إن الشرك لظلم عظيم


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد:

فإننا نحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، كما نسأله عز وجل أن يجعل ذلك في موازين أعمالنا يوم القيامة، كتابة اليوم بعنوان: إن الشرك لظلمٌ عظيم.

 قال الله عز وجل: وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ ١٣ﵞ ﵝلُقمَان : ﵓﵑﵜ ، قال ابن سعدي رحمه الله: "قال له قولاً به يعظه بالأمر والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب، فأمره بالإخلاص، ونهاه عن الشرك، وبين له السبب في ذلك، فقال: إن الشرك لظلم عظيم، ووجه كونه عظيماً أنه لا أفظع وأبشع ممن سوى المخلوق من تراب بمالك الرقاب، وسوى الذي لا يملك من الأمر شيئاً بمن له الأمر كله، وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوى من لم يُنعم بمثقال ذرة من النعم، بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم وأبدانهم إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء، فلا أعظم ظلماً ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه الشريفة فجعلها في أخس المراتب جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئاً، فظلم نفسه ظلماً كبيرا"([1]) انتهى كلام ابن سعدي رحمه الله.

 من خلال مقدمة هذه الكتابة، وتفسير عنوان الكتابة إن الشرك لظلم عظيم، من كلام ابن سعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الثالثة عشر من سورة لقمان.

المؤمن إذا حقق التوحيد خاف من الشرك بأنواعه، وإذا خاف من الشرك كان حريصاً على البعد من الشرك، فأثمر خوفه من الشرك بثمرات كثيرة، منها: أن يكون عالماً بالشرك بأنواعه، حتى لا يقع فيه، وأن يكون متعلماً للتوحيد بأنواعه حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك، ويعظم أن الخائف من الشرك يكون قلبه دائم الاستقامة على طاعة الله مبتغياً لمرضاته.

الشرك: هو إشراك غير الله معه في أي نوعٍ من أنواع العبادة، وقد يكون أكبر وقد يكون أصغر، وقد يكون خفياً ،معرفة هذه الأنواع من باب معرفة الشر مخافة الوقوع فيه، الشرك بالله تعالى هو أكبر الكبائر على الإطلاق، وهو الذنب الذي لا يغفره الله تعالى.

قال الله عز وجل: إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُا ٤٨ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵘﵔﵜ ، استدل كثيرٌ من العلماء بالآية الثامنة والأربعين من سورة النساء استدلوا بها وبغيرها من الآيات على أن الشرك بأنواعه لا يدخل تحت المغفرة إلا بالتوبة منه، بدليل قوله تعالى: { وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُا  }، فجعلوا الآية دليلاً على أن الشرك الأصغر والخفي والأكبر لا يدخل تحت المشيئة.

وعلى قولهم: فإن الخوف من الشرك بأنواعه واجبٌ على كل مسلم، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: « إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ »([2]) فسئل عنه فقال الرياء ، والحديث رواه أحمد وغيره وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب اثنان وثلاثون، وكذلك في صحيح الجامع الصغير.

فحقيقة الشرك بالله عز وجل أن يُعبد غيره أو أن يعبد المخلوق كما يُعبد الله تعالى، أو يُعظم كما يعظم الله عز وجل، أو يصرف له نوع ٌمن خصائص الربوبية والألوهية، هذه حقيقة الشرك بالله عز وجل، أما تعريف الشرك بالله عز وجل لغة وشرعاً:

فالشرك في لسان العرب يُطلق على التسوية وعلى النصيب، وعلى المخالطة، وعلى حبالة الصائد، قال الأزهري في تهذيب اللغة: "الشرك بمعنى الشريك وهو بمعنى النصيب، وجمعه أشراكٌ كشبرٍ وأشبار"([3]) .

أما في الشرع فيقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: "أصل الشرك أن تُعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده"([4]) وممكن أن يُعرف الشرك بأنه مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله.

وابن القيم رحمه الله له كلامٌ قيمٌ في حقيقة الشرك أنقله لكم: "حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به، هذا هو التشبيه في الحقيقة لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعكس من نكس الله قلبه، وأعمى عين بصيرته، وأركسه بكسبه، وجعل التوحيد تشبيهاً والتشبيه تعظيماً وطاعة، فالمشرك مشبهٌ للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، ثم قال: فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده، فمن علق ذلك بمخلوقٍ فقد شبهه بالخالق وجعل ما لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا فضلاً عن غيره جعله شبيهاً لمن له الأمر كله، فأزمة الأمور كلها بيديه، ومرجعه إليه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، بل إذا فتح لعبده باب رحمته لم يمسكها أحد، وإن أمسكها عنه لم يرسلها إليه أحد، فمن أقبح التشبيه تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات تشبيه بالقادر الغني بالذات"([5]) انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره كلام المنان: "حقيقة الشرك بالله أن يُعبد المخلوق كما يُعبد الله، أو يعظم كما يُعظم الله، أو يُصرف له نوعٌ من خصائص الربوبية والألوهية"([6]) انتهى كلامه رحمه الله.

