خلقتم للعمل في رمضان


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فإنما توعدون لات وما أنتم بمعجزين أيها الناس لماذا خلقتم؟ أليس للعمل أليس العمل هو الذي يخرج من الدنيا مع الإنسان وحده؟ أليست الدنيا مزرعة وسوق قائمة؟ أليست مواسمها حث وتنشيط للعمل؟ أليست الأعمار رأس الأموال؟ أليست حياة الاخرة مرهونة بعمل الدنيا يقول الله عز وجل من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون المسلمون من تفكر في عواقب الدنيا اخذ الحذر ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر فالبدار قبل الفوات فالدنيا دار عمل والمؤمن فيها كغريب نزل ببلدة او عابر سبيل استظل تحت شجرة يقول عليه الصلاة والسلام كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل فالغريب لا يعمر دار الغربة والمستظل لا يبني تحت الشجرة فالدنيا سفر ومعبر وليست بدار مقر يقول عليه الصلاة والسلام إنما يكفي احدكم إذا كان في الدنيا مثل ذات الراكب فمن استكثر منها ثقل عن حمله يقول عليه الصلاة والسلام إن امامكم كؤودا لا يجوزها المثقلون فانتبه يا عبد الله قد جد بك السير ونودي عليك بالرحيل فيوشك أن تحط ركابك بين الموتى فلست تسمع الا كان ثم مضى ويلحق الاخر الباقي والناس في سكرة من خمر جهلهم وافصحوا في عسكر الأموات لو شعروا فتعاقب الشهور عبر ومجيء رمضان عاما بعد عام التي كر كم من احباب كانوا معنا واملوا ما املنا اتاهم ما سيأتينا. قيل لعطاء السلمي في مرضه الذي مات فيه كيف أنت؟ قال الموت في عنقي والقبر في يدي والقيامة موقفي وجسر جهنم طريقي ولا أدرى ما يفعل بي وكان ابو ذر رضي الله عنه وارضاه يقول للناس يا أيها الناس اني لكم ناصح اني عليكم مشفق صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور وصوموا الدنيا لحر يوم النشور وتصدق فتفكروا عباد الله لما امامكم واستعدوا لحياتكم فالخير بحذافيره في الجنة والشر بحذافيره في النار وان الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فلا تسوف يا عبد الله فمن اطال الأمل وسوف في العمل لن يستيقظ الا اذا رأى الأهوال وفات وقت العمل ولات حين مناص كلا اذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وانى له الذكرى ليس الان وقت التذكر ولا ينفع التمني يا ليتني قدمت لحياتي ما ثم هناك الا الندم وتذكر التفريط في العمل يوم يتذكر الإنسان ما سعى كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا فمن الموت ينقطع العمل وتبدأ حياة البرزخ حتى إذا جاء الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائدها قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون  وفي البرزخ اهوال وزلازل وفتن وامت لا مؤنس فيه الا العمل إن كان صالحا والا فلا يزال معذبا فيه حتى يبعثه الله عز وجل تذكر يا عبد الله تذكر ما امامك لعل افاقة تحصل وعملا يحصل وعمرا يستغل تذكر يوم الله الاخر يوم ينفخ في الصور يوم يخرجون من الأجداث سراعا ونفخ في الصور فاذا هم من الأجداث الى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعث من مرقدنا هذا قول الكافرين فيجيب اهل الايمان هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت الا صيحة واحدة فاذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون في هذا اليوم عباد الله تفزع الخلائق ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض لان الكرب عظيم يوما عبوسا قمطريرا يوما كان مستقرا يوم يدعو الداع وهو اسرافيل عليه الصلاة والسلام يوم يدعو الداعي الى شيء نكر اي الى امر فظيع تنكره الخليقة لأنها لم ترى منظرا أفظع ولا اهون منه خشع ابصارهم اي من الهول والفزع خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة خشعت منهم الأبصار وانقطعت الأصوات يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع حمسا يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر اي من كثرتهم يوم يكون الناس كالفراش المبثوث مهطعين الى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر وكان يوما على الكافرين عسيرا فاذا نفخ في الناقور اي نفخ في الصور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير في هذا اليوم أيها الناس ترجف الراجفة ثم تتبعها الرادفة تمتلئ القلوب خوفا وهلعا قلوب يومئذ واجفة ابصارها خاشعة وانذرهم يوم الأزفة اذ القلوب لدى الحناجر كاظمين خافت خافت القلوب واكتظمت الأصوات