مصاحبة الصالحين وفائدتها


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

     الحمّد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

صحبة الأخيار من علامات الأَبرار، وصحبة الأخيار والصالحين من دين الإسلام، وصحبة الأخيار من الولاء للمؤمنين، وموالاتنا للمؤمنين تفرض علينا أن نصاحبهم، فمصاحبة الصالحين من المواضيع العقديّة.

وينبغي أن يتذكر المسلم قولَه تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا 27 يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا 28 لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولً)[الفرقان:27-29]

وعند مصاحبتك للأصدقاء تذكَّر قولَهُ تعالى: (الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف:67]

وإذا أردت أن تلازم صديقاً وصاحباً فتذكّر قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي) ([1])

وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (عليكم بالإخوان فإنّهم عّدة في الدنيا والآخرة، ألا تسمعوا إلى قول أهل النّار: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ 100 وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)[الشعراء:100- 101]

ولابد من التحرّي لاختيار الأصدقاء قال عليه الصلاة والسلام: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدُكم من يخالل) ([2])

قال علقمة: ( اصحب مَنْ إنْ صَحبتَهُ زانَك، وإن أصابتك خَصاصةٌ عانك، وإن قُلتَ سدَّد مقالك، وإن رأى منك حسنةً عدَّها، وإن بدت منك ثُلمةٌ سدَّها، وإن سألته أعطاك، وإذا نزلَت بك مهمَّةٌ واساك ).([3])

وقال بعض العلماء: (لا تصحب إلا أحد رجلين: رجلٌ تتعلم منه شيئاً في أمر دينك فينفعك، أو رجل تعلمه شيئاً في أمر دينه فيقبل منك، والثالث فاهرب منه)([4]).

وقال محمد بن واسع: (ما بقي في الدنيا شيءٌ ألذ ّبه إلا الصّلاة جماعة، ولُقيُّ الإخوان)([5]).

وروى عن مالك بن دينار قال: (لم يبق من روح الدنيا إلاّ ثلاث: لقاء الإخوان، والتهجّد بالقرآن، وبيتٍ خالٍ يُذكر اللهُ فيه) ([6]).

وقال سعيد بن المسيب كما في شعب الإيمان للبيهقي: (كتب إليَّ بعضُ إخواني من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (عليك بإخوان الصدق فكن في إكتسابهم فإنهّم زينةٌ في الرَّخاء، وعدّةٌ عند عظيم البلاء)([7]).

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه وروي عن الشافعي أيضاً معناه: (لولا القيامُ بالأسحار، وصحبةُ الأخيار، ما أخترت البقاءَ في هذه الدار)([8])

وروى الشيخان عن أبي موسى أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (إنّما مثلُ الجليسُ الصالحُ والجليسُ السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمّا أن يُحذيَك، وإمّا أن تبتاع منه، وإمّا أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكيرِ إمّا أن يحرق ثيابك، وإمّا أن تجد منه ريحاً خبيثه) ([9]).

قال النووي في شرح مسلم (16/178): (فيه فضيلُة مجالسة الصالحين، وأهل الخير، والمروءة، ومكارم الأخلاق، والنهيُ عن مجالسةِ أهلِ الشرِّ، وأهلِ البدع).

وقال ابن حجر في شرح الحديث (4/324): (وفي الحديث النهيُ عن مجالسةِ من يُتَأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيبُ في مجالسةِ من يُنْْتَفَعُ بمجالسته فيها)

وأهم الفوائد مجالسة الصالحين :

1- غفران الذنوب في مجالس الصالحين:

روى الشيخان من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن للّه ملائكةٌ يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلمّوا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ ثم ذكر الحديث بطوله وفي آخره قال: فيقول الله: فأشهدكم أني قد غفرت لهم: فتقول الملائكة: فيهم فلان عبدٌ خطّاءٌ، إنّما مرَّ فجلس معهم، قال: فيقول: هم الجلساء لا يشقى جليسُهم)) ([10])

 وفي لفظ ((فيقول: وله غفرتُ، هم القومُ لا يشقى بهم جليسهم)) ([11])

قال القرطبي في تفسيره لآية: (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)[الكهف:18]: (إذا كانَ بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء فما ظنّك بالمؤمنين المخالطين للأولياء والصالحين)([12]).

 

ومن الفوائد وثمرات مجالسة الصالحين:

2- تعلّم العلمَ الشرعي، ورفع الجهل، وإيجاد المنهج والسير عليه:

 فمصاحبة الصالحين تورثُ التحمّسَ لطلب العلم، وتساعُد على فهم الحلال والحرام، وتُعين على التفقِّه في الدين، وفهم سنّة سيّد المرسلين.

3- الحماسُ للطاعات :

 فالذي يصاحب الصالحين إذا رأى قيامَهم تحمّس، وإذا رأى صيامهم صام، وهكذا.

ومن الفوائد:

4-التعاون على الدعوةِ إلى الله تعالى، وتعلّم فن الدعوة.

5-الحماية من الانحراف:

 فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

6- أن الجليس الصالح يبصِّرُك بعيوبك، ويدلُّك على أوجهِ الضعف عندك.

 ولذلك شبّة النبيُ صلى الله عليه وسلم المؤمنَ في كونهُ مبَصِّراً لأخيه بعيوبه بالمرآة التي يرى فيها الإنسانُ عيوبه الظاهرة، فقال عليه الصلاة والسلام: (المؤمن مرآةُ أخيه) ([13]).

