وسلم: " دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجورهُ على نفسه "" ([37])

12- دعوة المسافر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" ثلاثُ دعوات مستجابات : دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده ""([38])

 13- ودعوة الوالد على ولده أو لولده : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" ثلاثُ دعوات لا تُرد : دعوة الوالد لولده ، ودعوة الصائم ، ودعوة المسافر ""([39])

7- أخطاء في الدعاء : وهذه الأخطاء داخلة في باب الاعتداء في الدعاء :

قال ابن القيم رحمه الله( فكلّ سؤالٍ يناقض حكمة الله ، أو يتضمن مناقضةَ شرعهِ وأمره ، أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداءٌ لا يحبه الله ولا يحب سائله )([40]).
 قال الله تعالى
ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين}[الأعراف:55]

فلا يجوز الاعتداء في الدعاء ، وهذه صورٌ للخطأ والاعتداء في الدعاء :-

1-دعاء غير الله مع الله : كأن يُدعى بشرٌ أو جنّ أو غير ذلك .

2-أن يشتمل على شيء من التوسلات البدعية ، كالتوسل بذات النبي أو بجاهه .

3-الدعاء على النفس بالموت لضرٍّ نزل به : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" لا يتمنَّينَّ أحدكم الموت لضرٍّ نزل به ،  فإن كان لابد متمنياً الموت فليقل : اللهم احيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما كانت الوفاةُ خيراً لي""([41])

4- الدعاءُ بتعجيل العقوبة في الدنيا : فعن أنسِ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عادَ رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ ، فقال له رسول الله " هل كنت تدعو بشيءٍ أو تسأله إياه ؟ قال : نعم كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدنيا ، فقال رسول الله :" سبحان الله , لا تطيقه أو لا تستطيعه ،  أفلا قلت : اللهم آتتا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ؟ فدعا الله له فشفاه  ""([42])

5-الدعاء بما هو مستحيل أو بما هو ممتنع عقلاً أو عادةً أو شرعاً : كأن يدعو بأن يخلّد في الدنيا أو أن يُعطى النبوة أو أن لا تقوم الساعة أو غير ذلك .

6-   أن يكون غرض الداعي فاسداً كأن يطلب المال ليتكبر على الناس ويفعل المعاصي به .

7-    تصنّع البكاء ورفع الصوت به وخاصةً في قنوت رمضان .

8-    ومن الاعتداء في الدعاء فعلُ البدع والمحدثات ومنها :

 أ  ) الاجتماع للدعاء في مكانٍ معين وفي زمنٍ معينٍ ، وقيام أحدهم بالدعاء وتأمين الباقين ، وهذه الصورة لم ترد في السنةِ ولا عن أحدٍ من الصحابة والأئمةِ .
قال الشاطبيُّ رحمه الله: ( الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم)
([43])

ب )  مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء : ولم يثبت فيها حديثٌ صحيح ، ورويت فيه بعض الأحاديث الضعيفة والمنكرة لا يصلح الاحتجاج بها على جواز هذا الفعل. ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: ( لا يُعرف هذا أنه كان يمسح وجهه بعد الدعاء إلا عن الحسن ) ([44]) وقال الإمام العزّ بن عبد السلام رحمه الله: ( لا يمسح وجهه بيديه عُقيب الدعاء إلا جاهل ) ([45])

جـ )  الدعاء عند قبور الصالحين والمشاهد والأضرحة اعتقاداً لأفضلية المكان .

د  ) الدعاء على أعضاء الوضوء : ولم يثبت فيه حديث . قال النووي رحمه الله: في المجموع  لا أصل له([46]) ، وقال في الأذكار صـ 57 ( وأمّا الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجيء فيه شيء عن النبي ) . وقال ابن القيم رحمه الله: ( وأحاديث الذكر على أعضاء الوضوء كلها باطل ليس فيها شيء يصح ) ([47])

             هـ ) التزام القنوت في صلاة الصبح : لأنه لم يثبت حديثٌ في تخصيص صلاة الصبح بالقنوت ، بل ورد القنوت في كل الصلوات في النوازل والعوارض . بل ورد عن كثير من الصحابة تركهم القنوت في صلاة الصبح إلا في النوازل كعمر وابن مسعود ، وابن عمر رضي الله عنهم. وعن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : قلتُ لأبي : يا أبةِ إنك قد صليت خلف رسول الله وأبي بكرٍ وعمرو عثمان وعلي، أكانوا يقنتون؟ قال : أي بُني مُحدث وفي رواية ( بدعة )([48])

و ) اختصاص بعض الأوقات بالدعاء بغير دليل : مثل شهر رجب وليلة النصف من شعبان وعند الزوال يوم الأربعاء والدعاء الجماعي بعد الصلوات المفروضة .

8-  أسباب إجابة الدعاء :

1- الإخلاص لله عز وجل حال الدعاء : قال الله تعالى {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[الأعراف:29]

 2- التوبة وردُّ المظالم .

3- اغتنام الفرص بتحري أوقات الإجابة ومظانَّها .

 4-  التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض بدليل حديث الولي وفيه
( ولا يزالُ عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ... )
([49])

5-كثرة الأعمال الصالحة .

