اغتنم رمضان


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد؛

 فنلتقي وإياكم أيها الإخوة والأخوات في كلمة بعنوان: "اغتنم رمضان".
 هذا الشهر شهر رمضان غنيمة كبيرة، وفرصة ثمينة لمن أدركه، والعاقل إذا فتحت له أبواب الخير والطاعة لم يفرط فيها، وحرص على المبادرة لطاعة ربه ومولاه، ولشرف هذا الشهر شهر رمضان فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بقدومه مبينا فضائله وما أعده الله فيه للصائمين والقائمين من الأجر العظيم والثواب الجزيل، فقال عليه الصلاة والسلام: «
أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»([1]) ، ونبينا عليه الصلاة والسلام أوصانا باغتنام الأوقات والحياة في طاعة الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»([2])، وحذرنا عليه الصلاة والسلام من الاغترار بالدنيا وطول الأمل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ، فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»([3]) ، فالإنسان الحازم هو الذي ينتهز الفرص ويأخذ بالجدّ والاجتهاد، فينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستقبلوا هذا الشهر بالعزم على الخير مع النية الصالحة والإخلاص لله تبارك وتعالى، كما قال سبحانه: ﵟوَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَﵞ ﵝالبَيِّنَة : ﵕﵜ ، فالإخلاص لله أساس قبول الأعمال الصالحة، واغتنام هذا الشهر يكون بأداء الركن العظيم من أركان الإسلام فيه وهو الصيام، وأن يكون صوم رمضان إيمانا واحتسابا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([4])، فالإيمان هو التصديق بأن الله شرع هذا الشيء وأمر به ودعا إليه عباده، والاحتساب هو أن نصومه ابتغاء وجه الله نرجو ثواب الله ونخشى عقابه، فلا نصوم رمضان رياء ولا سمعة، وإنما نصومه لله نبتغي وجه الله وفضله سبحانه وتعالى، فهذا الذي يترتب عليه الأجر العظيم والخير الكبير من ربنا سبحانه وتعالى، ويرجى لمن صام إيمانا واحتسابا على هذا الوصف أن يكفر الله خطاياه، وأن يغفر سيئاته نسأل الله من فضله، والصوم عبادة عظيمة قال النبي صلى عليه وسلم: «قَالَ اللهُ - عز وجل: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَام، فَإنَّهُ لِي وَأنَا أجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإذَا كَانَ يَومُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ  وَلاَ يَصْخَبْ  فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امرؤٌ صَائِمٌ، وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ  فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أفْطَرَ فَرِحَ بفطره، وَإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ»([5])، فالصائم له فرحتان فرحة في الدنيا وفرحة في الآخرة، فرحة الدنيا إذا أتم صوم اليوم وفرح بأنه أدى ما وجب عليه في هذا اليوم من صيامه، ويفرح في الآخرة إذا رأى ما أعد الله له من الثواب والنعيم لقاء هذه العبادة وهي صوم رمضان.