وقال الحسن: (المؤمنُ مرآةُ أخيه، إن رأى فيه مالا يعجبه سّدده، وقوّمه، وحاطه، وحفظه في السرِّ والعلانية) ([14]).

7- إن الجليس الصالح يصلك بأشخاص آخرين فتنتفع بهم وتزداد خيراً.

8- عن طريق الجليس الصالح تتعّرف على أخطاءك في العقيدة، والعبادات، والألفاظ، وغيرها.

9- الجليس الصالح يدلّك على أمور الخير، مثلاً: يدلّك على واجبات كنتَ غافلاً عنها. 

 ويرشدك إلى كثير من النوافل والتطوعات التى تزداد بها خيراً، وينبّهك على أشياءَ محرّمةٍ كنتَ واقعاً فيها، ويحذّرك منها، ويشجّعك على مشاريعَ متعددةٍ من مشاريعِ الخير والبِرْ .

10- مجالسة الصالح تجعلك تنظر إلى علوّ مكانته في العلم، والعبادة، والدعوة، والسلوك، فيكون ذلك مصلحلةً ومنفعة لك من وجهين:

1-زوال العُجْبُ بالنفس، والعمل حينما ترى من هو خيرٌ منك.

2-أن ذلك يكون سبباً في منافستك في هذه الأوصافِ والأعمالِ، فَتزدادُ حرصاً على تحصيل العلم، والقيام بالعبادة، وتحسين السلوك.

ولهذا قال عثمان بن حكيم: (اصحب مَنْ هو فوقَك في الدين ودونك في الدينا) ([15]).

 11- ومن ثمرات مجالسة الصالحين:

 أنّ المرءَ يذكُر الله تعالى بمجّرد رؤيته للصالحين والأخيار، قال عليه الصلاة والسلام: (أولياء الله تعالى الذين إذا رُؤوا ذُكر الله تعالى) ([16]).

 قال موسى بن عقبة: (إنْ كنتُ لألقى الأخَ من إخواني فأكونُ بلُقِّيهِ عاقلاً أيّاماً) ([17]).

وقال أبو سليمان: (كنتُ أنظُر إلى أخ من أخواني فأعمل على رؤيته شهراً)([18]).

12- إنّك تنتفع بدعائهم لك بظهر الغيب في حياتك، وبعد مماتك، فإن من عادتهم دعاءُ بعضهم لبعض.

 وقد قال عليه الصلاة والسلام: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابٌة، عند رأسه مَلَكٌ موكّل، كلَّما  دعا لأخيه بخير قال الملك الموكّل به: آمين، ولك بمثل) ([19]).

قال عبيد الله بن الحسن لرجل: (استكثر من الصديق الصالح، فإنّ أيسر ما تصيبه أنَ يبلُغَهُ موتُكَ فيدعو لك) ([20]).

13- إن المجالسةَ والمصادقة والزيارة في الله سببٌ لمحبّةِ الله تعالى، كما في الحديث القدسي: (وجبت محّبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ).([21])

 14- ومن ثمرات مجالسة الصالحين أنّها تؤدي إلى محّبتهم في الله، والحبُ في الله له ثمرات عظيمة، منها: حُبُ اللهِ للعبد، وأن الله يظلّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلُّه، فأنه دليل كمال الإيمان عند العبد، وأنه سببٌ لذوق حلاوة الإيمان وطعمه، وغيرها.

15- مصاحبة الصالحين وسيلة لاكتساب الأخلاق الإسلامّية، كالإيثار، والتضحية.

16- تنمية المهارات الكتابية، والخطابّية، والبحث، والتعامل، والتعارف، وخدمة الآخرين، وهذه مهارات مكتسبة.

17- ومن الفوائد والثمرات:

 تكامل الشخصيّة الإسلامية؛ الجانب الفكري، والأخلاقي، والعلمي، والإيماني، والسلوكي، والعاطفي.

18- الفوائد الدنيوية: تحصيل الزوجة، والعمل، والاستعارة، وغيرها.

19- النصرة في الحق، والحماية، والمؤازة، والدفاع.

 فمصاحبـة الصالحيـن ثمارهـا كثيـرة، وفوائدهـا كبيـرة، فليحرص المسلم على مصاحبتهم، والجلوس معهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 


 

 

([2]) أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وصححه النووي في شرح السنة للبغوي 13/70

([3]) بهجة المجالس

([4]) إحياء علوم الدين

([5]) حلية الأولياء (8891)

([6]) الإخوان لابن أبي الدنيا (91)

([7]) شعب الإيمان للبيهقي

([8]) موارد الظمآن لدروس الزمان, (2/ 202).

([9]) أخرجه البخاري (1969) ومسلم (4768)

([10]) أخرجه البخاري برقم (5956) ومسلم برقم (4860)

([11]) فتح الباري 11/208 حديث (6408)

([12]) (10/372) الجامع لأطلاق القرآن

([13]) صحيح سنن أبي داود (3/929 )

([14]) كتاب الإخوان لابن أبي الدنيا صـ131

([15]) الإخوان لابن أبي الدنيا صـ 125

([16]) حسن ... صحيح الجامع (2557)

([17]) روضه العقلاء صـ 92

([18]) شعب الإبمان (8498)

([19]) مسلم عن أم الدرداء حديث (2733)

([20]) الأخوان صـ110

([21]) رواه مالك – صحيح الجامع (4331)