شبهة التنويريين في أن الدواعش يستدلون بأحاديث في صحيح البخاري


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

لا يزال التنويريون يرمون كتب السنة بشبهات المستشرقين، ومن ضعيف شبههم قولهم: داعش والقاعدة تستدلان بأحاديث كثيرة في البخاري“.

وإنما رموا هذه الشبهة الواهية ليدلِّلوا على سوء فكرتهم في مطالبتهم بتنقيح البخاري، وقبل ذلك بالتشكيك فيه، مغالطة تُبنى على خطأ، وخطأ يُبنى على انحراف، وهكذا سلسلة من الأطروحات الدخيلة التي تقوِّي جانب التطرف، وإن تظاهروا بمحاربة التطرف.

  • والرد على هذه الشبهة من وجوه:

الأول: أن المعروف عن الخوارج قديمًا وحديثًا استدلالهم بالقرآن على معتقداتهم؛ لأن القرآن حمال وجوه كما قال عليٌّ -رضي الله عنه- لما أرسل ابن عباس -رضي الله عنهما- للخوارج: “اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة”([1])، فهذه طريقة أهل الأهواء والبدع وخصوصًا الخوارج؛ لهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ([2])، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: “وكانوا يتلون القرآن آناء الليل والنهار ولم يكن يتجاوز حناجرهم ولا تراقيهم؛ لأنهم كانوا يتأولونه بغير علم بالسنة المبيِّنة، فكانوا قد حُرموا فهمه والأجر على تلاوته ” ([3])، والذي يؤكد ذلك أن الخوارج قديمًا استدلوا بقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}([4]) في تكفير الصحابة -رضي الله عنهم-، واليوم يستدلون بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([5]) على تكفير حكَّام المسلمين.

الثاني: أن تشكيكم في صحيح البخاري والمطالبة بتنقيحه بحجة أن داعش تستدل ببعضه؛ سيجرئ الملاحدة والمستشرقين على المطالبة بتنقيح القرآن؛ لأن الدواعش وأخواتها تستدل به، وبهذا تكونون فتحتم على الإسلام باب شرٍّ عظيم، مع ما في قولكم من مخالفة العقل السليم.

الثالث: المعروف من داعش والقاعدة التي هي نبتة إخوانية أنهم يؤولون القرآن أو السنة وفق أهوائهم على ما قرره حسن البنا وسيد قطب والمودودي وغيرهم، فالواجب عليكم أن تبطلوا تلك التأويلات الباطلة والتفسيرات المخالفة التي دسها الإخوان المسلمون، لا أن تبطلوا السنة وتشككوا في أصح الكتب من أجل أفهام خاطئة منحرفة.

 الرابع: أن شبهتكم هذه يلزم منها إبطال السنة كلِّها؛ وذلك لأنه ما من فرقة متطرفة إلا وقد تستدل بما يوافق هواها من السنة؛ فالجهمية تستدل على نفي الصفات بأدلة والمعتزلة تستدل على تخليد العاصي في النار بأدلة، والخوارج كذلك، وهكذا الفرق المتطرفة كلها، فلو قصد المبطل لفكرهم إبطال أصل أدلتهم التي ثبتت نصًّا مع مخالفتهم لوجه الدليل -بمثل نظرتكم- فسيضطر لإبطال جميع الأحاديث، وسيقوم كل متطرف لإبطال ثبوت دليل المتطرف الآخر؛ ثم تصبح أدلة القرآن والسنة ألعوبة في أيدي المتطرفين.

الخامس: أن في البخاري أحاديث تهد أركان التطرف وتزلزل قواعد الدواعش والقاعدة، وهي كالتالي:

النوع الأول: الأحاديث التي تقرر بيعة ولي الأمر، وأن تكون بيعته بالقلب لله لا للدنيا.

النوع الثاني: الأحاديث التي تقرر السمع والطاعة لولي أمر المسلمين وإن جار وظلم، وتحرم الخروج عليه.

النوع الثالث: الأحاديث التي تقرر لزوم الجماعة وتمنع من الخروج عنها.

النوع الرابع: الأحاديث التي تأمر بحفظ حقوق أهل الذمة والمعاهدين وتحرم إيذاءهم.

النوع الخامس: الأحاديث التي تحذر من الخوارج وفكرهم.

السادس: أن البخاري بوَّب في صحيحه تبويبات تدكُّ قواعد الخوارج والدواعش، وهي كالتالي:

أولًا: التبويبات التي تردُّ على انحراف الدواعش في مسألة الإيمان.

فقد بوب البخاري -رحمه الله- في صحيحه تبويبات تردُّ أصل فساد معتقد الخوارج من اعتقادهم بأن الإيمان يزول بالمعاصي؛ مما يترتب عليه تكفيره وتخليده في النار، فبوب في الرد على هذا المعتقد ” باب: تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ([6]) و” بَابُ: زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ([7]).

ثانيًا: التبويبات التي تردُّ على معتقد الخوارج في تكفير المسلمين.