 مسألــة :

 استجابة الدعاء دليلٌ على صلاح المرء وتقواه ، ولكنها لا تدل أحياناً على ذلك ، فقد تكون استدراجاً أو لحكمةً يعلمها الله ، فقد استجاب الله دعاء الشيطان.

 قال تعالى: {قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون}[الأعراف:14]، وكذلك عدم استجابة الدعاء لا تدل على فساد الداعي في كل الأحوال ، فقد منع الله عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . قال صلى الله عليه وسلم "" سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدةً، سألت ربي ألا      

  يُهلك أمتي بالسّنةِ فأعطنيها، وسألته ألا يُهلك أمتي بالغرق فأعطنيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها "([50]).

فقد يمنع الله عز وجل إجابة الدعاء لحكمٍ عظيمةٍ منها تأديبُ هذه الأمة لتعود إلى ربها.

 ومنها زيادة اليقين لدى العبد بأن الله هو مالك الملك وأنه لا حقَّ للمخلوق على الخالق وأن الله له الحكمة البالغة فلا يُعطىِ إلا لحكمةٍ ولا يمنع إلا لحكمةٍ
 
{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}[البقرة:216].

 ومن الحكم أن تأخر الإجابة سبب لتفقد العبدِ لنفسهِ فيحاسبها ويتوب ، وقد تكون الدعوة مستجابة دون علم الداعي .

وكذلك فإن تأخر إجابة الدعوة يؤدي إلى تحصيل بعض العبادات والقربات منها : انتظار الفرج من الله وحصول الاضطرار والافتقار إلى الله
وحصول عبادية الرضا، والتمتع بطول المناجاة، ومجاهدة الشيطان ومراغمتُه .

9- أحاديث ضعيفة وموضوعة في الدعاء :     

1- حديث ( الدعاء سلاح المؤمن ) ([51])

2- حديث ( الدعاءُ مخُّ العبادة ) ([52])

3- حديث ( سلوا الله عز وجل ببطون أكفكم ولا اسألوه بظهورها، فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم)([53])

4حديث ( إذا دخلت على مريضٍ فمُرهُ أن يدعو لك فإن دعاءه
كدعاء الملائكةِ )
([54])

5- حديث ( ما زال رسول الله يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ) ([55])

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

 

 

 


 

 


 

([1]) لسان العرب 14/258

([2]) بدائع الفوائد (3/2)

([3]) القول الحسان لتفسير القرآن صـ 154

([4])  صحيح الجامع (3407)       

([5]) صحيح الأدب المفرد (549)

([6]) صحيح الأدب المفرد (512)

([7]) صحيح الأدب المفرد (549)

([8]) صحيح الجامع (1044) والصحيحة (154)

([9]) صحيح الجامع (5678)

([10]) صحيح الأدب المفرد (710)

([11]) صحيح الأدب المفرد (548)

([12]) فتح الباري (11/95)

(13) الترمذي (3499)

([14]) رواه البخاري (6340) ومسلم  (2735)   

([15]) الجواب الكافي صـ10

([16]) مسلم (2735)

([17]) صحيح الجامع (245)

([18]) صحيح الجامع (245)

([19]) مسلم (1015)

([20]) شرح سنن أبو داود

([21]) رواه الترمذي موقوفاً على عمر . صحيح الجامع (4523)

([22]) متفق عليه البخاري (6339) ومسلم  (2678)     

([23]) صحيح الجامع (6290)

([24]) مسلم (3009)   وأبو داود

([25]) صحيح الجامع (2070)

([26]) البخاري (6384) وقد ذكر ابن القيم فوائد خفض الصوت والإسرار بالدعاء في كتابه بدائع الفوائد ( 3/6-10 )

([27]) متفق عليه خ (1145) م (758)

([28]) الترمذي والنسائي

([29]) صحيح الجامع (3408 )

([30]) صحيح الجامع الصغير (3078 )

([31]) متفق عليه البخاري (935) ومسلم (852)

([32]) (4) رواه مسلم ( 482) وأبو داود

([33]) مالك والترمذي صحيح الجامع (3274)

([34]) رواه مسلم ( 2732 ) وأبو داود

([35]) تفسير القرطبي

([36]) متفق عليه

([37]) رواه أحمد ، وفي صحيح الجامع ( 3382 )

([38]) صحيح الأدب المفرد ( 372 )

([39]) صحيح الجامع ( 2032 )

([40]) بدائع الفوائد ( 3/13 )

([41]) متفق عليه

([42]) رواه أحمد ومسلم ( 2688) والترمذي

([43]) الاعتصام (1/219)

([44]) ابن الجوزي في العلل ( 2/841)

([45]) الفتاوى مسألة (15)

([46]) المجموع ( 1/489 )

([47]) المنار   المنيف ص 120

([48]) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة

([49]) رواه البخاري ( 6502 )

([50]) مسلم (2890)

([51]) راجع السلسلة الضعيفة ( 179 )

([52]) ضعيف سنن الترمذي ( 3611 )

([53]) حديث منكر فيه صالح بن حسان وهو متروك الحديث            

[54]) حديثٌ مرسل

[55]) حديث منكر فيه أبو جعفر الرازيي .