 ومما يدل على شرف الصوم وعلوّ منزلته ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أحدٌ غَيْرُهُمْ، يقال: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ»([6]) ، وهذا الحديث يدل على شرف الصائمين وتمييزهم عن غيرهم وعلوّ مقامهم عند ربهم تبارك وتعالى، ويدل على عظيم فضل هذه العبادة عبادة الصوم، ونحرص في رمضان على اغتنام أوقاته بتلاوة القرآن الكريم وتدبره، فربنا تبارك وتعالى يقول: ﵟ شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵕﵘﵑﵜ، فيشرع لكل مسلم ومسلمة أن يقبل في هذا الشهر العظيم على تلاوة القرآن الكريم، وتدبره ودراسته ومدارسته في الليل والنهار اقتداء وتأسيا بنبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يدارس جبريل القرآن كل سنة في رمضان وفي السنة الأخيرة دارسه مرتين، فنفعل هذا متقربين إلى ربنا متدبرين كلامه سبحانه وتعالى لننتفع به ونعمل به، كما كان هدي سلفنا الصالح رحمهم الله، فهكذا ينبغي لأهل الإيمان من ذكور وإناث أن يشتغلوا بتلاوة القرآن وتدبره ومراجعته ومعرفة تفسيره والاستفادة في ذلك من كتب التفسير ومن أهل العلم، ومن اغتنام رمضان أن نحرص على صلاة الجماعة في المساجد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صَلاةُ الرَّجُلِ في جَمَاعةٍ تضعفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتهِ وفي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ، لا يُخرِجُهُ إلاَّ الصَّلاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّتْ عَنهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ في مُصَلاَّهُ، مَا لَمْ يُحْدِث، تقولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلاَ يَزَالُ في صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ»([7]) ، فهذا الحديث فيه فضل عظيم من الله تبارك وتعالى بأن العبد المسلم تكتب له حسنات وتحط عنه خطيئات وترفع له درجات بذهابه إلى المسجد وجلوسه فيه وانتظاره للصلاة، وكذا في جلوسه ومكثه بعد صلاة إذا أتى بالأذكار الشرعية أو قرأ شيئا من القرآن أو ذكر الله تبارك وتعالى فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، والملائكة تصلي عليه وتدعو له ما دام في مصلاه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، والحديث دل أن السنة لمن خرج إلى الصلاة أن يتطهر في بيته فيخرج من بيته متوضئا قاصدا أداء الصلاة، فهذا فيه الأجر الكبير من ربنا تبارك وتعالى، وكذا المرأة تحرص في بيتها على أداء صلاتها في وقتها بشروطها وأركانها، ومن اغتنامنا لشهر رمضان أن نحرص على القيام وعلى صلاة التراويح كاملة مع الإمام، فيحرص المسلم على أن يؤدي هذه الصلاة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([8]) ، فصلاة التراويح قربة وعبادة عظيمة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي، ثم في خلافة عمر رضي الله عنه جمع الناس على إمام واحد، فجمعهم على أبيّ بن كعب رضي الله عنه فصار يصلونها جميعا، فدل ذلك على أن قيام رمضان جماعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي سنة الخلفاء الراشدين من بعده، وفي ذلك أمور كثيرة من الخير من اجتماع المسلمين على طاعة ربهم، واستماعهم لكتاب الله، وما قد يستمعون له من المواعظ والنصائح في ليالي رمضان، ومن اغتنامنا لرمضان أن نحرص على أداء السنن الرواتب، ونستكثر من النوافل، فكل مسلم ومسلمة في رمضان ينبغي أن يجتهدوا في تكميل صومهم الواجب ويزيدون ذلك بالأعمال الصالحة والسنن المستحبة حتى ينالوا عظيم الأجر والثواب من ربهم تبارك وتعالى، فيعتقهم من النار كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: : « وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ»([9])، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أبْوَاب الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»([10])، فهذا الإخبار من نبينا صلى الله عليه وسلم يشعر المسلم والمسلمة أنه ينبغي لهم أن يجتهدوا بمزيد من الاجتهاد في طاعة الله، فإنه مع دخول رمضان تفتح أبواب الجنة تعظيما وتكريما لشهر رمضان، وحثا لنا على الإقبال على طاعة الله والازدياد من عمل الخيرات، وتغلق أبواب النار وفي ذلك حث لنا على البعد عن المعاصي والذنوب والمنكرات والفواحش، وتغل الشياطين فلا تصل إلى ما كانت تصل إليه من إضلال الناس وإغوائهم وتزيين المنكرات لهم، ونغتنم رمضان بالصدقة والجود والإحسان فرمضان شهر جود وكرم وإحسان، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، فنبينا عليه الصلاة والسلام كان أجود الناس، كان يجود بماله وعلمه ودعوته ونصحه، وكان يحرص على الجود بكل ما ينفع الناس، وكان يزداد جوده عليه الصلاة والسلام في رمضان لأن رمضان شهر الجود والله تعالى يحب الجود، فكان عليه الصلاة والسلام حين يلقاه جبريل أجود وأسرع بالخير من الريح المرسلة، ومن اغتنام رمضان والجود فيه الحرص على تفطير الصائمين، قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِهِ، غَيْرَ أنَّهُ لاَ يُنْقَصُ مِنْ أجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ»([11])، فهذا فيه فضل عظيم لتفطير الصائمين، وأن المسلم الذي يفطر الصائمين يكون له مثل أجر الصائم سواء حصل هذا الفطر على شيء من التمر أو الرطب أو الماء أو اللبن أو غير ذلك مما يتيسر، فيستحب لنا أن نتعاون في هذا الأمر وأن يحرص كل غني مقتدر على إعانة إخوانه من الفقراء والمساكين، وتقديم ما يفطرون عليه لهم من باب الإحسان والتعاون على الخير ففيه الفضل العظيم من ربنا تبارك وتعالى، ونغتنم رمضان بالتوبة والاستغفار وذكر الله تبارك وتعالى، فرمضان فرصة عظيمة للتوبة والاستغفار من الذنوب وتركها والإقلاع عنها، فعلينا أن