إسقاط هيبة العلماء والأمراء


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى صحابته الغرّ المحجلين، ومن سار على نهجهم من التّابعين، والعلماء المعتبرين، أما بعد:

فإنه لم يَعُد خافياً على ذي لبٍّ ما في الفِرَقِ المتطرفة من خطر على البلاد والعباد، من تفرقات، وتنازعات وفساد، وما من بدعة ظهرت إلا أذن الله بقطعها كما قال العلامة المالكي سحنون رحمه الله: “أما علمت أن الله إذا أراد قطع بدعة أظهرها“([1]).

 إلّا أنه كلّما قُطع قَرْنُ بدعة ظهر غيره فيتصاعد الثاني بعد تراجع الأول، فينبت القرن الثاني حال اشتغال أهل العلم والحُكْم بقطع القرن الأول، متظاهراً بمحاربة البدعةِ التي قبلها، بطرق وأساليب غير نافعة، أو بموالاة من أراد قطعها لأغراض ومقاصد زائلة، وهكذا الباطل بأنواعه كلّما ظهر منه قرن قطع على أيدي العلماء أو الأمراء، وإن الناظر في الساحة الدّعوية اليوم يجد تيارين متصاعدين:

التيار الأول: تيار يريد إسقاط العلماء، متمثلاً في المناهج العَلمانية.

التيار الثاني: تيار يريد إسقاط الأمراء، متمثلاً في المناهج الإخوانية.

فأهمّ هدف يسعى إليه التيار الإخواني إسقاط هيبة الأمراء بالطعن فيهم وتشويه صورتهم، وملء قلوب الرعية عليهم بالكراهية والحقد، والقيام عليهم بالمظاهرات والثورات والخروج ؛ مما يؤدي إلى حلول الفتن في البلاد والفساد على العباد، وإنه -ولله الحمد- قد أُخمدت مرحلة الإخوان المسلمين العلنية بردود العلماء عليهم، وقمع الحكام لهم، فنبت على إثر التيار الإخوانيتيار يريد إسقاط العلماء بالتقليل من شأنهم حتى تقلّ هيبة الدين والتدين في قلوب المجتمعات؛ فيدخلها التسيب والتمرد والانحلال؛ وذلك عن طريق الطعن في العلماء، وإظهارتناقضهم فيما يسوغ فيه الخلاف، ورمي العلماء بالتّشدد فيما لا تشدد فيه، واتهامهمبالانتساب إلى الإخوان أو أن طريقتهم مشابهة لهم، دون تفريق بين علماء الحق وعلماء الباطل، وباستغلال ما أحدثه الإخوان من فساد لضرب علماء الدين المعتبرين، وبرمي من يتبع العلماء بأنهم يقدسونهم وطاعتهم لهم مطلقة، وبالتشكيك في بعض المسلمات الدينية بإبراز الأقوال الضعيفة، وبالجرأة على بعض السنن النبوية بأنها تَخَلُّف ورجعيّة ! وبقولهم الدّين لبّ مكانه القلب، لا قشور في الظاهر!، وأخيرًا بتجرؤهم على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم بأنهم أول من تشدَّد في الدِّين، ومنهم من أراد أن يبتكر رهبانيَّة يبتدعها كما فعل النصارى!!

  • وهذا التيار يفتح على المجتمعات بابين خطيرين:

الأول: فتح الباب لفكرة غربية مرفوضة عقلاً، وفطرة، وعادة، وعرفاً، وشرعاً ألا وهي فصل الدّين عن الحياة.

الثاني: فتح الباب للتيار الإخواني بالتصاعد مجددًا بعد أن وفق الله ولاة الأمر لهدم أركانه.

فإذا استشعر العاقل حقيقة وجود هذين التيارين وخطرهما في إسقاط العلماء والأمراء؛ فليعلم أنه لا قيام للوطن أو الدول، ولا أمن فيها، ولا سعادة إلا بالتزام الدين السمح الحنيف، والسمع والطاعة لحكام المسلمين بالمعروف، ولا يكون ذلك إلا عن طريق توقير العلماء المعتبرين المعتدلين، وتعظيم حكام المسلمين لأنهما حبلا النجاة -بإذن الله-، فالدولة كالجسد عقلها الحكيم المدبّر الأمراء، وقلبها النابض الموجه العلماء، وروحها الإسلام، ولا قيمة لجسد بلا قلب أو عقل، ولا حياة لجسد بلا روح.

ولهذا جاءت الأدلة الشرعية آمرة بتمكين الدين وسؤال أهل العلم، والمحافظة على الوطن ولزوم الجماعة والارتباط بالقادة.

 فقال -جل وعلا-في بيان وجوب تمكين الدين: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}([2]).

وقال -سبحانه وتعالى- في بيان تعظيم ولاة الأمر من العلماء والأمراء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}([3]).

وقال تعالى: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}([4]).

وقال تعالى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً}([5]).

وقد قرر المفسر القرطبي المالكي رحمه الله أنَّ أُولِي الْأَمْرِ: أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ، في قول الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا. وهم: الْوُلَاةُ. في قول السُّدِّيِّ وَابْنِ زَيْدٍ([6]).

وما أجمل وأرسخ قولَ ابْنِ المُبَارَكِ رحمه الله: “مَنِ اسْتَخَفَّ بِالعُلَمَاءِ ذَهَبتْ آخِرَتُهُ، وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالأُمَرَاءِ، ذَهَبتْ دُنْيَاهُ“([7]).

 ومن فضل الله علينا أن حكامنا يحبون الدّين وعلماءه المعتدلين، بل إن الشيخ زايدَ حكيمَ العرب -رحمه الله-ربَّى أبناءه على حبّ الدين وتوقير علمائه، يقول رحمه الله: “نحن وراء مشايخنا وعلمائنا وما هم عليه من كتاب الله وسنة رسوله، لا على شيء ثان، نستنير بطريقتهم وأحكامهم“.

  • ومما ينبغي أن يدركه كل عاقل أن المخلصين لدينهم والأوفياء لدولتهم:

  • لا يرحبون بتيارٍ يسقط هيبة حكامنا ودولتنا، يهدف إلى زعزعة الأمن وحلول الفتن.

  • ولا يرغبون بتيارٍ يسقط هيبة الدين وعلماءه المعتدلين، يهدف إلى فصل الدين عن الحياة وحصره في القلوب والمساجد، يترتب عليه الانحلال والتمرد، وفتح باب الأفكار الغربية المنافية لشرعنا وقيمنا، أو فتح الباب للتيارات ا لإخوانية.

وسنقف –بإذن الله-سدّاً منيعاً أمام هذين التيارين: بنية صادقة، وعزم غير منقطع، وصبر وبصيرة، وتأنٍ وحكمة، وترابط مع ولاة أمرنا، ونهلٍ عن علمائنا.

فاحرص على أن تكون من أبناء هذه الدولة ومن بُناتها، الحامين لها، الرافعين لرايتها، المرتبطين بولاتها، المتمسكين بدينهم، ولا تلتفت لدعاة السوء ممن يحمل راية تيار إسقاط هيبة العلماء والأمراء من العلمانيين الظلاميين، والإخوان المسلمين السرابيين.

 

 


([1]) ترتيب المدارك للقاضي عياض (1/354).

([2]) النور:55

([3]) النساء:95

 ([4])النَّحْلِ: 43

 ([5]) النساء:83

 ([6]) تفسير القرطبي (5/291).

([7]) سير أعلام النبلاء الذهبي (8/408)