الأحكام الشرعية للشَّعر


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

 فإننا نحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، و نسأل الله عز وجل أن يرزق الجميع الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل ذلك في موازين أعمالنا يوم القيامة، كتابة اليوم بعنوان: "أحكام الشعر".

والشعر تعريفه عند العرب: نبتةُ الجسم مما ليس بصوف ولا وبر، وجمعه أشعار وشعور وشعار، يقال: رجل أشعر وشَعِر وشعرانيٌ أي: كثيرة شعر الرأس والجسد، ويقابل الشعر الريش في الطيور والحراشيف في الزواحف والقشور في الأسماك، و الشعر هو أهم مميزات جلد الإنسان، هو يغطي مساحة مهمة من الجسم مثل شعر الرأس والحواجب والرموش والذقن والشارب والإبطين وغيرها.

وهذا الشعر من نعم الله عز وجل على عباده فله وظائف متعددة، من وظائف هذا الشعر حماية الجلد من المؤثرات الخارجية، وهكذا حماية الجلد من الحرارة والأشعة المختلفة، فالشعر ينظم درجة حرارة الجسم، فهو يساعد على حماية الجسم من البرودة عن طريق حفظ حرارته في فصل الشتاء، والشعر له أهمية خاصة أيضا في الغريزة الجنسية كما هو معلوم، والشعر يزيد شكل الإنسان جمالا، فهو مظهر من مظاهر الجمال، وهكذا ذكروا للشعر فوائد كثيرة.

 نبدأ بمسألة مهمة وهي مسألة: طهارة شعر الإنسان، فذهب جمهور العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم إلى القول بطهارة شعر الإنسان سواء كان موصولا أم مفصولا عنه، وقالوا أيضا بطهارته في الحياة وبعد الممات، فشعر الإنسان حكمه الطهارة، وهذا هو الصحيح لأن الأصل في الأشياء الطهارة، قال الحافظ النووي رحمه الله: « إذا انفصل شعر آدمي في حياته فطاهر على أصح الوجهين تكرمة للآدمي ولعموم البلوى وعسر الاحتراز» ([1]) ، وهكذا نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله([2])  قول من قال بنجاسة الشعر، وكذلك رحمه الله أيضا نقل قول الحافظ وأيده كما في نيل الأوطار([3]) ، والأدلة على طهارة شعر الإنسان بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حلق شعره بعد انقضاء حجه فرق شعره بين أصحابه، ولو كان نجسا لما ساغ هذا، ولما فرقه النبي صلى الله عليه وسلم وقد علم أنهم يأخذونه يتبركون به ويحملونه معهم، فعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: «لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ»، فَقَالَ: «احْلِقْ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ»، فَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ»([4]) ، فعلم طهارة شعر الآدمي شعر الإنسان، وهذا عام في الحي والميت، ولذلك قال الحافظ الذهبي رحمه الله: «قلت: يتعين على كل مسلم القطع بطهارة ذلك، وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- لما حلق رأسه، فرق شعره المطهر على أصحابه، إكراما لهم بذلك» ([5]) ، هذه مقدمة لا بد منها قبل الدخول في عناوين هذه الكتابة.

 العنوان الأول: أقسام الشعر باعتبار الإبقاء والإزالة، فالشعر باعتبار الإبقاء أو الإزالة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شعر جاء الأمر بإزالته أو تقصيره، ومن ذلك قص الشارب حلق العانة، نتف الإبط، شعر الرأس من نسك من حج أو عمرة، والدليل على ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، -وذكر أيضا- وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ» ([6]) ، هذا القسم الأول باعتبار الإبقاء والإزالة شعر جاء الأمر بإزالته أو تقصيره.

 القسم الثاني: شعر جاء الأمر بإبقائه وحرمة إزالته نحو شعر اللحية وشعر الحاجبين، والدليل على ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَات الْمُتَنَمِّصَاتِ»([7])  ، وهكذا يقول أيضا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ ، وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ» ([8]) ، قال الحافظ النووي رحمه الله: « النامصة هي التي تزيل الشعر من الوجه والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها» ([9]) ، إذًا هذا النوع الثاني شعر جاء الأمر بإبقائه وحرمة إزالته.

