مناهجُ وأصولُ أهل البدع والأهواء


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :-

مقدمـة:- فبسببِ اختلاطِ الأُمورِ على كثيرٍ من المسلمين، فلمْ يستطيعوا تمييزَ المنهج الحقَّ، وأهلِه عن مناهجِ الباطل وأهلِه، ولم يستطيعوا التفريقَ بين أصولِ الحقِّ وأصولِ الباطلِ، فلم يفرّقُوا بين السُّنّةِ، وأهلها والدعاةِ إليها، وبين البدعةِ وأهلها.

وبسببِ تأثُّرِ كثيرٍ من الشبابِ بمناهج أهلِ الأهواءِ والبدعِ وأصولهم وسماتهم، ونظراً لوجوبِ النّصحِ والتحذير ببيان هذه الأصولِ والمناهج ليحذَرها الناسُ؛ ولأن أصولَ أهلِ البدعِ والأهواءِ قديماً وحديثاً واحدةٌ، سنتكلّمُ عن مناهجِ وأصولِ أهلِ البدعِ والأهواءِ إجمالاً ثم تفصيلاً من خلالِ النصوصِ وأقوالِ أهلِ العلم.

المقصودُ بمناهجِ أهلِ البدعِ وسماتِهِم:- أي طريقتُهُم في فهمِ الدين، وأصولهُم في تقريرِ عقائدِهم وبدعِهِم، وعلاماتُهم وخصائصُهم التي يتميّزن بها، ومواقفُهم من القرآن والسنةِ وأقوالِ السلفِ الصالحِ .

أ- مناهجُ أهلِ البدعِ وأصولُهُم إجمالاً:-

1- الخلطُ في مصادر التلقِّي:-  فمصادرُ التلقِّي عندهم العقلياتُ، والأوهامُ والظنونُ والفلسفةُ، وعقائدُ الأمم الضالةِ، كذلك من مصادرهم الأحاديثُ الموضوعةُ والضعيفةُ، والرؤى والأحلامُ والكشفُ والذوقُ، كذلك من مصادرهم الاعتمادُ على المتشابه من النصوص، والاعتمادُ على آراءِ الرجالِ وأقوالِ الناسِ.

وسيأتي تفصيلُ ذلك مع ذِكرِ أمثلةٍ كثيرةٍ على كلِّ مصدرٍ منها إن شاء الله تعالى.

2- الخللُ في منهج الاستدلال:-  فأهلُ الأهواءِ يستدلون على أقوالهم بالفلسفات والأساطير والأحاديث الموضوعةِ وآراءِ الرجال وغيرها، وأهلُ الأهواءِ يعارضون الأدلّةَ من الكتاب والسُنّةِ بعقولهم، ويضربون بعضَها بعضاً، وهم يردُّون كلَّ ما لا يوافقُ أصولَهُم وأهواءَهم من نصوص الشرع، ويفسِّرون نصوصَ الشرع بأهوائهم لا بالنصوصِ وفهمِ السلفِ الصالحِ، وأهلُ البدعِ يقومُ منهجُهُم على المراءِ والجدالِ بالباطلِ وعلى الخصومات، وأهلُ البدعِ يتوهَّمُونَ التعارضَ بين العقلِ والنقلِ ثم يحكِّمُون أصولَهُم الفاسدةُ، وهم يعتمدونَ التأويلَ في العقيدةِ، وليس لهم عنايةٌ بالإسنادِ والتثبُّتِ، بالإضافةِ إلى أنهم أحدثُوا ألفاظاً بدعيةً في أمور العقيدة كالجوهر، والعَرَضِ والجسم وغيرِها .

هذه بعض مناهجهِم وأصولِهِم إجمالاً، وسيأتي تفصيلُ ذلك مع ذكرِ أمثلةٍ على كلِّ أصلٍ منها إن شاء الله .

ب- مناهجُ أهلِ الأهواءِ والبدعِ تفصيلاً:- الخللُ والإخلالُ في منهج التلقِّي والاستدلال: ومن ذلك:-

(1)   ردُّ النصوصِ التي تخالفُ أصولَهُم الفاسدة:- وهذا منهجٌ لكافةِ أهلِ الأهواءِ أنهم يردُّون نصوصَ الوحي من القرآنِ والسنّةِ إذا خالَفَتْ أهواءَهُم أو عارضتْ أصولَهُم وقواعدَهم الباطلة.

 يقولُ الشاطبيّ رحمه الله: ( ومنها ردُّهُم للأحاديثَ التي جرت غيرَ موافقةٍ لأغراضِهِم ومذاهبهم ، ويدّعُون أنها مخالفةٌ للمعقول فيجبُ ردُّها كالمنكرين لعذاب القبرِ والصراط والميزان ورؤية الله في الآخرة وكذلك حديثِ الذبابة وأن في أحدِ جناحيه داءً وفي الآخرِ دواءً ، وما أشبه ذلك من الأحاديث الصحيحة ، ربما قدحُوا في الرواةِ من الصحابة والتابعين وفي من اتفق الأئمةُ على عدالتهم) ثم يقولُ بعد ذلك ((وربما ردّوا فتاويهم وقبّحوها في أسماع العامّةِ ليُنفروا الأمةَ عن اتِّباع السُنّةِ وأهلها، وقد جعلوا القولَ بإثبات الصراط والميزان والحوض قولاً بما لا يُعقل، وذهبت طائفةٌ إلى نفي أخبار الآحادِ  جُملةً والاقتصارِ على ما استحسنته عقولُهم في فهم القرآن لا حقٌ لمن ارتكب ردّ السنّة)([1]) ففي هؤلاء وأمثالِهم قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  "لا أَلْفِيَنَّ أحدَكم مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ يأتِيه أمرٌ مِمَّا أمرْتُ به أو نَهيتُ عنه فيقولُ: لا أدري . ما وجدْنا في كتابِ اللهِ اتبعناه"([2]).

