هدي النبي ﷺ في بيته


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،أما بعد :

× فلاشك أن أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه نموذجٌ يحتذيه المسلمون عبر التاريخ إلى يوم القيامة وأسوةٌ حسنةٌ لمن كان يريد الله والدار الآخرة وإن غالب الناس في هذا الزمن بين غالٍ وجافٍ ، فمنهم من غلا في الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصل به الأمر إلى الشرك والعياذُ بالله من دعاء الرسول والاستغاثة به ، ومنهم من غفل عن اتباع هديه صلى الله عليه وسلم فلم يتخذه أسوة لحياته. ومن ضمن هديه وأحواله صلى الله عليه وسلم ما كان عليه من أخلاقٍ ومعاملةٍ فـي بيته ومع أسرته صلى الله عليه وسلم.

 ×ورغبةً في تقريب هديه وسيرته بأسلوبٍ سهل مُيسر ، كانت هذه الكلمات القليلة التي لا تفي بكل ذلك ولكنها وقفاتٌ من شمائله صلى الله عليه وسلم . فما هو هديه صلى الله عليه وسلم في بيته؟ وما هي معاملته لبناته وأطفاله ؟ وكيف تعامل مع زوجاته أمهات المؤمنين ؟ وكيف تعامل مع خدمه في البيت ؟

حال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته : كان نموذجاً للتواضع وعدم الكبر وتكليف الغير . ولما سُئلت عائشة رضي الله عنها : ماذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت (كان بشرا من البشر ، يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ) رواه أحمد والترمذي وهو في السلسلة الصحيحة (671) وروى مسلم في صحيحه عن الأسود بن يزيد قال (سألتُ عائشة رضي الله عنها : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في البيت ؟ قالت  : كان يكون في مهنة أهله ، فإذا سمع بالأذان خرج ) رواه البخاري أيضاً كما في فتح الباري (2/162) وعند أحمد عنها قالت(كان رسول يخيط ثوبه ويخصفُ نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم ) صحيح الجامع الصغير (4937)

إحسانه ورحمته صلى الله عليه وسلم ببناته وأطفال بيته : وقد حظيت البناتُ بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان إذا دخلت عليه فاطمة ابنته ، قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها ـ رواه أبو داود والترمذي.

× وفي صحيح مسلم قالت عائشة رضي الله عنها (كُنَّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده فأقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي ما تُخطئ مشيتها من مشيةِ رسول الله شيئاً فلما رآها رحّب بها وقال (مرحباً يا بنتي) ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله)

 ×وعند البخاري في صحيحه عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ولده إبراهيم فقبله وشمَّه وعندما مات إبراهيم ذرفت عينا رسول الله وقال (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )  

×وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُدلع لسانه للحسن بن علي فيرى الصبـي حُمرة لسانه فيهش له) السلسلة الصحيحة رقم (70) وعن أنس رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول : يا زينبُ ، يا زوينبُ ، مراراً) السلسلة الصحيحة (2141)وصحيح الجامع الصغير .

وهكذا فقد كان صلى الله عليه وسلم يلاطف بناته ويُقّبل أحفاده ويلاعبهم .

تربيته صلى الله عليه وسلم لأهل بيته على مقاومة المنكرات والأخلاق الرديئة : قالت عائشة رضي الله عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اطّلع على أحدٍ من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضاً عنه حتى يحدث توبةً) رواه أحمد وهو في صحيح الجامع (4675) وقال صلى الله عليه وسلم "" علّقوا السوط حيثُ يراهُ أهلُ البيت فإنه آداب لهم "" رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع الصغير وقال البخاري رحمه الله: باب إخراج المتشبهين بالنساء في البيوت ، وساق حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال( لعن النبي صلى الله عليه وسلم فلاناً وأخرج عمر فلانة ) فتح الباري (10/333) وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئاً فيه تصـاليب إلا نقضه) فتح الباري لابن حجر (10/385) وعن عائشة رضي الله عنها قالت ( قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا ـ تعني قصيرة ، فقال : لقد قلتُ كلِمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته " ، قالت : وحكيت له إنساناً ، فقال  " ما أُحب أني حكيت إنساناً وأنّ لي كذا وكذا ""رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، صحيح سنن أبي داود (4875) . وعن عائشة رضي الله عنهعا قالت (قدم رسول الله من سفر وقد سترتُ بقرامٍ لي على سهوة لي فيها تماثيل ، فلما رآه رسول الله هتكه وقال "" أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ، قالت : فجعلناه وسادةً أو وسادتين ) متفق عليه .فلا يجامل أحد الزوجين الآخر في منكرٍ من المنكرات .

