المخدرات آلام ومهلكات


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد؛

 ففي النسائم الإيمانية إما أن نذكر ما يغذي الإيمان، وإما أن نذكر ما يؤثر على هذا الإيمان، والذي يؤثر على هذا الإيمان قوة فيضعفه وصحة فيمرضه: الذنوب، وكلما كانت الذنوب أكبر كانت أخطر، وكلما كانت الذنوب أكثر ضررًا على الآخرين كانت أشد خطرًا على الإيمان، وسأذكر لكم هنا قصة قصيرة ثم أصل إلى ما أريد، يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَلِكًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلًا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ صَبِيًّا، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأكُلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَوْ يَقْتُلُوهُ إِنْ أَبَى-لاحظوا الرجل عند ملك، والملك يخيره إما أن يفعل واحدة من الأربعة شرب الخمر أو أن يقتل نفسه أو أن يزني أو أن يأكل لحم خنزير إن لم يفعل واحد من هذه الأربعة سيترتب على ذلك قتله، فرأى هذا الرجل أن الخمر أيسر تلك الأمور- ، فَاخْتَارَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَأَنَّهُ لَمَّا شَرِبَ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أرادوهُ مِنْهُ» ([1]) ، يعني لما شرب الخمر قتل وزنا وأكل من لحم الخنزير، هذا يجرنا إلى التحذير من المسكرات، وأشد من المسكرات المخدرات يجب أن تكون دائمًا في أذهان المسؤولين وأذهان الآباء والأمهات؛ لأن هذه المسكرات التي تخامر العقل تنقص الإيمان نقصًا كبيرًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ([2])أي أنها تضعف إيمانه وتنقصه، وهذه المسكرات لها ضرر عظيم وأخطار جسيمة، تعجب من العاقل الذي يتغافل أو يتناساها فيقع في مثل هذه الذنوب: مخاطر صحية، مخاطر نفسية، مخاطر وأضرار مالية أضرار أسرية اجتماعية وطنية، كلها تحدث من وراء المخدرات، فهذا الرجل شرب الخمر فقتل أو زنا وأكل لحم الخنزير والواقع هو ما تسمعونه من أخبار مريرة ومؤلمة من جراء تعاطي المخدرات تجعل الإنسان يقف وقفة مع نفسه ويستيقظ ويحذر من الوقوع في شراك الإدمان، ليس فقط أن لا يقع هو بل أن يكون مساهمًا معاونا لدولته في محاربة مثل هذه المخاطر؛ لأن هذا يعتبر كما يقول أهل العلم من الجهاد في سبيل الله لأن رد المنكرات ومحاربة مثل هذه المسكرات يعتبر من الجهاد العظيم، ويجب على الإنسان أن يكون -خصوصًا الأب والأم- يجب عليه أن يكون يقظًا متنبِّهًا لما يحوم ويحوط أبناءه؛ لأن بعض الناس هو بنفسه لم يكن يتوقع واحد بالمئة أن يكون مدمنًا لكن كما قيل:

تَرجو النَجاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها   ***   إِنَّ السَفينَةَ لا تَجري عَلى اليَبَسِ

من أراد النجاة من شيء فلابد أن يسلك الأسباب لا أن يسلك الأسباب المردية ثم يقول لك: أنا ما كنت أتوقع أني سأكون مدمنًا في يوم من الأيام، فهناك أسباب كثيرة وعوامل لا بد أن تدرس لابد أن تفهم لابد أن يستشعرها الأب، وتستشعرها الأم  من تلك العوامل:

أولًا: العوامل النفسية التي تؤثر على الابن أو تؤثر على الشخص تجعله يتعاطى لكن مهما كانت هذه العوامل النفسية عنده مشكلة أعظم سبحان الله وهي ضعيف النفس لأنه يرى أنه لا يستطيع حل مشكلته فيريد أن يخرج عن هذا العالم وعن التفكير بتناول المسكرات أو تناول الحبوب المخدرة ونحو ذلك، وهذا أيضًا كما سيأتي ليس بحل فإنك لن تخرج من المشكلة إلا بمشكلة أخرى ولن تخرج من فتنة إلا بفتنة أخرى،