فما هو أول شركٍ حصل من بني آدم ما هو سببه؟

سبب أول شركٍ حصل في بني آدم هو الغلو في الصالحين وقبورهم، يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: " وَأَصْلُ الشِّرْكِ فِي بَنِي آدَمَ: كَانَ مِنْ الشِّرْكِ بِالْبَشَرِ الصَّالِحِينَ الْمُعَظَّمِينَ. فَإِنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا: عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ. فَهَذَا أَوَّلُ شِرْكٍ كَانَ فِي بَنِي آدَمَ. وَكَانَ فِي قَوْمِ نُوحٍ. فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. يَدْعُوهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ. وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الشِّرْكِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} "([7]) انتهى كلام شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى سبعة وعشرون صفحة تسعة وسبعين.

ويقول ابن سعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية في سورة نوح فقالوا: {لا تذرن آلهتكم ولا .. ونسرا}، قال ابن سعدي رحمه الله: "هذه أسماء رجالٍ صالحين لما ماتوا زين الشيطان لقومهم أن يصوروهم، لينشطوا بزعمهم على الطاعة إذا رأوها، ثم طال الأمد وجاء غير أولئك فقال لهم الشيطان إن أسلافكم كانوا يعبدونهم، ويتوسلون بهم، وبهم يسقون المطر فعبدوهم"([8]) انتهى كلام ابن سعدي رحمه الله.

من خلال هذه المقدمة لهذه الكتابة علمنا خطورة الشرك فما هي فائدة معرفة الشرك، ما هي الفائدة من الكلام عن الشرك بأنواعه، الشرك بالله عز وجل وذكر أنواعه وبيان خطورته؟

أخرج البخاري ومسلمٌ من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: "كان الصحابة يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي "([9])

إذاً نعرف الشرك حتى لا نقع فيه، وهذا المعنى تمثل به أحد الشعراء بقوله:

عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه          ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه

 

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً إِذَا وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْجَاهِلِيَّةَ "([10]). فإذا لم يعرف الناس الشرك بأنواعه، فيكونون في جاهلية في أمور دينهم، ومن هنا يتلخص لنا أن في معرفة الشرك الحذر من الوقوع فيه، المحافظة على الدين والتوحيد، إذا عُرف الشرك وظهر له بطلانه عرف ضده وهو التوحيد، بل لا يعرف العبد حقيقة التوحيد وفضله حتى يعرف ضده وهو الشرك، كما قيل: فالضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتبين الأشياء.

هنا فائدة لابد أن نذكرها: الكفر أشمل من الشرك، فكل شركٍ كفر، وليس كل كفرٍ شركاً، من أمثلة ذلك: الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بالقرآن فإنه كفر وليس شركاً كما قال الله عز وجل: وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ ٦٥ لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡﵞ ﵝالتَّوبَة : ﵕﵖ - ﵖﵖﵜ ، الكفر يطلق على الجحود والإلحاد والنفاق والاستكبار والاستحلال والإعراض، هذه كلها داخلة في الكفر، أما الأمور الشركية كعبادة غير الله من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم، ودعائهم من دون الله وطلب الحوائج منهم، وعبادتهم عبادة كاملة مع نسيان الله بالكلية، فهذا يطلق عليه شركٌ وكفر، كما قال العلماء.

يقول العسكري رحمه الله في كتابه الفروق: " أَن الْكفْر اسْم يَقع على ضروب من الذُّنُوب فَمِنْهَا الشّرك بِاللَّه وَمِنْهَا الْجحْد للنبوة وَمِنْهَا استحلال مَا حرم الله وَهُوَ رَاجع إِلَى جحد النُّبُوَّة وَغير ذَلِك مِمَّا يطول الْكَلَام فِيهِ واصله التغطية "([11]) انتهى كلامه.

ويقول ابن سعدي رحمه الله: "الكفر أعم من الشرك، فمن جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه بلا تأويلٍ فهو كافر سواء كان كتابياً أو مجوسياً أو وثنياً أو ملحداً أو مستكبراً أو غيرهم، سواء كان معانداً أو كافراً ضالاً أو مقلداً"([12])،إذاً علمنا من خلال هذه الفائدة أن الكفر أشمل من الشرك.

 نتكلم الآن عن أقسام الشرك، لنعرف هذه الأقسام ونحذر الوقوع في هذه الأقسام، من نظر إلى الشرك عموماً فإنه يقسمه العلماء على حسب أنواع التوحيد الثلاثة فيقال: شركٌ في الألوهية وشركٌ في العبودية، وشركٌ في الأسماء والصفات.