تعامله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين : كان صلى الله عليه وسلم حَسنَ المعاشرة للناس جميعاً ولزوجاته وأهل بيته خاصةً فنجده ينادي أم المؤمنين بترخيم اسمها وخبرها خبراً تطير له القلوب فرحاً . قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله يوماً ""يا عائشة هذا جبريل يُقرئك السلام "" متفق عليه. وقالت أيضاً (كنت أشرب وأنا حائض ،فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ وأتعرق العَرَقَ فيتناوله ويضع فاهُ في موضع فيَّ ) رواه مسلم . وقالت أيضاً (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل إمرأةً من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ) رواه أبو داود والترمذي وقالت أيضاً (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناءٍ واحد) رواه البخاري. بل كان صلى الله عليه وسلم لا يترك مناسبةً إلاّ أدخل السرور على زوجته. تقول عائشة رضي الله عنها (خرجت مع رسول الله في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدَن ، فقال للناس ( تقدموا ) فتقدموا ، ثم قال ( تعالي حتى أسابقك ) فسابقته فسبقته، فسكت عنّي حتى حملت اللحم وبدنت وسمنت وخرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس (تقدموا) ثم قال  (تعالي أسابقك) فسبقني، فجعل يضحك ويقول ( هذه بتلك ) رواه أحمد . وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة خيبر ، وتزوج صفيه بنت حيي  كان يدير كساءً حول البعير الذي تركبه يسترها به ، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع رجلها على ركبته حتى تركب )

 ×وكان صلى الله عليه وسلم يعدل بين زوجاته فعن عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ،وكان يُقسم لكل امرأةٍ منهن يومها وليلتها) رواه مسلم . وكان صلى الله عليه وسلم يتكئ في حُجر عائشة رضي الله عنها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها وربما كانت حائضاً وكان يأمرها وهي حائض فتتزر ثم يباشرها ، وكان يقبلها وهو صائم. وكان من حُسن معاشرته مع أهلـه أن كان يمكن عائشة رضي الله عنها من اللعب مع بنات الأنصار ويُريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده وهي متكئة على منكبيه تنظر ، وكان إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن واستقرأ أحوالهن ، وكل هذا يدل على حسن معاشرته لأهله ورفقه بهن صلى  الله عليه وسلم .

 ×ومن عنايته صلى الله عليه وسلم  بمشاعر أمهات المؤمنين ، ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت (قال لي رسول الله "" إني لأعلم إذا كنتِ عني راضيةً وإذا كنتِ عليَّ غضبى "" ، قالت : فقلت من أين تعرف ذلك " ؟ فقال " أما إذا كنتِ عنيّ راضية فإنك تقولين لا ورب محمد ، وإذا كنتِ غضبى قلتِ لا ورب إبراهيم " ، قالت : فقلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك ) . فمن عنايته بمشاعرها صــار يعلم رضاها وغضبها من مجرد كلامها .

 ×بل كان صلى الله عليه وسلم يراضي زوجاته ولو كنَّ مخطئات: فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال( جاء أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله، فأذن له فدخل فقال : يـا ابنة أم رومان !! وتناولها ، أترفعين صوتك على رسول الله؟فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها ، قال فلما خرج أبو بكر جعل النبي يقول لها ـ يترضاها ـ ألا ترين أني قد حلتُ بين الرجل وبينك ، قال : ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها ، قال : فأذن له فدخل فقال أبو بكر : يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما ) أحمد وصحيح سنن أبي داود (4999)

 ×وكان صلى الله عليه وسلم يرعى حق الزوجية حتى بعد موت الزوجة : فعن عائشة رضي الله عنها قالت ( ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غِرتُ على خديجة وما رأيتها ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له :كأنه لـم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ؟ فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد ) رواه البخاري (7/133)

