الحج وأقسامه


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

أقسامُ الناسِ في الحج أربعة:

مَنْ لا يستطيعُ الحجَّ، وقلبٌه مُعَلَّقٌ به، مُخْلِصٌ في نِيَّتِه لكنَّه لا يستطيعُ، فهو معذورٌ فهذا يُرجَى له أجرُ الحُجَّاج كاملًا بسببِ نِيَّتِهِ الصالحةِ.

* واللهُ عَزَّ وجَل يقول: ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[التوبة:91].

* وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ بالمَدِينَةِ لَرِجَالًا ما سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إلَّا كَانُوا معكُمْ، حَبَسَتهُمُ الأعْذَارُ».

مَنْ لم يَحُجَّ ولم يُحدِّثْ نفسَه بالحج، وهو مستطيعٌ للحج.

يُقالُ له: اتَّقِ الله وسارع إلى الحجَّ قبل أن يُدركَكَ الأجلُ وأنت تاركٌ لركنٍ من أركان الإسلام واستمع إلى قولِ نَبيِّكَ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَجَّلُوا إِلى الحَجِّ يَعني الفَرِيضَةَ ، فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَدرِي مَا يَعرِضُ لَهُ»([1])، وقال عمرُ بن الخطاب رَضِي اللهُ عَنْهُ: "مَنْ أَطَاقَ الْحَجَّ فَلَمْ يَحُجَّ، فَسَوَاءٌ عَلَيْهِ يَهُودِيًّا مَاتَ أَوْ نَصْرَانِيًّا"([2]).

Ž  من حجَّ سابقًا، ولا ينوي الحجَّ لاحقًا:

يُقالُ له: لا تحرِمْ نفسكَ من الثواب العظيم والفضائل الكثيرة، فالحاجُّ في ضمان الله إلى أن يعودَ إلى بلدهِ، والحاجُّ مجاهدٌ في سبيل الله، وكلُ خطوةٍ إلى الحجُّ ترفَعُكَ درجةً، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّة، والنفقةُ في الحجَّ كالنفقةِ في سبيل الله بسبعمائةِ ضِعف، والحجُّ كفَّارةٌ للذنوب، والله عَزَّ وجَلَّ يقول في الحديث القدسي: «إنَّ عبدًا أصحَحْتُ لهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَليْهِ فِي المَعِيْشَةِ، يَمْضِي عَليْهِ خَمْسَةُ أعْوَامٍ لا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحرُومٌ»([3]).

 مَنْ حجَّ الفريضةَ، ولا يزالُ يَحُجُّ كُلَّما وَجَدَ إلى ذلك سبيلًا:

يُقالُ له: أبْشِرْ بالخير والأجرِ العظيم ومغفرة الذّنوبِ ورفع الدرجاتِ والجنَّةِ إن شاء اللهُ تعالى، وعليكَ بالإخلاصِ والمتابعة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع المناسِكِ.

ونسألُ الله تعالى أن يتقبَّل منك ويزيدَك فضلًا ونعمةً.

 

تنبيهات للحُجَّاج:

أخي الحاجُّ، إذا أردتَ أن يكونَ حجُّكَ مَقْبُولًا مَبْرُورًا وذَنْبُكَ مغفورًا فعليك بما يلي:

1- إخلاصُ النيَّة لِوجهِ الله تعاَلى، والبُعْدُ عن الشرك والرِّياء والبِدعِ:

فعليك باستحضار نيَّة الحجُّ أن تكون للهِ تعالى طاعةً للهِ تعالى، وعليك بتخليص نفسَّك من أدران الشركِ والرِّياء وطلبِ السُمعة والجاهِ والأهواء الفاسدة وأحذر من الوقوعِ في البدعةِ ومحدثات الأمورِ التي لا دليلَ عليها.

حتى لا يضيعَ جُهْدُكَ ومَالُكَ وَوقْتُكَ بلا ثَمَرةٍ ويذهبَ هباءً منثورًا.

2- التوبةُ والإقلاعُ عن المعاصي والذنوب والعزمُ على عدم فعلها في الحجِّ وفي حياتك كُلِّها ففي الصحيحين قالَ رسولُ الله: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرفُثْ ولَمْ يَفسُقْ رجِعَ مِنْ ذنُوبِهِ كَيومِ وَلَدتّهُ أُمُّهُ».

3-رّدُّ المظالِمِ إلى أهلِها، والتَّحلُّلُ مِنَ النَّاسِ وطلبُ العفو ممَّن لهم حقوقٌ عندك، فقد قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانتْ لَهُ مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه ِمِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ»([4])

4- التزوُّدُ للسّفر: بالتقوى والعمل الصالح ثم ما يكفيهِ ويُغنيهِ عن سؤال الناس حتَى يَرجع لأهلهِ, كذلك أن يتْرك َ لأهلِه من المال والنفقةِ ما يكفيهم ويغنيهم عن سؤال الناسِ حتى يرجعَ إليهم، روى البخاري عن ابن عباس رَضِي اللهُ عَنْهُما قال: "كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فأنْزَلَ الله تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى"([5]).

5- الدُّعاء عند الخروجِ من البيتِ، وتوديعُ الأهلِ فإذا ركبَ الدَّابةَ فَلْيدْعو أدعية السَّفر.

6- اختيارُ الرفيقِ الصالح والإحسان إليه والصبرُّ عليه والتعاونُ معه على البِرِّ والتقوى.

7- تنبيهُ للمرأةِ: إذا أرادت الحجُّ فلا تُسافر إلَّا مع ذي محرمٍ من الرِّجالِ، ففي الصحيحين قال رسول الله: «لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ليسَ مَعَهَا حُرْمَـةٌ»([6]) استدلّ بِهِ على عدمِ جَواز السفرِ للمرأةِ بِلا مَحَّرمٍ.

وعن ابن عباس قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ : «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ: «اخْرُجْ مَعَهَا»([7]).

فلم يأذن لها أن تُسافِرَ بلا محرم، وأمرَ زوجَها بالسفرِ معها، ولم يُرخَّصْ لها السَّفرَ مع نساءٍ مأموناتٍ.

هذه بعض التنبيهات لكَ أيُّها الحاجُّ قبل شروعكَ في الحجُّ، والحمدُ للهِ ربَّ العالمين.

 

 آدابُ زيارة المسجد النبوي:

* المسجد النبوي من المساجد التي تُشَدُّ إليها الرِّحال، وفي ذلك يقولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةِ والسَّلَامُ: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى»([8])

فزيارة مسجدِ رسول الله مُستحبَّةٌ ومشروعة في أي وقت من السنةِ ليس لها وقتٌ مُحَددٌ.

* وفي زيارة المسجدِ النبوي ثوابٌ عظيمٌ وآجرٌ كبيرٌ وخيرٌ عميمٌ، فالصلاةُ فيه خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلَّا المسجد الحرام.

* إذا دخلتَ المسجد وكلَّ مسجد؛ يُستحب تقديمُ الرِّجلِ اليمنىَ وتقول: (بسم الله والصلاة والسلامُ على رسول الله، اللهمَ افتح لي أبوابَ رحمتك).

* وتُصلَّي ركعتين تحية المسجدِ إذا أردت الجلوسَ فيه، أو تُصلَّي ما شاء اللهُ لك أنْ تُصلِي، والأفضلُ أن يكون ذلك في الروضةِ الشريفة، وهي ما بين قبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ وبين بيته، وهي روضةٌ من رياض الجنَّة.

* بعد الفراغِ مِن الصلاةِ إذا أردت أنْ تزورَ قبرَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ وقبرَيْ صاحبَيهِ أبي بكرٍ وعمر، فإنَّه يُشرعُ لكَ ذلك؛ لفعل بعض الصحابة، واخفض صوتك عند القبر, ثم سلِّم على رسول الله، ثم تأخذ على اليمين قليلًا وتُسلِّم على أبي بكر الصدِّيق، ثم تأخذ قليلًا يمينًا وتُسلِّم على عمر بن الخطَّاب، ثم انصرف.

* فإذا أردتَ الخروجَ من المسجد النبوي؛ فقدِّم رجلكَ اليُسرى وقل: (بسم الله والصلاة والسلامُ على رسول الله, اللهم إني أسألك من فضلك).

 

الدعوةُ والأمرُ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكرِ في الحجّ:

اعتنى رسول الله صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ بتعليم أصحابهِ وأُمَّته في حجَّةِ الوداعِ وعلَّمَهُم وهو على ظهر راحلِته وقال لجرير رَضِي اللهُ عَنْهُ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» وجعل عليًّا رَضِي اللهُ عَنْهُ يُردِّدُ كلامهُ ويُسمع الناسَ، وخطبَ فيهم خطبة الوداعِ في الحجِّ، وكان حريصًا على تعليم أصحابهِ ودعوتهم وأمرهم بالمعروفِ ونهيهم عن النكرِ.