ننتهز هذه الفرصة ونكثر من التوبة والاستغفار، وإذا وقع ظلم منا لأحد علينا أن نطلب منه العفو والمسامحة، وأن نتحلل منه هذه الأمور حتى نقبل على عبادة ربنا وقد ذهبت عنا هذه الأشياء، ومن اغتنام رمضان أن نكثر من الدعاء ونتضرع لربنا تبارك وتعالى، فنكثر من دعاء الله في رمضان لأن الدعاء في رمضان له خصوصية، فالصائم كما جاء في الحديث لا ترد دعوته إذا أخلص في صيامه، قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم ودعوة المظلوم ودعوة المسافر»([12]) ، وقد قال ربنا تبارك وتعالى لما ذكر آيات الصوم ذكر فيها قوله تبارك وتعالى: ﵟ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨٦ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵖﵘﵑﵜ ، هذه الآية ذكرت ضمن آيات الصوم مما يدل على خصوصية الدعاء في الصوم وفي شهر رمضان، فمن دعا ربه بقلب حاضر مقبل مع الدعاء المشروع الذي جاء به الشرع، ولم يحصل مانع من موانع إجابة الدعاء كأكل الحرام فإن الله قد وعده بالإجابة وتحقيق مطلوبه وتيسير أموره، فلهذا قال الله عز وجل: ﵟفَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨٦ﵞ، فيحصل من يدعو الله عز وجل على الهداية بالرشد والعمل الصالح والإيمان ويزول عنه الغي والضلال، فهكذا ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يقبل في رمضان بالدعاء وأن يغتنم أوقات هذا الشهر الشريف بالدعاء والسؤال والإلحاح لله تبارك وتعالى، وأن يعتني بشروط الدعاء وآدابه وأسباب الإجابة راجيا من الله أن يكون من الفائزين بثواب الله عز وجل  الناجين من عذابه، فإن الله عز وجل له عتقاء من النار وذلك كما جاء في الحديث في كل ليلة من ليالي رمضان، ومن اغتنام رمضان أن نغتنمه في حسن الخلق والعفو والمسامحة، فنبينا عليه الصلاة والسلام قال: « فَإذَا كَانَ يَومُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امرؤٌ صَائِمٌ »، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث: « وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ»([13])، يعني الصوم وقاية من الذنوب والمعاصي ومن سوء الخلق، وقال عليه الصلاة والسلام: : «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»([14]) ، هكذا المسلم والمسلمة يحرصوا على أن يكون للصوم أثر في سلوكه وأفعاله وأقواله وأخلاقه وتعامله مع الناس القريب منهم والبعيد كذلك، فلا يبادر الناس بالسوء ولا يؤذي أحدا بالقول أو الفعل وإذا حصل أذى من أحد عليه فإنه يذكر نفسه وغيره فيقول: إني امرؤ صائم أو إني صائم حتى يذكر نفسه وغيره أن الصوم له حرمة وله آداب عظيمة وله ثمرات كريمة ينبغي أن نحرص على سلوك طريق الصوم الصحيح حتى ننال هذه الثمرات وحتى لا نكون ممن أتعب نفسه بمجرد الاقتناع عن الطعام والشراب دون أن ينال حقيقة ومقصود الصوم، والمسلم في جانب خلقه وعفوه وتسامحه ينبغي أن يتفقد أهله وأقاربه وأرحامه وجيرانه، فيبذل لهم المعروف والخير ويحرص على الإحسان إليهم وإن وجد شيء من أسباب الشحناء والقطيعة والبغضاء بينه وبينهم فليحرص على إزالتها وخاصة ونحن في هذا الشهر العظيم، ويحرص على تقديم العفو والتغافل والمسامحة حتى تبقى المودة بينه وبينهم، وتزول القطيعة الوحشة وتحل محلها الألفة والرحمة والمودة، وكذلك يعتني المسلم في رمضان كما في غيره ببر والديه وصلة أرحامه، فبر الوالدين من أعظم الفرائض ومن أعظم الواجبات، والله عز وجل ذكرها في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، فقال سبحانه: ﵟوَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵓﵒﵜ، ولما سئل النبي عليه الصلاة والسلام قيل يا رسول الله: أي العمل أفضل؟ قال: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قيل: ثُمَّ أي؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ»، قيل: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سبيلِ الله»([15]) ، وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» - ثلاثًا - قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُول الله، قَالَ: «الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ  الوَالِدَيْنِ»، وكان مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: «ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ»([16]) ، فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحرص على بر والديه ويحسن إليهما مع الرفق بهما والأدب معهما في القول والعمل والحرص على طاعتهما بالكلام الطيب والفعل الطيب وهذا في رمضان وغيره ولكن ينبغي العناية به أكثر في رمضان خاصة إذا وجد شيء من الخلاف بين الأبناء والآباء والأمهات، أو بين الأهل والأقارب فينبغي الحرص على إزالته حتى يتفرغ الإنسان لطاعة ربه، ويكون سليم الصدر من هذه الأمور التي قد تشغل باله وذهنه، وكذلك يعتني المسلم والمسلمة بأسرهم فيعتني الأب بأسرته والأم بأسرتهم وبأبنائهم وبناتهم، ومن ذلك في رمضان أن نعلمهم أحكام الصيام المهمة ونشجعهم ونرغبهم بالقيام بالصيام ما استطاعوا، وإذا أطاقوا ذلك ونرغبهم بقيام رمضان ونشجعهم على تلاوة القرآن، ونبين لهم خطورة تعمد الفطر في رمضان خاصة إذا اقتربوا من سن البلوغ، ونبين لهم أن تعمد الفطر في رمضان منكر عظيم وكبيرة من كبائر الذنوب، ومن اغتنامنا لرمضان أن نحرص على العمل الصالح وعلى ما يقربنا إلى ربنا تبارك وتعالى، وأن نحذر مما يضيع ذلك مما يضيع العمر ويذهب الوقت دون فائدة، فنحن في موسم عظيم لكسب الأجور والحسنات ينبغي ألا نضيعه فيما لا فائدة فيه، وكذلك لا يضيع فيما فيه ضرر وفيما فيه ذنوب ومنكرات ومعاصي حتى لا يكون صومنا لا فائدة منه ترجى، أو لا فائدة كبيرة منه يكون مجرد تعب ونصب كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر» ([17]) .