ثم يقول الشاطبي رحمه الله:  (( ومنه دعاوى أهل البدع على الأحاديث الصحيحة: مناقضتُها للقرآن أو مناقضةُ بعضِها بعضاً ، وفسادُ معانيها أو مخالفتُها للعقول كما حكمُوا بذلك في حديث (التغريبُ عام والرجمُ) قالوا: هذا مخالفٌ لكتاب الله لأنه قضى بالرجم والتغريب ، وليس لذلك في كتاب الله ذكرٌ ، فإن كان الحديثُ باطلاً فهو ما أردنا ، وإن كانَ حقاً فقدْ ناقض كتاب اللهِ بزيادة الرجم والتغريب))([3]) انتهى نقل الشاطبيّ رحمه الله.

يقول شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: (( يردُّون الأحاديث التي تعارضُ مقولاتِهِم وإن كانت صحيحةً كما فعل الجُبَّائيُّ في ردِّ حديث احتجاج آدم وموسى))([4]).

لذلك كان السلفُ يتهمُون كلَّ من تردّدَ في قبول الأحاديث الصحيحة أو ردَّ شيئاً منها:-

قال البربهاريُّ رحمه الله: ((وإذا سمعتَ الرجلَ يطعنُ على الآثارِ ولا يقبلها أو يُنكرُ من أخبارِ رسول الله ، فاتَّهمْهُ على الإسلام فإنه رجلٌ رديءٌ المذهبِ والقولِ))([5]).

 قال أحمدُ بن حنبل رحمه الله: ((من ردَّ حديثَ رسولِ الله فهو على شفا هلكَةِ)) .

قال ابنُ القيّم رحمه الله: (( إنّ هؤلاء المعارضين للوحي بعقولهم ارتكبُوا أربعَ عظائم: أحداها: ردَّهم نصوصَ الأنبياء ، الثانية: إساءَة الظنِّ بالوحي وجَعْلَه منافياً للعقل، الثالثة: جنايتَهم على العقل ... الرابعة: تكفيرهُم أو تبديعَهم وتضليلَهم لمن خالفهم في أصولِهِم ...))([6]) انتهى كلامه.

فأهلُ الأهواءِ والبدعِ يتركون كثيراً من النصوص التي تخالف أصولَهم الفاسدة بحجَّةِ مخالفتها للمعقول، وبحجّة مناقضتها؛ لبعضِها البعض، ثم إنّهم يتركون السنّةَ والآثارَ بزعمهم الاكتفاءَ بالقرآن.

يقول البربهاريُّ رحمه الله: (( إذا سمعتَ الرجلَ يأتيه بالأثرِ فلا يريُده، ويريد القرآن، فلا تشكَّ أنّه رجلٌ قد احتوى على الزندقةِ، فقُم من عندِه ودعْهُ )).

 

الخللِ في منهجِ التلقِّي والاستدلالِ عند أهلِ البدعِ والأهواءِ:-

(2)  الطعـنُ في خبـرِ الآحـادِ :-  وهذا منهجٌ لكثيرٍ من أهل البدع، والأهواء وخاصةً أهلِ الكلام، فيقول قائلُهُم (إنّ أخبار الآحاد مظنونةٌ فلم يّجُزْ التمسّكُ بها في معرفةِ الله وصفاتِه) .

  أما الصحابةُ والتابعونَ، وسائرُ السلفِ يأخذُونَ بكلِّ ما صحَّ عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  دون تفريق بين الآحادِ وغيره، ودون تفريقٍ بين العمل والاعتقاد، ولم يخالفْ في ذلك؛ إلا طوائف من الجهمية، والمعتزلة والخوارج، ومن سلك سبيلَهُم.

(1) قال الشافعيُّ رحمه الله: ((لم أحفظْ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ))([7]) وعقد فصلاً في كتابه هذا تحت عنوان " الحجّةُ في تثبيت خبرَ الواحد".

(2) قال الخطيبُ البغدادي رحمه الله: (( وإنما دفع خبرَ الآحاد بعضُ أهل الكلام لعجزه – والله أعلم – عن علم السنن رغم أنه لا يقبل منها إلا المتواتر، وهذا ذريعة لإبطال سنن المصطفى ))([8]).

(3) وقال أيضاً: ((وعلى العمل بخبر الواحد كان كافةُ التابعين ومَنْ بعدَهم من الفقهاء في سائر الأمصار، ولم يبلُغْنَا عن أحدٍ منهم إنكارٌ لذلك))([9]).

(4)  ذكر ابنُ عبد البرِّ رحمه الله: أن مالكاً رحمه الله صرّح بأن أحاديث الآحاد تفيدُ العلم([10]).

(5)  أما الأمام أحمدُ رحمه الله: فكتابه (الردُّ على الجهمية) مشحونٌ بالاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد.

(6) قال ابنُ حزم رحمه الله: (( ثبت يقيناً أن خبرَ العدل عن مثله مبلِّغاً إلى رسول الله حقٌ مقطوع به موجبٌ للعمل والعلم معاً ))([11]).

