نعمة الأمطار لا تستجلب بمعصية الله


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد؛

 ففي هذه النسائم الإيمانية أقف معكم مع نعمة ربانية من الله سبحانه وتعالى، يحرص عليها المسلم ويفرح بها الإنسان وهي رزق من الله عظيم، قال الله سبحانه وتعالى فيه: ﵟوَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا ٤٨ لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا ٤٩ﵞ ﵝالفُرۡقَان : ﵘﵔ - ﵙﵔﵜ ، نعمة المطر نعمة عظيمة أنزله الله سبحانه وتعالى ماء مباركًا طهورًا رحمة للبلاد وعلى العباد، يستبشر به العبد يفرح به أهل الزرع، ويرقبه ويبحث عن آثاره أهل الرعي؛ لهذا يجب على المسلم أن يحافظ على هذه النعمة وأن يعرف الطرق التي يستجلب بها هذه النعمة، وأذكر لكم هنا قصة جميلة، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحَابَةٍ،-يقول هذا الصوت-  اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ،-مكان مرتفع من الصخور -  فإِذَا شَرْجَةٌ -فتحة- مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسَحَاتِهِ، -الآلة التي يستعين بها على الزرع، فَقَالَ لَهُ -الرجل الذي سمع الصوت من السحابة-: يَا عَبْدَ اللهِ، ما اسمُكَ؟ قال: فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ، فقال له: يا عبدَ الله، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ، يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا-ما هذا العمل الذي تعمله بحيث أن حدثت لك هذه الكرامة-، فَقَالَ: أمَا إذ قلتَ هَذَا، فَإنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ-على الفقراء والمساكين-، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ».

انظروا وتأملوا إلى هذه الكرامة لهذا الشخص، يُخص باسمه من سحابة في السماء، وتخصه هذه السحابة بهذه النعمة وهي سقي الماء لماذا؟ لأنه جعل ما يخرج من الأرض وهو حصادها وثمرها على ثلاثة أقسام: قسم للفقراء والمساكين، وقسم لعياله، وقسم يردُّه في الأرض ليزرع مرة أخرى وهو في هذه الثلاث مأجور، ففي عياله صدقة ورحمة وبر وصلة، وعلى الفقراء صدقة، وعلى الأرض ستكون صدقة؛ لأنه سيخرج من هذا الزرع محصولًا فيقسمه أيضًا بالقسمة الأولى، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ» ([1]) ، إذًا حفظكم الله من الأسباب التي تستجلب لنا المطر الصدقات، كما أنه من الأسباب التي تستجلب لنا المطر الاستقامة على الطاعات، قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقٗا ١٦} ﵝالجِن : ﵖﵑﵜ ، ومن أعظم الأسباب التي تستجلب بها الأمطار التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، يقول الله سبحانه وتعالى في قصة نوح: ﵟ فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا ١٠ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا ١١ﵞ ﵝنُوح : ﵐﵑ - ﵑﵑﵜ لاحظ: ﵟ فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا ١٠ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا ١١ﵞ ﵝنُوح : ﵐﵑ - ﵑﵑﵜ ، فصب المطر من أسبابه الاستغفار، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يعني جفت السماء وجذبت الأرض أتاه الرجل في خطبة الجمعة يقول له: يا رسول الله هلكت الأموال فادع الله يغثنا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته، فما رأوا الشمس سبتا يعني أسبوعا كاملا، لهذا من الأسباب التي تستجلب بها الأمطار الصلاة -صلاة الاستسقاء- إذا حث عليها أو طلبها ولي الأمر، وأيضا الدعاء وأيضا الدعاء في خطبة الجمعة كما هو حاصل في خطبنا ولله الحمد.

 إن نعمة المطر جلبًا واستدامة لا بد أن تقابل بطاعة الفرد الواحد والاستقامة على طاعته، فالمعصية حفظكم الله سبب للجدب والقحط، تأملوا هذا الأثر عن مجاهد رحمه الله تعالى يقول: : «إِنَّ الْبَهَائِمَ تَلْعَنُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ إِذَا اشْتَدَّتِ السَّنَةُ، وَأُمْسِكَ الْمَطَرُ، وَتَقُولُ: هَذَا بِشُؤْمِ مَعْصِيَةِ ابْنِ آدَمَ» ([2])، وهذا يدل على أن كثرة المعاصي سبب لحرمان الناس من هذه النعمة، وقد دلت الأدلة وخصت الأدلة بعض المعاصي والذنوب.

 من ذلك وهي من الخطورة بمكان: التطفيف في الكي والميزان ومنع الزكاة الواجبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ -ثم ذكر منهن صلى الله عليه وسلم-  وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا ابْتُلُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ، وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ »([3]) إذًا من أسباب حرمان هذه النعمة التطفيف في الميزان، ومنع الزكاة الواجبة بأنواعها سواء كانت زكاة الأموال، الأنعام النقدين التجارة زكاة المحاصيل  الزراعية.

 كما أن أخطر من هذا أن تنسب نعمة المطر إلى غير الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قالَ الله: أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي، وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وأَما مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ»([4])  ، فرد النعمة إلى غير الله سبحانه وتعالى وإسنادها إلى النجوم هذه من المعاصي الكبيرة والخطيرة التي قد يترتب عليها حرمان هذه النعمة، فنعمة الله سبحانه وتعالى من الأمطار لا بد أن تقابل بطاعة الله سبحانه وتعالى.

 فإياكم والحسد البغضاء وإياكم الغيبة إياكم والنميمة إياكم والغش والكذب والخديعة والربا والزنا، وإياكم والفحشاء والبغضاء والمنكر، كل ذلك لا بد أن يبتعد الإنسان عنه، ولابد أن يكون منكسرًا مفتقرًا إلى الله سبحانه وتعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى صلاة الاستسقاء خرج منكسرًا مستغفرًا تائبًا، بذلك تستجلب هذه الأمطار، أما المعاصي فإنها تمنع من هذه النعمة وهذه الرحمة، أو أنها تكون استدراجًا من الله سبحانه وتعالى لصاحبها، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ»([5])  الاستدراج أن يعطى النعمة بعد النعمة وهو يعصي الله لا يشكره حتى إذا أخذه الله سبحانه وتعالى أخذة رابية شديدة قوية.

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزق أوطاننا بالأمطار، وأن يمن علينا بغيث هنيء غدق  سحاء، ينبت الله سبحانه وتعالى به الأرض، ويسقي به البهائم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغيث بلادنا بالأمطار، وأن يزيد محاصلها بالثمار، وصلى الله على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 


 

([1]) رواه الترمذي (2325).

([2]) الجواب الكافي لابن القيم (ص58).

([3]) رواه ابن ماجه (4019).

([4]) رواه البخاري (846)، ومسلم (125).

([5]) رواه أحمد (17349).