 ومع اقتراب العشر الأواخر من رمضان ينبغي أن نغتنمها إذا يسر الله عز وجل لنا بلوغها نغتنمها فنجتهد في العشر الأواخر وفي ليلة القدر، ونحرص على الاعتكاف إن تيسر، فنبينا صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»([18]) ،  وقالت رضي الله عنها: «إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ تَعَالَى»([19]) ، فنحرص على هذه العبادات العظيمة ونزيد في اجتهادنا لربنا تبارك وتعالى مع العشر الأواخر من رمضان، ونكثر فيها من الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قالت: يَا رسول الله، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنّي»([20]) ، ونتذكر قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([21]) ، فنحرص ويحرص كل مسلم ومسلمة على أن نقوم في العشر الأواخر، ونجتهد حتى ندرك ليلة القدر وننال فضلها مؤمنين بالله عز وجل وبما أعد من الثواب  للقائمين في هذه الليالي العشر وفي ليلة القدر محتسبين للأجر، طالبين الثواب من ربنا الكريم تبارك وتعالى، متذكرين ما جاء في ليلة القدر أنها أنزل فيها القرآن، واعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو لطلب هذه الليلة العظيمة في العشر الأواخر  فهي ليلة خير من ألف شهر يكثر فيها نزول الملائكة بالخير والبركة ويكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب نسأل الله من فضله، ومن اغتنام رمضان أن نحرص على أداء العمرة في رمضان لمن تيسر له، فعن ابن عباس ﭭ عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُمْرَةٌ في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً - أَوْ حَجَّةً مَعِي»([22]) ، فهذا فضل عظيم للعمرة في رمضان مع ما للعمرة من فضل طوال العام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةَ»([23]) ، فمن استطاع وتيسر له أن يؤدي العمرة في رمضان فليحرص على ذلك، وليبادر إلى هذه الطاعة العظيمة والفرصة الكبيرة.