(7) صرَح ابنُ تيمية رحمه الله: بحجيّة خبرُ الواحد في العقيدة، وأنه يوجب العلم، في معظم كتبه([12]).

(8) وهكذا ابنُ القيّم رحمه الله: في مختصر الصواعق المرسلة ص394 ، ذكر أكثر من عشرين وجهاً كلَّها تفيد أن خبرَ الواحد يفيد العلم اليقين([13]).

 (9) وأخيراً يقولُ ابنُ تيمية رحمه الله: (( ولهذا كان جمهورُ أهل العلم من جميع الطوائفِ على خبر الواحد إذا تلقَتْهُ الأمَّةُ بالقبول تصديقاً له أو عملاً به أنه يوجبُ العلم ، هو الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه من أصحاب أبي حنيفة ومالكٍ والشافعيُّ وأحمد إلاّ فرقةٌ قليلةٌ من المتأخرين اتَّبعوا في ذلك طائفةً من أهل الكلام أنكروا ذلك))([14]).

  ذكرُ بعضِ النتائجَ لردِّ خبرِ الآحادِ :-

(1)  ردُّ الأحاديث النبوية في العقائد والأمور الغيبية والاقتصارُ على القرآن فقط.

(2) إنكارُ الأحاديث المتواترة ومنها الأحاديثُ التي تتعلّق بأسماء الله الحسنى وصفاتِه العليا، وأحاديث النزول، وأحاديث علوِّ الله جلّ جلالُه وأنه في السماء فوق عرشه بائنٌ من خلقِه وأحاديث أشراط الساعة ومنها أحاديث ظهور المهدي، وأحاديث خروج الدّجّال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، وأحاديث رؤية المؤمنين لربهم في الجنّة، وأحاديث عذاب القبر، وأحاديث الحوض.

 

من الخلل في منهج التلقِّي عند أهل الأهواء:-

(3) استعمالُ الأقيسةِ العقلية في صفاتِ الله وسائرِ أصولِ العقيدةِ.

المذهبُ الحقُّ أن العقيدةَ غيبيةٌ توقيفيةٌ لا مجال للقول فيها؛ إلاّ بالتسليم للنصوص الثابتـة، واللهُ عزّ وجلَّ له المثلُ الأعلى من كلِّ شيء فلا يُقاس بغيرِه لا يُقاسُ به غيرُه؛ ولكنّ أهل البدع قاسوا الله تعالى بخلقِه ، وقالوا في الصفات بمقاييس عقلية ومن ذلك قولُهم (( إنّ اليد والعينَ والوجهَ جوارحُ وأعضاءُ)) واللهُ منزهٌ عن الأعضاءِ والجوارحِ، وعليه فليس لله يدٌ ولا عينٌ ولا وجه،ٌ فردُّوا ما وصف اللهُ به نفسَه وما وصفه به رسولُه بالأقيسة العقلية.

قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه : (( يجيءُ قومٌ يقيسون الأمورَ برأيهم فيُهدَمُ الإسلامُ ويُثلم ))([15]).

 قال ابنُ تيمية رحمه الله: ((التمسُّكُ بالأقيسة مع الإعراض عن النصوص والآثار طريقُ أهل البدع)).

قال الشعبيُّ رحمه الله: (( إنما هلكتُم حيثُ تركتم الآثار ، وأخذتُمُ بالمقاييس )) وقال شريحٌ رحمه الله (( إنّ السنّة سبقت قياسكم فاتبعوا ولا تبتدعوا ، فإنكم لن تضلوا ما أخذتم بالأثر ))([16]).

(4) اعتمادُهم على التأويلِ والتعطيلِ في صفاتِ الله تعالى وسائرِ العقيدةِ :-

 فالتأويلُ من أخطرِ مناهـجِ أهلِ الأهواءِ، فهو وسيلتُهُم لردِّ دلالةِ النصوص، وتعطيل معانيها، قال الله تعالى عنهم ] فأمَّا الذين في قلوبهم زيغٌ فيتَّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنةِ وابتغاء تأويلِـهِ [آل عمران 7 ].

 والتأويلُ هنا معناه؛ صرف اللفظ عن ظاهره المراد إلى معنى آخر مرجوح.

قال الدارميُّ رحمه الله: ((وبلغنا أن بعضَ أصحابِ المرِّيسيِّ قال له: كيف تصنع بهذه الأسانيد الجياد التي يحتجُّون بها علينا في ردِّ مذاهبنا ممَّا لا يمكنُ التكذيبُ بها؟ قال المريسيُّ لا تردُّوه تفتضحُوا، ولكن غالطوهم بالتأويل، فتكونوا قدْ رَدَدْتُموها بلُطفٍ إذْ لم يمكنكُمْ ردُّها بعنف))([17]).

قال ابنُ القيّم رحمه الله: (( وحقيقةُ الأمرِ أنَّ كلَّ طائفةٍ تتأوّلُ ما يخالفُ نِحْلَتَها ومذهبَهَا، فالعيارُ على ما يُتَأوَّلُ وما لا يُتَأوّلُ هو المذهبُ الذي ذهَبَتْ إليه، والقواعدُ التي أصَّلَتْها، فما وافقها أَقرُّوهُ ولم يتأوَّلُوه، وما خالَفَها، فإنْ أمكنَهُم دَفعُهُ، وإلاّ تأوّلوه ))([18]).

  التأويلُ الباطلُ عند أهل الأهواء مرَّ بمراحل هي:-

(1) المرحلة الأولى: ردُّ بعضِ  السنّةِ وتكذيبُها والطعنُ في الرواة بما فيهم الصحابة، وهذا منهجُ الجهمية والمعتزلة الأوائل وغيرهم .