فعلى الحاجِّ أن يتأسَّى به، ويدعو الناسَ ويُعلِمَهُم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

* وكان صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ يُنكرُ المنكر, كما في الصحيحين من قصَّةِ الفضلِ بن عباسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ حينما نظرَ إلى المرأة الخثعميّة, ولمَّا رأى الرجلين في مسجد الخيف بمنىً، وقد صلَّيا في منازلهم ولم يلْتحقَا بالجماعةِ قال: "فلا تفْعلا, إذا صَلَّيتُما في رِحالِكُما ثُمَّ أتَيتُما مسجدَ جماعةٍ، فصلَّيَا معهم، فإنَّها لكما نافلة"([9]).

* فأمرَ أُمَّتَهُ بالدعوةِ وتبليغ الدِّين، فقال: «فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»([10]) وسار أصحابُه رَضِي اللهُ عَنْهُ على طريقه وهديه، فهذا عليُّ رَضِي اللهُ عَنْهُ، لما نَهَى عثمانُ رَضِي اللهُ عَنْهُ عن المتعةِ في الحجِّ قال عليُّ: "لم أكُن لأدَعَ سُنَّة رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ لأحدٍ من النَّاسِ"([11]).

* وهكذا المسلم والحاجُّ عليه أن يتأسَّى برسولِ اللهِ في حياتهِ وفي حجِّه وعُمْرَتهِ.

 

الحجُّ كفَّارةٌ للذنوبِ:

فضلُ الحج:

الحجُّ ركنٌ من أركان الإسلام، واجبٌ فورًا على المسلمِ المستطيع المكلَّف عند الجمهورِ.

- قال صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرفُثْ ولَمْ يَفسُقْ رجِعَ مِنْ ذنُوبِهِ كَيومِ وَلَدتّهُ أُمُّهُ»([12])

- وقال صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّة»([13]).

- وقال صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ لعمرو بن العاص: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ»([14]).

- وقال صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا تَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِوَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ»([15]).

- وقال صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثَةٌ فِي ضَمَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: رَجُلٌ خَرَجَ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ تَعَالَى ، ورَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى،وَرَجُلٌ خَرَجَ حَاجًّا»([16]).

 

الحجُّ والابتداعُ والغُلوِّ والتَّبرُّكُ فيه:

قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3].

#        فلا مُحْدَثاتُ ولا مُبتدَعاتُ في دينه اللهِ، وكلُّ مُحدثةٍ بِدعَة وكلُّ بدعة ضلالة وكلُّ ضلالة في النَّارِ، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فلا يجوزُ الابتداعُ في الحج لا في الإحرامِ ولا في الطوافِ والسعيِ ولا يوم عرفةَ ولا في الرمي والذَّبحِ ولا في زيارةِ المدينةِ ولا في غيرها من أمور الدَّين.

#        كذلك لا غُلوّ في الدِّين ولا في الحجّ، فعن ابن عباسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ لهُ: «الْقُطْ لِي حَصىً» قال: فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ ، هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَجَعَلَ يَنْفُضُهُنَّ فِي كَفِّهِ، وَيَقُولُ: «أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ فَارْمُوا -ثُمَّ قَالَ:- يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوَّ فِي الدِّينِ»([17]).

فلا غُلُوَّ في مناسِكِ الحجِّ؛ إنما هو الاعتدالُ والمتابعةُ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ.

#        التَبرُّكُ في أعمالِ الحجِّ وهو طلبُ البركة من العباداتِ الموافقة للشرعِ, ودلَّ عليها الدليل، ومن التبرُّكِ المشروع؛ التبرُّك بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ وهيئتهِ وآثارهِ.

   

_ ومما دلَّ عليه الدليلُ فيما يُتبرَّكُ به في الحجِّ:

-  التبرُّكُ بماءِ زمزم بشُرْبهِ والغُسْلِ به، وبالحجر الأسودِ بمسحهِ وتقبيله، والمقامِ بالصَّلاةِ خَلفَهُ، والكعبةِ بالطوافِ حولها، والرُّكن اليماني بِمَسْحِهِ، وغيرها.