 القسم الثالث: شعر سكت عنه الشارع، وهو سائر شعور الإنسان غير ما ذكر سابقا كشعار الساقين واليدين والذي ينبت على الخدين هكذا قال كثير من أهل العلم، هذا القسم اختلف أهل العلم في إبقائه أو إزالته على قولين شعر الساقين وشعر اليدين والذي ينبت على الخدين قال قوم لا يجوز إزالتها لأن إزالتها يستوجب تغيير خلق الله، وقال قوم هذه من المسكوت عنها وحكمها الإباحة وهو جواز إبقائها أو إزالتها لأن ما سكت عنه الكتاب والسنة فهو معفو عنه، وهذا القول لأكثر أهل العلم شعر سكت عنه الشارع فيجوز إبقاؤه ويجوز إزالته، وهذا القول اختاره علماء اللجنة الدائمة رجحوا ذلك، وهكذا رجحه العثيمين رحمه الله([10]) .

 إذاً هذه أقسام الشعر باعتبار الإبقاؤ والإزالة شعر جاء الأمر بإزالته أو تقصيره مثل قص الشارب حلق العانة نتف الإبط شعر الرأس من نسك، شعر جاء الأمر بإبقائه وحرمة إزالته نحو شعر اللحية وشعر الحاجبين شعر عنه الشارع وهو سائر شعور الإنسان غير ما ذكر كشعر الساقين واليدين وغيرها، وهذا اختلف العلماء فيه والراجح جواز إبقائه أو إزالته.

 العنوان الثاني في هذه الكتابة: أقسام الشعر باعتبار حكم حلقه وإزالته ، وهذا يتنوع حكم إزالة الشعر إلى ستة أنواع،

 الأول: ما يكون الحلق أو التقصير فيه طاعة وقربة إلى الله، حلق شعر أو تقصير شعر فيه طاعة لله عز وجل وقربة إلى الله يثاب على ذلك، وهذا لا يكون إلا في سبعة مواضع: حلق رأس الصبي في اليوم السابع لقوله صلى الله عليه وسلم: «كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويُحلق ويُسمى» ([11]) ، إذًا حلق رأس الصبي في السابع فيه قربة إلى الله عز وجل يثاب عليه، الثاني: حلق الرأس من نسك العمرة حلق الرأس من نسك الحج، والله عز وجل يقول: ﵟوَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵖﵙﵑﵜ ، إذًا فيه هذا الحلق ثواب وقربة إلى الله الرابع: حلقه رأس الكافر إذا اسلم جاء فيه حديث: «اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَأَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ» ([12])  ، والخامس: حلق العانة وهذا واجب على الرجال والنساء، والسادس: نتف الإبط وأيضا هذا واجب على الجنسين، حيث لا يتجاوز أربعين يوما هذا وقت حلق العانة ونتف الإبط لما ثبت من أحاديث أن إزالتهما من سنن الفطرة، هكذا أيضا قص الشارب أيضا إذا قص شاربه مخلصًا لله متبعا للأمر الذي جاء بقص الشارب تعبدا فيثاب على ذلك، إذًا شعر هنا من أقسام الشعر باعتبار حكم حلقه وإزالته ما يكون الحلق أو التقصير فيه طاعة وقربة إلى الله حلق رأس الصبي في السابع حلق الرأس من نسك العمرة حلق الرأس من نسك الحج، حلق رأس الكافر إذا أسلم، حلق العانة نتف الإبط قص الشارب، قال صلى الله عليه وسلم: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» ([13]) ،

الثاني: من أقسام الشعر باعتبار حكم حلقه وإزالته: ما يكون الحلق فيه شركا بالله كمن يحلق شعر رأسه على سبيل التذلل والخضوع لغير الله، كما هو مشهور عند المريدين من أصحاب الطرق الذين يحلقون رؤوسهم تذللا وخضوعا لأشياخهم، فهذا النوع يكون فيه حلق الشعر شركا بالله لما اقترن به من الخضوع والتذلل لغير الله تعالى.