(2) المرحلة الثانية: التأويلُ وذلك حينما وجدوا قوّةَ تصدِّي السلفِ وتهديدَ الولاة لهم .

(3)  المرحلة الثالثة: مرحلةُ الردِّ لخبرِ الآحادِ والتأويلِ عند متأخري الأشاعرةِ .

(4) المرحلة الرابعة: الجمعُ بين الردِّ والتأويلِ والطعنِ في الرواة الأئمة العدول كما فعل الكوثريُّ ومدرستُه.

(5) المرحلة الخامسة: مرحلةُ الردِّ والإعراضِ الكاملِ والرَّفضِ المعلنِ لمناهجِ السلفِ ، وهو مذهبُ المتأخرين من المتكلمين العصرانيين الذين يزعمون الحاجة إلى تجديد الدين.

 أمثلةٌ على تأويل أهلِ البدع والأهواء للصفات:

 في قوله تعالى{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام}[الرحمن:27] قالوا: ويبقى ثوابُه أو هو بمعنى القبلة أو غير ذلك وهذا خلاف ظاهر اللفظ الذي يثبت أن لله وجهاً يليق به عزّ وجل، وفي قوله تعالى{ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [الفتح:10] قالوا: اليدُ بمعنى النِّعمة أو القوَّة، وفي قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] قالو: أي استولى على العرش أو بمعنى الإقبال على خلق العرش وغيره . وظاهر اللفظ معناه استعلى واستقرّ.     

 وفي قوله تعالى{وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22]، قالوا: أي جاء أمرُه أو جاءت رحمتُه.

   كذلك أوَّلوا نزول الرّب ورضاهُ وكلامه وضحِكُه ورؤيةَ المؤمنين له وبقية الصفات.

من الخلل في منهج التلقِّي عند أهلِ الأهواء:-

(5) الاعتمادُ على الكذبِ والوضع وما لا أصل له في الدين: ولا يعتمدون على الإسناد: لذلك يكثُرُ استدلالُهُم بالموضوعاتِ، والمكذوباتِ والآثارِ الضعيفةِ، وهم في الوقتِ نفسِهِ يرُدُّونَ ما يخالفُ أهواءَهُم من النصوص الصحيحة.

قال ابنُ تيمية رحمه الله: (( وهذا في البدع الكبار مثلُ الرافضةِ والجهميّةِ فإنّ الذي وضع الرفضَ كانَ زنديقاً ابتدأ تعمُّدَ الكذبِ الصريح الذي يَعلمُ أنه كذب ، وكذلك الجهميةُ ليس معهم على نفي الصفـات وعلوِّ الله على العرش ونحوِ ذلك نصٌ أصلاً ولا آيةٌ ولا حديثٌ ولا أثرٌ عن الصحابة))

(6) اعتمادُهمُ على تقريرِ العقيدةِ على أُصولهم الفاسدةِ :-

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (( وطريقُ أهل الضلال والبدع أنهم يجعلون الألفاظَ التي أحدثوها ومعانيها هي الأصلُ ويجعلون ما قالَهُ اللهُ ورسولُه تبعاً لهم فيردُّونها بالتأويل والتحريف إلى معانيهم))([19])

قال أيضاً: (( وأهلُ البدع سلكُوا طريقاً آخرَ ابتدعوها اعتمدوا عليها ولا يذكرون الحديث بل ولا القرآن في أصولهم إلاّ للاعتضادِ لا للاعتمادِ))([20]).

(7) ومن الخلل في منهج التلقِّي عندهم: وضعُ الدليل في غيرِ ما يدلُّ عليه :-

قال ابنُ عمر رضي الله عنه في الخوارج: (( انطلقُوا إلى آياتٍ نزلت في الكفّار فجعلوها على المؤمنين ))([21]).

(8) كراهيتُهُم لنصوص الصفاتِ والتوحيدِ وطعنُهُم في رواتِها من الأئمةِ :-

لمّا خالف أهلُ الأهواءِ السلفَ، وسلكُوا مسلكَ التأويلِ والتعطيلِ، تعارضت شبهاتُهُم مع دلالةِ النصوصِ، فصاروا يُنفَّرون منها، وتطاولوا على رواتها من الصحابة ومن بعدهم.

يقولُ ابنُ القيّم رحمه الله: (( ولهذا تجدُ كثيراً لا يحبُّون تبليغ النصوص النبوية أو إظهارها وإشاعتها ، وقد يشترطون في أماكن يقفونها أن لا يقرأ فيها أحاديث الصفات، وكان بعضُ متأخرِيهِم كَلِفٌ بإعدامِ كتُبِ السنّةِ المصنّفةِ في الصفات وكتمانِها وإخفائِها ، وبلغني عن كثيرٍ منهم أنه كانَ يهُمُّ بالقيام والانصرافِ عند ختم صحيح البخاري وما فيه من التوحيد والردِّ على الجهميّة ، وسُمعَ منه الطعنُ في محمد بن إسماعيل ، وما ذنبُ البخاريِّ وقد بلَّغ ما قاله رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم  ))([22]).

وذكر أهلُ العلم أنّ أهلَ الأهواء يكرهونَ الحديثَ والإسنادَ وأهلَهُ (( ليس شيءٌ أثقلَ على أهل الإلحاد ولا أبغَضَ إليهم من سماع الحديثِ وروايتِه بإسناد ))([23]) ولذلك يبغضُون أهلَ الحديث .