 ×وكان صلى الله عليه وسلم يتعاهد أهله بالتعليم والتوجيه : فعن ابن عباس رضي الله عنه عن أم المؤمنين جويرية بنت حارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال : ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مرات لو وزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنه عرشه ومداد كلماته ) رواه أحمد ومسلم (2726) وفي الحديث بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من النصح لأزواجه وإشفاقه عليهن وحرصه على تعليمهن ودلالتهن على الخير، وهو القائل صلى الله عليه وسلم "" رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأة قامت من الليـل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء "" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وهـو في صحيح سنن أبي داود (1308)

معالجته لغيرة نسائه أمهات المؤمنين : عن أم سلمة أنها أتت بطعامٍ في صفحةٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فجاءت عائشة متزرة كساء ومعها فِهْرٌ ، ففلقت به الصفحة ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصفحة ، ويقول : (كُلوا ، غارت أمكم ، مرتين ، ثم أخذ رسول الله صفحة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صفحة أم سلمة عائشة ) رواه البخاري والنسائي  ، واللفظ له وفي روايةٍ قال ( إناءٌ بإناء وطعامٌ بطعام ) . وهذا من حسن تصرفه وحَلّه لهذا الموقف معللا هذا الخطأ من عائشة رضي الله عنها بقوله (غارت أمكم ) اعتذاراً منه لعائشة وأن هذا من عادة الضرائر دمن الغيرة

× عن عائشة رضي الله عنها قالت (قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا وكذا ـ تعني قصيرة ـ فقال: لقد قلتِ كلمةً لو مُزجت بماء البحر لمزجته) قلت: وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أنـي حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا) أحمد والترمذي وهو في صحيح سنن أبي داود (4875) فبين لها رسول الله خطورة هذه الكلمة التي قالتها في ضرتها صفيه ووعظها ولم يوافقها،بل ذبَّعن عرض صفية بالغيبة وهو القائل "" من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار"" رواه أحمد وهو في صحيح الجامع (6240)

 ×وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: بلغَ صفية أن حفصة قالت: بنتُ يهودي ، فبكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال : ما يُبكيكِ؟ فقالت: قالت لي حفصة إني بنت يهودي فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لابنة نبي وأن عمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيم تفخر عليكِ ؟ ثم قال اتقي الله يا حفصة) رواه أحمد والترمذي وهو في صحيح سنن الترمذي (3894) فبين صلى الله وسلم لصفية رضي الله عنها ما فيها من فضائل وما لها من مكانة ثم وعظ حفصة رضي الله عنها وذكّرها بالله

× وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( التمست رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخلتُ يدي في شعره، فقـال : " قد جاءك شيطانك " فقلت أَما لك شيطان ؟ فقال "بلى ولكن الله أعانني عليه فأسلم "  رواه النسائي وصححه الألباني . فيه بيان أن الغيرة ملازمة للمرأة عند النوم واليقظة ، وينبغي للمرأة الاعتدال فيها وعلى الرجـل الاعتدال في المحاسبة عليها .

معاملته صلى الله عليه وسلم لخدمه في البيت: قال أنس بن مالك رضي الله عنه(خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين فما قال لي أفٍ قط وما قال لي لشيء صنعته لمَ صنعته ولا شيء تركه لمَ تركته ) رواه مسلم. قالت عائشة رضي الله عنها (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا ضرب خادماً ولا امرأة ) رواه مسلم . وهو القائل صلى الله عليه وسلم عن الخدم : " هم إخوانكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطمعوهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم " رواه مسلم .

الخاتمــة : وبعد أن تعطرت أسماعنا بذكر بعض هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ، فعلينـا أن نؤدي له حقوقه كاملة ومنها :

   * تصديقه في كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم  

   * التأسي به في جميع أقواله وأفعاله وسننه وهديه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا . 

   * محبته أكثر من النفس والمال والأهل والناس أجمعين .

   * اتباع سنته وإحياؤها بين المسلمين والذبّ عنها في كل مكان . 

   * محبة أصحابه وزوجاته أمهات المؤمنين .

   * ثم علينا الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .   

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين