دقة بدقة ولو زدت لزاد السقا


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر وأنثى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسلميًا كثيرا.

أما بعد

فحديثي في هذه النسمة الإيمانية والقيمة الأخلاقية عما يهدد هذه النسمات الإيمانية والقيم الأخلاقية، وأنطلق معكم في هذه المحاضرة من موقف وقع للنبي صلى الله عليه وسلم مع أحد الشباب، فقد جاء فتى شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه. -يعني اسكت اسكت- فقال: «ادنه- قربوه مني- ، فدنا منه قريبا قال: فجلس -لاحظ الموقف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم-: «أتحبه لأمك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: «ولا الناس يحبونه لأمهاتهم» قال: «أفتحبه لابنتك؟» قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال: «ولا الناس يحبونه لبناتهم» قال: «أفتحبه لأختك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: «ولا الناس يحبونه لأخواتهم» قال: «أفتحبه لعمتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: «ولا الناس يحبونه لعماتهم» قال: «أفتحبه لخالتك؟» قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: «ولا الناس يحبونه لخالاتهم» فوضع يده عليه وقال-له كلمات عظيمة-: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه»-لاحظوا هذه الدعوات-  فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء([1]) .

 هذا الموقف العظيم يربينا تربية مهمة ويعلمنا قواعد عظيمة، فأول ما نتعلم من هذا الحديث أمورًا:

الأمر الأول: أن الشباب لهم طاقات وعندهم قدرات، ولهم ميولات وكل إنسان مغروز فيه شيء من هذه الشهوات، وقد يكون عندهم شيء من الشبهات، فترك الشباب هكذا بطاقاتهم وبعض الشهوات التي عندهم والشبهات دون احتواء خطر، فلابد من احتوائهم وتقريبهم، والحوار معهم وهذا

 الأمر الثاني: الذي نتعلمه في هذا الموقف، من الأساليب المهمة مع الشباب محاورتهم والنزول معهم إلى مستوى تفكيرهم والارتقاء بهم إلى تفكير سوي ومعتدل، فهذا الشاب الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الزنا محرم لذلك طلب منه الإذن فحاوره النبي صلى الله عليه وسلم؛ والحوار معه هنا ليس من جانب شرعي لأنه يعلم الحكم وليس من العقل هنا أن ينفر فيقال له مثلًا: اتق الله أنت مجنون، ولا أن يشدد عليه، لاحظ الأسلوب النبوي أدناه وقربه وأجلسه وحاوره من جانب عقلي يوقظ الفطرة والغريزة والغيرة والرجولية التي عنده وهذا أمر مطلوب ومهم، ولا يزال النبي صلى الله عليه وسلم يضرب له الأمثال حتى يتقرر في قلبه اعتقاد الحق، أترضاه لامك لابنتك لأختك لعمتك لخالتك وهو يقول: لا لا لا يقول الناس لا يرضونه، كذلك ينبغي أو يجب على المسلم أن ينظر إلى هذا الاعتبار وأن يحاور الأبناء بهذه الطريقة التي توصلهم أو تخرج ما في قلوبهم، أو ما علق في قلوبهم من شهوات أو من معاصي أو من أفكار خاطئة، فهم محتاجون إلى العقلاء والحكماء.

 الأمر الثالث: دعاء نبوي مهم ينبغي أن يعتني به المربي ويعتني به الشاب، وقد احتوى على ثلاثة فقرات: مغفرة الذنوب وتطهير القلب وتحصين الفرج، لاحظ الذنوب للقلب مثل القيود والإنسان المقيد لا يستطيع أن يتحرك قد يرى الحق أو يرى الطريق الصواب لكن لا يستطيع الوصول إليه مقيد والذنوب تقيد المؤمن تقيد المسلم تقيد قلبه، لا تجعله يرى الحق رؤية واضحة أو يراه ولا يستطيع أن ينهض إليه، فمغفرة الذنوب سبب لاستطلاق القلب أو فك القيود عنه،

 الفقرة الثانية: تطهير القلب مما تعلق فيه من شهوات وفواحش ومعاصي لأن القلب كل ما كان الإنسان ينظر ويسمع لابد لهذا القلب من تأثر، ولابد لهذا القلب من تطهير وإلا نكتة بعد نكتة وزلة بعد زلة تعمي هذا القلب فلابد من تطهيره وهذه فقرة مهمة سأرجع إليها،

 الفقرة  الثالث تحصين الفرج وهو أن يحصن فرج الإنسان فلا يقع فعلا في الحرام، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»([2]).