الخوارج يرون كل معصية كفر، فبوب البخاري في ذلك ما يبين أن من المعاصي ما هي دون الكفر، وليس كل ما أطلق عليه الشرع لفظ الكفر فهو كفر أكبر فبوب: “بَاب: كُفْرَانِ العَشِيرِ، وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ([8]) و بَاب: المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ “([9]) و بَاب: ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ([10]).

ثالثًا: التبويبات التي تحذر من أذية المسلمين وقتلهم.

من المعروف في منهج الخوارج والدواعش قتلهم للمسلمين واعتداؤهم عليهم فبوَّب البخاري أبوابًا تحذر من ذلك فقال: “بَاب: المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ([11])، و بَاب قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} “([12]) و” بَابُ قَوْلِ اللَّهِ -تَعَالَى-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً}([13]) و”بَابُ: قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا»([14])و ” بَابُ: قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»([15])، و” بَابُ: إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا([16])

رابعًا: التبويبات التي تحذر من أذية غير المسلمين من المعاهدين والذميين.

يعتدي الخوارج والدواعش على الآمنين والمعاهدين من غير المسلمين، وقد بوَّب البخاري ما يبين الرد عليهم فقال:” بَابُ: إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ([17]) و” بَابُ: إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ([18]) و:” بَابُ: فَضْلِ الوَفَاءِ بِالعَهْدِ([19]) و” بَابُ: إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ([20])، و “بَابٌ: يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلاَ يُسْتَرَقُّونَ([21])

خامسًا: التبويبات التي تبين وجوب البيعة والسمع والطاعة لولاة الأمر والجهاد معه بإذنه.

لما كان الخوارج والدواعش لا يرون السمع والطاعة لولاة الأمر بوَّب البخاري في صحيحه أبوابًا في الردِّ على هذه الفكرة المنحرفة فقال: “بَابٌ: كَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاسَ([22]) و” بَابُ: بَيْعَةِ النِّسَاءِ([23])، و”بَاب: البَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ([24]) و” بَابُ: مَنْ نَكَثَ بَيْعَةً([25]) و” بَابُ: مَنْ بَايَعَ رَجُلًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا([26]) و” بَاب: السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ([27]) و”بَابُ: قَوْلِهِ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}([28]) و” بَابُ: السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً([29]) و”بَابٌ: الجِهَادُ مَاضٍ مَعَ البَرِّ وَالفَاجِرِ([30]) و” بَاب: يُقَاتَلُ مِنْ وَرَاءِ الإِمَامِ وَيُتَّقَى بِهِ([31]) و” بَاب: البَيْعَةِ فِي الحَرْبِ أَنْ لاَ يَفِرُّوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى المَوْتِ([32]) و”بَابُ: وُجُوبِ النَّفِيرِ، وَمَا يَجِبُ مِنَ الجِهَادِ وَالنِّيَّةِ([33])، و” بَابُ: اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِمَامَ([34]).

سادسًا: التبويبات التي تبين خطر الخوارج والدواعش وجزاءهم.

لما كان خطر الخوارج والدواعش على الإسلام وأهله كبير، بين البخاري وجوب قتلهم إذا شقوا العصا بعد إقامة الحجة فبوَّب:” بَابُ: قَتْلِ الخَوَارِجِ وَالمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ([35]).

سابعًا: التبويبات التي تبيِّن يسر الإسلام وعدم الغلو فيه.

الخوارج والدواعش قوم غلاة تشددوا في دين الله، ومن تبويبات البخاري في بيان ما يرد غلوهم تبويبه “بَاب: الدِّينُ يُسْرٌ([36])، و بَابُ: قَوْلِهِ: {وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ}([37]) و” بَابُ: مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ فِي العِلْمِ، وَالغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالبِدَعِ([38]) و” بَابُ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}([39]).

فهذا ردٌّ موجز على تلك الشبهة الواهية التي لم يرد التنويريون في حقيقتها الرد على الدواعش، بل طرحت على المجتمعات ذريعة لردِّ كل ما يخالف عقولهم من السنة.

والحمد لله الذي حفظ لنا السنة كما حفظ لنا القرآن.

 

 

 

 

 

([1])   رواه ابن سعد في الطبقات (6/339).

([2]) رواه البخاري (7562)، ومسلم (1066) واللفظ له.

([3])  التمهيد ابن عبد البر (6/55-56).

([4]) يوسف:40

([5]) سورة المائدة: 44

([6]) ص7

([7]) ص10

([8]) ص8

([9]) ص8

([10]) ص9

([11]) ص5

([12]) ص1182

([13]) ص1186

([14]) ص1219

([15]) ص1219

([16]) ص1220

([17]) ص1191

([18]) ص527

([19]) ص528

([20]) ص529

([21]) ص504

([22]) ص1240

([23]) ص1242

([24]) ص225

([25]) ص1243

([26]) ص1242

([27]) ص489

([28]) ص783

([29]) ص1228

([30]) ص472

([31]) ص489

([32]) ص489

([33]) ص468

([34]) ص490

([35]) ص1194

([36]) ص9

([37]) ص848

([38]) ص1255

([39]) ص1263