التمائم صورها وأضرارها


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

 الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أمَّا بعد:

 ففي هذه المقالة سيتم بيان أحكام التمائم وذِكْر بعض صورها، وشرح الآثار المترتبة على تعليقها، وغير ذلك من المباحث التي ستأتي إن شاء الله.

 فأقول وبالله التوفيق: قد قرر العلماء أنَّ من ضوابط التداوي والعلاج: صحة السبب المُتَعاطى للعلاج، والأسباب إما أن تكون مباحة، وإما أن تكون محرمة، والمقصود هنا: الأسباب المباحة لا المحرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفاءكُمْ في حَرَامٍ»([1]).

ومن هذه الأسباب المحرمة التي فشت في الناس ما يسمى بالتمائم أو الحُجُب أو التعاويذ، وهي ما يُعلَّق في أيِّ موضع من الجسد بقصد دفع الآفات، أو رفع البلايا والمصائب والأمراض.

والتميمة سُمِّيت تميمة لاعتقاد من يُعلِّقها أنَّ بها يتم دفع الأضرار، وبها تتم أمور العلاج ويتحقق الشفاء.

وهذه التمائم لها صور وأشكال كثيرة، فقد تكون خيوطًا، وقد تكون حِلَقًا، وقد تكون حجابًا مصنوعًا من جلد ونحوه، وقد يكون فيها أوراق، وهذه الأوراق فيها استعانة بغير الله من الجن، وفيها صور للحيات أو العقارب، وفيها أبيات شعرية فيها استغاثة بغير الله مخلوطة بشيء من القرآن، وفيها أيضًا حروف مقطَّعة، وأرقام حسابية، ومربعات غير مفهومة، وفيها قلب الآيات القرآنية، فمَن يصنع هذه التمائم يجعل آخرَ السورة أولَها، وأولَها آخرَها، وفيها استبدال الكلمات القرآنية بكلمات أخرى وغير ذلك، وقد تكون هذه التميمة وورقة بيضاء ليس فيها شيء.

فهذه بعض صور التمائم وأشكالها، فعلى المسلم أن ينتبه لأمثال هذه الصور من التمائم.

أمَّا بيان موقف الشريعة الإسلامية من هذه التمائم، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فيقول صلى الله عليه وسلم في ذلك: «إنَّ الرُّقَى، والتَّمائمَ، والتِّوَلَةَ شِرْكٌ»([2]).

فحَكَم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على هذه الأمور الثلاثة التي من بينها التمائم بأنها شرك.

وروى أحمد من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ إليْهِ رَهْطٌ، فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عن واحدٍ، فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، بايعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا؟

قال: «إنَّ عليه تَمِيمَةً» فأَدْخلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فبايَعَهُ، وَقَالَ: «مَنْ عَلَّقَ تميمَةً فَقَدْ أشْرَكَ»([3]).

وعن أبي بَشير الأنصاري رضي الله عنه: أَنَّه كان مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفارهِ، فأرْسَلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا أَنْ: «لاَ يَبْقَيَنَّ في رَقَبَةِ بَعيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلاَدَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ»([4])، وهذه إحدى صور التمائم: وهي تعليق القلائد بقصد تتميم الأمور وإكمالها.

ويستفاد من هذا الحديث أنَّ التمائم لم تقف على بني آدم، بل قد تعدَّت إلى الدوابّ والحيوانات وإلى البيوت، فهناك من يُعلِّق نعلًا صغيرًا في مُقدِّمة السيارة أو مؤخرتها، وبعضهم يُعلِّق قدمَ فَرَس في واجهة المنزل أو في المحل مثلًا، وبعضهم يضع بعض المجسمات لبعض الحيوانات في السيارات أو في البيوت ونحوها، وبعضهم يضع سلاسل يصاحبها خَرَز فيها عيون زرقاء ونحو ذلك، ولهذا تكثر هذه القلائد ذات العيون في محلات الذهب ونحوها، ومن يتردد على هذه المحلات يلمس ذلك، لذا وجب التنبيه والتحذير من هذه التمائم.

 بقي أن يقال: إنَّ سبب تحريم هذه التمائم ما فيها من المحاذير:

ومنها: التشبه بفعل أهل الجاهلية، وإحياء شعائرهم ومعتقداتهم الفاسدة الباطلة التي حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها بالبطلان.