الثالث: من الأنواع وأقسام الشعر باعتبار حكم حلقه وإزالته: ما يكون الحلق فيه بدعة مكروهة، كحلق شعر الرأس على سبيل التدين والتعبد في غير المواضع الأربعة المذكورة سابقا، كما يفعل ذلك الخوارج، فقد ثبت في صفتهم من قوله صلى الله عليه وسلم: «سيماهم التحليق» ([14])  فيحلقون شعور رؤوسهم على سبيل التدين والتعبد في غير ما ذكر سابقا في غير نسك الحج والعمرة، فهذا أيضا يكون الحلق بدعة مكروهة.

 الرابع: ما يكون الحلق فيه محرما مثل: حلق شعر الرأس عند المصيبة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن الحالقة التي تحلق رأسها عند المصيبة، هكذا أيضا حلق الشعر على سبيل التشبه بالفساق أو الكفار أو تشبه الرجال بالنساء أو تشبه النساء بالرجال، هذا الحلق محرم والرسول صلى الله عليه وسلم قد لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، وهكذا قال صلى الله عليه وسلم: « مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ([15])، أيضا ما يكون الحلق فيه محرما النمص، فقد ثبت في الحديث الصحيح لعن النامصة والمتنمصة، هكذا أيضا ما يكون الحلق فيه محرما: حلق اللحية حلق شعر اللحية لما ثبت من الأمر بإعفائها في قوله صلى الله عليه وسلم: أعفوا اللحى، وفروا اللحى، أرخو اللحى، وأن في إعفائها مخالفة أيضا للمشركين، إذا ما يكون الحلق فيه محرما كحلق شعر الرأس عند المصيبة حلق الشعر على سبيل التشبه بالفساق أو الكفار أو بالمرأة أو الرجل، أو كذلك النمص وحلق شعر اللحية، هذا ما يكون حلق الشعر فيه محرما.

 الخامس: ما يكون حلق فيه مباحا كحلقه شعر الرأس لحاجة من مرض أو لدفع أذى القمل كحلق سائر جسد الجسم سوى ما جاء الشرع بالأمر بإعفائه والإبقاء عليه، وكقص المرأة شعرها للتجمل والزينة من غير تشبه ممنوع لما ثبت عند مسلم في الصحيح عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن قال: «كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَأخُذْنَ مِنْ رُءُوسِهِنَّ حَتَّى تَكُونَ كَالْوَفْرَةِ» ([16])  يعني الشعر يصل إلى المنكبين.

 السادس: من أقسام الشعر باعتبار حكم حلقه وإزالته: ما اختلف في حكم حلقه اختلف العلماء في حكم حلقه، فمن ذلك حلق شعر الرأس لغير حاجة فمن أهل العلم من كره حلق الشعر الرأس لغير حاجة، ومنهم من أباح ذلك والصحيح الإباحة لأن هذا هو الأصل، كذلك حلق رأس المولودة فمن أهل العلم من كره كون الحلق خاص بالذكور دون الإناث، قالوا الحلق خاص بالذكور، فكرهوا حلق رأس الأنثى، ومنهم من استحب ذلك، وهذا الصحيح لعموم الحديث حلق رأس المولود يوم السابع للذكر والأنثى؛ لأنه جاء فيه العلة إماطة الأذى، وإماطة الأذى عن شعر الأنثى والذكر، وهكذا جاء في حديث فاطمة أيضا رضي الله عنها في الموطأ للإمام مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: «وزنت فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم وتصدقت بزنة ذلك فضة» ([17]) ، إذًا حلق رأس المولودة الراجح أنه مستحب في يوم السابع كالذكر.

