الشفاعة عند أهل السنة والجماعة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد.

فإنّ من أصول وقواعد أهل السنة والجماعة في توحيد الألوهية: لا يملك أحد أن يشفع لأحد يوم القيامة إلا بشرطين : الإذن من الله للشافع بأن يشفع، والرضا عن الشافع وعن المشفوع له.

فما هي الشفاعة، وما هي أنواعها ، وما عقيدة أهل السنة فيها ؟ 

أولا : معنى الشفاعة .

مأخوذ من شفع يشفع إذا طلب، فالطالب واحد فإذا أتى معه آخر صار شفعاً له بعد أن كان فرداً، فيضم المطلوب منه طلبه إلى الطالب فيرفعه إلى من عنده الأمر.

وفي الاصطلاح : ما يُطلب من الله بشروطه الشرعية، أو التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.

ثانيا : أنواع الشفاعة.

الشفاعة الواردة في القرآن والسنة  تنقسم إلى قسمين : شفاعة منفية ، وشفاعة مثبتة ، وبعض أهل العلم يقسمها إلى : شفاعة باطلة، وشفاعة صحيحة . 

فالشفاعة المنفية : هي التي نفاها الله - جل وعلا - عن أهل الشرك ، قال تعالى { وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ } فنفى ا الله عن جميع الخلق ، بما في ذلك الذين يخافون وهم أهل التوحيد ، كما نفاها عن غيرهم . أما عن أهل التوحيد فهي منفية عنهم إلا بشروط ، وهي : إذن الله للشافع أن يشفع ، ورضاه - جل وعلا - عن الشافع وعن المشفوع له.

ومن الشفاعة المنفية: الشفاعة التي تكون من غير إذن الله ولا رضاه، وتكون بطلبها ممن لم يُمكَّن من ذلك. 

ثانيا : الشفاعة المثبتة : وهي الشفاعة التي توفرت فيها الشروط الشرعية، وأعظم هذه الشروط شرطي الإذن والرضا، قال تعالى : "وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى" وقال سبحانه : " وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ" وقال سبحانه :" وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ" 

ثالثا : دليل الشفاعة . 

أولا : الشفاعة ملك خالص لله تعالى،  قال الله سبحانه وتعالى سبحانه تعالى : " أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" 

قال ابن كثير في التفسير (7/102): يَقُولُ تَعَالَى ذَامًّا لِلْمُشْرِكِينَ فِي اتِّخَاذِهِمْ شُفَعَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهُمُ الْأَصْنَامُ وَالْأَنْدَادُ، الَّتِي اتَّخَذُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ حَدَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ، بَلْ وَلَيْسَ لَهَا عَقْلٌ تَعْقِلُ بِهِ، وَلَا سَمْعٌ تَسْمَعُ بِهِ، وَلَا بَصَرٌ تُبْصِرُ بِهِ، بَلْ هِيَ جَمَادَاتٌ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِكَثِيرٍ . 

ثُمَّ قَالَ: قُلْ: أَيْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ مَا اتَّخَذُوهُ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، أَخْبِرْهُمْ أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَاهُ وَأَذِنَ لَهُ، فَمَرْجِعُهَا كُلّهَا إِلَيْهِ " 

فإذا تقرر ذلك وأن الشفاعة منفية عن كل أحد سوى الله - تعالى - لأنه هو الذي يملك الشفاعة وحده ، بطل تعلق قلوب المشركين - الذين يسألون الموتى الشفاعة -  بمسألة الشفاعة ؛ لأن الشفاعة ملك لله ، وهذا المدعو لا يملكها.

ثانيا: يشفع الشافعون يوم القيامة بعد إذن الله تعالى للشافع، ورضاه عن الشافع والمشفوع فيه. 

أما دليل الإذن فقول الله سبحانه وتعالى : " مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ " وهذه الصيغة من صيغ العموم التي لم يخرج عنها أحد، حتى النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي البخاري قال صلى الله عليه وسلم "فَيَأْتُونِى فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ { لِي } فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّى وَقَعْتُ سَاجِدًا ، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ." 

