الحياء شعبة من الإيمان


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

حديثنا عن خُلُقٍ عظيم من أخلاق الإسلام، ألا وهو خُلُق الحياء، فالحياء خلقٌ يبعث على فعل الأمور الطيبة، وينهى صاحبه عن كل فعلٍ سيء، وهو ضد الوقاحة، والحياء من الإيمان، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «الإيمان بضعٌ وستون شعبة» ثم قال: «والحياء شعبةٌ من الإيمان»([1])

فالحياء من الإيمان الذي يُحبه الله -تبارك وتعالى-، فينبغي أن يحرص عليه المؤمن، والله -عز وجل- حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردّهما صفرًا خائبتين، فعلينا أن نستحي من الله -عز وجل- حق الحياء.

 والحياء خُلُق المؤمن، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام تخلّقوا بهذا الخلق العظيم، فهذا موسى الكليم -عليه الصلاة والسلام- كان شديد الحياء, فكان لا يُرى من جسده شيء، ولا يُرى من جلده شيء, استحياءً من الله -عز وجل-, فكان ستيرًا.

ونبينا -عليه الصلاة والسلام- كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، أي: من الفتاة التي لم تتزوج في بيتها، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا كره أمرًا عُرف ذلك في وجهه من شدة حيائه -عليه الصلاة والسلام-.

والصحابة رضي الله عنهم تخلّقوا بهذا الخلق العظيم؛ خلق الحياء، فهذا عثمان رضي الله عنه لما استأذن للدخول على النبي -عليه الصلاة والسلام- سوى النبي -عليه الصلاة والسلام- ثيابه، وكان قبل ذلك قد استأذن عليه أبو بكر رضي الله عنه فلم يغير من جلسته، واستأذن عليه عمر رضي الله عنه فلم يغير من جلسته, فلما استأذن عثمان رضي الله عنه سوى ثيابه -صلى الله عليه وسلم-، فسألَته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن هذا الأمر بعد ذلك لم فعل ذلك، فقال: «ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة»([2]) وهو عثمان رضي الله عنه.

والحياء في صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- خلقٌ أصيل، ففي قصة أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها وعن أبيها لما تزوّجها الزبير رضي الله عنه كانت تقوم بخدمته وتخدم بيته، وتخدم فرسه، فكانت تجلب النوى من أرضه التي أعطاه إياها النبي -عليه الصلاة والسلام- فكانت تحمل النوى على رأسها، وتسير من تلك المزرعة إلى بيتها، وهكذا المرأة المسلمة تحرص على خدمة بيتها، وتربية أبنائها، ورعاية زوجها بالمعروف.

فكانت أسماء رضي الله عنها تحمل النوى على رأسها، ففي مرةٍ كانت على هذه الحال رآها النبي -عليه الصلاة والسلام- ومعه بعض الأنصار, فوقف -عليه الصلاة والسلام- وكانت معه دابةٌ ليحملها إلى بيتها، فلما رأته استحيت منه, فعرف ذلك -صلى الله عليه وسلم- فانصرف؛ لأنها ذكرتْ غيرة الزبير رضي الله عنه، وهي كانت شديدة الحياء، فلما ذهبتْ إلى بيتها أخبرت زوجها الزبير بذلك، فقال لها: لحملُكِ النوى على رأسكِ أشدُّ عليَّ من ركوبكِ مع النبي -عليه الصلاة والسلام-.

فالحياء خلقٌ عظيم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان شديد الحياء, فقد جاءته امرأة من الأنصار رضي الله عنها تسأله كيف تغتسل المرأة من الحيض، فوجّهها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تأخذ قطعة من القماش أو نحوه فتغتسل بها، ثم إنه استحيا -عليه الصلاة والسلام- فصرف وجهه, فأخذتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فجذبتها إليها وأخبرتها بما يريده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فعلينا أن نحرص على هذا الخلق العظيم.

ومن خلق الحياء الذي ظهر في قصة موسى عليه السلام لما سقى غنم المرأتين ثم تولى إلى الظل ودعا الله -تبارك وتعالى- قال -سبحانه وتعالى-: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}[القصص:25].

فقد وصف لنا الله -تبارك وتعالى- كيف كانت هذه المرأة تسير وتمشي على استحياء، أي: فيها صفة الحياء, والبعد عن إظهار الزينة والفتنة, بل كانت متسترة حيية تسير بهذه الصفة التي ذكرها الله -تبارك وتعالى-.

ثم إنها قالت: { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} لم تقل: أنا أدعوك, بل قالت: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ}[القصص:25].

وهذا من حيائها ومن حسن خطابها، فصفة الحياء صفةٌ طيبةٌ ينبغي أن يتخلّق بها الرجل، لكنها في النساء أجمل، فهي زينة النساء، وزينة المرأة المسلمة خلق الحياء.

ومن صور الحياء التي يحرص عليها المسلم: حفظ العورات, من أن ينظر إليها من لا يحل له النظر، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن هذا الأمر فقال: «احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك» فقيل له: فالرجل يكون مع أصحابه فقال: «إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل » فقيل له: فالرجل يكون خاليًا- أي: لوحده- قال: «فالله أحق أن يستحيا منه»([3]) فيحرص المسلم دائمًا على الحياء وعلى ستر العورات.

وهنا أمرٌ مهم ينبغي أن نُربي عليه أبنائنا وبناتنا ألا وهو: مسألة حفظ العورات، والتربية على خلق الحياء, فنوجههم إلى عدم كشف العورات، ونُبين لهم أهمية سترها, والحفاظ على هذا الخلق العظيم، وأن ذلك لا يكون لكل أحد، بل عند الضرورة؛ كالطبيب ونحوه.

وقد يُشكل على بعض الناس أمر الحياء والخجل، فهناك فرقٌ بين الحياء وبين الخجل، الحياء يبعث صحابه على الأخلاق الطيبة وينهاه عن الأخلاق القبيحة, لكنه لا يمنعه من فعل الخير ومن نصح الناس, أما الخجل فقد يمنع صاحبه من فعل الخير, ومِنْ أمر الناس بفعل الخير ومن تحذيرهم من الشر، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو أشد الناس حياءً كان يأمر الصحابة وينهاهم رضي الله عنهم ويُعلمهم ويُوجههم, ومعروفٌ أنَّ طَلَبَ العلم يحتاج إلى بذل جهد، فالذي يخجل لا يتعلّم، فلنحرص جميعًا على هذا الخلق العظيم؛ خلق الحياء.

والله تعالى أعلى وأعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


 

([1]) متفق عليه.

([2]) رواه مسلم.

([3]) رواه ابن ماجه.