أقبل رمضان


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

الحمد لله الذي يوفق من يشاء من عباده إلى الصالحات ويتمم بنعمه عليهم الخيرات وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له عظيم الجود والهبات جعل من دهره للصالحين من رحمته نفحات وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله المؤيد بأعظم المعجزات والمبعوث بأتم الشرائع وختم الرسالات صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ما تعاقبت الدهور والأوقات أما بعد: أيها المسلمون اتقوا ربكم حق التقوى واستمسكوا بعروة دينه الوثقى وقدموا لدار لا تفنى واعلموا أن أعماركم تطوى وأن أعمالكم عليكم تحصى.  عباد الله ها هو شهر رمضان المبارك قد أظلكم بالخير من ربكم ودنت قطوفه بالنعم عليكم فهو شهر خيره لا يعد وأجره لا يحصى وعتقاؤه كل ليلة وأهله يخرجون منه بلا خطيئة تفتح أبواب السماء والرحمة والجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل الجنة من سلم له سلمت له سائر العام فيه ليلة هي خير من ألف شهر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه ويحثهم على استغلاله ولزومه فعن أنس رضي الله عنه قال: «دخل رمضانُ فقال رسولُ اللهِ ﷺ إنّ هذا الشَّهرَ قد حضركم وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ من حُرِمها فقد حُرم الخير كلَّه ولا يُحرمُ خيرَها إلّا محرومٌ َ ». وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أتاكُم رَمضانُ شَهرٌ مبارَك، فرَضَ اللهُ عليكُم صيامَه، تُفَتَّحُ فيهِ أبوابُ السَّماءِ، وتغَلَّقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتُغَلُّ فيهِ مَرَدَةُ الشَّياطينِ، للهِ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ». فنافسوا الزمان أيها الناس وسابقوا اللحظات وجاهدوا في جميع الأوقات فالسعيد من عرف شرف زمانه فاغتنمه والمحروم من فرط فيه وضيعه فانتبهوا لشهركم عباد الله فإن بلوغه اصطفاء لكم من ربكم واعلموا أنه محطة لزاد سفر بعيد فتعاقب الشهور ومجيء رمضان عاما بعد عام معناه دنو الآجال وانقضاء الأعمار والارتهان بالأعمال فالناس يتخطفون من حولكم والأحباب يرتحلون عنكم والأصحاب يفارقونكم وقد أملوا ما تؤملون وحدثوا أنفسهم بما سيعملون فقطعتهم المنايا وغيبتهم القبور وارتهنوا فيها بما قدموا وقد أنذرتم مصيرهم وأيقنتم باللحاق بهم فالمرد إلى الله فانظروا أي بضاعة تحملون وبأي حال على ربكم ستقدمون فرمضان محطة تزود يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر فهو شهر قيام وصيام ومجاهدة وتلاوة قرآن وليس بشهر طعام وكسل ونيام والدنيا سوق متاجرة والعمر أقصر من أن يضيع منه لحظة فتفكروا في عواقب الدنيا وخذوا الحذر واعلموا أن الطريق بعيد فتأهبوا للسفر كان أبو ذر رضي الله عنه يصيح في الناس قائلا: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ، إِنِّي عَلَيْكُمْ شَفِيقٌ، صَلُّوا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لِوَحْشَةِ الْقُبُورِ، صُومُوا فِي الدُّنْيَا لِحَرِّ يَوْمِ النُّشُورِ، تَصَدَّقُوا مَخَافَةَ يَوْمٍ عَسِيرٍ». فالله الله في استغلال المواسم والنفحات ومسابقة الدقائق واللحظات شهر قصير لا يحتمل التقصير ونفحة عابرة قد لا تقبل العودة وقد بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له وجاءته الجُنة فلم يتحصن فيها وصبت عليه الأجور فلم يتزود منها. أيها المسلمون يقول ربكم جل في علاه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) هذه آية فرضية الصيام و فيها بيان الحكمة منه وهي تحصيل التقوى لعلكم تتقون وبيان الحكمة إنما هو ليجتهد الناس في تحصيلها ويزن صيامهم بها فمن لم يُحصل بصيامه التقوى فصيامه ليس هو الصيام الذي أراده الله منه ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ليس الصِّيامُ من الطَّعامِ والشَّرابِ إنّما الصِّيامُ من اللَّغوِ والرَّفثِ» وقال عليه الصلاة والسلام: « من لم يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للهِ حاجةٌ بأن يدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ».

فالصيام إنما هو حفظ الجوارح والابتعاد عن الآثام والاجتهاد في طاعة الرحمن وهذه حقيقة التقوى« فإذا كانَ يومُ صومِ أحدِكُم فلا يرفُثْ، ولا يصخَبْ، فإن شاتمَهُ أحدٌ أو قاتلَهُ، فليقل: إنِّي امرؤٌ صائمٌ ». فمن لم يحفظ جوارحه وقت صيامه فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش قال جابر رضي الله عنه: « إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ ، وَبَصَرُكَ ، وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً ». فأهون الصيام ترك الطعام والشراب وقد كان له من الصحابة ومن بعدهم إذا صاموا جلسوا في المساجد وقالوا نحفظ صيامنا وأهم ما يُعين على ذلك ملازمة تلاوة القرآن وشغل الأوقات به فهو من أعظم أسباب حفظ الجوارح وزيادة التقوى ورمضان شهر القرآن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يكثر من تلاوة القرآن ومدارسته في رمضان وكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة يدارسه القرآن وكان عليه الصلاة والسلام يقول للناس: « الصِّيامُ و القرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ، يقولُ : الصِّيامُ: أيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعامَ و الشهوةَ، فشفعْني فيهِ، و يقولُ القرآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِالليلِ، فَشَفِّعْنِي فيهِ، قال: فيشفعانِ». فليل رمضان جهاد في تلاوة القرآن ونهار رمضان جهاد في حفظ الجوارح من الآثام والمحروم من حرم الخير في هذا الشهر والملوم من فرط في استغلال أفضل أيام الدهر فاللهم سلمنا إلى رمضان وسلم لنا رمضان وتسلمه منا متقبلا يا رحمن.