في الحناجر الأصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار عباد الله ما أعظم هول يوم القيامة نفخ في الصور ففزع الخلائق قياما لربهم قد احاط الهول بهم سماء فوقهم تتشقق ثم تبسط ويكويها الجبار بيمينه وغمام يثور ثوران الدخان وملائكة تتنزل تحيط بالناس صفوفا ورب العزة يجيء لفضل القضاء بين العباد وجبال تطير كالسحاب وارض تزلزل وترجف رجفة بعد رجفة وترج رجا وبحار تسجل وتنقلب نارا والشمس تكور والقمر يخسف والنجوم تطمس والطيور والوحوش تحشر مع الناس والشياطين فتشخص الأبصار وتصل القلوب الى الحناجر ويشتغل كل امرئ بما فيه ويفر الإنسان من امه وابيه وصاحبته وبنيه ويطول على الناس الموقف في يوم كان مقداره ألف سنة لا شراب ولا طعام بل يغرقون في العرق يوم التلاقي يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب واشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء يشهد الأنبياء بالبلاغ ويشهد الشهداء من الملائكة على اعمال بني آدم وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو اعلم بما يفعلون في هذه الأهوال يؤتى بجهنم تجر جراء يجرها اربعة الاف وتسعمئة مليون ملك فتزفرالزفرة فتجث الأمم منها على الركب فيزداد فزع الخلائق فيولون مدبرين ينادي بعضهم بعضا يوم التناد يوم تولون مدبرين ولكن اين المفر؟ ما لكم من الله من عاصم؟ الى ربك يومئذ المستقر والملك على ارجائها يتلقفونهم فيردونهم الى محشرهم وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا بل هم اليوم مست وفي هذا الهول تتطاير صحائف الأعمال ويبدأ العرض على الجبار ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم واخر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية وعرضوا على ربك صفا لقد جئتومنا كما خلقناكم اول مرة بل زعمتم ان لن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة احصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا وفي هذه الشدة الشديدة يقول الله تبارك وتعالى يا ادم فيقول لبيك وسعديك فيقول اخرج بعث النار من ذريتك فيقول يا رب كم أخرج؟ فيقول الله من كل ألف تسعمئة وتسعة وتسعون قال فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وتر الناس سكارى وما هم بسكارى عذاب الله شديد متفق عليه يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا ثم يوضع الميزان قال عليه الصلاة والسلام فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعت ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل اتينا بها وكفى بنا حاسبين نعم أيها المسلمون ثم الصراط على متن جهنم وهو ادق من الشعر واحد من الموس وعلى حافتيه كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت بأخذه فيمر الناس على قدر اعمالهم قال عليه الصلاة والسلام واخرهم يتلبط على بطنه فيقول يا ربي لما ابطأت بي؟ فيقول أبطأ بك عملك فالعمل العمل عباد الله والبدار البدار كل الناس يغدوا فبايع نفسه فمعتقها او موبقها فاعتقوا انفسكم في زمان الإمكان ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة فانتبهوا لدنياكم فإنها ساعة عمل ومحطة تزود لا سيما وأنتم في شهر حفته الفضائل وفتحت للمقبلين عليه الجنان واوصدت النيران واغلت الجان ولم يبق الا تلبية يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر أقصر فيا حسرة من فرط ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع . أيها المسلمون من رحم في رمضان فهو المرحوم ومن حرم خيره فهو المحروم ومن لم يتزود فيه لميعاده فهو الملوم شهر ألف والهبات وها هو قد بدا في توديعكم ولم يبق منه الا القليل نهايات تزداد فيها الحسرات ولحظات تسكب فيها العبرات ولا عجب من اسف على فوات الخيرات ايام ليس لها في الدهر مثلها صفدت فيها الشياطين وفتحت فيها ابواب السماء وغلقت ابواب الجحيم ونادى فيها المنادي يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر أقصر ايام الذنوب فيها تغفر والعد كل ليلة والدعاء لا يرد يقول عليه الصلاة والسلام من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ولكن أيها المسلمون الخير فيما بقي كثير كيف لا؟ وأنتم في اول العشر التي فيها ليلة القدر وهي الليلة التي عظم شرفها فرصة العمر وغرة الشهر وفوز الدهر عظمها الله تعظيما ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر اي من عبادة الف شهر وذلك خيرها وبركتها قال الله تنزل الملائكة والروح فيها قال الامام ابن كثيرأي يكثروا تنزل الملائكة في هذه الليلة بكثرة بركتها انا انزلناه في ليلة مباركة يقول الصلاة والسلام ان الملائكة تلك الليلة في الأرض اكثر من عدد الحصى ليلة امن وسلام من كل مكروه سلام هي حتى مطلع الفجر فيا اهل التنافس يا باغي الخير اقبلوا هذا ميدانكم واياكم والغفلة يقول عليه الصلاة والسلام ان هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من الف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله لا يحرم خيرها الا محروم وقال عليه الصلاة والسلام لله فيها ليلة هي خير من الف شهر من حرم خيرها فقد حرم

 أيها المسلمون الليالي معدودة والأيام قليلة يقول عليه الصلاة والسلام اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان. ولكن في اي العشر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انها ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وليلة خمس وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة تسع وعشرين وفي اخر ليلة من رمضان وهذا يدل على انها ليست ثابتة في ليلة معينة بل تتنقل بين ليالي العشر قال الامام النووي عليه رحمة الله وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك ولا طريق الى الجمع بين الأحاديث الا بانتقالها وليعلم ان ليالي الأوتار ارجى من الأشفاع لقوله عليه الصلاة والسلام تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان. وقال عليه الصلاة والسلام التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في الوتر . وارجى الأوتار ليلة سبع وعشرين حلف على ذلكم ابي بن كعب كما عند مسلم ولليلة القدر علامات ظاهرة يكون عليه الصلاة والسلام ان امارة ليلة القدر انها صافية بليجة اي مشرقة كان فيها  قمرا ساطعا ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب ان يرمى به فيها حتى تصبح وان امارتها ان الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس فيها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل للشيطان ان يخرج معها.  فتداركوا انفسكم عباد الله بادراكها واحيائها ايمانا واحتسابا ولكم في رسول الله عليه الصلاة والسلام قدوة واسوة عائشة رضي الله عنها وارضاها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر شد مئزره واحيا ليله وايقظ اهله. ولمسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر اخي ما لا يجتهد في غيره وكان عليه الصلاة والسلام يعتكف في المسجد ايام العشر يطلب فيها ليلة القدر فكان يعتزل الناس ولا يخالطهم قطعا لأشغاله وتفريغا لباله ولذلك قال العلامة ابن رجب معنى الاعتكاف وحقيقته قطع العلايق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق  فرمضان شهر الجهاد جهاد بالليل على القيام وتلاوة القرآن وجهاد بالنهار على الظمأ والصيام فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بحقوقهما وصبر عليهما وفي اجره بغير حساب فاجتهدوا عباد الله فالأنفاس معدودة والآجال مضروبة وكل الناس يغدوا ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون واكثروا من قول اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني ففي الصحيح ان عائشة رضي الله عنها وارضاها قالت يا رسول الله ارأيت ان وافقت ليلة القدر ما اقول وفي رواية ان وفقت الى ليلة القدر أقول فاعرفوا أيها المسلمون اعرفوا شرف زمانكم واعرفوا قدر النعمة التي بلغكم الله اياها فخلصوا انفسكم بالصيام من النيران يقول عليه الصلاة والسلام الصيام جنة وحصن حصين من النار وتذكروا قول نبيكم ان لله تبارك وتعالى عتقاء في كل في كل يوم وليلة وان لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة فسلوا الله من فضله فأبواب الخير مفتوحة وتذكروا قول رسولكم بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له واعلموا ان الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل والصلاح كله في الاستعداد للقاء الله واتباع الهدى فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشق ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى فشمروا يا اهل الصيام والقيام فهذا شهركم والموعد الجنة يقول عليه الصلاة والسلام ان في الجنة غرفاء يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها اعدها الله لمن اطعم الطعام وتابع الصيام بالليل و صلى والناس نيام.