نأتي لعنوان مهم جدا أيضا فيما يتعلق بأحكام الشعر: وهو المحظور والمنهي في باب الشعر، وقد يكون فيه إعادة لبعض ما ذكر لكن نلخص ذلك، المحظور والمنهي في باب الشعر، يتلخص في أمور: النهي عن حلق شعر اللحية لما ثبت من الأمر بإعفائها، النهي عن إدامة شعر الإبط والعانة أكثر من أربعين ليلة لما ثبت عند مسلم من قول أنس رضي الله عنه: «وقت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة» ([18]) ، إذًا هذا محظور أن تترك هذه أكثر من أربعين ليلة، أيضا المحظور والمنهي عنه في باب الشعر كما أشرنا النمص وهكذا النهي عن وصل الشعر، والوصل لا يجوز ولو كان بقصد التجمل للزوج لما جاء في الصحيحين أن امرأة جاءت إلى صلى الله عليه وسلم سألته قالت: فَقَالَتْ: يا رسولَ اللهِ إنَّ ابْنَتِي أصَابَتْهَا الحَصْبَةُ، فتمعّط شعرها، وفي رواية: فَتَمَرّقَ شَعْرُهَا، وإنّي زَوَّجْتُهَا، أفَأَصِلُ فِيهِ؟ -سقط شعر رأسها تسأل عن هل توصل هذا الشعر بشعر آخر-فقالَ: «لَعَنَ اللهُ الوَاصِلَةَ وَالمَوْصُولَةَ»([19]) ، فلا يجوز وصل الشعر، أيضا من المحظور والمنهي عنه في باب الشعر: النهي عن تجميع شعر الرأس إلى أعلى بالنسبة للمرأة تشبها بالفاسقات أو الكافرات،  وجاء في الحديث ذمّ ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: ... وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ »([20])  ، فهذا تجميع لشعر الرأس إلى أعلى هذه صفة لهذا الصنف من أهل النار، أما إذا كان الشاعر مجموعة من الخلف من جهة الرقبة فلا بأس به إلا في حالة الخروج فإنه ينبغي على المرأة أن تحرص على أن لا تجعل فيه علامة حتى لا يراها الأجانب وحتى تخفي من زينتها ما استطاعت، أيضا من المحظور والمنهي عنه في باب الشعر: النهي عن التشبه في حلق الشعر أو قصه، كذلك أيضا النهي عن القزع، القزع هو حلق بعض الشعر وترك بعضه، وقد ورد النهي عن ذلك، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن القزع، وجاء الأمر أيضا منه صلى الله عليه وسلم قال: «احْلِقُوهُ كُلَّهُ، أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ»([21]) ، بالنسبة للشعر، ويلاحظ من بعض الناس أنهم يعودون أطفالهم على هذا النوع من أنواع النهي عنه وهو القزع، وهذا ليس من التربية الصحيحة وفق تعاليم الإسلام.

أيضا نأتي لعنوان آخر أيضا: وهو أحوال يحظر فيها إزالة الشعر المباح، هو شعر مباح فيجوز إزالته في الأصل لكن هناك تأتي حالتان يمنع فيها إزالة الشعر المباح الحالة الأولى: حال الإحرام بعمرة أو حج، قال الله عز وجل: ﵟوَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵖﵙﵑﵜ ، إذًا لا يجوز في حالة النسك في حالة الإحرام إزالة الشعر للرجل والمرأة، كذلك أيضا حال أخرى جاء فيها أيضا النهي عن إزالة الشعر المباح، وهو حال دخول عشر ذي الحجة لمن أراد الأضحية ذكرا أو أنثى، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ »([22])  ، هذا الأمر والعلماء اختلفوا هل الأمر للوجوب أم للاستحباب؟ لكن الراجح على ظاهر الحديث أن الأصل في النهي أنه للتحريم، والأمر أصله للوجوب فهاتان حالتان يحظر فيها إزالة الشعر المباح، إزالته في الأصل حال الإحرام وحال دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي،