ومن العلماء من نظر إلى شرك الألوهية فإنه يقسمه إلى شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي، وهذا هو المشهور، فنتكلم عن الشرك بهذه النظرة عند كثير من العلماء، فأقسامه ثلاثة:

شرك أكبر.

وشرك أصغر.

وشرك خفي.

رغم أن الشرك الخفي تحت الشرك الأصغر من أنواع الشرك الأصغر، لكن كثيراً من أهل العلم أفردوه بقسمٍ ثالث لخفائه على كثيرٍ من الناس.

 

أول أقسام الشرك: الشرك الأكبر، هو أن يجعل الإنسان لله نداً في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته، وهو أعظم ما نهى الله عنه، وأشد أنواع الظلم، وأكبر الكبائر، نعوذ بالله منه، فمن جعل لله تعالى في ربوبيته شريكاً، في ربوبيته أي في أفعاله، جعل لله تعالى في ربوبيته شريكاً فقد أشرك بالله تعالى الشرك الأكبر، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى فقد أشرك الشرك الأكبر، كالدعاء والخوف والرجاء والخشية والتوكل والاستعانة والاستغاثة والسجود والذبح والنذر وغيرها، ومن جعل لله تعالى نداً في أسمائه وصفاته، فقد أشرك بالله الشرك الأكبر.

أضرار الشرك الأكبر، لا شك أن له أضراراً كثيرة:

أولاً: إنه أعظم الظلم، إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ ١٣ﵞ ﵝلُقمَان : ﵓﵑﵜ ، أعظم الظلم وأكبر الكبائر على الإطلاق الشرك الأكبر.

ثانياً من أضراره: أنه يحبط العمل، قال الله عز وجل: وَلَوۡ أَشۡرَكُواْ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٨٨ﵞ ﵝالأَنعَام : ﵘﵘﵜ.

من أضرار الشرك الأكبر: أن صاحبه خالد مخلد في النار، لا يغفر الله له إلا بالتوبة، يقول الله عز وجل: إِنَّهُۥ مَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ ٧٢ﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵒﵗﵜ .

من أضرار الشرك الأكبر: صاحبه تحرم مناكحته لقوله تعالى: وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْ ٢٢١ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵑﵒﵒﵜ.

من أضرار الشرك الأكبر: أن صاحب الشرك الأكبر تحرم ذبيحته لقوله تعالى: وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ ١٢١ﵞ ﵝالأَنعَام : ﵑﵒﵑﵜ ، استثنى أهل الكتاب بالدليل، فلا تحرم النكاح من المحصنات منهم، ويجوز أكل ذبائحهم المذكاة.

من أضرار الشرك الأكبر: صاحب الشرك الأكبر لا يرث ولا يورث ولا يُصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين.

االقسم الثاني من أقسام الشرك: الشرك الأصغر: هو ما أتى في النصوص أنه شرك، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر، وعرفه ابن سعدي رحمه الله في كتابه القول السديد، الشرك الأصغر قال: "كل وسيلة يتوسل بها ويتطرق بها إلى الشرك الأكبر، بشرط ألا يبلغ مرتبة العبادة، كالحلف بغير الله، والرياء والتصنع للمخلوقين، ونحو ذلك من الأقوال والِأفعال المؤدية إلى الشرك" انتهى كلامه في كتابه القول السديد.

وقال آخرون عن الشرك الأصغر: كل ما نهى عنه الشارع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر، ووسيلة للوقوع فيه، وجاء في النصوص تسميته شركاً، مثل حديث: « مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ »([13])، رواه أحمد والترمذي وهو في صحيح الجامع، وحديث: « مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ »([14])، هذا الشرك الأصغر، أيضاً حديث رواه أحمد وهو في صحيح الجامع الصغير، وحديث: « إنّ الرُّقى والتَّمائِم والتُّوَلَةَ شِرْكٌ »([15])، رواه أحمد وأبو داود وهو في صحيح الجامع الصغير.

قال ابن حجر: "التولة هو دربٌ من السحر وأن ما كان ذلك من الشرك لأنهم أرادوا دفع المضار وجلب المنافع من عند غير الله"([16]) هذا كلام ابن حجر رحمه الله، والتولة شيء يصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن يعني من السحر.

قال الشوكاني رحمه الله: "التولة شيء يصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن"([17]) يعني من السحر.

أمثلة للشرك الأصغر وصوره، قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنع للخلق والحلف بغير الله وقول الرجل للرجل ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، ويقول وأنا بالله وبك، وما لي إلا الله وأنت"([18]) هذه أمثلة يذكرها ابن القيم رحمه الله.