وقول الله تعالى : " يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا" 

أما دليل الرضى عن الشافع والمشفوع فيه فقوله تعالى : " وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ " 

وقد جمعها الله في قوله " وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى"

وهنا فائدة ذكرها الشيخ محمد بن صالح العثمين رحمه الله عن الشفاعة العظمى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال في  شرح العقيدة الواسطية  (2/ 168) : " لكن الشفاعة العظمى في الموقف عامة لجميع الناس من رضي الله عنهم ومن لم يرض عنهم. " 

رابعا : للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث شفاعات:

1 - الشفاعة العظمى، دل عليها ما رواه البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَأَنْطَلِقُ فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي ، فَأَقُولُ أُمَّتِى يَا رَبِّ ، أُمَّتِى يَا رَبِّ .." 

2 - والشفاعة لأهل الجنة ليدخلوا الجنة، وذلك أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط؛ وقفوا على قنطرة، فيقتص لبعضهم من بعض، وهذا القصاص غير القصاص الذي كان في عَرَصات القيامة، بل هو قصاص أخص، يطهر الله فيه القلوب، ويزيل ما فيها من أحقاد وضغائن؛ فإذا هُذِّبوا ونُقّوا؛ أُذن لهم في دخول الجنة، ولكنهم إذا أتوا إلى الجنة؛ لا يجدونها مفتوحة كما يجد ذلك أهل النار؛ فلا تفتح الأبواب، حتى يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الجنة أن يدخلوها.

وهاتان الشفاعتان خاصتان بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وهناك أيضًا شفاعة ثالثة خاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، لا تكون لغيره، وهي الشفاعة في عمه أبي طالب.

3 - والشفاعة فيمن استحق النار من عصاة المؤمنين ودخلها بأن يخرج منها. 

خامسا : الشفاعة يوم القيامة ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بالأنبياء؛ بل تَشفع الملائكة ويَشفع المؤمنون بدرجاتهم: (العلماء والشهداء والصالحون يشفعون)؛ كما ثبت في الصحيح أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول يوم القيامة «شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين فيأمر الله سبحانه وتعالى بأقوام في النار لم يعلموا خيرا قط أن يخرجوا»

مسألة : هل يوجد من يشفع ولا تقبل شفاعته ؟ 

الجواب نعم ، ومن ذلك ما ورد عن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

فروى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَيَقُولُ اللَّهُ إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ » 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَعَلَى وَجْه آزَرَ قَتَرَة وَغَبَرَة، فَيَقُول لَهُ إِبْرَاهِيم: أَلَمْ أَقُلْ لَك لَا تَعْصِنِي؟ فَيَقُول أَبُوهُ: فَالْيَوْم لَا أَعْصِيك، فَيَقُول إِبْرَاهِيم: يَا رَبِّ إِنَّك وَعَدْتنِي أَنْ لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيّ خِزْي أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَد، فَيَقُول اللَّه: إِنِّي حَرَّمْت الْجَنَّة عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَال: يَا إِبْرَاهِيم مَا تَحْتَ رِجْلَيْك؟ اُنْظُرْ، فَيَنْظُر فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُتَلَطِّخ، فَيُؤْخَذ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار "

فهذا لما مات مشركًا لم ينفعه استغفار إبراهيم مع عظم جاهه وقدره عند الله سبحانه وتعالى.

سادسا: إذا تقرر أن الشفاعة لا يملكها أحد من المخلوقين، وإنما هي حق لله تعالى، فإنها تطلب من الله ولا تطلب من المخلوق. 

مسألة : ما حكم طلب الشفاعة من المخلوقين ؟ 

أولا : طلب الشفاعة من الأحياء .

الحيّ الحاضر الذي يسمع يجوز أن يستشفع  وذلك بطلب الدعاء منه.

 ولهذا سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لهم في حياته صلى الله عليه وسلم لأنه حي حاضر يسمع.