 عنوان آخر أيضا: نذكر آدابا وسننا متعلقة بالشعر، الترجيل باليمين، ترجيل الشعر تسريح الشعر يستحب الجانب الأيمن الجهة اليمنى هذه من السنن، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء في نعله وطهوره وترجله تسريح شعره، فالسنة أن يبدأ في تمشيط الشعر بالجهة اليمنى هذه من الآداب المتعلقة بالشعر، أيضا من الآداب الادهان والتسريح، فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته، فمن نوى دهان شعره تسريح شعره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فيثاب على ذلك، الفرق أفضل من الإسدال بالنسبة للرجل يفرق شعر رأسه يمينا وشمالا وقد كان صلى الله عليه وسلم يسدل شعره، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وسدل الشعر إرساله وهكذا، جعل الشعر على غدائر إذا طال غديرة والظفيرة بمعنى الذؤابة خصلة من الشعر إذا كانت مرسلة يسمونها العرب غديرة أو  ظفيرة، فهذا أيضا من الأمور المستحبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في صفة شعره أن له أربع غدائر وفي رواية: ظفائر، فهذه كانت من عادة العرب في ذاك الوقت وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم فهي من الأمور المباحة الجائزة، السنة هذه من المسائل بالنسبة للشعر السنة في الإبط النتف لأنه أقل في إنبات الشعر ولأن النتف يضعف إفراز الغدد العرقية والدهنية كما ذكر ذلك أهل الاختصاص لذلك جاء من سنن الفطرة نتف الإبط، هذا هو الأفضل ويجوز حلقه السنة في العانة الحلق لكونه هو الأغلب والأسهل في الإزالة و يزال هذا الشعر باستخدام كل الوسائل المباحة لإزالته.

 مسألة أخرى: السنة في قص شوارب قصها مع حفها لاحلقها لا يحلق الشارب؛ لأنه جاء في الحديث الأخذ من الشارب إحفاء الشوارب وليس الحلق، وجاء عن المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه قال: «ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة قال:  وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك أو قال: أقصّه لك على سواك؟» ([23])، وفي رواية قال: « فوضع السواك تحت الشارب فقص عليه»، وكان الإمام مالك رحمه الله يقول: «يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار»([24]) ، إذًا سنة قص الشوارب مع حفها، أما الحلق للشوارب فهو مخالف للسنة، ومن أصحاب الطرق من يفعل ذلك تعبدا يحلقون شواربهم تعبدا وهذا من البدع التي أحدثوها، أيضا مسألة أخرى: حدود العانة،

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله([25]) : «قال النووي: المراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذا الشعر الذي حوالي فرج المرأة ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فتحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما »، ثم قال: «وقال أبو شامة: العانة الشعر النابت على الركب بفتح الراء والكاف، وهو ما انحدر من البطن فكان تحت الثنية وفوق الفرج وقيل: لكل فخذ ركب وقيل ظاهر الفرج وقيل الفرج بنفسه سواء كان من رجل أو امرأة قال: ويستحب إماطة الشعر عن القبل والدبر بل هو من الدبر أولى خوفا من أن يعلق شيء من الغائط فلا يزيله المستنجي إلا بالماء، ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار »، ثم قال: « وقال بن دقيق العيد قال أهل اللغة: العانة الشعر النابت على الفرج وقيل هو منبت الشعر، وقال: كأن الذي ذهب إلى استحباب حلق ما حول الدبر ذكره بطريق القياس».

 والمقصود أنه ينبغي على المرء أن يزيل الشعر الذي يحصل به مقصد النظافة والتطييب من غير حصول مشقة أو عنت.