ومنها: اللجوء إلى أسباب ليست شرعية ولا مباحة، بقصد دَفْعِ الضرر، لذا فمَن يتعلَّق بهذه الأسباب يُعامَل بنقيض قصده، فقصده هو العلاج والخلاص من هذا الأمر الذي نزل به وحصل له، فلا يتعافى، ويُوكَل إلى هذا السبب الذي تعلَّق به، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»([5]).

ومنها: الوقوع في الشرك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَلَّقَ تميمَةً فَقَدْ أشْرَكَ»([6]).

ومنها: أنَّ المُعلِّق لهذه التمائم ذات الأشكال المختلفة مُعَرِّضٌ نفسه لبراءة النبي صلى الله عليه وسلم منه، والدليل على هذا حديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الْحياةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ، فإنَّ مُحمَّدًا مِنْهُ بَرِيءٌ»([7])، فهذا هو حكم التمائم بالدليل والتعليل.

 وختام هذه المسائل: بيان حكم التمائم من القرآن، وهل تلحق بغيرها من التمائم؟

والجواب: نعم؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك، فإنَّ السُّنة وردت بقراءة القرآن، ولم ترد بتعليقه، وهذا لا بد أن ينتبه له المسلم، وهو أنَّ سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم إنما جاءت بالقراءة على المريض، ولم تأتِ بتعليق الآيات أو تعليق الأدعية، فما دام أنَّ السُّنة لم يثبت فيها شيء من ذلك فلا يجوز للمسلم أن يعمل عملًا غير مشروع -هذا أولًا-.

وثانيًا: أنَّ النهي عن تعليق التمائم جاء عامًّا دون تفريق بين التمائم التي من القرآن وبين غيرها.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "ويدخل في ذلك -أي: في التمائم المنهي عنها- الأوراق المكتوب فيها كتابات حتى ولو كانت من القرآن على الصحيح؛ لأن الأحاديث عامة ليس فيها استثناء، فالرسول صلى الله عليه وسلم عمَّم وأطلق، ولم يستثنِ شيئًا، فدلّ ذلك على أن التمائم كلها ممنوعة"([8]).

وثالثًا: أنَّ المنع من تعليق الآيات فيهِ صونٌ للقرآن، وحفظ له من الإهانة، فمن يُعلِّق التميمة ويَدَّعي أنها من القرآن فإنه يَدْخُل بها الحمام، وينام عليها، وربما يسيل لعابه عليها خصوصًا إن كان من الأطفال، وهذه مفاسد كبيرة من مفاسد تعليق الآيات القرآنية على الصدور أو الرقاب أو العضُد ونحو ذلك.

فعن إبراهيم النخعي رحمه الله: أنه كان يكره المَعاذَةَ للصبيان ويقول: "إنهم يدخلون به الخلاء"([9]).

ورابعًا: تُمنَع هذه التمائم لئلا يتوصل بهذا إلى تعليق غيرها من التمائم المحرمة الشركية شركًا صريحًا.

وخامسًا: يمنع هذا النوع من التمائم لأنَّ تعليقها يؤدي إلى تعطيل سُنَّة الرقية وإهمالها؛ فإنَّ سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم إنما وردت بالرقية، ولم ترد بالتعليق كما تقدَّم.

وهذا المنع من تعليق الآيات وغيرها يشمل المنع منها في البيوت أو السيارات أو المحلات أو غير ذلك.

فالواجب على المسلم أن يتفطن لمثل هذه الأعمال، وأن يكون ناصحًا لنفسه، سائرًا على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم في التوحيد، نابذًا للشرك، سائرًا على هدي من سلف من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

 هذا والله أعلم، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 

([1]) رواه ابن حبان في صحيحه (1391)، وحسَّنه الألباني في صحيح موارد الظمآن (1172).

([2]) رواه أبو داود (3883)، وابن ماجه (3530)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1632).

([3]) رواه أحمد في المسند (17422)، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (492).

([4]) رواه البخاري (3005)، ومسلم (2115).

([5]) رواه الترمذي (2072)، وأحمد في المسند (18781)، وحسَّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3456).

([6]) سبق تخريجه.

([7]) رواه أبو داود (36)، وأحمد في المسند (16996)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (7910).

([8]) مجموع الفتاوى (1/280).

([9]) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (23476).