وأخرج ابنُ الجوزيُّ أيضاً عن أحمد بن سنان رحمه الله قال: (( ليس في الدنيا مبتدعٌ إلا وهو يبغضُ أهل الحديث ، فإذا ابتدع الرجلُ نُزعت حلاوةُ الحديثِ من قلبه ))([24]).

عن أحمد بن الحسن أنه قال لأحمد بن حنبل رحمه الله: يا أبا عبد الله! ذكروا لابن أبي قُتيلةَ بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء ، فقام أحمد بن حنبل وهو ينفضُ ثوبه ويقول: زنديقٌ زنديقٌ زنديقٌ، حتى دخل البيت([25]).

قال أبو عثمان الصابوني رحمه الله: (( وعلاماتُ البدعِ على أهلها باديةٌ ظاهرة، وأظهرُ آياتهم وعلاماتهم شدّةُ معاداتهم لحملةِ أخبار النبيّ  صلى الله عليه وسلم ، واحتقارُهُم لهم واستخفافُهم بهم وتسميتُهُم إيَّاهُم جهلةٌ ومشبهة))([26]).

(9) ومن سماتِ أهل الأهواء: انحرافُهُم في مفهوم التوحيد وتقريره:-

التوحيدُ عند السلف هو شهادةُ أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وإثبات أسماء الله وصفاته وأفعاله كما جاء في القرآن والسنّة من غيرِ زيادة ولا نقصان، ثم أركان الإسلام والإيمان.

  أما أهل الأهواء والافتراق فإنهم في مفهوم التوحيد على مناهج تتلخص فيما يلي:

-    التوحيدُ عند الجهميةِ نفيُ أسماء الله وصفاته وأفعاله .

-    التوحيدُ عند المعتزلةِ نفيُ الصفات، والأفعال.

-    التوحيدُ عن أهل الكلام، والأشاعرة تأويلُ صفات الله تعالى، ونفيُ أفعاله  والكلامُ في ذلك بالفلسفات والعقليات.

-    التوحيدُ عن الرافضةِ هو الشركُ بدعاء الأمواتِ والأحياءِ والتعبدُ بزيارة المشاهد والآثار، وعبادتُها.

التوحيدُ عند الصوفية الأورادُ البدعيةُ والغناءُ والإنشادُ والاتحادُ والحلولُ ووحدةُ الوجود والبدعُ والقبورياتُ، ومن أطّلع على كتبهم يجدُ انحرافَهم في مفهوم التوحيد وتقريره .

(10) ومن أعظم سماتِ أهل الأهواء: الجهـلُ:-

ويشتملُ ذلك الجهلُ بالله تعالى وتوحيدِه وحقوقِه، والجهلُ بمنهج الأنبياء وما أنزل اللهُ إليهم، والجهلُ بنصوص الشرع، والجهلُ بآثار السلفِ وعقيدتِهِم ومناهجِهِم ومنزلتِهِم، والجهلُ بقواعد الشرع ومقاصدِه، والجهلُ بمنهج التلقِّي والاستدلال، وقد يوجد من أهل الأهواء من هو عالمٌ بشُعبة أو أكثر من شُعب العلم، كاللغة (الزمخشري) أو الفقه أو التفسير (الرازي) أو غيرها.

  ومن مظاهر جهلِ أهل الأهواء ما يلي:-

(1)   جهلُهُم بما دلَّ عليه الكتابُ والسنّةُ وآثار السلف الصالح:-

قال شيخ الإسلام رحمه الله: ( لكنَّ كثيراً من المتكلمين أو أكثرِهِم لا خبرةَ لهم ما دلَّ عليه الكتابُ والسنّةُ وآثارُ الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان ، بل ينصر مقالاتٍ يظنُّها دينُ المسلمين بل إجماعُ المسلمين ، ولا يكون قد قالها أحدٌ من السلف ، بل الثابتُ عن السلف مخالفٌ لها ، فلمّا وقع بين المتكلمين تقصيرٌ وجهلٌ كثيرٌ بحقائق العلوم الشرعية ، صارت المناظراتُ بينهم دولاً)

وقال في درء التعارض: ( تبيَّن أن قول الذين يُعرضون عن طلب الهدى والعلم في كلام الله ورسوله من أصناف أهل الكلام والفلسفـة وغيرِهم هم من أجهـلِ الناس وأضلَّهم بطريق العلم).

 

(2)   ومن مظاهر جهلهم: سوءُ الأدب مع الله تعالى، والخوضُ في أسمائه وصفاتِه بغير علم:-

فتكلموا في صفات الله تعالى بغير علم بالتعطيل، والتأويل فقالوا عن الله تعالى: لا سمع له ولا بصر ولا حياة ولا إرادة ولا يتكلَّم، ولا يرضى ولا يغضب ولا يفرح بتوبة تائب ولا ينزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماءَ الدنيا، وهكذا أساءوا الأدب مع الله تعالى وتكلّموا في صفاته بغير علم.

(3)   ومن جهل أهل الأهواء: أنهم يلمزون علماءَ السلفِ بقصرِ النظر وعدم التعمُّق في العلم:-

هذا باطلٌ فإن السلف كانوا أهل علمٍ وذكاءٍ لكنهم وقفوا حيثُ أمرهُم اللهُ ورسوله، ومن التمس غير سبيلهم هلك.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: ( ومن آتاهُ اللهُ علماً وإيماناً ، علم أنه لا يكون عند المتأخرين من التحقيق إلاّ ما هو دون مستوى تحقيق السلف ، لا في العلم ولا في العمل )([27]).