وقد ثبت في الصحيح أن عمر رضي الله عنه لما جاءت المجاعة وأصاب الناس الكرب في عام الرَّمادة أنه قال لما استسقى بالناس(اللهم إنا كنا إذا أجدبنا استسقينا بنبيك، وإنا الآن نستسقي بعم نبيك اللهم فأسقنا، يا عباس قم فأدعُ ربَّك)

فدل هذا على أنهم كانوا يطلبون الشفاعة من النّبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيا : طلب الشفاعة من الأموات .

وهذا الطلب محرم، وهو ما كان عليه أهل الشرك، فإنهم كانوا يقولون: ما دعوناهم – أي الأصنام - وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة، قال الله سبحانه وتعالى سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} ، وقال سبحانه {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}

فإذا علمنا أن الشفاعة حق خالص لله تعالى لا يعطيه الله لأحد من خلقه إلا بشروط أهمها : الإذن والرضى، علمنا خطأ من طلب الشفاعة من ميت بسبب جاهه وسلطانه عند الله" 

وسبب وقوعهم في هذه الشبهة : 

أنهم اعتقدوا أن الشفاعة عند الله من جنس شفاعة الناس بعضهم لبعض، والصحيح خلاف ذلك .

فالشفاعة عند الله تكون في مقام الافتقار وليست في مقام الوجاهة، فالعبد إذا شفع عند الله فإنما يشفع وهو عبد ذليل مفتقر إلى الله .

والشفاعة عند أهل الدنيا تكون لمن له جاه وعز عند المشفوع عنده ، والمشفوع عنده يجيب شفاعة هذا الشافع لما يرجوه عنده من إجابة شفاعته في يوم ما، فالمشفوع عنده له فضل على الشافع يرجوه في يوم ما.

أما الشفاعة عند الله فهي ليست من هذا القبيل، بل هي إكرام من الله لمن شاء من عباده أن يكون شفيعا ثم يكرم من شاء من عباده أن يؤذن له  في الشفاعة، فالفضل فيها لله ابتداء وانتهاء . 

وللرد عليهم يقال : 

أولا : الشفاعة يوم القيامة لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى " قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا " فلا تطلب إلا من الله . 

ثانيا : الشفاعة لكي تمنح من الله للعبد لها شرطان : الإذن من الله للشافع بأن يشفع، ورضى الله عن الشافع والمشفع فيه.

فهل تعلم أن الله أذن لمن سألته في الشفاعة ؟ الجواب لا  . 

فإن أذن له فهل تعلم أن الله رضي له في أن يشفع لك، وهل الله رضي عنك ليمكنه من الشفاعة فيك ؟ الجواب لا .

قال تعالى " قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ، وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ "  ، إذا اطلب الشفاعة من مالكها وليس ممن لا يمكلها . 

 

سابعا : قالت المعتزلة والخوارج : الشفاعة لأهل الكبائر لا تنفع، ولا لمن في النار  لقول الله :{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[المدثر:48]. ووجه الاستدلال عندهم من الآية أنَّهُ قال { شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} بالجمع، فدلت الآية على أنَّ من في النار لا تنفعه الشفاعة لأجل عموم لفظ الشافعين فهو عام في كل من يشفع.

والرد عليهم من وجوه : 

الأول :أنَّ هذه الآية جاءت في سياق ذكر الكفار وأنهم في النار، فقال سبحانه وتعالى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}[المدثر:42-48]، فقوله {فَمَا} الفاء هنا ترتيبية تُرَتِّبُ النتيجة التي بعدها على الوصف الذي قبلها، والوصف الذي قبلها في الكافرين الذين وصفهم بقوله {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} ووصفهم بقوله {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} وهؤلاء هم الكفار.

والمسألة التي هي الشفاعة لأهل الكبائر هي في مَنْ كان مسلماً، أما المكذّب بيوم الدين والذي لم يصحَّ إسلامُه فإنه ليس هو محل البحث.

الثاني : أنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» رواه أبوداود، نص لا يحتمل التأويل، وكذلك قوله « أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ » رواه البخاري،  هذا فيه ظهور في الدلالة؛ لأنها تعم من قال لا إله إلا الله مخلصاً وصاحب الكبيرة قالها.


 

هذا اعتقاد أهل السنة والجماعة في باب الشفاعة، والله أسال الإعانة والتوفيق، والحمد لله رب العالمين .