 نأتي أيضا مسألة أخرى أيضا من المسائل التي تتعلق بالشعر: صبغ الشعر لا يجوز الصبغ بالسواد ويجوز بالكتم والحناء وما عداه يجوز ما لم تثبت مضارته أو يكون هذا الصبغ حائلا يمنع وصول الماء في الوضوء، أو يكون هذا الصبغ فيه تشبه بغير المسلمين أو فيه مخادعة وغش، فمن هذا الباب لا يجوز، إذًا يجوز صبغ الشعر بالحناء ما عدا اللون الأسود؛ لأنه جاء النهي فيه ويجوز الصبغ بأي مادة ما لم تثبت مضرتها، أو تكون هذه المادة للصبغ تكون حائلا يمنع وصول الماء، أو الصبغ هذا فيه تشبه بغيرنا بغير المسلمين فلا يجوز بسبب التشبه، مسألة أخرى أيضا تتعلق بالشعر: وهي خاصة بالمرأة يجب على المرأة ستر شعرها في حال وجود الرجال الأجانب، أما مع محارمها والنساء مثلها يجوز لها كشف الشعر، ونأتي لمسألة أيضا حكم إطالة شعر الرأس للرجل هل هو سنة أم لا؟ من العلماء قال: إن إطالة الشعر وتربيته للرجال سنة عبادية يعني قربة إلى الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم يطيل شعره، ومنهم من قال إن ذلك من باب السنن الاعتيادية سنن العادة التي لا يؤجر على فعلها ولا يأثم بتركها، وهذا هو الصحيح النبي صلى الله عليه وسلم أطال شعره لأن من عادة العرب عادة قريش إطالة الشعر وهو منهم صلى الله عليه وسلم فهي من سنن العادة لأن سنن العبادة لابد أن يكون فيها ترغيب، أو أمر من الشارع حتى تكون عبادة و سنة يتعبد بها إلى الله عز وجل يتقرب بها إلى الله عز وجل، و هذه مسألة هل هذا الذي من النبي صلى الله عليه وسلم إطالة الشعر وحمل العصا وغير ذلك مما فعله صلى الله عليه وسلم كعربي من قريش، التحقيق في هذا باختصار أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى الجبلة والعادة والتشريع ثلاثة أقسام: القسم الأول: الفعل الجبلي المحض كالقيام والقعود والأكل والشرب فهذا الظاهر أنه لم يفعله صلى  الله عليه وسلم للتشريع لكن فعله يدل على الجواز،  الثاني الفعل التشريعي المحض: كأفعال الصلاة والحج وغيرها في العبادات، الثالث: الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي: هنا يختلف العلماء هل هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعله كعادة وجبلة أنه إنسان أنه من العرب أو فعله كتشريع هنا يختلف أهل العلم، ولذلك هنا اختلفوا في حكم إطالة شعر الرأس فمنهم من قال  مستحب يثاب عليه الإنسان لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال لا، هذا من سنن العادة والعرف فلا يؤجر على فعله ولا يأثم بتركه، هذا يأتي هنا النوع الثالث من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم الفعل المحتمل للجبلي والتشريعي، الضابط في هذا عند أهل العلم أن تكون الجبلة البشرية تقتضيه بطبيعتها لكنه وقع متعلقا بعبادة بأن وقع فيها أو في وسيلة العبادة هذه كالركوب في الحج، والرجوع من صلاة العيد من طريق أخرى والضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر، وجلسة الاستراحة في الصلاة، هذه ذكرت فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعلها، والعلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان ذكر هذا التقسيم أشار إلى هذا التقسيم، وفصل فيه والذي يظهر من هذا التقسيم أن إطالة الشعر في الأصل ليس سنة عبادية، إطالة الشعر في الأصل ليست سنة عبادية إنما هو من باب العادات لكن وجه السنة العبادية في إطالة الشعر هو من جهة أن ذلك وسيلة لمأمور به من التزام أدب الإسلام وسنته في الاعتناء الشعر من الترجيل والادهان والله أعلم.