(11) من منهاج وسماتِ أهلِ البدعِ: الخصوماتُ والمراءُ والجدالُ بغير حقّ:-  والقرآنُ ذمَّ الجدالَ بالباطلَ وبغير علم وكذلك السنّةُ وكذلك السلفُ الصالحُ والأئمة .

(12) ومن منهاج أهلِ الأهواء: التلبيسُ:-  أي لبسُ الحق بالباطل، واستخدام الأساليب، والمصطلحات، والألفاظ الموهمة للحق لإيهام الناس، وخداعِهِم، والترويج لمقولاتِهم وعقائِدهم.

ومن تلبيساتهم: جعلُهُم السنّةَ بدعة والبدعة سنّة.

ومنها: زعمُهُم أن بعضَ السلف على مذاهبهم كذباً.

(13) ومن سماتِ أهلِ البدعِ: التناقضُ والاضطرابُ والحيرةُ والشكُّ، وكذلك التلوُّن، والتلوُّنُ هو سرعةُ التقُّلبُ من رأي إلى رأي، ومن موقف إلى موقف، ومن التلوّن الظهورُ لكل حالةٍ بما يوافقها ولو بغير حق، ولكل قومٍ بما يوافقهم، فهو نوعٌ من النفاق.

  فالفُرقةُ من أهل البدع لا تستقرُّ على رأي أو عقيدةٍ أو موقف، وهذا حالُ الخوارج والمعتزلةِ وغيرهم من الفرق.

  وهذا الغزاليُّ تقلب بين الفلسفةِ ثم الكلامِ ثم التصوفِ ثم التسليم بمذهب السلف إجمالاً.

قال أحمدُ ابن حنبل رحمه الله: (هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب ، يُلبِّسونَ على جهَّال الناس بما يتكلمون به من المتشابه)([28]).

من مظاهر التناقض عند أهل البدع:

1-  الخلطُ بين السنن، والمحدثات والبدع.

2-  التنقُلُ وعدم الاستقرار على رأي بسبب تركهم للكتاب والسنّة.

3-  كلٌّ منهم يقول عن الآخر أنه ليس على شيء.

4- يعادي بعضُهم البعض: قال إبراهيم النخعي رحمه الله في قوله تعالى {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء}[المائدة:64] قال: هم أصحاب الأهواء)([29])

 

(14) ومن مناهج أهل البدع وسماتِهِم: الغلُّ على المسلمين وسبُّ السلف ولمزُهم:-  فأهلُ الأهواء فِرقٌ وجماعاتٌ، وكلُّ فِرقةٍ يحصرون الحقَّ والولاءَ في جماعتهم ويرون غيَرهُم من المسلمين ضُلاّلاً هالكين.

ومن مظاهر غِلِّهم على المسلمين والسلف:

 (1) الطعنُ في أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم .

(2) بغضُهم للحديث والإسنادِ وأهله.

 (3) كذبُهُم وتقوّلُهُم على الأئمة العلماء.

 (4) تضليلُهم أئمة الإسلام: قال الذهبيُّ رحمه الله: قال ابنُ أبي داود أيضاً في أحمد (يا أمير المؤمنين إنه والله كافرٌ مشركٌ قد أشرك من غير وجه)([30]).

  ومن منهاجهم نحو السلف: جهلُهُم بمذهب السلف أو تجاهُلهُم له.

(15) ومن مناهجهم : موقفُهُم العدائيُّ مع المخالفين:- فهم يقفون مع مخالفيهم مواقف عدائية من التضليل والتكفير والتضييق والتجهيل وإطلاق ألفاظ السبِّ والشتم والسخرية واستعداء السلطانِ إذا أمكنهُم ذلك.

قال ابنُ تيمية رحمه الله: (( فبعضُ الفرقِ يقاتلون المسلم المخالف لهم ويعاملونه معاملة الكفّار والمشركين بل منهم من يوالي الكفّار ويعادي المخالف من المسلمين، كذلك كلُ  من فيه نوعٌ من البدع تجده يعتقد اعتقادات فاسدة ويكفّرُ من خالفه أو يلعنه))([31]).

أما مواقف أهل البدع من المخالفين لهم: في كل زمان ومكان ففيها التضييقُ والأذى في صورٍ عديدة، وأهلُ البدع يبتدعون البدعة ويكفّرون من خالفهم.

قال ابن تيمية رحمه الله: ( وسائرُ أهلِ الأهواء يبتدعون البدعة ويكفرون من خالفهم فيها كما تفعل الرافضةُ والمعتزلةُ والجهميةُ ، والذين امتحنوا الناس بخلق القرآن كانوا من هؤلاء)([32]) وأهل البدع من منهجهم: استنكارُ السنّة والتضييق على أهلها:

قال الشاطبيّ رحمه الله: يلتزمُ الناسُ بالبدع حتى تكون مخالفتُها عندهم هي المنكر، وربما يعاقبون من لزم السنّة، وقد يستبيحون دمه، كبدعة التزام الدعاء بعد الصلوات دائماً على الهيئة الجماعية))([33]).

(16) ومن سمات أهل الأهواء: الخروج على أئمةِ المسلمينَ وجماعتِهِم واستحلالُ السيفِ:- وهذه من أبرز سماتِهِم أي الخروج على الجماعة أو الأئمةِ بالسيف واستحلالُ ذلك، أخرج اللالكائيُّ بسنده عن أبي قلابة رحمه الله قال (ما ابتدع قومٌ بدعةً إلا استحلوا السيف)([34]).