-  أمَّا التبرُّك بمسح مقامِ إبراهيم فليس مشروعًا، ولذلك روى ابن جرير في تفسيره عن قتادة رَحِمَهُ اللهُ قال: "كان مقام ُابراهيمَ عليه أخمصُ قَدَمَيهِ فانْمَحَى لمسحِ النَّاسِ لَهُ، وقدْ تكلَّفت الأمَّة شَيئًا لم نُؤمر بهِ".

-  وكذلك التبرُّك بمسح الركنين الآخَرَين غير الركنِ اليماني، والركن في الحجر الأسود، فلا يُشْرَع التبرُّكُ لعدمِ الدليل, ولذلك أنكر الصحابةُ كابن عبَّاسٍ على مَنْ فعلَ ذلك كما في مُسندِ أحمد.

واستدلَّ ابن عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما بقول الله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21] وفي الصحيحين قال ابن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُما: "لَمْ أَرَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ".

وكلَّ ما في مناسِكِ الحج والأماكن في مكةَ والمدينةَ, لا يجوزُ التبرُّك به إلَّا ما جاءَ فيه الدليل الثابت, فلا ابتداعَ في الحج ولا غُلُوَّ ولا تبرُّكَ غيرَ مشروعٍ.

  

فضلُ مكَّة والمسجد الحرام والمقام والكعبة:

o       مكَّة: المقصودُ به مكَّة البلد الحرام.

o       سُمِّيت مكَّة لأنَّها تَمُكُّ الجبَّارين، أي تُذهبَ نَخْوتَهم، فلا يقدرون عليها إلَّا في آخرِ الزَّمان قبل الساعة، وسُمِّيت في القرآن (بَكَّة) لازدحامِ الناسِ بها، وقيل غيرُ ذلك.

o       ومن أسمائها: بكَّة الكعبةِ، وأمُّ رحِم، وأمُّ القُرى، والبيتُ العتيق, والحَرَمُ، والمُقدَّسةُ، والبلدُ الأمين، والحاطِمَةُ، وغيرُها من الأسماء.

o       ومكَّةُ أحَبَُ الأرضِ إلى رسولِ اللهِ القائل: «إنْيِّ لِأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ الْبِلَادِ إلْيَّ، وَأَنَّكِ أَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلاَ أَنَّ المُشْرِكينَ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». وقال صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ»([18]).

o       روى البخاريُّ في صحيحه قولَهُ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً».

o       وروى مسلمٌ عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «إنَّ اللهَ حَبَسَ عن مكَّةَ الْفِيلَ، وسَلَّطَ عليها رسُولَهُ والمؤمنين، وَإِنَّهَا لَن تَحِلَّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لمُنْشِد»([19]).

o       وعند مسلم في صحيحه: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ»([20]).
 

فضلُ المسجد الحرام:

سُمِّي الحرامُ لحرمةِ القتال فيه منذ فتح مكَّة عام 8 هـ. «صَلَاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمِائةِ أَلْفِ صَلَاَةً فِيمَا سِوَاهُ».

× المسجدُ الحرامُ هو أعظم مسجدٍ في الإسلام، ويقع في قلب مدينة مكَّة، تتوسَّطهُ الكعبةِ المُشرَّفةِ الَّتي هي أول بيتٍ وُضِعَ للنَّاسِ على وجه الأرض ليعبدوا اللهَ وحده، وهذه هي أعظمُ وأقدسُ بقعةٍ على وجهِ الأرض.

× يبدأ تاريخ المسجد بتاريخ بناء الكعبةِ المشرَّفةِ في زمن إبراهيمَ عليِّه السَلام: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ [البقرة:127].

× وسُمِّيت الكعبة كعبة لأنَّها بُنيانٌ مربَّعٌ، وكلَّ بناءٍ مربَّع له أركانٌ أربعةٌ يسمى كعبة.

× ارتفاع الكعبة 15 مترًا، وطول ضلعُها الذي فيه الباب 12 مترًا، والذي يقابله اما الضلع الذي به الميزاب 10 أمتار.

× مقامُ إبراهيم هو حَجرٌ أثريٌ كانَ يقومُ عليه إبراهيم عِند بناء الكعبة.

× لأهميَّة مكَّة بالنسبة للمسلمين: فإنَّه كُتبَ في تاريخها مؤلفاتٌ كثيرةٌ منها: أخبارُ مكَّة للأزرقي، وكتاب أخبار مكَّة للفاكهي، وكتاب شفاءُ الغَرامِ بأخبارِ البلد الحرام للفاسيِّ، وغيرُها.