 

الأمر الرابع: هنا حفظكم الله بعد هذه القصة وهذا الموقف لابد نتطرق إلى خطر عظيم وفاحشة خطيرة جدا أثرها على المجتمع فتاك وعلى الفرد خطير، ألا وهي فاحشة الزنا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبعدها عنا ويجنبنا إياها، وأن لا نقربها ويحمي أبنائنا وأسرنا ومجتمعاتنا منها، لماذا لأنها أولًا كبيرة من كبائر الذنوب، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ([3])  وجاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ ، خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأسِهِ كَالظُّلَّةِ  فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ ، رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ» ([4]) .

أي انه ينقص إيمانه نقصانًا كبيرًا بسبب هذه الفاحشة، وأيضًا هذه الفاحشة مضرة على النسب وعلى النسل وعلى الشرف وعلى السمعة، جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الزّنا وَالشَّهْوَةَ الْخَفِيَّةَ» ([5]) ، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَا ظَهَرَ الرِّبَا وَالزِّنَا فِي قَوْمٍ إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللهِ  عز وجل » ([6]) ، إذًا هذه الفاحشة سبب لحلول العذاب والنقمة من الله سبحانه وتعالى، بل إن من خطورة هذه الفاحشة تأملوا هذا الموقف العظيم حفظكم الله، قال صلى الله عليه وسلم: «تفتح أبواب السماء نصف الليل ، فينادي مناد : هل من داع فيستجاب له ، هل من سائل فيعطى ، هل من مكروب فيفرج عنه ، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشارًا» ([7]) ، وكذلك الزاني في هذه الساعة التي ينزل الله سبحانه وتعالى فيها في نصف الليل الأخير ويدعو وما منا إلا وهو مكروب أو مهموم أو عنده ذنب وكل من يدعو يستجيب الله سبحانه وتعالى له إلا هذا الإنسان الذي يقع في هذه الفاحشة، وقد اجتهد أعداء الإسلام ومن يريد نشر الشهوات على الشباب الإسلامي وأغراه ونشر ما يعزز أو يقوي غريزته ووجهه إلى طريق خاطئ وسد عليه طريق الصواب فحرفه عن الحق: ﵟوَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا ٢٧ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵗﵒﵜ ، الله سبحانه وتعالى يريد لنا التوبة يريد أن يخفف عنا؛ لأنه يعلم أن هذا الإنسان ضعيف لكن أهل الشهوات لا يزالون يرمون بنبالهم على شباب الإسلام حتى يوقعوهم في هذه الرذيلة، واليوم في مواقع التواصل الاجتماعي قد سهلت مثل هذه الأمور.

 فعندنا ثلاثة أبواب خطيرة إذا وجدت وقع الإنسان في مثل هذه الرذيلة:

الباب الأول: قوة الانفتاح واليوم الانفتاح قوي قوة الانفتاح.

الباب الثاني: ضعف الوازع الداخلي الديني، ضعف مراقبة الله سبحانه وتعالى.

الباب الثالث: ضعف المراقبة والمتابعة من قبل الآباء أو الأمهات أو المربين.

 هذه المعصية لابد أن يسلك الإنسان أسباب الوقاية منها، ولابد أن يحمي الأبناء من الوقوع فيها، وذلك بأسباب منها:

 أولها: زرع الوازع الديني زرع مراقبة الله سبحانه وتعالى، التقوى ها هنا أن يحيي في قلب الإنسان ضميره الداخلي ولا يحي هذا الضمير ولا يحيى هذا القلب كما في الحديث حتى يطهر، فيراقب العبد ربه ويتمكن التوحيد من قلبه، فلا يتعلق بشهوة ولا يتعلق بفاحشة، أيضًا لا بد أن يزرع في قلبه ما في اليوم الآخر من عذاب وعقاب لمن وقع في هذه الرذيلة، وما له من ثواب وجزاء لمن ترك هذه الرذيلة، وقد جاء في الحديث أن الزناة يوم القيامة في تنور يعلقون في هذا التنور، ويحمون ويحرقون فيها، وقال الله سبحانه وتعالى: ﵟوَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا ٦٨ يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا ٦٩ﵞ ﵝالفُرۡقَان : ﵘﵖ - ﵙﵖﵜ ، مضاعفة العذاب وشدة الإثم بسبب هذه المعصية.

السبب الثاني: أن يعود الإنسان نفسه على غض البصر، والله سبحانه وتعالى يقول: ﵟقُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ ﵞ ﵝالنُّور : ﵐﵓﵜ ﵟوَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّﵞ ﵝالنُّور : ﵑﵓﵜ فغض البصر مهم جدا في حماية القلب من التأثر بهذه الشهوات والنظرة الأولى لك، والنظرة الثانية عليك، النظرة بعد النظرة تثبت الصورة في القلب وإذا تحركت الصورة في القلب نفخ فيها الشيطان وبدأ الشيطان يوسوس ويلعب ألاعيبه في ذلك القلب حتى يكون الإنسان تفكيره في هذه الشهوات، والله سبحانه وتعالى يقول: ﵟوَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا ٣٢ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵒﵓﵜ  قال آهل العلم لا تقربوه أي لا تتعاطوا أسبابه المؤدية إليه.