قال ابنُ تيمية رحمه الله: (من أصولِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ لزمُ الجماعةِ و تركُ قتال الأئمةِ ، وتركُ القتالِ في الفتنةِ ، وأما أهل الأهواء كالمعتزلة فيرون القتالَ للأئمةِ من أصول دينِهِم)([35]).

كذلك من خروجهم عن جماعة المسلمين: تركُ الصلاةِ خلف الفاسقِ والمفضول، فإن غالب أهل الأهواء لا يجيزون الصلاة خلف الفاسق.

(17) ومن سماتهم: الإصرارُ على بدِعِهم فلا يهتدُون ولا يوفَّقُون للتوبةِ:-

ومن خلال الاستقراء وتتبع أقوال أهل العلم نلاحظ أن أهل البدع إذا تأصلت فيهم لا يرجعُون عنها ولا يهتدون للحقِّ ، ولا يوفّقون للتوبة إلا نادراً ، وقال النبيُّ   صلى الله عليه وسلم في وصف أهل الأهواء (تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبِه)([36]).

ومن أقـوالِ السلـف:-

   قال عليٌّ رضي الله عنه: (الهوى عند من خالفَ السنّةَ حقٌّ وإن ضُربت فيه عنقُه)([37]).

  قال محمد ابنُ سيرين رحمه الله: (ما أخذ رجلٌ بدعةً فراجع سُنّةٍ)([38]).

قال أبي عمرو الشيبانيُّ رحمه الله: ( كانَ يقالُ: يأبى اللهُ لصاحب بدعـةٍ بتوبةٍ ، وما انتقل صاحبُ بدعـةٍ إلا إلى شرٍّ منها)([39]).

قال ابنُ تيمية رحمه الله: (ولهذا قال بعضُ السلفِ منهم الثوريٌّ: البدعةُ أحبُّ إلى أبليس من المعصيةِ لأن المعصيةَ يتابُ منها ، والبدعةُ لا يتابُ منها)([40]) ثم قال: (ومن قال: ما أذن اللهُ لصاحب بدعةٍ من توبةٍ فمعناه ما دام مبتدعاً يراها حسنةً لا يتوبُ منها ، فأما إذا أراه اللهُ أنها قبيحةٌ فإنه يتوبُ منها)([41]).

(18) ومن سماتهم: الإكثارُ من حشو الكلاميات والفلسفات: ومن الكتب والمصنفات والردود مع قلَّةِ البركةِ وقلِّةِ الفائدةِ في مصنفاتِهِم وعلمهم فلا يستفيدُ منها إلا أمثالُهُم مرضى القلوب، أو نحوُهم إلا ما ألفّوه فيما وافق السنّة.

(19) ومن سماتهم: حرصُهُم على نشر بدعِهٍم وقوةُ تأثيرهم فيمن يخالطُهم:-

أهل البدع لديهم جَلَدٌ وقوةٌ وحرصٌ عجيبٌ في الدعوةِ إلى بدعهم وأهوائهم وذلك من الفتنةِ وتزيين الشياطين لأعمالهم، لذلك غالباً ما يؤثرون على جليسهم، ولذلك حذّر السلفُ من مجالسةِ أهل الأهواء. فأهلُ الأهواء يحرصون على جذب الناس إلى بدعهم ليكثروا سوادهم، ولذلك يبثُّون الدعاةَ إلى مذاهبهم في كل مكان ويتحمَّلون الصعابَ كما كانَ يفعلُ واصلُ بنُ عطاء في زمانه.

(20) ومن سماتهم: وقوعُهُم في الإثمِ والتقصيرِ والتعبُّد غيرِ المشروع والورع الكاذب:-

فهم أكثرُ الناس استحلالاً للمحرّماتِ لفساد أصولهم فهم يستحلّون الكذبَ ويقعون في أعراضِ الناس والعلماءِ خاصةً ويتساهلون في الربا والغناء والمعازفِ وصلاة الجماعةِ وغيرها.

أما وقوعُهُم في التعبُّد البدعي فواضحٌ وكما وصف النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  عبادة الخوارج عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "يخرُجُ فيكم قومٌ تَحقِرونَ صلاتَكم معَ صلاتِهم، وصيامَكم معَ صيامِهم، وعملَكم معَ عملِهم، ويقرَؤونَ القرآنَ لا يُجاوِزُ حناجِرَهم، يَمرُقونَ منَ الدينِ كما يَمرُقُ السهمُ منَ الرمِيَّةِ، ينظُرُ في النصلِ فلا يَرى شيئًا، وينظُرُ في القدحِ فلا يَرى شيئًا، وينظُرُ في الريشِ فلا يَرى شيئًا، ويَتَمارى في الفوقِ"([42])

 

(21) ومن سماتهـم: الذلَّـةُ:-

قال سفيانُ بن عُيينة رضي الله عنه: ( ليس في الأرضِ صاحبُ بدعةٍ إلاَّ وهو يجدُ ذُلَّةً تغشاه([43]) ، قال: وهي في كتاب الله {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِين}[الأعراف:152]

 قال الشاطبيُّ رحمه الله: (وجاء عن سفيانَ بن عيينة وأبي قلابة وغيرِهما أنهم قالوا: كلُّ صاحب بدعةٍ أو فريةٍ ذليلٌ ، وذكر قول ابن سيرين (أني أرى أسرع الناسِ ردّةً أصحابُ الأهواء)([44]).