يقول: "وقول الرجل وأنا بالله وبك ومالي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا، ثم يقول: وقد يكون شركاً أكبر بحسب حال قائله ومقصده"([19]).

ومن الشرك الأصغر ما يكون شركاً أكبر بحسب قائله ومقصده، كما قال ابن القيم فمثلاً الحلف بغير الله من الشرك الأصغر، من شرك الِألفاظ، لكن لو قصد قائله تعظيم غير الله تعالى كتعظيم الله فهذا شركٌ أكبر، فما هي أضرار الشرك الأصغر؟

عموم الوعيد بعدم المغفرة، في قوله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ ٤٨ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵘﵔﵜ ، هذا يدل على خطورة الشرك الأصغر، وهكذا الشرك الأصغر يضاد الإخلاص لا يتم التوحيد إلا بالإخلاص والتبرؤ من الشرك كله ظاهره وباطنه صغيره وكبيره.

من أضرار الشرك الأصغر: أنه وسيلةٌ قد تؤدي بصاحبها إلى الشرك الأكبر.

من أضرار الشرك الأصغر: أنه يبطل ثواب العمل نفسه، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: « أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ »([20]).

القسم الثالث من أقسام الشرك: الشرك الخفي، هو أن يعمل الرجل لمكان الرجل وهو الرياء أيضاً، وهو القسم الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «  أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ »([21])، فسئل عنه فقال الرياء.

إذاً الشرك الخفي يعمل الرجل عبادة ليزيد في عبادته أو يعمل لمكان الرجل، يرائي بعمله الآخرين، والرياء من الرؤية، ومن صوره: أن يحسن العبادة لأجل أن يُرى أنه من المتعبدين، كأن يطيل صلاته أو ركوعه أو يقرأ في صلاته أكثر من العادة لأجل أن يراه الناس، أو يقوم الليل حتى يقال أنه يقوم الليل، أو يتصدق أمامهم حتى يقال متصدق وغيرها من أنواع الرياء وهو الشرك الخفي هنا.

هذا الشرك، الرياء قد يكون محبطاً للعمل من أصله إذا ابتدأ نيته بالرياء ليس عنده رغبة في العبادة، قد يكون محبطاً للزيادة التي زادها في العمل، في العبادة لأجل رؤية الناس له، وقد سمي الرياء شركاً خفياً لأن صاحبه يُظهر أن عمله لله، ويخفي في قلبه أنه لغيره.

والعلاج من الشرك قوله صلى الله عليه وسلم: « الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ وَسَأُدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتَهُ أَذْهَبَ عنْكَ صِغَارَ الشِّرْكِ وَكِبَارَهُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ »([22]).

علمنا مما سبق خطورة الشرك وأن الشرك لظلم عظيم، وعلمنا أيضاً أن المؤمن إذا حقق التوحيد خاف من الشرك بأنواعه، فعلينا العناية بتصحيح التوحيد لمعرفة التوحيد وأنواعه، فإذا تحقق التوحيد عند العبد خاف من الشرك بأنواعه، وإذا خاف من الشرك كان حريصاً على البعد من الشرك، أثمر خوفه من الشرك ثمرات كثيرة، ولابد من العناية بمعرفة الشرك وخطورته، وأنواع هذا الشرك.

هذه كتابة ذكرنا فيها: تعريف الشرك، وفائدة معرفة الشرك، وحقيقة الشرك، وأقسام الشرك وأمثلة على هذه الأقسام، نسأل الله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحب ويرضى، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 


 

([1]) تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 648)

([2]) مسند أحمد مخرجا (39/ 43)، رقم: 23636

([3]) تهذيب اللغة للأزهري- المجلد العاشر.

([4]) الاستقامة (1/ 344)

([5]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 136)

([6]) تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 279)

([7]) مجموع الفتاوى (14/ 363)

([8]) تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 889)

([9]) صحيح البخاري (4/ 199)  كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي

([10]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء (ص: 214)

([11]) الفروق اللغوية للعسكري (ص: 228)

([12]) الرياض الناظرة (ص: 232)

([13]) مسند أحمد مخرجا (9/ 276)

([14]) مسند أحمد مخرجا (28/ 637)

([15]) الجامع الصغير وزيادته (ص: 2512، بترقيم الشاملة آليا)

([16]) فتح الباري لابن حجر (10/ 196)

([17]) نيل الأوتار للشوكاني المجلد الثامن (ص:212)

([18]) الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (1/ 371)

([19]) مدارج السالكين لابن القيم، المجلد الأول، (ص:344)

([20]) صحيح مسلم (4/ 2289)، رقم: 2985

([21]) مسند أحمد مخرجا (39/ 43)

([22]) الجامع الصغير وزيادته (ص: 6044، بترقيم الشاملة آليا)