 وقبل الختام أذكر نفسي وإخواني بمقصود الصوم وهو تحقيق التقوى لله تبارك وتعالى، قال ربنا سبحانه: ﵟ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵓﵘﵑﵜ، فذكر ربنا تبارك وتعالى مشروعية الصوم والحكمة من ذلك فقال: ﵟ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٨٣ﵞ،  أي: حتى تنالوا التقوى وتزدادوا من تقواكم لربكم تبارك وتعالى، فالصوم من أكبر الأسباب المعينة على تقوى الله عز وجل لأن فيه امتثالا لأمر الله عز وجل واجتنابا لنواهيه، فالصائم يترك ما حرم ربه عليه من الطعام والشراب وسائر المفطرات التي تميل نفسه إليها، يترك ذلك تقربا إلى الله عز وجل ويتركه راجيا ثواب الله عز وجل، فهذا من تقوى الله، والصوم يضيق مجاري الشيطان فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وبالصيام يضعف نفوذه فتقل المعاصي من الإنسان ويزداد في طاعة ربه تبارك وتعالى، والصائم يغلب عليه كثرة الطاعات لله عز وجل، وفعل الطاعات من علامات الخير ومن أعمال أهل التقوى.

 فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا تقواه، وفي الختام نحمد الله تعالى على نعمة بلوغ هذا الشهر العظيم المبارك، فلنحرص فيه أيها الإخوة والأخوات على الجد والاجتهاد سائلين الله جل جلاله أن يعيننا فيه على الصيام والقيام وفعل الطاعات والقربات.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


 

([1]) رواه ابن ماجه (1644)، والنسائي (2106).

([2]) رواه الحاكم (7846)، وهو في صَحِيح الْجَامِع (1077).

([3]) رواه البخاري (6416).

([4]) رواه البخاري (38)، ومسلم (175).

([5]) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151).

([6]) رواه البخاري (1896)، ومسلم (1152).

([7]) رواه البخاري (647)، ومسلم (649).

([8]) رواه البخاري (37)، ومسلم (759).

([9]) رواه ابن ماجه (1642)، والترمذي (682).

([10]) رواه البخاري (1899)، ومسلم (1079).

([11]) رواه ابن ماجه (1746)، والترمذي (807).

([12]) رواه البيهقي في شعب الإيمان (3323)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3030).

([13]) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151).

([14]) رواه البخاري (1903).

([15]) رواه البخاري (2782)، ومسلم (137).

([16]) رواه البخاري (2654)، ومسلم (143).

([17]) رواه ابن ماجه (1690)، وصححه الألباني.

([18]) رواه البخاري (2024)، ومسلم (1174).

([19]) رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172).

([20]) رواه ابن ماجه (3850)، والترمذي (3513).

([21])) رواه البخاري (1901)، ومسلم (760).

([22]) رواه البخاري (1863)، ومسلم (1256).

([23]) رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349).