(22) ومن سماتهـم: السرِّيةُ والكتمانُ والنجوى في الدين:-

الأصلُ في الدين والسنّةِ والدعوةِ : الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ والنصيحةُ والإعلانُ والبيانُ أما السرِّيةُ في هذه الأمور فلا تكون إلا لضرورةٍ يقدّرها أهلُ العلم، وقد حذّر السلفُ عن التناجي في الدين.

قال عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله: ( إذا رأيتَ قوماً يتناجون في دينهم بشيء دون العامّةِ فاعلم أنهم على تأسيس ضلالةٍ)([45]).

قال محمد بن عبيد الله رحمه الله: ( كانَ يقالُ: يتكاتمُ أهلُ الأهواءِ كلَّ شيءٍ إلا التآلف والصحبة)([46]).

(23) ومن سماتهم:-  شؤمُهُم على الأمَّةِ وإسهامُهُم في نكباتِها وفرقتِها وهوانِها وتسلُّطِ أعدائها في كل زمانٍ وحيثما كانوا:-

وإذا قرأنا التاريخ ثبت لنا ذلك:

فأول فتنةٍ فرَّقت الأمَّةَ فتنةُ السبئيةِ التي أدَّت لمقتلِ عثمانَ رضي الله عنه ثم ظهرت الخوارجُ والرافضةُ  ولمَّا ظهرت القدريةُ والمعتزلةُ ( فسدت عقائد طوائف من الأمّةِ وأوقعتها في الخصومات والافتراق، ولمّا تمكنت المعتزلةُ في الدولةِ ألزمتِ الأمَّةَ بالقولِ بخلق القرآن ولا زال أحفادُهُمُ يلزمون الناس بهذه المقولةِ وغيرِها إلى يومنا هذا.

ولمّا تمكنت دويلات الباطنية والقرامطةِ قمعت السنَّةَ والحديثَ وأظهرتِ البدع والإلحاد وقتلوا الحُجَّاجَ وأخذوا الحجرَ الأسود وأفسدوا في الأرض ومكَّنُوا للنصارى من دخول ديار المسلمين،

ولمّا تمكنت الطرقُ الصوفيةُ من الدولة العثمانية في آخر عهدها ضعُفت الأمَّةُ وذلَّت، وتعلقتِ بالأضرحةِ، والمشاهدِ فأصابها الذلُّ وتسلط عليها أعداؤها فمزّقوها، ولا تزالُ الطرقُ الصوفيةُ ببدعها ومحدثاتها من أعظم أسباب وهنِ الأمة وتفرُّقِها (راجع الفتاوى) وكذلك الأحزاب والجماعات ساهمت في  تفريق الأمّةِ ولا حـول ولا قـوة إلا بالله العلـي العظيـم.

 

 

 


 

([1]) كتاب الاعتصام (1/231)

([2]) سنن الترمذي ( ٢٦٦٣)، سنن أبي داود ( ٤٦٠٥)

([3])  كتاب الاعتصام  ( 246 ) 

([4]) منهاج السنّة (3/79)

([5]) شرح السُنّة (ص35)

([6]) الصواعق المرسلة (2/988)

([7]) الرسالة ص (458)

([8]) كتاب الفقيه والمتفقه (1/97)

([9])الكفاية (ص31)

([10]) التمهيد (1/7)

([11]) الأحكام (1/124)

([12]) فتاوى (18/16) رفع الملام ص (69)

([13]) مختصر الصواعق المرسلة ص (394)، وكذلك ابنُ حجر في نزهةِ النظر ص26 وشارح الطحاوية ص355، والشوكانيُّ في إرشاد الفحول ص،49 والنووّيُ في مقدمة شرح مسلم ص1/20.

([14]) (فتاوى 13/351)  

([15])رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/165)

([16])ابن عبد البر في جامع بيان العلم.

([17]) رد الدارميُّ (200)

([18]) الصواعق المرسلة (1/230)

([19]) الفتاوى (17/355)  

([20])منهاج السنّة (7/37)

([21])رواه البخاري في  الفتح (12/282)

([22])الصواعق (3/1093-1040)

([23])ابنُ الجوزي في صون المنطق ص41

([24])ابن الجوزي في صون المنطق ص41

([25])الحاكمُ في معرفة علوم الحديث ص4 والخطيب في شرف أصحاب الحديث ص74 برقم 158

([26])أبو عثمان الصابوني (ت449) في عقيدة السلف أصحاب الحديث

([27])فتاوى ( 7/436 )

([28]) الفتـاوى لابن تيميـة 3/307 ، الرد على الجهميـة لأحمد بن حنبل ص 1/81

([29]) الشرح والإبانة لابن بطة 141

([30]) سير أعلام النبلاء (11/253) 

([31])منهاج السنّة لابن تيمية (4/537-538)

([32])الفتاوى ( 17/311)  

([33]) الاعتصام (2/275)

([34])أخرجه الدارمي بسند صحيح 1/44

([35])الفتاوى (28/128-129)

([36])صححه الألباني عند ابن أبي عاصم (1/7) في كتاب السنّة

([37]) الشرح والإبانة 2/431 لابن بطة

([38])الشرح والإبانة (131)

([39])البدع والنهيُ عنها لابن وضّاح (54)

([40])الفتاوى 11/684

([41])الفتاوى (11/685)

([42])صحيح البخاري ( ٥٠٥٨)

([43]) حلية الأولياء (7/280)

([44]) الاعتصام (1/67)

([45]) اللالكائي 1/135

([46])الإبانة (2/479)