 نأتي أيضا لمسألة أخيرة من المسائل المتعلقة بالشعر: مشابهة أهل الكتاب لم نؤمر فيه التشبه بغيرنا في مسألة الشعر وفي غيره، وضوابط التشبه المنهي عنه قصد التشبه، فإذا المسلم عمل عملا بقصد التشبه بالكفار أو غيرهم مما ورد النهي عن التشبه بهم فهنا يكون حكم هذا العمل حراما لهذا القصد بقصد تشبه ولو كان الأمر في أصله مباحا لكن القصد لهذا القصد التشبه صار حراما، كمن تقص شعرها مثلا قصا مباحا لكنها بهذه أرادت مشابهة فاسقة أو كافرة فهي بهذا القصد وقعت في المحظور، هذا الضابط الأول قصد التشبه حتى يكون تشبه في الشعر أو في غيره محرما الضابط الأول: قصد التشبه نية التشبه عند هذا الفاعل، الضابط الثاني: ما ورد به النهي تخصيصا في هيئة أو صورة معينة، كالنهي عن النمص والوصل أو النهي عن التشبه في حالة أو هيئة على وجه الخصوص وهنا يكون محرما، الضابط الثالث: ما كان معلوما بالضرورة أنه علامة على ما نهينا عن التشبه بهم وهو من اختصاصهم من خصائص هؤلاء المشركين، فما علم وتحقق اختصاصه الكفار أو بعضهم فعمله حرام بخلاف ما ليس اختصاصا لهم، فهذا لا يدخل في التشبه وإن كانوا يستعملونه إذًا هذه مسألة ضابط بالنسبة للتشبه المنهي عنه قصد التشبه بهم وأن هذا العمل من خصائص هؤلاء الناس في دينهم أو عاداتهم أو أخلاقهم، هنا لا يجوز التشبه بهؤلاء.

و نكتفي بما أشرنا من مسائل وأحكام تتعلق بالشعر ولا شك أن الشعر نعمة من نعم الله عز وجل على عباده، نعمة جمال وكمال للبشر  زين به الرجال وجمل به النساء، والله عز وجل من رحمته بعباده جعل للشعر أحكاما تخصه ليتم بهذا الجمال جمالا ولأنه جهل الناس أحكام الشعر، أكثر الناس في أيامنا جهلوا هذه الأحكام، تأتي هذه الكتابة لبيان الأحكام الشرعية للشعر، وأيضا لبيان عظمة الإسلام، وأن الإسلام اعتنى بكل شيء مما فيه مصلحة للناس، وحذر من كل ما فيه مفسدة ومضرة للناس، فالكلام عن أحكام الشعر في بيان سعة الإسلام وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي ذكرت كل أمر من أمور الناس ليصلح حالهم.

 نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على هذا الدين العظيم، كما نسأل عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل فتنة ومن كل شر، نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمور المسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقهم الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


 

([1]) المجموع شرح المهذب (1/232).

([2]) ينظر: فتح الباري (1/272).

([3])  ينظر: (1/79).

([4]) رواه مسلم (1305).

([5]) سير أعلام النبلاء (13/546).

([6]) رواه مسلم (261).

([7]) رواه البخاري (4886)، ومسلم (2125).

([8]) رواه البخاري (5892)، ومسلم (259).

([9]) شرح صحيح مسلم (14/106).

([10]) ينظر: فتاوى المرأة المسلمة المجلد الثالث.

([11]) رواه أبو داود (2838).

([12]) رواه أبو داود (356).

([13]) رواه مسلم (260).

([14]) رواه أحمد (21531).

([15]) رواه أبو داود (4031).

([16]) رواه مسلم (320).

([17]) الموطأ (11657).

([18]) رواه مسلم (258).

([19]) رواه البخاري (5935)، ومسلم (2122).

([20]) رواه مسلم (2128).

([21]) رواه أبو داود (4195).

([22]) رواه مسلم (1977).

([23]) رواه أحمد (18212)، وأبو داود  (188)، وصححه الألباني.

([24]) الموطأ (2/922).

([25]) فتح الباري (10/343).