 ثانيًا: العوامل النفسية لأن بعض الأبناء شخصيته ضعيفة عنده حب فضول عنده حب استطلاع وهذه نقطة مهمة انتبهوا إليها، أصبح حب الفضول اليوم ممدوح وهو في الحقيقة أمر مذموم، النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»([3]) ، فأصبح بعض الشباب عنده فضول يريد أن يتطلع يريد أن يجرب يريد أن يرى يريد أن يصاحب يريد يريد يريد يريد...حتى يقع في المهالك، فلابد أن يربَّى الطفل على عدم الفضول والبعد عنه وليس كل ما أراده لابد أن يصل إليه.

ثالثًا: العوامل الاجتماعية البيتوتية مثل ما يقولون يعني في البيت: الخلاف الأسري له أثر، الخلاف بين الأب والابن له أثر التفكك الأسري هذه من العوامل التي قد تؤدي إلى سقوط الأبناء في التعاطي والمخدرات.

 رابعًا: العوامل المالية بعض الآباء وبعض الأمهات يعطي عطاءً زائدا، نحن لا نحرم الأبناء فنجعلهم يتطلعون لما في أيدي الغير، وكذلك لا نعطيهم زيادة عن مصروفهم حتى لا يعرف ماذا يفعل بهذا المال، طفل صغير عنده عشر سنوات في جيبه خمس مئة درهم لماذا؟ شاب عمره اثنتا عشر سنة في جيبه سبعة آلاف لماذا؟

 مع كثرة المال والفراغ وعدم التصرف يرسل له مروج مخدرات يبيع أردى أنواع المخدرات وأرخصها التي يتناولها الإنسان بكل سهولة، وهي من أشد الفتك والضرر على عقل الإنسان وعلى شخصيته.

 فالمقصود أنه يعطي المال على قدر حاجته ويشعر بأهميته ويحاسبه محاسبة لطيفة، أين صرفت مبلغ المال كيف صرفته ماذا اشتريت اليوم كذا يحس الابن بالمتابعة.

خامسًا: الإهمال البيتي عدم المتابعة عدم السؤال ترك الحبل على الغارب، بعض الأمهات لا تسأل عن ابنها ما هي اللعبة التي يدخلها وهذا أمر مهم جدا الآن أصبح الترويج للمخدرات عبر الألعاب الالكترونية المباشرة، عبر أجهزة الهاتف، عبر هؤلاء الذين يوصلون البضائع للبيوت دون مراقبة ونحو ذلك، فالأب الذي لا يتابع  لا يعرف ابنه أين نام ومتى نام وماذا أكل وماذا شرب وأين ذهب ومع من ذهب، هذا إهمال والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة»([4]) .

 خامسًا: الصحبة، أنت تحيط ابنك بكل النواحي تحيط ابنك بجميع النواحي ولا تأمن من صديقه إن كان صديقه سيئًا قد يدخل عليه هذه المخدرات، لأن كل مدمن أو كل من وقع في هذا الشر، يريد أن يجمع له أكبر عدد يكون معه في الطريق، فبعضهم يضع لأخيه مخدرًا  من باب المزح وهذا ضرر عظيم ومزحة محرمة، وفيها مفاسد كبيرة جدًا، لذلك الواجب أن يعرف الابن الصديق ومن هو الصديق، وإذا شعر الابن أو شعر الرجل من أخيه أو من صديقه أنه عنده شيء من هذه السلوكيات أن يبتعد عنه.