 

 وهنا تنبيه وتحذير من المعاكسات الذي يقع فيها بعض الشباب وبعض الشبات، فإن المعاكسات نتيجة ثمرة التفكير وكثرة المشاهدات إلى المحرمات، فيسعى الإنسان إلى أن يعاكس عبر مواقع التواصل أو الذهاب إلى الأسواق، وهذا باب خطير محرم يقال فيه كما قيل في الحديث أترضاه لأمك أترضاه لأختك بالطبع لا، يجب على المسلم أن يقف عند هذا الأمر ويتأمل هذا الحال، لأن بعض الشباب وللأسف يصطاد بعض الفتيات التي ليس عندها معرفة أو طيبة فيوقعها في فخاخه بتمنيه أو إغرائها في الزواج أو يضحك عليها ببعض الكلمات، فلابد على الفتيات أن يكونن عاقلات فاهمات مستيقظات لا يضحك عليها أي شاب بأي كلمة.

السبب الثالث: تعليم الشباب الصبر أن يصبر نفسه على أن لا يوقع نفسه في المحرم، الشيء.

 السبب الرابع: تزويج الشباب والشابات وعدم وضع كثير من العقبات أمامهم فلا غلاء للمهور الذي صعب على بعض الشباب وبعض الشابات الزواج.

 وهنا نصيحة لكثير من الآباء أو لبعض الآباء والأمهات يا أخي لا تضع قيود كثيرة وشروط ليست موجودة حتى تزوج ابنتك أو تزوج ولدك في إنسانة غير موجودة في هذا العالم، فلابد على الإنسان أن يكون واقعيًا ويرى المصلحة الأكبر في تزويج أبنائه.

 السبب الخامس: احتواء الأبناء والبنات احتواء حوار احتواء عاطفي، إشباع الغريزة الداخلية بإعطاء عاطفة كافية للأبناء وخصوصًا البنات، البنات يحتجن عاطفة كبيرة يعطيها الأب أو تعطيها الأم للبنات حتى لا تكون  وفريسة سهلة لكل من يلقي في قلبها كلمة وهو من الذئاب البشرية.

 السبب السادس: من وقع في هذه المعصية  عليه أن يبادر بالتوبة، والله سبحانه وتعالى لما ذكر الآية: ﵟوَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا ٦٨ يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا ٦٩ﵞ ﵝالفُرۡقَان : ﵘﵖ - ﵙﵖﵜ قال: ﵟإِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ ﵞ  فهذه نعمة عظيمة من تاب تاب الله سبحانه وتعالى عليه بل بدل الله سبحانه وتعالى جميع السيئات التي كانت حسنات ﵟوَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٧٠ﵞ ﵝالفُرۡقَان : ﵐﵗﵜ ولا تنسوا قصة المرأة التي وقعت في هذه الفاحشة ثم جادت بنفسها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ»([8]) .

 رسالة أخيرة: لا بد أن ينتبه له الإنسان كما تدينه تدان، دقة بدقة ولو زدت لزاد السقة، يقول الشافعي رحمه الله في أبيات جميلة:

يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا ً   ***   سبل المودة عشت غير مكرمِ

لو كنت حرا من سلالة ماجد   ***   ما كنت هتاكا لحرمة مسلمِ

من يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجداره   ***   إن كنت يا هذا لبيبا فافهمِ

كما تدين تدان، والإنسان لا يرضى لنفسه لا تحب لنفسك إلا ما تحبه للناس، وما تكرهه لنفسك يجب عليك أن تكرهه للناس.

 وختاما الله الله في الشباب فإنهم عصب المجتمعات وجيله والمسؤولية كبيرة على الآباء والأمهات والمربين في احتوائهم وتعليمهم وتوجيههم، والصبر عليهم واجتيالهم مما وقعوا من ذنوب أو من معاصي فهم بحاجة إليكم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ولكم، وأن يحمي مجتمعاتنا من هذه الذنوب والمعاصي، وصلى الله على نبينا محمّد.


 

([1]) رواه أحمد (22211).

([2]) رواه البخاري (6474).

([3]) رواه البخاري (2475)، ومسلم (57).

([4]) رواه أبو داود (4690) ، والحاكم (56).

([5]) صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب (2390).

([6]) رواه أحمد (3809).

([7]) السلسلة الصحيحة (1073).

([8]) رواه مسلم (1696).