-  من فضائل المدينة:

المدينةُ: المقصودُ بها المدينة المنوَّرةُ، مُهَاجَرُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال ابنُ القيِّم: "لمَّا قَدِمَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ المدينةَ واسمُها يثربُ لا تَعرفُ بغير هذا الاسم غَيَّرهُ بطَيبة من الطَّيبِ، واستحقَّت هذا الاسمَ وازدادت بهِ طيْبًا آخر".

وقد صحَّ في الحديث: «إِنَّ اللهَ أمَرَني أَنْ أُسَمِّي الْمَدِينَةَ طَيبَةُ»([21]).

-  ومن أسماء المدينةِ: طيبة وطابة ومسكينة ومجبورة ويثرب والدَّار والايمان والمحبوبة.

-  في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي مُهَاجِرٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَمِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ».

وذكر البخاريُّ في صحيحه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا ذكرَ هذا المنام لأصحابهِ هاجرَ مَنْ هاجرَ منهم قِبَلَ المدينة ورجع عامَّة من كانَ هاجر بأرضِ الحبشةِ إلى المدينة، وتجهَّزَ أبو بكر قِبَلَ المدينةِ فقال له رسولُ الله: «عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَحَبَسَ أبو بكرٍ نفسَهُ على رسولِ الله ليَصحَبَهُ، وَعَلفَ راحلتين كانتا عنده أربعة أشهُرٍ ثم ذكر البخاريُّ قصَّة الهجرة وسفر رسول الله وصاحبه إلى المدينةِ.

-  وصفُ المدينة: قال ياقوتُ الحموي في معجم البُلدانِ عن المدينة: (مدينةُ يثرب هي مدينةُ الرسول صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ أمَّا قدرُها فهي في مقدار نصفِ مكَّة، وهي في حَرَّةٍ سبخةِ الأرضِ، ولها نخيلٌ كثيرةٌ ومياهُ، وللمدينةِ سورٌ والمسجدُ في نحو وسطها، وقبرُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ في شرق المسجد وهو بيتٌ مرتفع ليس بينه وبين سقف المسجدِ إلا فُرجةً لا باب له وفيه قبرُ النبيِّ وقبرُ أبي بكر وقبرُ عمر).

-  فضلُ المدينة: قال رسول الله: «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا ؛ فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا»([22]).

-  روى مسلم عن عبد الله بن زيد أنَّ رسول الله قال: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ»([23]).

-  وروى أيضًا قال رسول الله: «إِنَّي أُحَرِّمُ ما بينَ لابَتَي المدينةِ ، أنْ يُقطَعَ عِضاهُهَا ، أوْ يُقْتَلَ صيدُها»، وقال: «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([24]).

-  وروى أيضًا عن أبي هريرة أنَّ رسول الله قال: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ»([25]).

-  وفي المدينةِ الصلاة في المسجد النبوي كألف صلاة، والصلاةُ في مسجد قباء كأجرِ عمرة، وما بينَ منبر رسول الله وبيته روضةً من رياض الجنَّة.

-  وقال رسول الله: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ»([26]).


 

 


 

([1]) صحيح الجامع (2957).

([2]) قال ابن كثير: إسناده صحيح (1/394)، ورواه البيهقي في سُننه.

([3]) ص وغيره وهو صحيح.

([4]) رواه البخاري (2449).

([5]) رواه البخاري في صحيحه (1523).

([6]) قال ابن حجر في الفتح (2/568).

([7]) متفقٌ عليه.

([8]) متفقٌ عليه.

([9]) صحيح سُنن الترمذي.

([10]) متفق عليه.

([11]) رواه البخاري وغيره.

([12]) متفقٌ عليه.

([13]) متفقٌ عليه.

([14]) رواه مسلمٌ وهو في صحيح الجامع (1329)

([15]) رواه النسائي وهو في صحيح الجامع (2901)

([16]) رواه أبو نعيم وهو في صحيح الجامع (3051) والصحيحين (598)

([17]) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.

([18]) ت.ص.ك صحيح الجامع (5536).

([19]) رواه مسلم (1355).

([20]) مسلم (1356).

([21]) الطبراني وهو في صحيح الجامع (1723).

([22]) حم ن هـ ص صحيح الجامع (6015).

([23]) رواه مسلم (1360).

([24]) رواه مسلم (1363).

([25]) رواه مسلم (1386).

([26]) رواه مالك وأحمد والشيخان.