من المهم معرفة مظاهر المتعاطين حتى يبتعد عنهم فالأب وألام والشاب والشابة لابد أن يعرفوا مظاهر المتعاطين كالعزلة وذهاب الأموال فيما لا يعرف ، تغيرات في كلامه وتفكيره، ظهور العصبية والاكتئاب، تناول حبوب غير معروفة، كل هذه  تعطي إشعارات أو علامات أقل ما فيها أن ترتاب فيمن تصاحب ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ومن من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه.

 فالمقصود لابد لكل أب وأم بالدرجة الأولى أن يربوا أبنائهم تربية إيمانية صحيحة تربية أخلاقية صحيحة تربية توعية أن يكون الابن واعيًا عاقلًا، أن يوجَّه أن يرشد أن يحاط بالصحبة الجميلة، أن يشغل وقت فراغه.

لماذا كثير من العلاجات لا تنفع؟

بعض الناس يقول لماذا كثير من العلاجات لا تنفع، أو كثير من التوعيات لا تنفع؟

وسبب في ذلك يرجع إلى عدة أمور:

الأمر الأول: الشر إذا كان قويًّا وكثيرًا لابد أن تكون هناك مقاومة له مساوية أو أقوى منه، لا يأتي الشر بقوة ويأتي الخير بضعيف، وهذه القوة تستمد من أين؟ تستمد من تعاون المجتمع وتعاون الأفراد مع المؤسسات ومع الجهات التي تحارب هذه الظواهر، وبتعاون الإنسان مع أهل الخير الذين يوجهون ويعلمون، بنشر الخير حتى يقوى في محاربته.

الأمر الثاني: بلا بد في العلاجات ألا نعالج الآثار أو لا نعالج المظاهر يجب علينا أن لا نعالج الأعراض يجب علينا أن نعالج الأسباب، يجب علينا أن نعالج الأمراض نفسها.

الأمر الثالث: يجب علينا تقوية الوقاية في هذا الباب فالوقاية خير من العلاج.

الأمر الرابع: بسبب ضعف الوازع الداخلي الديني فلابد أن يكون الإنسان وازعه كبير بحيث يبتعد عن هذه الأمراض.

الأمر الخامس: أن علاج بعض هذه الأمراض بغير العلاج الصحيح أو من غير المعالج الخبير لا بد في البداية من أن يعرف العلاج ويحسن المعالج وصفه إذا وقع.

الأمر السادس: ترك الأمراض تتفاقم وتكبر فيصعب علاجها، بعض الأسر تترك الأمر حتى ينتشر ويكبر ويتفاقم عند الابن، وهذا الأمر لا يحتاج إلى تأخير بل التأخير يضره.

الخاتمة:

أحبتي هذا داء خطير وضرره كبير، والحالات التي يترتب عليها أو يفعلها المتعاطين على المجتمع وخيمة جدا فإنك تسمع من قتل أمه، وتسمع من يقتل إخوانه وتسمع من يدمر وطنه، وتسمع من يغش أهله ويخون بلاده بسبب مثل هذه الممارسات، وأخيرًا لابد يفهم كل إنسان أنه إذا سلك مثل هذا الطريق فهو طريق موحش ومظلم وخاتمته في الغالب خاتمة السوء، فإن الإنسان إذا  كان وقعًا في مثل هذا الإدمان ولم يخرج منه فإنه غالبًا ما يموت ميتة سوء كما قيل:

أتأمن أيّها السكران جهلاً   ***   بأن تفجاك في السكر المنيّة

فتضحى عبرة للناس طرًا   ***   وتلقى الله من شرّ البريّة

 

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسلمنا ويحفظنا ويبعد عنا مثل هذه المخاطر، وينجي  مجتمعاتنا ويصرف عنا كيد الأعداء والمفسدين، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا وإياكم ويبارك في ذرياتنا وصلى الله على نبينا محمد .

 


 

([1]) رواه الطبراني في المعجم الأوسط (363).

([2]) رواه البخاري (5578)، ومسلم (57).

([3]) رواه الترمذي (2318)، وابن ماجه (3976).

([4]) رواه البخاري (7150).